الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة أيلول والآمال على 14تموز

ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )

2020 / 12 / 19
السياسة والعلاقات الدولية


علق الكورد آمالا كبيرة على ثورة 14 / تموز/ 1958 ، فمنذ الساعات الأولى لإعلانها , نظم أبناء المدن والقصبات في كوردستان مظاهرات ضخمة لمساندة وتأييد الثورة ، وأبتهج الكل بسقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية الأولى، بزعامة عبد الكريم قاسم، ونجاحها في بناء الجمهورية الفتية الأولى في العراق، كانت أملا لكل العراقيين، الذين سارعوا بالإجماع إلى تأييدها ومباركتها، وكان زعيم الشعب الكوردي الخالد الملا مصطفى البارزاني من أوائل القادة الذين هنئوا قاسم والضباط الأحرار الذين شاركوه وجميع أبناء الشعب العراقي بنجاح تلك الثورة الجماهيرية في الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية، وعلى أثرها عاد البارزاني من منفاه ( الاتحاد السوفيتي السابق ) ليشارك فرحة الشعب العراقي ويساهم في بناء الدولة الجديدة التي أطلق عليها إسم الجمهورية العراقية، لتكون عراقا للعرب والكورد وكافة الأطياف والمكونات القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية.

أستقبل البارزاني في بغداد استقبال القادة العظماء من قبل كافة فئات الشعب العراقي، وفي اليوم الثاني استقبل من قبل الزعيم عبدا لكريم قاسم، وكانت الفرحة تعم جميع أنحاء العراق، لينعم الجميع تحت رايتها بالعيش الرغيد والحرية والسلام والتعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب العراقي دون تميز.

إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا، حيث تفاقمت الخلافات بين قادة الثورة حول رسم سياسة وهوية الدولة الجديدة بين الفكر الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه الزعيم قاسم في بداية الأمر، والفكر القومي الشوفيني بقيادة عبد السلام عارف وبدعم من جمال عبد الناصر، وأرجح قاسم بأن أحداث الموصل وكركوك من صنع القوميين وبدعم مباشر من الناصريين، تفرد قاسم بالسلطة والقرارات وتخلى عن نهجه الوطني وحبه للشعب، وضرب القوى الديمقراطية التي كانت بمثابة العمود الفقري للزعيم ولجمهوريته الفتية، وبشكل خاص الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي وبقية القوى الديمقراطية الوطنية العراقية
حاول البارزاني ولمرات عديدة إقناع قاسم بمواقفه المساند للثورة والجمهورية الفتية، وخاصة في لقائهم الأخير في بداية عام 1961 لكن دون جدوى، وعلى أثرها عاد البارزاني الى كوردستان ( بارزان)، وبدأت حكومة قاسم بملاحقة واعتقال أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني وإغلاق جريدته الرسمية ( خه بات ) ومقر الحزب في بغداد

والأنكى من هذا كله قام باستغلال الخلافات العشائرية والقبلية في البيت الكوردي، حيث قام بتسليح بعض رؤساء العشائرالكوردية ( الجحوش )، وخلق الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والإدارية في كوردستان، ثم بدأ في 11 أيلول 1961 بالقيام بحملة عسكرية واسعة شاركت فيها الطائرات الحربية وكانت تتقدمها أفواج الجحوش التي شكلها قاسم لشق وحدة الصف الكوردي وضربها ببعضها. هاجمت تلك القوات مجتمعة ومن محاور مختلفة مدن وقرى كوردستان، وبشكل خاص قرى منطقة بارزان معقل الثورة والثوار وقادتها العظام.

اندلعت ثورة أيلول التحررية بزعامة البارزاني الخالد (1961 – 1975)، كرد فعل للسياسة الفردية لعبد الكريم قاسم وانحرافه عن النهج الديمقراطي الشعبي للثورة، وسيطرة القوى القومية والشوفينية على زمام الأمور في الجمهورية الفتية من خلف الستار، وهذا ما أربك العملية السياسية وعمل على تغيير مسارها الشعبي الثوري الى حكم فردي استبدادي، تحولت نعمة الإنجازات التي تحققت في بداية الثورة للشعب الى نقمة، وتم مصادرة الحريات الثقافية والسياسية، حيث امتلأت السجون بالمناضلين من الشخصيات الوطنية والديمقراطية التي كانت تسهر على حماية الشعب وتدافع عن تطلعاته .

وانطلقت ثورة أيلول، بنضال أبناء شعبنا الكوردي وسواعد البيشمركة الأبطال، وفكر قادتها العظام، ولم تنطفئ شعلتها إلا بعد أربعة عشرة عاماً وبعد أن حيكت ضد الثورة الكوردية اكبر مؤامرة خيانة دولية في الجزائر، سميت باتفاقية الجزائر السيئة الصيت سنة 1975 والتي نصت على منح إيران جزء من شط العرب مقابل قطع المساعدات عن الحركة التحررية الكوردية في كوردستان الجنوبية، حيث باع صدام أرضه وعرضه لإيران مقابل إسكات الكورد عن المطالبة بحقوقهم المشروعة . و أصاب ثورة الكورد بنكسة سياسية، لكن لم تنته ولم تتوقف مسيرتها الثورية والعسكرية، بل واصل الثوار الأبطال ( البيشمه ركه )، بإشعال فتيل ثورة كولان في 26 . 05 . 1976 كامتداد لثورة أيلول، التي كانت مهدا للثورات الكوردية وستبقى الى أن ترسى سفينتها على بر الأمان وتتكلل بحق تقرير المصير. .
شهد كوردستان العراق مابين عامي 1961 م لغاية عام 1970 م. صراع مسلح حيث كانت الحرب العراقية الكردية الأولى والتي سميت لدى الكورد ب ثورة أيلول (بالكوردية: شۆڕشي ئەيلوول) وكان من أبرز القادة العسكريين العراقيين الذين ساهموا في الصراع في كوردستان العراق في تلك الفترة خليل الدباغ وسعيد حمو وعبد الجبار شنشل، ومن الجهة الكوردية كان النضال بقيادة الملا مصطفى البارزاني في محاولة لإنشاء إدارة كردية مستقلة في شمال العراق. في فترة الستينيات، و تصاعدت الانتفاضة إلى حرب طويلة، فشلت في حلها على الرغم من تغيرات السلطة الداخلية في العراق. خلال الحرب، وشارك 80٪ من الجيش العراقي في القتال مع الكورد ,وانتهت الحرب بانتصار الكورد في عام 1970 ، ونتج عنه ما بين 75000 إلى 105,000 ضحية. ثم جاءت سلسلة من المفاوضات العراقية - الكوردية في أعقاب الحرب في محاولة لحل النزاع ,و تكللت المفاوضات إلى اتفاق الحكم الذاتي العراقي–الكردي لعام 1970
أن ثورة أيلول أصبحت مدرسة لايستغنى عن تجاربها وتراثها في مسيرة البارزاني الخالد والحركة التحررية الكوردية بشكل عام، ثورة أيلول كانت ثورة الكورد جميعاً من شرق كوردستان الى غربها ومن شمالها الى جنوبها وبكل طبقات الشعب وفئاته وأديانه ومذاهبه، ومن أعظم إنجازات ثورة أيلول التحررية اتفاقية 11 آذار 1970 والاعتراف الرسمي للحكومة العراقية بحقوق الكورد ومنح الحكم الذاتي لكوردستان .

ثورة أيلول علم الكورد الكثير من الدروس، كما لقنت العدو دروساً كثيرة، نتمنى من حكام العراق اليوم الذين وصلوا إلى سدة الحكم، الاستفادة من تجارب ثورة أيلول ونضال البيشمركة الأبطال، ويتعلموا منها درساً واحداً، إلا وهو إن جميع حكام العراق المستبدين على رقاب الشعب، والذين أفرغوا حقدهم الشوفيني على الشعب الكوردي وأنكروا وجوده وحقه في الحياة الحرة الكريمة، وساقوا حملاتهم العسكرية ضد هذا الشعب الأبي المناضل، إبتداءاً من الزعيم قاسم، ومن بعده عبد السلام، وانتهاءاً بصدام وعلي الكيمياوي والمالكي والحيدري، الذين لطخوا أياديهم بالدماء البريئة لشعب كوردستان قد نالوا جزائهم، وذهبوا دون اثر وبنهاية سوداوية، .

ولن يعم السلام في العراق دون الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الكوردي، والإقرار بحقه في تقرير مصيره. والاعتراف التام عن قناعه بأنه هنالك منطقة جغرافية اسمها كوردستان، يعيش عليها الشعب الكوردي الأصيل، لهم لغتهم الكوردية العريقة، إنهم ليسوا عرباً ولا تركاً ولا عجماً، بل قوم آري، أصحاب تاريخ وحضارة، امة أنجبت قادة عظام وشعب جبار لابد أن تبحر سفينتهم يوماً الى بر الأمان، ويتمكنوا من بناء دولتهم الكوردية على أرض كوردستان ..

أيلول، ثورة كردية، كردستانية، وعراقية، وإقليمية ودولية، شأنها، شأن كل ثورة، سجلها التاريخ المنصف، أو سيجلها يوما، هي كوردية بناسها و قائدها و مناطقها، وفكره و فكرهم، لم يريد البارزاني و لا الشعب، أن يكون مشروعاُ مكرراُ من تجارب ما بعد الانقلابات العسكرية في العالم العربي، وهنا لابد من الإشارة، الى أن الخيار في النظام الجمهوري، لا يفصل بحق له على حساب نظام آخر، ملكياً أم غير ملكي، فليست كل الجمهوريات جنة للقانون، و لا كل الملكيات جحيم للويل و الثبور.

أيلول ثورة عراقية، لان تيارات وطنية عريقة عراقية أيدتها، و أيدت معها أن العراق أوسع و أكبر من اختصاره بسلطة عسكرية يسندها توجه حزبي واحد، كان سائداً يومذاك.

أخيراً، ثورة أيلول، والتي دخلت ذكراها الستين، أنذرت قبل أكثر من نصف قرن، من مآل الأوضاع إذا سادت عقلية عسكرية داخل السلطة، أو ساد نهج عقائدي يمثل خلاصة تكرار تجارب الحكم الفردي.
• ماهين شيخاني .

- ملاحظة : اعتمدت على نص الحوار للأستاذ فاضل ميراني وبتصرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م