الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيادة على الصحراء : من اجل وطن غير عابر للحدود

الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)

2020 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


اعتراف الرئيس الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء يعتبر انجازا تاريخيا للدولة المغربية، سيشكل بلا شك نقطة تحول في تدبير ملف الوحدة الترابية للمملكة. الحدث سيشكل صدمة للكثيرين ،وهو أمر متوقع وعادي لشعب مغربي عاش دائما يحمل القضية في قلبه ووجدانه وما زال يحملها،و ان ساحات الرباط و البيضاء كانت شاهدة على مسيرات مليونية تنتصر للقضية و قدس العروبة. اليوم،الولايات تعترف بسيادة المغرب على صحرائه و بالمقابل المغرب يدخل في علاقات مباشرة مع إسرائيل. هو الخبر الذي خلف صدمة متوقعة نتيجة حضور البعد الوجداني في القضية. أغلب التفاعلات على شبكات التواصل غاضبة، حيث الانتصار للقضية و اعتبار إسرائيل دولة مغتصبة و قاتلة للأطفال. من المتوقع ان يكون الموقف الشعبي ضد تطبيع المغرب مع إسرائيل ولأسباب معروفة،اهمها ان وجدان الإنسان العربي مسكون بالقضية و بالقدس و بمعاداة اسرائيل و اليهود . ان تعيش على فكرة و تكبر معها يصعب في لحظة ان تتخلى عنها، فلسطين قضية العرب على الأقل على مستوى الوجدان و الشعارات،لذا يصعب ان يتخلى المواطن على فكرة عاش عليها طيلة حياته،و ان كل من يعادي القضية أو يتخلى عنها لا يستحق الحياة،و كما جسدته رواية غسان كنفاني : رجال في الشمس و عبارة “لماذا لم تطرقوا الجدران ” ، بعد ان عرف أبا الخيزران ان الشباب الفلسطينيين الثلاث،و الذين حاول تهجيرهم الى الكويت ماتوا في الصهريج.اشارة الى ان كل من يتخلى عن الارض و القدس و القضية مصيره الموت. القضية تسكن الوجدان العربي، بها يستعيد العربي المقهور احلامه و أمجاد أجداده : عمر بن الخطاب و خالد بن الوليد و صلاح الدين الايوبي و جمال عبد الناصر و صدام حسين. فلسطين كانت حلما في زمن التيه و الضياع و التشتت،لذا يفهم كيف ان الموقف العربي كان مشتتا و غاضبا وجدانيا ، لكنه متخاذل واقعيا وهنا المفارقة الصعبة. التفاعلات الغاضبة و الرافضة للتطبيع مع اسرائيل تؤمن بفكرة اسبقية الامة على الدولة، وأن الرهان الأساسي هو بناء الامة، وان الدولة القطرية مجرد عائق أمام بناء الامة العربية سواء في بعدها القومي / حزب البعث، والأحزاب اليسارية أو في بعدها الديني و الاسلامي / حركة الإخوان المسلمين. الانحياز للامة هو انحياز عاطفي و أيديولوجي على حساب الواقع / الدولة . ربما الانحياز الى الامة هو احتجاج على واقع مأزوم من خلال الدعوة الى معاداة الدولة، وعدم الاعتراف بها نتيجة فقدان الأمل في الحاضر و المستقبل، فيصبح الحلم هو استعادة الماضي و استرجاع أمجاد الامة، حتى لو كان ذلك بانتظار من لا يأتي : المهدي المنتظر نموذجا ، القومة، الحكم الرشيد، و غيرها ، لدرجة ان البعض اعتبر فيروس كورونا رسولا من الله، لمعاقبة من خرج عن الشرع وخالف الشريعة . الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب يشكل انتصارا للدولة على حساب منطق الامة ، وهو تأكيد على سيادة الدولة على حدودها و مجالها ،والانتصار للمنطق الدولة القطرية الغير العابرة للحدود، و إنما المهتمة بحدودها فقط . هذا القرار المنحاز للدولة القطرية و التي تشكل موضوع احتجاج من طرف دعاة الامة / الدولة ،والتي تتجاوز الحدود من أجل فكرة المشترك سواء العرق أو الدين . وهو سبب من بين أخرى يجعل الرأي العام المتبني لفكر الولاء للأمة يصبح احتجاجيا، لأنه قرار يقوي الدولة و يضعف احتمالات استعادة مشروع الأمة . و هو ما يجعل من وعي الرافضين وعيا أصوليا و احتجاجيا . الاحتجاج على الدولة و الانحياز الى احياء مشروع الأمة،هو نتيجة تراكم منسوب الاخفاقات و الاختلالات التدبيرية في الدولة القطرية. فالوعي العربي المنحاز للأمة، ويؤمن ان إيجاد حل للقضية و استعادة القدس رهين بتكسير الحدود،وبناء حدود جديدة مؤسسة على الدين و العرق، ّلدرجة ان البعض يعتبر ان تحرير فلسطين رهين بتحرير الوطن اولا . لذا يفهم التوظيف السياسي للقضية الفلسطينية في الصراع السياسي والإيديولوجي . ملاحظة تستوقف كل مهتم بالموضوع ان التعلق بالقضية هو تعلق وجداني/ الامة، وليس تعلقا واقعيا / الدولة. لذا يفهم ان اغلب الوقفات الاحتجاجية التي كانت من أجل فلسطين والقدس كانت ترفع شعارات معادية للدولة،ولسياساتها تأسيسا لشعار ان الطريق الى فلسطين يكون ببناء الامة، و تهديم الدولة او على الاقل السيطرة عليها. ربما ووفق هذا السياق يفهم ان فلسطين تم توظيفها كأداة لمساءلة مشروعية الدولة ،و هو ما يفسر ان الكثير من التفاعلات في ذات السياق عبرت وبشكل واضح ان فلسطين أهم من سيادة الدولة على ترابها و حراسة حدودها . السياسة وفق ميكافيلي هي حقل صراعي و تنافسي وهو ما يجعلها ممارسة حربية، وأن الممارسة السياسية هي القدرة على الحرب،و ان السياسي هو المحارب الجيد أو الجندي الذي يعرف كيف يحمي حدود البلاد. ما انجز اليوم , يخفي ان هناك جهد كبير مبذول في مجال الحرب ضد كل من يحاول إضعاف الدولة المغربية، وجعلها منقوصة السيادة او بلا سيادة. تاريخ المشكلة يكشف ان هناك من حاول جعل المغرب بلا دولة ، أو جعلها دولة بلا حدود . لا يوجد وطن عابر للحدود ،كل الشعارات الجميلة التي ملأت الساحات لمدة طويلة حول وحدة المصير والتاريخ و اللغة و الدين و المصير المشترك، لم تنتج غير الخيبات و التشتت و حروب و مكر الجيران . قرار الرئيس الامريكي اليوم ايجابي و يخدم وحدة وطننا، ويرسم حدود جديدة لواقع سياسي جديد يسمح بإزالة المسمار الذي وضعته الجارة في الحذاء المغربي على حد تعبير الهواري بومدين،حتى يتوقف الزمن المغربي بما يضمن عجز المملكة على حماية حدود و بناء الدولة المتحكمة في مجالها . اليوم ،تحول حاسم في طبيعة العلاقات و نوعها و رهاناتها، ان السياسة هي فعل مصالح،و ان السياسي الجيد هو محارب جيد يعرف كيف يكسب مساحات جديدة في المعركة . قرار اليوم سيحرر مساحات كبيرة للدولة المغربية لإنهاء صراع مفتعل،من طرف جار يدعي حسن الجوار وحدة اللغة والدين ووحدة المصير. الدفاع الوطن لا يعني التخلي عن القضية الفلسطينية، و انما الامر يتعلق بتغيير أدوات التعامل معها، من خلال الاطمئنان الى خيار الحوار يدعم حلا قائما على دولتين والحفاظ على الوضع الخاص للقدس . التاريخ يكشف ان التغيير لا تصنعه الشعارات و الأيديولوجيا ، وان الاحلام الكبرى كانت دائما سبب في الماسي الكبرى، كما .عبر عن ذلك المفكر الماركسي جورج سوريل . :








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة