الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتصار -التضبيع- يؤدي إلى التطبيع، ردا على -مقال- -إنتصار التطبيع على التضبيع-

ميمون الواليدي

2020 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إنتصار "التضبيع" يؤدي إلى التطبيع، رد على "مقال" "انتصار التطبيع على التضبيع.
نشر محمد بودهان "مقالا" للتعبير عن فرحه وسعادته الغامرة بإعلان الدولة المغربية التطبيع الرسمي لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني أو ما يسميه هو "دولة إسرائيل". "المقال" غارق في التهافت وملئ بالمغالطات وبدون أي سند نظري أو منهج علمي، اللهم "نظرية الضبع والتوكال" التي خرج منها الكاتب "بالمنهج التضبيعي" حتى إنه ذكر كلمة "ضبع" ومشتقاتها أكثر من 40 مرة. "أطروحة" بودهان إن جاز لنا أن نسمي ذلك أطروحة، هي أن "الحكم الحقيقي في المغرب تعرض للابتزاز من طرف النخبة المثقفة حتى لا يربط علاقات رسمية مع إسرائيل"و أن السبب في هذا الابتزاز هو "التضبيع الذي مارسته النخبة المثقفة لعقود ومنحها قطيعا تهدد بإخراجه للشارع".
يدعي بودهان أن القرار "فاجئه" وأنه "لم يكن ينتظره رغم أن الظروف مواتية للتطبيع". لسنا منجمين ولن نحكم على نواياه، وسنكتفي بالقول أننا على عكسه لم نتفاجأ، وان القرار في نظرنا كان منتظرا خصوصا بعد التطورات الدولية والإقليمية والوطنية الأخيرة، والتي عرفت وطنيا إطلالة بعض "الرؤوس المدافعة عن التطبيع" من جحورها وبعد أن علا صوت أبواق البروبغندا حول "اليهود المغاربة" و "تازة قبل غزة" ......
يقول بودهان أنه لم يتوقع القرار لأن "الحكم الحقيقي بالمغرب، أصبح بفعل الوظيفة "التضبيعية "لقضية فلسطين ضحية ابتزاز يمارس عليه باسمها حتى أضحى شبه رهينة لهذا الابتزاز بحيث لم يكن بإمكانه وضع حد له دون خسائر سياسية ...". نتساءل مع صاحب "المقال"، إذا كان لهؤلاء الذين يتهمهم ب"التضبيع" هذه "القوة لابتزاز" الحكم بخصوص قضية فلسطين، لماذا لم يبتزوه لفض ارتباطه بالامبريالية التي ينادون بمناهضتها يوميا ؟ لم لم يفرضوا "قوتهم" هذه لصالح المعتقلين السياسيين ولصالح التغيير الديمقراطي ولصالح قضايا أخرى ؟ ألا يعرف بودهان بأن حركة عشرين فبراير نفسها التي جمعت هؤلاء مع آخرين في الشارع لم تستخلص من الدولة شيئا وخرجت منها هذه الأخيرة أقوى مما كانت عليه من قبل ؟ صاحب المقال يحاول أن يقدم من يسميهم "المضبعين" أي من يمارسون "التضبيع" على أن شغلهم الوحيد الذي يحدد وجودهم على الساحة السياسية المغربية هو قضية فلسطين، بالنسبة له فالقاعديون همهم الوحيد فلسطين وحزب النهج الديمقراطي همه الوحيد فلسطين، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان همها الوحيد فلسطين ....
بودهان بهذا الكلام يقفز على حقائق تاريخية ووقائع موضوعية لأن هدفه الوحيد هو تحميل أطراف معينة مسؤولية عدم التطبيع الرسمي للدولة المغربية مع الكيان الصهيوني. يقفز على حقيقة أن الدولة "كانت لديها دائما علاقات مع هذا الكيان" وكان لديها مكتب اتصال صهيوني بالرباط دون أن يحرك أحد الشارع ضد هذا الوجود رغم أن معارضيه عبروا دائما عن موقفهم. يقفز على حقيقة أن الموساد متورط في اغتيال المهدي بن بركة وهي جريمة لم نسمع بودهان ينادي بتقديم مرتكبيها من بين من فرح لربط علاقات معهم للعدالة، ناهيك عن أن يطالب بمحاسبة المتورطين المفترضين من بني جلدته. طبعا بودهان لا يهمه دم بن بركة، فهو بالنسبة له من "القوميين المضبعين". يقفز على حقيقة أن "الحكم الحقيقي" كما يسميه هو من يرأس لجنة القدس وليس "القوميين والإسلاميين والقاعديين وغيرهم"، وهو أي "الحكم الحقيقي" عضو في ما تسمى "بجامعة الدول العربية" وما تسمى "منظمة المؤتمر الإسلامي"، وكل هذا لا يد فيه لأي كان من الأطراف السياسية، ونحن رأينا كيف أن العثماني الإسلامي ردد "أن المغرب ضد التطبيع" وبعد أسابيع غير موقفه لأن القرار ليس بيده. بودهان يقفز بالخصوص على حقيقة أن الدولة المغربية "ساعدت" على تهجير اليهود المغاربة الى فلسطين، ما يعني أن وجود مجرم مثل عمير بيريتس في حكومة الصهاينة يرجع فيه الفضل لتهجيره من المغرب.
بودهان نسي أو تناسى أن الكثيرين ممن يدعوهم "المضبعين للناس" دخلوا السجون والمعتقلات وتعرضوا للقتل رميا بالرصاص في الشوارع لمجرد التضامن مع فلسطين، كيف إذن يستقيم ذلك مع إدعاء تعرض الدولة "للابتزاز" ؟ يبقى أن نساءل كاتبنا السعيد بالتطبيع عن موقفه وهو "المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان" من قضية شهداء القضية الفلسطينية أمثال زبيدة خليفة وعبد الرزاق الكاديري ....؟
يتهم خبير "إيديولوجيا التضبيع" من سماها "بالنخبة المثقفة" ب"تغذية المغاربة بمخاخ ضباع المشرق العربي حتى أصبحوا منقادين ومطيعين وتابعين ومصدقين لكل ما تشتم منه رائحة العروبة العرقية". ومرة أخرى، يحاول بودهان تغليط الرأي العام من خلال القفز على حقيقة أن الأجهزة الإيديولوجية كالمدرسة والإعلام وخلافهما تقع في قبضة الدولة، وبالتالي إن كانت هذه الأدوات تمارس تضبيعا ما فالمسئول هو الدولة وليس النخبة المثقفة، خصوصا وان حتى الفئة القليلة من "المثقفين" الذين يسمح لهم بولوج الإعلام وغيره إما توضع لهم خطوط حمراء لا يجب أن يتجاوزوها وإما أنهم يتعرضون للاستقطاب لأنهم يخدمون المصلحة الإيديولوجية للدولة.
الدولة مشرفة على المقررات الدراسية، الدولة هي التي استقدمت المدرسين من الشرق، الدولة مسئولة على التظاهرات الثقافية والفنية، وهذا كله ليس حبا في فلسطين ولا دعما لقضية فلسطين، ولكن لأن الدولة التي يسميها البودهانيون "المخزن العروبي" كانت ترى في ذلك مصلحتها السياسية. وعندما يتناقض الأمر مع مصالحها السياسية فإنها لا تخشى شيئا وتتخذ القرارات دون الخوف مما سماه بودهان "الابتزاز"، كما حدث يوم هدد رئيس الدولة بتلطيخ بيوت من يذكر فلسطين بالبراز، وحدث عند فتح مكتب الاتصال، وحدث عند دعم كامب ديفيد وحدث اليوم بالتطبيع الرسمي للعلاقات. جدير بالذكر أن جزء مهما ممن وجه لهم بودهان سهامه كانوا وقتها يرفعون في الكليات والمعاهد شعار "ثقافة شعبية جامعة موازية"، يوم لم يكن هناك شيء اسمه "الحركة الثقافية الأمازيغية"، بل إن أغلب رموزها اليوم كانوا حينها في تنظيمات اليسار المختلفة والتي كان بعضها يؤمن بالقومية العربية ولا حاجة لنا للتذكير بالأسماء فصاحب المقال على علم.
حسب بودهان، فأن "التضبيع" الذي "مارسته النخبة المثقفة" أدى بالمغاربة إلى "تصديق أن القضية الفلسطينية قضية وطنية"، دون أن يتكبد عناء التفسير لقرائه لماذا اعتبر هؤلاء قضية فلسطين قضية وطنية وربما كان السبب أنه نفسه لم يفهم خلفية هذا الموقف. هذا النوع من التضليل هو الذي يعول عليه بودهان وأمثاله لممارسة "التضبيع الحقيقي" في حق أجيال كثيرة من أبناء المغاربة. من قالوا منذ سنة 1969 إن القضية الفلسطينية قضية وطنية بنوا موقفهم على "حجم الاستثمارات الصهيونية بالمغرب وعلى الارتباط العضوي بين المغرب والامبريالية" وبالتالي اعتبروا أن نضال الشعب الفلسطيني هو رأس الحربة في نضال الإنسانية ضد الصهيونية والامبريالية، وهذا موقف لا علاقة له لا بالإسلام ولا بالقومية العربية، وإن كان البعض بعد ذلك ربط فلسطين بالعروبة والإسلام، وهذا حقه وشانه في أن معا. ولا ننسى هنا أن شعوب أمريكا اللاتينية والشعوب المتقدمة جدا باسكندنافيا وفي كثير من بلدان العالم تتضامن يوميا مع الفلسطينيين دون أن تكون هذه الشعوب إسلامية ولا مؤمنة بالقومية العربية.
بودهان يسمي الكيان الصهيوني ب"الدولة العبرية" وهو مرة أخرى يمارس التضليل لان هذا الكيان يعرف نفسه دستوريا على أنه "دولة يهودية ودولة لليهود"، ولأن صاحب المقال همه تقديم الكيان الصهيوني على أنه "دولة ديمقراطية مدنية" فإنه سيقع في حيص بيص وفي تناقض صارخ يكشفه أمام القراء، لأنه بذلك سعيد بالعلاقة "مع نظام فصل عنصري مجرم".
بودهان الذي اعتبر قرار التطبيع "فتحا تاريخيا"، واستعار في ذلك مفهوم "الفتح" من الإسلاميين و "التاريخي" من أبواق البروبغندا بقنوات الصرف الصحي، بالغ في الحديث عن ال "التضبيع" وكأنه اكتشف شيئا جديدا، ويغفل أن السوسيولوجي الكبير محمد جسوس قال غداة مناظرة إفران "إنهم يريدون خلق أجيال جديدة من الضباع" وكان يقصد الدولة بأجهزتها الإيديولوجية وعلى رأسها التعليم. طبعا بودهان لا يهمه كلام جسوس رغم قيمته الأكاديمية لأنه يعتبره "قوميا ممارسا للتضبيع". بعد سنوات طويلة اتضح أن كلام جسوس كان صحيحا ومبنيا على تحليل علمي، وبالتالي أصبحت لدينا أجيال من الضباع، مظاهرها التفاهة وروتيني اليومي وتسفيه قضايا الشعوب واللامبالاة وارتفاع معدلات الجريمة وطبقة سياسية متفسخة وتعليم في الحضيض وهلم جرا. هنا نخلص عكس صاحب المقال، إلى أن التضبيع لم يسقط بل إننا نجني اليوم ثماره، ولنقل قياسا ب"نظام التفاهة" لصاحبه الان دونو باننا حصلنا على "نظام التضبيع" وانتصر "المضبعون كما انتصر التافهون"، وهذا هو الذي أوصلنإ رأسا غلى التطبيع، ليس مع الصهاينة فقط، ولكن التطبيع مع الفساد والقمع والرداءة والضحالة وكل مظاهر الأزمة.
في "مقاله" اورد بودها بعض "الامثلة" الكاريكاتورية المثيرة للضحك، فحشر حشرا النهج الديمقراطي القاعدي في معرض الحديث عن التطبيع، وطبعا هو يلمز من قناة "الحركة الأمازيغية" بأسلوب فج حتى لا أقول شيئا آخر. أولا، بودهان خبير في اللغة العربية، وهو الذي يدعي أن الكثير من الكلمات العربية أصلها أمازيغي كما فعل مع كلمة "فرن". إذن بودهان يعرف جيدا ما تعنيه "ال" التعريف، وعندما يقول "العلم الأمازيغي" فهو يمارس التضليل، لأنه يستعمل التعريف وينسب العلم للأمازيغ، والحقيقة أن العلم المعني هو علم الكونجرس الأمازيغي أو لنقل على الأكثر علم "الحركة الأمازيغية"، لكنه ليس علما أمازيغيا. الأمازيغ لم يختاروه ولم يتم استفتائهم ديمقراطيا وكثير منهم لا يعتبرونه تعبيرا عنهم أو عن هويتهم ، وأي ديمقراطي كما يقدم بودهان نفسه يفترض ألا يمارس الكذب بهذا الشكل. ثانيا، ينسى بودهان أن "الحركة الثقافية الأمازيغية" نظمت "ندوة" بجامعة مكناس بعنوان "هل الماركسية فكر إنساني". إذا لم تكن الماركسية فكرا إنسانيا فإننا لا نعرف ما هو الفكر الإنساني ؟ ولكن أن ينظم هؤلاء ندوة شيء عادي، وأن يرفض القاعديون علم "الحركة الأمازيغية شيء عادي"، والغير عادي هو أن يحشر بودهان الحادثة في الموضوع.
بودهان يؤاخذ على بعض عناصر "الحركة الأمازيغية" دفاعهم عن فلسطين من باب الإنسانية، وهو يرى ألا ضرورة لذكر فلسطين أو التضامن معها ولو من باب الإنسانية. هنا يخرج صاحب المقال "من رونضته" أخيرا، ويعبر صراحة على أن المشكل ليس في القوميين ولا الإسلاميين ولا فلسطين قضية وطنية وإنما المشكلة في أن فلسطين أصلا لا تستحق و أن الأفضل حسب ما يراه لنا هو التوجه "للدولة العبرية". و الحقيقة أن أوراق التوت سقطت في الأسابيع الأخيرة عن بعض من ينتسبون "للحركة الأمازيغية"، فمنهم من فرح بإمكانية السفر لتل أبيب ومنهم من التحق بحزب الأحرار المخزني ومنهم من التحق بحزب أحرضان والعنصر المخزني ..... السيد بودهان سيفهم بلا شك أن هذه التطورات أثبتت بعضا مما كان القاعديون وبعض اليساريين الآخرين يقولونه من زمان، ومن الجيد أن تتوضح الأمور أخيرا.
بودهان في نهاية مقاله تحول من "فرح بالتطبيع" إلى "معاد للتضامن الإنساني" ثم إلى "كاتب فاشي"، حيث طالب وبلا خجل ولا حياء، باعتقال مناهضي التطبيع لأن ذلك حسبه فيه "إخلال للاحترام الواجب للملك". حصحص الحق "وخرج ليها بودهان نيشان"، لم يعد فقط "ممارسا حقيقيا للتضبيع" بل "مدافعا عن القمع والفاشية" . من نتائج "التضبيع" حسب بودهان أن المغاربة أصبحوا يؤمنون "بخرافات مثل النسب الشريف"، يقع بودهان في التناقض ويعرض نفسه للاعتقال الذي طالب به لأنه نسي في غمرة حماسه وفرحه بالتطبيع أن "الحكم الحقيقي" يفتخر بنسبه الشريف. لكننا لن نطالب باعتقال بودهان لأننا عكسه نؤمن بالاختلاف والحق في التعبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا