الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة التقسيم الترابي بالمغرب: نموذج اقليم بولمان

عزيز الديش
باحث في العلوم الاجتماعية جامعة غرناطة - اسبانيا-

(Aziz Ddich)

2020 / 12 / 18
حقوق الانسان


عرفت الساحة المحلية في الآونة الأخيرة بمنطقة بولمان وخلافا لأي وقت مضى نقاشا عموميا مكثفا في موضوع يعد أكثر حيوية وتداولا، يتعلق الأمر ببزوغ دينامية اجتماعية مطالبة بتقسيم ترابي جديد عبر احداث اقليم يضم دائرتي بولمان وايموزار مرموشة , مطلب تدعو الدينامية من خلاله صانعي القرار الى مساءلة مخططاتهم وسياساتهم والى استلهام العبر وتجاوز النقائص والهفوات التي رافقت التقسيمات والمخططات التنموية السابقة ، اعتبارا لمحدودية الحصيلة والنتائج المنجزة واعتبارا لعدم قدرتها على المواكبة والاستجابة لمطالب وحاجيات المواطنين الملحة والمتزايدة.
من الواضح أن الدينامية تتفق على اختلاف مشاربها ومكوناتها بأن الأعطاب المرافقة للتقسيم الحالي للاقليم والتي تؤكدها المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بأزمة الحكامة الترابية التي لا تراعي الخصوصيات المحلية والاحتياجات المجالية ولا تضع في أولوياتها ولوج كل الساكنة على قدم المساواة الى كل الخدمات العمومية.
ومن بين الاخفاقات الكبرى التي لازمت التدبير الترابي والاداري وسياسة اللاتمركزهو استفراد المدن التي تحتضن عواصم الاقاليم على طول وعرض التراب الوطني بالجزء اليسير من الاسثمارات العمومية وبها نجد مستويات النمو البشري والعمراني والاقتصادي مرتفع مقارنة مع باقي المناطق المشكلة للاقليم ,فعلى سبيل المثال لا الحصر وارتباطا دائما بالدينامية محط النقاش فمدينة ميسور العاصمة الحالية لاقليم بولمان رغم أنها تفتقر لمشاريع مهيكلة ورغم أنها ليست بجنة الإقليم لكن وجود العمالة بترابها حقق لها الشيء الكثير فبمقارنة بسيطة لكيف كان واقع حال المدينة نهاية السبعينات وكيف أصبحت الأن ومن خلال استقراء واستنطاق الأرقام والإحصائيات ليتضح لنا حجم ومعدلات الإنفاق العمومي وحجم الدورة الاقتصادية التي خلقها تمركز المصالح والخدمات في نفس المدينة , واقع فيه تغير مهم ناهيك عن حجم التوظيفات التي استفاد منها أبناء المدينة كمركز للعمالة.وكذا خلق نخب اقتصادية .ويكفي أن نأخد أيضا كنمودج تحليل ودراسة أية مؤسسة اقليمية وبوضع خريطة لتوزيع مشاريعها وانجازاتها سيبدو الفرق الشاسع بين عاصمة الاقليم وباقي الهوامش . وبهذا الصدد يكفي أن نشير الى أن معدل النمو السكاني مثلا ببلدية بولمان خلال الفترة الممتدة بين 2004 و 2014 لم يتجاوز 0.28 % بينما في بلدية ميسور وصل الى 2.0 % وللرقم دلالة عميقة على مستوى التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي نفس السياق وبعودتنا الى المنهج العلمي في قياس الأثر, ومن خلال مثال بسيط يمكننا أن نستأنس به ونقيس عليه باقي الامور ويتعلق الامر بفرضيات القيمة المالية للتأثيرات المجتمعية, فمثلا اذا كانت نتيجة انشاء مقر العمالة بمدينة ميسور هي تمكين ساكنة المدينة من امكانية الولوج والقرب من الخدمات ، فيمكن حساب القيمة المالية لهذه النتيجة عن طريق دراسة معدل التكلفة الإضافية المطلوبة لتنقل باقي ساكنة الاقليم لقضاء أغراضهم الادارية بعاصمة الاقليم .
لذا فالدينامية تنادي بحتمية وضرورة الخروج من عنق الزجاجة والحد من الفوارق بين الفئات الاجتماعية والتفاوتات المجالية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقوية الجاذبية والتنافسية الاقتصادية للدائرتين, ولم يكن مبرر وجودها يوما ما مبنيا على نبد أحد ولا مبنيا على نزوعات ذاتية، عصبية، إثنية، عقائدية أو سياسية ولو كان كذلك لما التفت حولها وساندتها فعاليات من مختلف المشارب والتوجهات.
يضل اذن مطلب التقسيم الترابي الجديد مطلبا واقعيا ومشروعا ويتقاطع مع المطالب الاخرى التي تهدف الى تحسين شروط عيش الناس , ويبقى مطلبا ينتصر لقيم العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان ولايدعي لنفسه امتلاك الحل لكل معضلات المنطقة ولا للوطن والانسان فهو مجرد مدخل واسهام نحو تحقيق مستقبل افضل.
فهومطلب مفكر فيه بوعي وموضوعية بعيدا عن العاطفة وكل الاسقاطات الذاتية ومن ناحية تحقيقه لمبدأ الجدوى فمضامين المطلب تخضع في تقديري المتواضع لمعايير التجانس وهو ما سيجعل من سهولة الاتصال و القرب و التناسب و التوازن ميزة لهذا الكيان الترابي الجديد, فنحن لسنا امام مطلب احداث اقليم صغير (micro-province) بل نحن امام احداث وحدة ترابية متكاملة وليس تقسيما نشاز, ولدعم هذا المعطى يمكننا انجاز مقارنة بسيطة لاحصاءيات المندوبية السامية للتخطيط الخاصة بالمساحة والكثافة السكانية للاقاليم بحيث سنلاحظ أن مساحة دائرتي بولمان وايموزار مرموشة تشكل أكثر من :
20 مرة مساحة اقليم مديونة
وضعف مساحة كل من اقاليم الحاجب وسيدي بنور وبرشيد.
ومن ناحية الكثافة السكانية ستلاحظ أن مجموع ساكنة الدائرتين يشكل ما يفوق
44 مرة نسبة الكثافة باقليم أوسرد
10 مرات نسبة الكثافة باقليمي طرفاية والسمارة.
ولنا في هذا المعطى الأخير ما يمنح للمطلب مشروعيته ويخرجه من حيز الاستثناء كما تروج لذلك بعض الجهات, فهناك مناطق استفاذت بمنطق التمييز الايجابي فما المانع اذن من أن تستفيد منطقة بولمان ومناطق أخرى بناءا على خصوصيتها المجالية الوعرة.
أخيرا ومن بين الأمور التي قد يتفق عليها الجميع , أن انشاء اقليم جديد كألية لن يجيب على كل المعضلات ولن يشكل العصا السحرية لحل كل المشاكل والاختلالات ما لم تواكبه اجراءات أخرى وتوجه جديد للدولة نحو اعادة النظر في ازمة الحكامة الترابية وسياسة اللاتمركز الإداري وكذا أزمة سياسة اللامركزية بالمغرب والتي بصيغتها الحالية تحول دون ملاءمة تنزيل السياسات العمومية اعتمادا على خصوصية المجال الترابي واستجابة لحاجياته الملحة. هذه الرغبة هي التي عبرت عنها الدينامية حين اعتبرت هذه الأخيرة مدخلا وألية عبراحداث اقليم جديد برؤية جديدة ومضمون جديد يتجاوز هاجس الضبط الأمني ويتفادى اخطاء التدبير والتقسيمات الترابية الحالية , من خلال : تبنى مبدأ توزيع المصالح الإقليمية ولاتمركزها مجاليا وتوزيعها بشكل عادل ومناسب لخصوصية المناطق المشكلة للإقليم. وباعتماد وسائل فعالة تحقق تقريب الخدمات الأساسية للمواطنين كمبدأ أساسي في التدبير. برمجة وانجاز مشاريع مهيكلة وكذا تقوية أدوار الجماعات الترابية وفتح هامش أكبر للمساهمة المواطنة في تدبير الشأن المحلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3


.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona




.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس


.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف




.. لحظة اعتقال الشرطة أحد طلاب جامعة ييل الأمريكية المتضامنين م