الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلان العالمي لحقوق الانسان ج2

لطيف شاكر

2020 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تنبّهت منظّمة التعاون الإسلامي للانتقادات الموجّهة إلى إعلان القاهرة. فتبعاً لوثيقة نشرتها المنظّمة ، “تمّ الاعتراف بأنّ في [إعلان القاهرة] فجوات وتباينات قانونية ولغوية وتصوّرية تتطلّب مراجعة دقيقة لجعلها أكثر عملية وتمثيلية وأوسع انتشاراً وأكثر قابلية للتطبيق”. وأعادت منظمة التعاون الاسلامي النظر في ميثاقها في العام 2008 وأدخلت تغييرات لإعادة التأكيد على التزامها بحقوق الإنسان. في خلال تلك الفترة،و بدأت المنظّمة بالتقليل من ذكر الشريعة في وثائق حقوق الإنسان التي تنشرها، مشيرةً عوضاً عن ذلك إلى القيم الإسلامية عموماً. على سبيل المثال، في عهد حقوق الطفل في الإسلام للعام 2005، عوّلت منظّمة التعاون الإسلامي على الشريعة، لكن تمّ اعتبار الشرع الإسلامي مجموعةً واسعة من القيم التي تشكّل إيحاء للوثيقة ولم يتمّ استعمالها للحدّ من الحرّيات العالمية. وأخذت خطّة عمل منظّمة التعاون الإسلامي للنهوض بالمرأة للعام 2016 إلى مستوى أعلى، إذ لم تُشِر إلى الشريعة على الإطلاق، بل ذكرت “القيم الإسلامية” عدّة مرّات. فقد نصّت المقدّمة مثلاً أنّ “الخطـة تتيـح لمنظمـة التعـاون الإسلامي اتّخـاذ تدابيـر للقضـاء علـى جميـع أشـكال التمييــز ضــد المــرأة مــن أجــل الحــدّ مــن عــدم المســاواة بيــن الرجــال والنســاء، تماشــياً مـع قيمتـي العدالـة الاجتماعيـة والمسـاواة بيـن الجنسـين”.
والأهمّ من ذلك، أسّست منظّمة التعاون الإسلامي الهيئة الدائمة المستقلّة لحقوق الإنسان في العام 2011. وفي تقييم أجريته قبلاً، استنتجتُ أنّ هذا الجهاز أصبح واجهة خادعة وبات مهتمّاً بحقوق الأقلّيات المسلمة في أماكن مثل فلسطين أو ميانمار أكثر منه بانتهاكات حقوق الإنسان في الدول الأعضاء فيه. ومع أنّ هذا الأمر ما زال صحيحاً، رسّخت الهيئة الخطاب حول حقوق الإنسان داخل منظّمة التعاون الإسلامي وأصبحت حقوق الإنسان محوراً للمناصرة. وفي خلال الاجتماع الأوّل للهيئة الدائمة المستقلّة لحقوق الإنسان في جاكرتا في العام 2012، طلب الأمين العام إحسان أوغلو من هذا الجهاز المؤلّف من 18 عضواً في كلمته الافتتاحية بأن “يراجع مواثيق منظّمة التعاون الإسلامي ويحدّثها، بما في ذلك إعلان القاهرة”. علاوة على ذلك، أعطى مجلس وزراء الخارجية الهيئة تفويضاً واضحاً بمراجعة الوثيقة لكي تتماشى مع “معايير حقوق الإنسان الدولية القائمة والتعاليم الإسلامية المرتبطة بذلك ومبادئ المساواة والعدالة”.

الابتعاد عن الشريعة
من ناحية الأسلوب والفلسفة الضمنية، يميل إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان نحو معايير حقوق الإنسان الدولية أكثر منها نحو إعلان القاهرة. وقد غيّرت منظّمة التعاون الإسلامي العنوان من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام إلى إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان فحسب. ويشير هذا التغيير إلى أنّ القوى داخل المنظّمة أبعدتها عن الادّعاء بأنّها تتحدّث باسم الدين ويسلّط الضوءَ على الطبيعة الحكومية الدولية في منظّمة التعاون الإسلامي ويجعل الإعلان منحازاً بشكل أفضل إلى المواثيق الإقليمية الأخرى لحقوق الإنسان. وعلْمنتْ المراجعاتُ الوثيقةَ عبر حذف أي إشارة إلى الشريعة أو الإسلام.
ولم تكن هذه الخطوات مجرّد تغييرات رمزية لإرضاء نُقّاد إعلان القاهرة أو محاولة إعادة إطلاق صورة جديدة للمنظّمة، بل هي تعكس تحوّلات أيديولوجية في العالم المسلم بدأت تتبلور في أوائل العقد الأوّل من القرن وازدادت وتيرتها بعد الربيع العربي في العام 2011. فقد كان إعلان القاهرة وليدَ نفوذ أوسع للإسلاميين الذين رأوا “أنّ الإسلام هو الحلّ” ولإيران التي رأت في المواجهة السياسية حول مسائل خلافية فرصةً لترسيخ قيادتها المسلمة. لكن في العام 2020 تغيّرت الأوضاع بعكس مصالحها: فقدتْ الإسلامويةُ بريقها في الفكر السياسي المسلم وخسرت إيران موقعها البارز في منظّمة التعاون الإسلامي بسبب الصراع مع القوّة المسيطرة حالياً في المنظّمة .
وحذفت المنظّمة ذكر عبارة الشريعة من البنود التشغيلية، لكنّها أبقت عليها في الديباجة، وأجرت المزيد من التنازلات لإرضاء كلّ جهة . وللحرص على أن تحافظ الدول على سيادتها، أعطت المنظّمة الأفضلية للقانون المحلّي. علاوة على ذلك، شدّدت على القيم التقليدية لترضي المحافظين وأعطت المزيد من التفاصيل عن مجالات التداخل بين إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتُرضي المعتدلين.
نقاط التلاقي ونقاط الاختلاف
يشكّل إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان ابتعاداً مُلفتاً عن إعلان القاهرة وخطوةً أقرب إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولكن مع ذلك، ما زالت هذه الوثيقة لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية في الكثير من النواحي.
بغية جعل إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان مختلفاً عن إعلان القاهرة، حذفت المنظّمة لغةَ التفوّق الإسلامي من الدّيباجة. وصحيفة المدينة هي وثيقة تاريخية يُشار إليها أحيانا بدستور المدينة وتمّ وضعها في أيّام النبي محمّد في العام 622 ويعتبره إعلانُ منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان أقدمَ وثيقة لحقوق الإنسان في الإسلام من أجل إبراز اعتراف العالم المسلم القديم بالحرّيات الأساسية ، على الرغم من أنّها سابقة لعصرها من ناحية التعدّدية والتسامح، لا علاقة لها بحقوق الإنسان. فعوضاً عن تحديد حقوق الأفراد كما هو الحال في دستور ما، الصحيفة هي معاهدة تركّز على الحقوق والواجبات المفروضة على المجموعات والقبائل المُقيمة في المدينة المنوّرة، بما فيها اليهودية، وعلى التزامها بالدفاع الجماعي. علاوة على ذلك، يولي إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان أهمّية أقلّ للشرع الإسلامي، على عكس الإعلان الذي سبقه. وبالفعل، لا تُذكر عبارة الشريعة سوى ثلاث مرّات ويتمّ إبرازها كمجموعة من المبادئ التي يُستلهم الإعلان منها لا أكثر. وعوّضت منظّمة التعاون الإسلامي عن هذا التشديد المخفّف على الشريعة عبر الإشارة بشكل متكرّر إلى القانون الوطني، مُشدّدة على أسبقية سيادة الدولة على الحرّيات العالمية. .
وما زالت منظّمة التعاون الإسلامي غير ممتثلة لعددٍ من المعايير الدولية. مثلاً، يُغفل إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان، على غرار إعلان القاهرة، الكثيرَ من الحقوق، من بينها حقوق التجمّع السلمي وتأسيس الجمعيات والاقتراع العام. ويعكس هذا بديهياً غَلبة الأنظمة السياسية السلطوية في الدول الأعضاء وليس أخلاقيات الشريعة أو فقهها. وتحدّد الوثيقة أيضاً الزواج بين رجل وامرأة، وتطلب من الدول الأعضاء حماية العائلة والزواج، ممّا يبرهن على التأثيرات المحافظة المذكورة أعلاه.
ويشوب إعلانَ منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان تقصيرٌ في مجال حقوق مجتمع الميم (المثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمتسائلين). ففي داخل الأمم المتّحدة قالت منظّمة التعاون الإسلامي مراراً إنّ مجتمع الميم لا يحقّ له بالمساواة أو بالحماية من التمييز وأنّ مطالب مجتمع الميم تقوّض القيم العائلية وتُديم الهجوم الثقافي الليبرالي الغربي على المبادئ الإسلامية بشكل أوسع. ومع التشديد على العائلة والتعريف التقليدي للزواج، يرتكز الإعلان الجديد على هذا الموقف وسيرسّخ عزيمة منظّمة التعاون الإسلامي في المنتديات الدولية. علاوة على ذلك، سيعطي دفعاً للمجموعات المناهِضة لمجتمع الميم في الدول الأعضاء.
بالإضافة إلى ذلك، ليست حرّية التعبير عن الرأي مُدرجة في إعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان، إذ تنصّ الديباجة على الحاجة إلى “حماية حقوق المجتمعات والمحافظة على كرامتها وهويّتها الدينية والثقافية”. وتعكس هذه اللغة جزئياً مخاوف منظّمة التعاون الإسلامي حيال الترهيب من الإسلام في الغرب وجهودها المبذولة منذ زمن لمكافحة القدح الديني في الأمم المتّحدة. لكنّ المنظّمة تطرح قيوداً على حرّية التعبير عن الرأي بشكل يتخطّى خطاب الكراهية، قائلة إنّ هذا الحقّ “لا يجوز استعماله لانتهاك حرمات كرامة الأنبياء والأديان والرموز الدينية أو لتقويض قيم المجتمع الأخلاقية والمعنوية.
ويبرز اختلاف آخر بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان منظّمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان، ألا وهو أنّه على عكس الإعلان الأوّل الذي يطلب من الدولة حماية حقوق الإنسان، يعجّ الإعلان الثاني بإشارات إلى مسؤولية “الدولة والمجتمع”. ويضفي هذا المزيج غموضاً على موضوع أساسي في حقوق الإنسان الحديثة، لأنّ المواثيق والمعاهدات تضع المسؤولية كاملة على عاتق الدول للحرص على أن يحظى الناس في أراضيها وضمن نطاقها بالحرّيات العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا