الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


3 ) سرديات/ التوق الى قمم الجبال من وراء الأبواب الموصدة

دانيال سليفو بتازو

2020 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


مسيرة وأحداث 1984 لشعبنا وللحركة الديمقراطية الآشورية
وفي قسم الأحكام الخاصة، وضِعنا في قاعة المطعم الثاني، ودخلنا وسط صمت مطبق من السجناء، والجميع ينظر الينا بعيون متساءلة تُدقق في تفاصيل وجوهنا وأجسادنا. وفي السجن، تنفسنا الصعداء، أخيراً إنتهت ملحمة الكوميديا السوداء من مُهرّجي محكمة الثورة، مع خسائر لا بد من دفعها لمن لا يريد أن يعيش أبد الدهر بين الحفر. وبدأت ساعة الشروع للإنطلاقة الجديدة لملحمة شعب تواق للتحرر والعيش بأمان في الثُلث الأخير من القرن العشرين. وتفرّغ الجميع للمراجعة والتقييم ونقد الأخطاء لتوفرالوقت وعدم الإنشغال بمسؤوليات الحياة اليومية المُلحة. وكانت أحلامنا وأمانينا تكبر وتجتاز جدران المعتقل الى فضاءات أرحب. وبسبب ملابسات إختلاف الدين وإشكالية المعتقد مع الأغلبية الشيعية، تم تخصيص موقع منعزل في نهاية القاعة، ولكنه كان الأفضل ما في القاعة، ويتكون من أرضية خشبية مرتفعة بمتر تقريباً عن الأرضية الكونكريتية للقاعة، وتجري تحته الجرذان والصراصير بحرية وينتعش فوقه القمل وأُرُضة الخشب وحشرات الأِسِرة والبطانيات، وكان هدفنا في الأيام والشهورالأولى التعريف بقضيتنا لزملائنا السجناء من الشيعة وأغلبهم من حزب الدعوة الإسلامية والحزب الإسلامي ( الإخواني ) وللشيوعيين وللأكراد من جميع قاعات وأقسام السجن ( الأحكام الخاصة ). وكانت المواجهة الأولى وما تلاها من زيارات من قبل الأهل والأقارب والأصدقاء، بمثابة مهرجان مملوء أجواءه بالعواطف والمشاعر النقيّة الأصيلة غمرت الأجواء. وأغلبهم من المساندين والعاملين والداعمين للحركة, وسميتهم حينذاك ( العاملون في الخطوط والخنادق الخلفية ) لأنهم أوصلوا لنا آخر أخبار الحركة، وحينما فارقونا في المواجهة الأولى بقلوب تتنهد من الحزن رجعنا الى أماكنا مخذولين من الم الفراق.. جلستُ وأغلقت عيوني، ووجدت نفسي مُعيداً تفاصيل اللقاء بالأهل والأصدقاء ومتساءلاً عن الغائبين عن المواجهة، ومع أخبار الحركة الديمقراطية الآشورية التي وصلتنا أخيراً، ووجدت نفسي مُحلقاً ومستعيداً لحن بيتهوفن بسمفونيته التاسعة الرائعة بإنشودة الفرح والتي معناها :
يا أصدقاء .. ليلحق بنا كل من لديه روح البهجة للحن جديد
وليخسأ كل من حاد عن الطريق، ليبتعد مذموماً عن مجتمعنا.
عودة الروح، والشعور بنبض بالحياة من جديد
بعد ما يقارب الشهر إلتحق بنا ( نابليون وأبلحد وروبرت ) وهم رفاق حملوا السلاح وتم إطلاقهم من زنازين الإعدام نحو المؤبد، ونقلوا تفاصيل مثيرة عن ما كان يجري هناك. وكانت أخبار المآسي والكوارث والضحايا المرتبطة بالمعارك مع إيران تطغى دوماً على الإهتمامات الأُخرى، وكنا نسمع الكثير من التفاصيل الكارثية المعاشة من الزوار، ونتبادل المعلومات والأخبار مع السجناء الآخرين، وكثيراً ما قيل لنا : أنتم محظوظين لبقائكم في السجن في هذه الظروف الصعبة، لأنكم بعيدون عن خطر المعارك !. ولكن لم يكن هذا ما نبحث عنه، لان الحرية أثمن من أي شئ آخر. وفي مناسبة أخرى، تحدث مدير السجن الذي شاهدناه لأول مرة عن حزنه وغضبه من بقاءنا أحياء متنعمين بينما الطيبين البعثين ! والمخلصين يموتون في جبهات القتال مع إيران. وبعدها تبين إن صدام ( لم يُكذب الخبر)!، إذ أصدر قراراً بالعفو العام عن المسجونين من السياسيين، وذلك وسط غمرة الإحتفالات بعيد ميلاده في نيسان 1986، وتم إخراج الوجبات تباعاً، واخذت إجازة لثلاث أيام قبل الإلتحاق الى أفواج مهمات خاصة بالمسجونين، وبعد أقل من شهر من التدريبات العسكرية المركزة، أُرُسلتُ الى الخطوط الأمامية الساقطة عسكرياً وسط الألغام شمال نهر جاسم، وهذا القاطع كان مُستهدفاً من قبل الجيشين العراقي والإيراني على حد سواء. وقُتل العديد من السجناء من الفوج الذي كنت أنتمي اليه خلال المعارك التي أُشركت فيها مرغماً ومنهم من كانوا زملاء في السجن. وبالنتيجة لم يكن أمامي من سبيل سوى محاولة الإلتحاق بمقرات الزوعا في قرانا شمال العراق. ولكن المراقبة المستمرة للعائلة، والزيارات الغير مُرحب من عناصر الأمن، ومراجعتي لهم في كل إجازة، وكذلك وضع أسماءنا في السيطرات على طول الطريق نحو كركوك والموصل جعل الأمر صعباً. لذا وضعت ملابس مدنية في حقيبتي محاولاً الإلتحاق بالمعارضة والزوعا في أورمية في ايران. ( سيتم تفصيل ذلك لاحقاً ).
نفض الغبار عن صور وذكريات من الحياة اليومية في المعتقل
• بعد أن تم تفريقنا الى غرفتين من زنزانات الأمن العامة، إكتشفنا طريقة مبتكرة للتواصل بعضنا مع البعض عبر الجدار الفاصل. كتبنا بالحفر الأبجدية السوريانية ܐ ܒ ܓ ܕ ܗ ܘ ܙ على صابونة الرقي المكعبة، ووضعنا أمام كل حرف رمز محدد له, ܐ : خط واحد و ܒ : خطين ، ثم ثلاثة وبعدها نقطة واحدة ونقطتين وهكذا .. وكنا نُسمع رفاق الغرفة المجاورة بالخط على الجدار أو الدق بحسب الحرف لتتكون الكلمات، ثم تأتينا الإجابة بالمثل. الا أن صوت الحك والدق على الحائط كان يخترق هدوء الليل، وكشفَنا ضابط الخفر بمتابعة الصوت الذي يخرج من غرفتنا في هدوء الليل، ومد رأسه من المنفذ الصغير للغرفة ورآني ( بالجرم المشهود ) وبيدي الصابونة، وسأل عن مصدرالصوت، وأجبناه : صحيح نحن أيضاً سمعنا أصواتاً ولا نستطيع أن ننام، لا ندري ليست من عندنا، وحاولت النهوض قائلاً : أقوم أدخل أسبح !.
• بعد المحاكمة ووصولنا الى سجن ابو غريب، أدخلونا الى المحجر، وهي غرفة صغيرة فيها عدد كبير من السجناء. وجلسنا جميعاً مُنهكين من صدمة قرارات المحكمة مع شعورعام بألم في الركبة، وحينما جاءت الوجبة الغذائية ووقفنا في الدور، جاء أحد المسجونين وبصلافة حاول تجاوز دوري. سحبته بقوة من قميصه الى الوراء فسقط على ظهره وهو يصيح : انا محكوم سبع سنوات، ويجب أن أكون الأول في الدور !. مسكته من يده وطلبت ان يجلس قرب الباب لأنه سيخرج غداً !. لأننا محكومين بالمؤبد يا أبن ... هذا كان مؤشراً على ما قد نعانيه من مصاعب مستقبلاً من هكذا نماذج.
• بعد أن استقر الوضع بنا في قاعة ( المطعم الثاني )، أستلمنا ملابس السجن الجديدة الجوزية اللون، وجمعنا ملابسنا الوسخة للغسل، وفي فترة الخروج اليومي، لاحظت ملابسنا مكوّمَة بعيداً عن ملابس السجناء الآخريين، أقتربت من الشخص الذي سيقوم بالغسل والجالس أمام طشت كبير لكي يقوم بالغسل، وخاطبتهُ قائلاً: أخي أرجوك إغسل ملابسنا على حدة ولا تخلطها مع الملابس الأخرى، لأننا نريدها طاهرة بحسب ديننا !. وبدا لي إنه فهم رسالتي بإبتسامة ساخرة مخفيّة.
• إضافة الى الأهل والأقارب، زارنا العديد من الناشطين القوميين والمثقفين وكان بينهم رابي منصور روئيل, وهو مثقف وناشط في النادي الثقافي الآثوري، ونقل لنا رسالة أبوية من قيادات كنسية تعهدت بالدفاع عنّا وإخراجنا بشرط البراءة من الحركة ( إن وافقنا على ذلك ). وكانت إجابتنا : وماذا عن المحكومين بالإعدام ؟. ثم إن دخولنا الى السجن من أجل حقوق قومية مشروعة، ولن نخرج حتى لو فتحوا لنا أبواب السجن دون ذلك !.
• عايشنا الألم والمعاناة ولكن مع الإباء والعزيمة المبدأية الواضحة عند الرفيق روميل بنيامين بعد فقدانه لشقيقه يوبرت، وكذلك الرفيق رعد إيشايا وشقيقته السيدة مي إسحاق لفقدانها زوجها ورفيقها، ولمست المبدأية العميقة والشجاعة لشقيقة الشهيد يوسف توما زميلة الدراسة والوعي القومي السيدة أميرة، وما سمعناه عنهم لاحقاً من مواقف صلبة بعد تنفيذ الحكم، ومصيبتهم كانت مزدوجة بسبب أولاد الخالة الشهيدين يوسف ويوخنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح