الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة لا تشعر بالألم

هاجر الصبيري
باحثة لسانية في سلك الدكتوراه و أستاذة اللغة العربية بالسلك الثانوي

(Hajar Essabiri)

2020 / 12 / 20
الادب والفن


لكل منّا قصة، ماض، حدث، يؤثر فيه بطريقة خاصة، فإما يكون سببا لاندفاعه وتقدمه، أو فشله وسقوطه، جميع البدايات والنهايات هي مكتوبة علينا لا محالة، لكن هذا الأمر ليس مبررا لفشلنا واستسلامنا، تحلو بالإيمان والقوة، نحن هنا في هذه الدنيا، في اختبار، الإجابة الخطأ لبعض الأسئلة لا تعني السقوط، وتأكدوا بأن لا أحد في هذا العالم يملك جميع الإجابات الصحيحة، لا أحد .. أنجزوا تمارين الدرس اللغوي للحصة القادمة، انتبهوا لأنفسكم، انتهت الحصة ..
كانت هذه الخاتمة التي أنهت بها أستاذة اللغة العربية " أسماء"حصتها، تحاول أن تكسر ملل الحصص بنقاش يهم المتعلمين، فتقدم لهم ما علمتها إياه السنوات الماضية ..
أنهت " أسماء "جمع لوازمها، رتبت المكتب، وتوجهت نحو الباب، وهي تسير باتجاه الدرج وفي يدها هاتفها النقال تحاول تشغيله بعد قفله في بداية الحصة، سمعت صوتا رقيقا ينادي :
- أستاذتي، أستاذة " أسماء "
التفت " أسماء " تبحث عن مصدر الصوت، لتجد تلميذتها "سناء" تقف بعيدا ..
- سناء ! ألم تذهبي بعد ؟ تعالي ..
ردت سناء بصوت مرتجف .
- أستاذتي أنا آسفة ..
- لما تتأسفين، ولما عبارات وجهك تحيل على القلق والخوف، أحصل أمر ما معك ..؟
- أستاذتي، أنا أشعر بشيء ما.. أستاذتي أنا آسفة، سأذهب ..
- سناء .. توقفي، هدئي من روعك، ما رأيك أن نتكلم داخل القاعةـ ؟ هل تودين ذلك ؟
- أستاذتي، أود ذلك بشدة ..
فتحت " أسماء "باب القسم، دعت "سناء" للدخول :
- تفضلي يا عزيزتي، وسأغلق الباب حتى نتحدث بكل أريحية ..
أخذت قنينة من الماء من حقيبتها ومنديلا وجلست أمام سناء :
- تفضلي، اشربي، وتنفسي بعمق، امسحي العرق الموجود على جبينك، ارتخي وتكلمي كما تحبين وترتاح له نفسك، أنا الآن أختك وصديقتك ولست أستاذتك، وما ستقولينه لن يخرج من هذه القاعة أعدك ..
بدأت عيناي " سناء" تدمع، أخذت " أسماء "المنديل وبدأت بمسح دموعها قبل أن تتساقط :
- الدموع راحة، لكن ليست هي الحل ..
- أنا أشعر بالألم ..
- ومن منّا لا يشعر بالألم يا سناء ؟
ردت "سناء" بصوت ممزوج بالبكاء :
- أستاذتي أنت لا تفهمين، أنا أشعر بالتعب، قلبي يؤلمني، أنا أتألم جدا، أنا أحتاج مساعدتك، أنت دائما ما تنصحيننا وتشجعيننا، تخبيرننا بأنك ستساعديننا وتقفين بجانبنا لنحقق أحلامنا أليس كذلك؟
- أكيد يا " سناء" .
_ إذا ساعديني في تحقيق حلمي ..
- وما هو حلمك ؟
- أريد أن أصبح امرأة لا تشعر بالألم، لا تحزن، لا تتحسر، لا تضعف، أعطني الوصفة السحرية التي تستعملينها لأصبح مثلك ..
- أوَ تظنينني لا أتألم ؟
- لا أظن بل أنا متأكدة ..
- وما الذي جعلك تحكمين علي يا سناء، ألست بشرا .. ؟
- بلى، لكنك قوية، أنت دائما مبتسمة، دائما تتحدثين عن الأمل، والوصول إلى السعادة والحب، ترتدين ما تحبين، لديك مهنة، أنت قوية ولا تشعرين بالألم .
- لو لا الألم لما كنت أنا التي تقولين عنها هذا الكلام .
- الألم نهاية يا أستاذتي ..
- الألم بداية يا عزيزتي، كلما زاد الألم، كلما زاد الدافع، الألم وقود، تخيلي معي كرة مطاطية، إذا قمت برميها على الأرض بلطف، هل سترتفع للأعلى ؟
- لا .
- وإذا رميتها ببعض من القوة ؟
- قد تعلو قليلا .
- وإذا رميتها بقوة كبيرة ؟
- ستعلو أكثر .
- كذلك نحن يا سناء، الشجاع منّا هو من يجعل من الألم قوة له، هناك الكثيرون ممن يتحججون بألمهم و مشاكلهم و العوائق التي تواجههم، فيقفون مكانهم، لا يحققون شيئا سوى الصمت، واختيار الوحدة، والتأفف من الحياة والأوضاع والناس، و هناك من يعمل ويتحدى ويواجه، أن تواجهي بالضرورة هي أن تتألمي، لكن إصرارك سيغلب لا محالة، الضعفاء من لا يستحملون الألم، من يخدرون أنفسهم بالأوهام، وأنا أعلم وعلى يقين بأنك لست ضعيفة .
- أريد أن أشعر بالقوة ..
- ألا تستيقظين صباحا وترتدين ملابسك وتحملين حقيبتك وتتوجهين إلى المدرسة لتدرسي وتحققي حلما لديك ؟ هذه قوة .
- كيف تعدّ قوة والجميع يستطيعون فعل ذلك .
- ليس الجميع يا عزيزتي، فقط من يملكون الأمل في قلوبهم، من يتحلون بالصبر، وكل صبور سيصل بإذن الله ..
- معك حق .
- أعطيك مثالا آخر ، ألم تعترفي بألمك وضعفك أمامي الآن، دون خجل، دون تهرب، هذه قوّة، ويا لها من قوّة، لو أن كل واحد منا يواجه مشاكله ونقاط ضعفه ويعترف بها لكان الجميع متصالحا مع نفسه، أول دواء للداء هو تشخيص المرض، وأظن بأنك قادرة على تشخيص نفسك ومواجهته .
ظهرت علامة الرضى على سناء، مسحت دموعها بكم وزرتها وقالت :
- لم أكن أعلم أن الأمر بهذه البساطة ..
- نحن من نختار الزاوية التي ننظر منها .
- أعجبتني زاويتك أستاذتي .
ضحكت " أسماء" وقالت :
- أنا أيضا تألمت يا سناء، و أتألم، و سأتألم، وإن كان هناك مضاد للألم، لن أستعمله، فبدونه لن أتقدم، لن أتعلم، لن أكون أستاذتك التي تحبينها، أوَ تحبينني ؟
ردت سناء بضحكة بريئة :
- كثيرااااااااااااااااااا
- وأنا أحبك كثيرااا، ما رأيك بكأس حليبب بالشوكولاتة بالمقهى المجاور، أتعلمين بأن كل ما هو حلوٌ يأتي بالسعادة.
- حقا، هل يمكنني الذهاب معك ؟؟
- إن اعترفت بأنك قوية .
- أنا قوية حتى وأنا أتألم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل