الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نريدها مدنية صرفة

محمد مهاجر

2020 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


-
عندما اختار الشعب السودانى نظام الحكم المدنى فان اختياره كان مبنيا على أساس عقلانى لا عاطفى, ذلك لان المدنية تساوى بين المواطنين في الحقوق. ومن هنا يتضح ان الحكام هم خدام للشعب, بمعنى ان مهمتهم هي تقديم الخدمات للشعب نظير قيام الشعب بدفع الضرائب والالتزام بالنظام والقانون وأداء الخدمة العسكرية اذا تطلب الامر. ومهما تبارى القادة السياسيين اوالعسكريين فى في ابتداع الخطب الحماسية فان الامر لا يخرج من مبدأ التعاقد بين الحاكم والمحكوم, ولا تؤثر فيه عوامل الحب او الكراهية او الرابطة القبلية او الاسرية او غير ذلك من المعايير الذاتية.

ان الاعتقاد بعدم وجود مشاكل تهدد الدولة المدنية هو اعتقاد ساذج. فمثلا نجد ان الكثير من الرأسماليين يدفعون الرشاوى للموظفين الفاسدين عوضا عن دفع الضرائب للدولة لان الرشوة في عرفهم هى فتات قليل مقارنة بالضرائب التي تخضع لقوانين معروفة. والرشوة هى بعض الفساد وليس كله, اذ ان الاقتصاد السودانى مكبل باغلال الفساد الأخرى المتمثلة في الاحتكار والتهريب واستغلال المال العام والتهرب من الضرائب وغسيل الأموال وتجنيب الأموال العامة واستغلال النفوذ والتزوير والتلاعب بالانتخابات وغيرها.

من المعروف لعامة السودانيين ان هنالك أنشطة اقتصادية طفيلية كثيرة مخالفة للقانون ومضرة بالتنمية مثل التهريب الذى شمل كل السلع الحيوية وامتد الى الاثار. ولم يقف التهريب عند هذا الحد بل امتد حتى شمل الادوية المدعومة والتي تقدمها الدولة كخدمة للمواطنين لان علاج الفقير في نظرها هو مكسب للاقتصاد الوطنى, فالمواطن السليم هو مواطن منتج ومساهم في بناء الوطن. والعكس تماما هو تفكير المهرب الذى لا يهمه الا الربح.

ان تحقيق الأرباح لابد منه وهو امر ضرورى لاستمرار اى شركة ولا ضير في ذلك بشرط ان تلتزم العمليات التجارية بالضوابط الأخلاقية. لكن هل تحسب الأرباح بصورة عادلة؟ الإجابة: لا. فباستخدام خوارزمية بسيطة سنجد ان الراسمالى, وبعد ان يخصم تكلفة خفض قيمة الأصول الثابتة وكل التكاليف الاخرى, بما في ذلك اجره, سيكون عنده فائض نقدى كبير. وفى ادبيات الاشتراكية يسمى هذا فائض القيمة. والتفسير الوحيد لوجود هذا الفائض هو ان العمال يتحصلون على أجور هى اقل بكثير مما يستحقون.

حسب زعم المفكر الامريكى فوكوياما فان الرسمالية قد انتصرت وتمكنت من إقامة نظام عالمى جديد أحادى القطبية. وعلى الرغم من الشكوك التي شابت مزاعم فوكوياما فان الرأسمالية تمكنت من انشاء مؤسسات تدعمها مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى والمؤتمر الاقتصادى العالمى ومنظمة الملكية الفكرية وغيرها. والأخيرة هي مربط الفرس في هذا المقال لانها تقدح في الطريقة التقليدية لتوزيع الأرباح باعتبار ان الملكية الفكرية هي حق خالص لصاحبها. هذا الادعاء ليس خطأ كله, فلا يعقل ان يقوم شخص ما باختراع روبوت يؤدى عمل الاف العمال ويحقق أرباحا كثيرة للشركة ولا ينال المخترع سوى الفتات. لذلك فان حق الملكية الفكرية لا يمكن ان يحسب بحساب عدد ساعات العمل.

ان احد التحديات التى تواجه التجارة والصناعة تاتى من التمسك بحقوق الملكية الفكرية حتى لو كانت حياة الغالبية من البشر معرضة للخطر. فالدواء يجب الا يكون سلعة خاصة اذا كان المجتمع كله معرض للفناء بواسطة وباء او مهدد بخطر كونى مثل الاحتباس الحرارى. وفى هذه الحالات فان الخسائر ستطال المجتمع برمته, فعلاج المرضى و تفادى الموت والخراب البيئي والامراض, كلها خسائر يتحملها المجتمع في هذه الحالة. هذا يعنى ان قانون الملكية الفكرية يجب لا يكون قانونا اعمى. كذلك يجب ان تسعى الدولة الى حماية حقوق العمال وتحسين ظروف العمل والأجور وغيرها.

ان المهدد الرئيسى للتحول الديمقراطى ياتى من طريقة فهم البعض لدور الدولة. ولان المسؤولين هم موظفين لهم تفويض محدد وهو تقديم الخدمات للمواطن في مقابل التزامه بدفع الضرائب والالتزام بالقوانين والنظم, فان المواطن يتوقع الا يغمط حقه في انتقاد المسؤول الحكومى او الاحتجاج على طريقة ادارته او المطالبة بعزله او التظاهر من اجل اسقاط الحكومة. هذه الأمور هي من بديهيات الحكم المدنى وهى ما كان لها لها ان تصبح موضوعا للنزاع اذا فهم العسكريين ان مشاركتهم في الحكم هي امر طارئ اقتضته ظروف الانتقال الديمقراطى. كذلك فان الوزير للعسكرى ليس افضل من المدنى ولا المدنى افضل من اى مواطن اخر.

كثيرا ما ينزع الناس الى التفكير العاطفى لتبرير قيام المؤسسة العسكرية بإدارة مؤسسات اقتصادية كبيرة وحرمان الخزينة العامة من ايراداتها, وهو امر اعتبره الكثيرين غير عادل. والمؤكد اننا لن نجد الإجابة الشافية لسلوك العساكر اذا اعتمدنا على الحلول العاطفية. ولان الحكومة المدنية هي المسؤولة عن الاقتصاد والتجارة فان الشئ الطبيعى ان يتكون شركات الجيش تحت مسؤولية رئيس الوزراء. واذا نظرنا حولنا نجد ان العالم المتقدم لا توجد فيه هذه الثنائية فالوزراء كلهم مدنيين بما فيهم وزراء الطيران والدفاع والداخلية. والتفسير الوحيد لتمسك الجيش بتلك الشركات هو شعوره بانه سلطة سياسية مستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولكنهم يحبون العسكريين والديكتاتوريين
صلاح الدين محسن ( 2020 / 12 / 20 - 07:37 )
لكن هوي دول الغرب لا يميل سوي ناحية العسكريين والديكتاتوريين وأنظمة الحكم الدينية . فهؤلاء يساعدون علي بقاء الاستعمار بشكله الجديد - استعمار بواسطة الوكلاء المحليين
هؤلاء الوكلاء يحبون شراء الأسلحة بلا لزوم للحصول علي عمولات لأنفسهم , ويسرقون ثروات وأموال بلادهم ويرسلونها لبنوك دول الغرب للاحتفاظ بها هناك - ليؤمنوا أنفسهم ضد ثورات شعوبهم - وهذا كل ما يريده الفكر الاستعماري .. و يحصل عليه بلا جيوش استيطانية , بلا حروب - أو بأقل قدر منها
ويرفعون شعارات : الديموقراطية وحقوق الانسان , والرفق بالحيوان

اخر الافلام

.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية


.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل




.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا


.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا




.. Ctقتيلان وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة ميس الجبل