الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 12 / 19
الادب والفن


غادر ابو فراس طاولة القمار بعد ان امضى الشطر الاكبر من الليل ، وهو يلعب البوكر كعادته في كل ليلة .. هبط سكون غريب على المكان بعد ان كان يضج باللاعبين وزعيقهم .. انفرد بنفسه ، وهو يستقبل هواء الشارع البارد المنعش النظيف .. تجشأ ثم سعل بقوة كانه يطرد من حلقه دخان السجائر حتى اوشك ان يتقيأ .. كانت غرفة النادي خانقة تعج بالمدخنين من شركائه على مائدة القمار ..
بدا مرهقا ذابلا مهزوما … تحسس جيبه .. شعر بالكثير من الضيق بسبب خسارته لمبلغ هو ، واسرته في امس الحاجة اليه .. لعن الحظ الذي يعانده كل ليلة ثم لعن القمار ، ومن اوجد القمار .. حماقة لا يبررها الا الجنون .. عاهد نفسه عهدا غير صادق بان لا يعود للعب ثانية .. يدرك انه مهما اعطى وعودا بترك القمار فلن يستطيع الايفاء بها .. دونما ارادة منه بدأت ذرات من المرارة تتكاثف داخله تدريجيا ، وتوقظ في نفسه احزانا حقيقية .. راوده احساس محبِّط بانه نقطة صغيرة تافهه في وجه هذا المد الايجابي الهادر من الحياة .. حتى ادركه الضعف ، واصابه اليأس .
سمع ازيز طائرة في السماء .. رفع راسه الى اعلى .. ثبّت نظره على ضيائها ، وهي تمخر عباب السماء الغنية بالنجوم .. تابع حركتها التي تبدو بطيئة على عكس حقيقتها .. تسائل مع نفسه حالماً ، يا ترى الى اين تذهب في رحلتها ؟ لم يسافر في حياته بالطائرة .. سرح في خياله بعيدا ، وتمنى ان يلف العالم .. ودَّ لو يستطيع الهرب الى اي مكان .. ثم اغمض عينيه كأنه يلملم شذرات حكايته .. عطس بقوة مرة ، واثنين من برودة الجو .. ربما اخذ بردا ، فقد انتقل من مكان دافئ الى آخر بارد .. مسح انفه بمنديل قذر ، واكمل سيره نحو البيت .. يعلو غناء خافت حزين من مكان قريب حتى يصل مسامعه ، ويلامس شغاف قلبه .. شعر برغبة ملحة في البكاء ، ولم يبكي .. يواصل المسير ببطء ملحوظ كأنه لا يفضل الوصول .
كان ابو فراس كثير التنقل من عمل لاخر تفصل بين الواحد والثاني .. ايام انتظار باردة قد تطول وقد تقصر .. حسبْ . تاركا زوجته ، وابنائه الاربعة تحت رحمة الجوع ، والعوز بعد كل مرة يُفصل فيها من شغله بسبب ما كان يقوم به من سرقة او اختلاس بوعي كامل أو دون وعي ، وتحت ضغط الادمان على لعنة القمار التي ياما دمرت ناسا ، وخربت بيوتا ، وشردت الكثير ممن كان يعرفهم ، واصدقاء له في العمل ، وحول المائدة الخضراء .. تمنى ان يغيروا لونها الى الحمراء ، لون الدم ، والجحيم .. لم يغفر له بعض ارباب العمل فعلته الدنيئة فادخلوه السجن مرات !
حياته التي باعها بثمن بخس كأنه التراب ، ضاعت ! ويلي .. كأسي فارغة حتى من المودة لاهلي .. كان يدرك بانه رب اسرة فاشل ، فعلاقته في البيت مع زوجته ، واطفاله اصبحت علاقة خاطفة باردة كعلاقة زائر عابر لمتحف ! لم يعد يتذكر متى اجتمع بهم ، وتحدث معهم ، وسمع مشاكلهم ! بدا متعبا كئيباً ، وكأن سنوات عمره قد تضاعفت فجأةً ..
يعزل مبلغا للعب ليوم غد آملا تعويض خسارته ، والباقي سيعطي منه زوجته مصروف الغد .. يواصل مشواره الى البيت دون رغبة ، ولا حماس ، ولكن ما العمل ؟ البيت ، والزوجة ، والاولاد هم المآل الاخير لروتينه اليومي .. يمر على بستان كبير .. يهب عليه هواء مشبع برائحة الزرع والتراب .. صمتٌ موحش يغلف كل شئ .. صفعت عينيه جثة كلب منفوخ البطن ، فاشاح بنظره متقززاً ..
يُقبل على بيته دون شهية .. مازال البيت القديم كما هو .. ملتصقا بفضول مع غيره من البيوت الجديدة ، والمرممة حديثا الا بيته فقد بقي على حاله منذ عهد والده رحمه الله .. تحدق به البيوت ببلادة .. بدأت خطواته تتباطء كلما اقترب من البيت كأنها تتراجع …
يطرق الباب في حنان .. يسمع صوت الباب ، وهو يئن في ضعف ، وملل .. يدخل كانه غريب ، تتقدمه نحنحة باهتة .. تستقبله زوجته نصف نائمة .. تحملق فيه ملتاعة ً.. محاولةً قراءة ملامحه التي كانت تعرفها .. يهالها ما ترى ، وترد على تحيته ببرود ثم تعود من حيث اتت .. افتقد الود القديم في لهجتها .. توقفت المسكينة عن مسائلته منذ زمن بعيد بعد ان يئست من اصلاحه ، وثنيه عن هذه العادة المدمرة .. لم تتلقى منه الا وعودا ميتة .. تحول في نظرها الى اشبه بطفل ضخم غير مسؤول عن تصرفاته .. يتلقى عقابها بصبر ، وطيبة خاطر كأنه يستحقه !
تمر الايام هادئة باردة ، ومملة ، والحال على ما هو عليه دون ادنى تغيير ، حتى كان يوما لم يعد فيه ابو فراس الى بيته كعادته .. تنتظر الزوجة متعبة ، وعينيها تترقبان اي حركة على الباب .. تلعن ايامها التي مضت ، وايامها القادمة ..
تمر ساعات الليل ببطء ، وشرود ، ولم يعد الغائب .. لعبت بها هبات من رياح المخاوف .. توقظ ولدها من عز نومه ، وتُخرجه من جنته .. تبعثه الى بيت احد اصدقاء والده القريب ، على مسافة دقائق معدودة مشيا .. فتىً يخطو فوق سنواته العشر .. يستقبله تيار بارد .. قطع الطريق في تثاقل .. يلاحقه ظل من فزع .. متعثرا بخطواته وسط ظلام حالك السواد .. عاد لا يحمل شيئاً جديدا فقد اخبره الصديق بانه ترك والده في النادي ، ولا يعرف ان كان لا يزال هناك ام في مكان آخر .. لا مناص من الانتظار …
وطال كابوس الانتظار .. لجأت ام فراس الى اخوتها ، وهي تلقي بنفسها في احضان خوفها القاتل من النهاية .. يرِد على قلبها خاطر سوء يرعبها .. بحثوا في المستشفيات ، والفنادق ، ومراكز الشرطة ، وحتى السجون ، ولم يعثروا له على اي اثر .. كأن رحم الكون قد لفظه … الى ما وراءه ! تعددت الاراء حول مصيره بين قتيل ، ومنتحر ، وهارب خارج البلد ، والنتيجة واحدة : انتهى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي


.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال




.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا