الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفشاء سر جهنم

سارة فؤاد شرارة
كاتبة وصحفية

(Sara Fouad Sharara)

2020 / 12 / 21
الادب والفن


منذ ولدت. وكانت غريزة الفَضْح!
بدأت تلك الغريزة بالصراخ الذي استغربته أنا شخصياً! كنت طفلة عجيبة الهدوء، ولكن إذا ضغط أحدهم على أسلاك حمراء تجرح مشاعري؛ أكهرب الوجود بصراخي كأن المنطقة السكنية التي أعيش بها تصدعت بفعل البرق والرعد! كبرتُ ولم أعد أصرخ ، ولكن تبلورت تلك الغريزة على مر الأيام برغبة عاتية في طرح و تفجير الأسئلة. خاصة المحرجة منها ، مثل تلك الأسئلة التي أطرحها على أمي :لماذا لا يفهم الكبار عصرنا الحالي وكلماتنا ؟ ما الفرق بين الاختلاف والتخلف؟هل أنا ابنتك أم اختلط عليهم الأمر في توزيع الأطفال بمشفى الولادة؟ هل كنتم كباراً كما تظنون، أم اختلط على الزمان الأمر، هل نحن الكبار؟ كيف عانيتم بزمانكم؟ معاناة من منا ، ظلت الأكثر نضجاً بين الأجيال؟ من أحببتِ، حدثيني عن غارات الحرب والهجرة ! لاحظت أنني أفعل معظم الأشياء بمفردي مبكرا جداً، متى تتوقف الوصاية؟ كنت أختنق إذا ساعدتني يد علوية، ولكن بامتنان وخجل وعقدة ذنب غير مفهومة أو مبررة .. أطرح في حصص الدين شتى الأسئلة التي تجعل المدرسة تحسم الجدل بجملة "عقولنا محدودة؛ لذلك حُرمت علينا بعض الأسئلة والأفكار.. فقلت لها كيف نرتجف من مجرد فكرة، والفكرة هل تحرقنا فعلاً ! في محاضرة كلية تربية قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية طرحت المناقشة على الدكتور في باب علم إسناد الحديث ، قلت: كيف أصدق نقل الصحابة للرواية وهم بشر مثلنا لديهم قوى النسيان؟ قدمت مشروع التخرج عن "الحلاج"متعاطفة مع الحب في تصوفه، فصرخ في وجهي دكتور مادة الفلسفة الإسلامية وطردني خارج المكتب، لم أدرك بوقتها ما ذنبي! فكرت كيف نسيت ما قالته لي أمي جملة وتفصيلاً ، وكنت أنسى وجه أبي أحيانا لأنه كثير الأسفار فرسمته كما أراه.. نحن عموم البشر، إذا لم يدركنا نسيان الشيء؛ نقلناه كرواية كما نراها بقدراتنا وكما نعتقد وكما نحسب! فليس قصدا منا هذا التدليس! ولم نقصد الفتنة.. يعاودني السؤال ،ما الفارق بين الاختلاف والتخلف ؟! والنقل والانتقال؟!
كان السؤال فضاح حتى وأنا أهمسه بخفوت في عقلي،وحين كبرت صارت غريزة الفضح تتخذ هيئة غامضة وخفية لا يميزها أحد رغم أنها فاقعة كالإفشاء والإشاعة ،صارت لتلك الغريزة هيئة قصص الحب التي أعيشها والروايات التي أتخيلها وأنقب عنها في الذاكرة، أشرت إلى زميلي الذي أحبه إشارة بإصبعي ،ضاحكة على الملأ، مرددة لبقية الزملاء بتهور فخور، هذا الرجل أحببته! وحده حبيبي.. أود الصراخ في المناطق السكنية التي تتصدع بفعل الإنارة المظلمة ..أفتح النوافذ.. لدي مشاعر فوتوجرافية عن الوجود ، صورة على دموع الحوائط المسكوت عنها في الأحياء المغبرة ، ولدي معرفتي السرية بنوايا الجيران، ذوي النظارات الفلكية والحكايات العنيفة والتي لا أجرؤ على ذكرها، أرصدها بنظارتي الفلكية التي تلتقي في لحظة زمنية ما مع نظاراتهم الفلكية على النوافذ، لنفزع سوياً! .. صار الفضح في صورة العمى الذي يداهمني أحياناً صفاتي تفضحني ، أكون على وشك إطلاق سراح الضجة، ولكن اتوقف وأخجل قليلاً..أنشر أسراب البومات الصديقة ناحية الخرائب وأنتظر عودتهم بالخبر اليقين..أترك بياناتي مثل اسمي وهاتفي وعنواني في بناية تحوي مكتب العنف والقضايا البشريةو الذي سيخبرني بأهم الأحداث موصيا بالتلميح من ناحيتي وعدم التصريح قدر الإمكان وهذه مهارة انتِ وشطارتك ، منذ يومين نصحني مذيع وصحفي بقناة إخبارية بالصمت خاصة تجاه حياتي الخاصة، قائلا : الحفاظ على مكانتي علمني الصمت، وأرى أن لك مستقبل قد تودين الحفاظ عليه، طارحاً تجربته مع الفضح قائلاً عن نفسة: كنت أسرد رواياتي ويومياتي الخاصة وأريد الخير للجميع ، كنت طيباً أخشى على الناس من الوقوع في فخ إفشاء الأسرار ولأنني أفشي أسراري الخاصة ، ظل يكيد لي مُتصيدُ الأخطاء_ والذي يختبئ كل شجرة _متخذاً من أسراري هذا الشَرك الموزون الذي سأسقط فيه، ينتظرك بعد دقيقتين متصيد أخطاء لا يفهم إلا ما يهوى، والأهواء قتالة ! قد أكون أنا يا مدام متصيد أخطاء خفي؛ ربما ! ، أفكر..ما الأخطار المحدقة بي يعني؟!!! لم أمجد من قبل المكانة الإجتماعية والنفوذ . ولم أكافح لأجلهم ، لم يشغل بالي ما يشغل بالك. وهذا بسبب قدرة التخلي التي أمتاز بها ببساطة، قدرة التخلي واللامبالاة حين أتحلى؛ بل وأتزين بها! لست هذا المذيع المقيد بالأخبار وبالمؤسسة والشاشة ! عجيب كيف نفكر أن حياتنا تشبه حياة الجيران، لماذا يتصور البعض أنني الجن القرين يعكس حياته وعلي أن ألتزم الصمت مثله ، كم مرة وجب علينا إثبات الميلاد والتشابه معاً يا رجل ؟ أتذكر أنني لم أتوجه مطلقاً إلى الأبواب المغلقة وأنتظر أن يدخلني الحراس برضاهم هم، مثل ذاك المذيع، إنما برضاي برغبتي في الدخول أو الهروب او التسلل، رغبت الشمس وهي ترفل على منابت خصلات شعري برفقة الهواء ، وشغلتني السيرة الذاتية التي تطيح بالمناصب والمكانة ، أتلهف على تدمير المكانة أكثر، نعم. أحب السيرة الذاتية.. أو مجرد السيرة .. هذا التهديد الذي يفجر الدماء قبل سطوعه، هذا الصراخ الكهربي، هذا التعري والإطاحة بالمخاوف لتسقط قتيلة ويسقط الخجل والقصور والدوائر الجحيمية، في هيئة جرحى. وبين الترقب والكبح ،يدور الصراخ كمؤشر البوصلة يهدي قبائل القرين الضائعة بداخلي..حين كبرت فكرت أن المهنة التي تليق بي هي "عميلة مزدوجة" فلأنني فضّاحة جداً لن تساور الشكوك أحداً حول السر الذي أخفيه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!