الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيمة الإنسان.. بباقة ذكرياته...

غسان صابور

2020 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


قيمة الإنسان.. بباقة ذكرياته؟؟؟...
وضعت ثلاثة علامات استفهام على هذه المقولة التي قرأتها من عدة أيام... وهزتني... لأنني لا اتعلق كثيرا بالذكريات.. ولا بالحنين.. وأرى دوما أن الحياة.. هي أن تمشي دوما إلى الأمـام.. على طريق.. لـه مستقبل.. وإبتداع وخلق أفكار جدية جديدة.. تساعد الآخر.. وتخدم الدفاع عن الحقيقة.. والإنسانية.... ومنذ بدايات فتوتي وشبابي.. كنت أرفض دوما.. ما تقرره لي المدرسة.. السلطة العائلية.. الكيان الحزبي المرسوم.. أو السلطة التي كانت غالبا مرسومة.. مقررة سلفا...مما جلب لي عديدا من المتاعب اليومية.. والشهرية غالبا.. حتى عدة سنوات من جنزرة.. حرمتني من الأوكسيجين.. وغمرتني بعتمة لا أرى فيها أي بصبوص نور.. ولا أفق.. مما يعني أنني خلال الثلاثين سنة الأولى من عمري.. كانت قيمتي كإنسان بالبلد الذي ولدت به.. لا قيمة بينها سوى لسنوات الطفولة المعدودة.. وبعدها قيمتي كإنسان.. كانت ممزقة.. لا قيمة إنسانية لها على الأطلاق.. وكانت الهجرة.. وسيلة الاختيار الوحيدة.. رغم ألف صعوبة... هــنــاك.. آنذاك.. بأعتم وأسوأ الذكريات............
لا أنسى أبدا سفري من بيروت... المدينة المرفأ والملجأ... بعد أن أمضيت فيها أسبوعين.. بفندق أحد الرفاق والأصدقاء مجانا.. حيث لم أكن أملك حينذاك سوى قيمة السفرة ذهاب فقط... على متن باخرة تركية سياحية.. On Deck على خط إزمير (تركيا) مرورا ببيروت (لبنان).. الإسكندرية (مصر).. نابولي (أيطاليا).. مرسيليا (فرنسا) حتى برشلونة (اسبانبا) آخر مرفأ... وكانت سعر بطاقتي 140 ليرة لبنانية آنذاك... كل ما أملك... دون تخت.. بلا طعام... على ظهر الباخرة.. على كرسي طويل... حيث اعارني بشهر نيسان بحار تركي يتكلم الفرنسية.. بطانيتين... وكان يشاركني وجباته اليومية.. لأنه كان صديقا لأحد طباخي الباخرة... حيث وطأت قدماي بعد أربعة أيام ونصف.. أرض مرسيليا بالسابع عشر من نيسان.. (تاريخ استقلال سوريا.. أو جلاء الفرنسيين منها) ومن حينها بدأ تاريخ حياتي الحقيقية... حياة جديدة مليئة بمدرسة إنسانية جديدة.. تختلف كليا.. عن كل ما علمتني إياه الدروب المعتمة التي قضيتها خلال ثلاثين سنة تقريبا... حياة بها العديد من الهضبات والطاقات المفتوحة.. ولكن لغتي الفرنسية الآكاديمية الصحيحة.. كانت تفتح لي كل الأبواب المغلقة.. ومقاعد المعرفة والسياسة والتعليم... وخاصة أبواب العمل... وبما أن والدي أمضى خمسة وعشرين سنة بالجيش الفرنسي.. وعاش كل الحرب العالمية الثانية.. قبل مشاركته أولى همهمات الجيش السوري.. وتطوراته.. في سوريا ولم يعش بعدها أياما طويلة... تاريخ خدمته بالجيش الفرنسي.. وأوسمته المتعددة.. وإضبارته الشخصية... فتحت لي كثيرا من الأبواب المغلقة.. وحصلت على الجنسية الفرنسية بسرعة مع عائلتي وأولادي... التي انضمت لي بعد أشهر معدودة من وصولي لفرنسا... ومن هذه الفترة بدأت اختيار بوصلتي وحياتي ومستقبلي... وطريقي.. وتصحيح معتقدي وافكاري.. ونظرتي للحريات والإنسان.. والفلسفة والفكر.. والسياسة.. أسماء كنت أقراؤها دون معرفة حقيقية.. لأنها كانت غير موجودة على الإطلاق بالبلد الذي ولدت فيه... رغم أنها كانت موجودة بجميع العناوين الرسمية المعلنة.. ولكنها كانت ممنوعة الممارسة.. ومن يقول الحقيقة.. يدان بأشكال مختلفة... لهذا السبب مسحت فتوتي وشبابي وبدايات رجولتي.. رغم عنفوانها.. وما سببت لي من مصاعب وكركبات عنيفة مختلفة...
أما هنا منذ بدء قصة حياتي الفرنسية.. وعلى مختلف دروبها التقيت نساء ورجالا من مدارس إنسانية ومعتقدية وسياسية.. من مختلف الاتجاهات والبوصلات والتحليلات الفلسفية... وهذه اللقاءات والندوات والدراسات كانت أفضل وأصدق وأصح المدارس الاجتماعية والإنسانية... لأنها كانت مختلفة.. لأن تعلقها بحرية الإنسان.. كانت أفضل الجامعات.. وأصدق من تبشيرات جميع الأديان المتضاربة...
لهذا السبب أحب هذا البلد.. أعشق هذا البلد... رغم جميع تضارباته وتعاكساته المختلفة.. Les Paradoxes ... دوما هذه الكلمة التي يمكنك أن تجد من خلالها طاقة مرور عبر جميع الممنوعات... والتي لا تجدها بأي بلد آخر... وتجد دوما نساء ورجالا.. لا تجدهم بأي بلد آخر على استعداد أن يموتوا في سبيل حرية التعبير عن رأيك... ولو أنهم ليسوا على اتفاق مع هذا الرأي... الحرية هنا.. ديانة كاملة... ولو أن هناك فئات فكرية مستوردة.. تحاول التسلل من كلمة حرية أو كلمة علمانية.. لإيجاد تفسيرات محرفة لتطبيق معتقداتها.. معتقدات مختلفة كليا.. عما بنته أجيال وأجيال من الصراع والتضحيات.. لبناء صرحي الحرية والعلمانية الفرنسية... والتي رغم بعض التفسخات " المطاطية" التي ظهرت بالثلاثين سنة الأخيرة.. لتفجير ركائز الحرية والعلمانية الفرنسية... تبقى أفضل طريق للحريات العامة والعلمانية...
أكرر.. وأكرر بأني أحب هذا البلد... وهو وطني.. ووطن أولادي واحفادي.. وأولاد احفادي... وانا ـ شخصيا ـ لا اغيره لقاء الجنة... واهتمامي بهم.. كان توجيهي لهم.. بهذا الخط الواضح المقدس... ونجاحاتهم العلمية والاجتماعية المتكاملة.. أحلى وأجمل وأكمل باقات ذكرياتي....
***************
ــ عــلــى الــهــامــش
من الذكريات :
قرأت عبر صحيفة نت سورية نبأ وفاة رئيس الوزراء السوري السابق المعروف.. محمد مصطفى مــيــرو.. يوم الثلاثاء الماضي 21 ديسمبر ـ كانون أول 2020... من ذكرياتي ولقائي معه عندما زار مدينة ليون.. عائدا من زيارة للولايات المتحدة الأمريكية.. مع وفد غرفة تجارة مدينة حلب.. والتي كان السيد ميرو آنذاك.. فقط محافظا لهذه المدينة السورية التجارية... وكان عمدة مدينة ليون الجامعي ورئيس وزراء سابق ,أستاذ جامعي اقتثادي معروف.. Raymond Barre.. وذلك بأواخر سنوات القرن الماضي.. ودعي الوفد مع الرابطة الفرنسية ـ السورية ـ الثقافية.. للمشاركة معه للحضور بصالونات بيت السياحة في ليون.. لاستماع الكاتبة السورية ـ الفرنسية ميريام أنطاكي التي تقدم آخر كتبها... وكانت السفارة السورية آنذاك قد استأجرت خدمات مترجم لبناني من العاصمة باريس (لأنه لا يوجد بالسفارة الراقية جدا من يتكلم الفرنسية).. وكان المترجم بجانب الكاتبة... ولما وصلت السيدة أنطاكي إلى مقطع من كتابها.. بأن المسيحية موجودة في سوريا والشرق الأوسط.. قبل الإسلام.. ولما ترجم المترجم حرفيا ما قالت.. وقف السيد ميرو منبريا بقامته القصيرة.. وطلب من المترجم.. أن يصحح : كلا.. كلا.. الإسلام موجود في سوريا قبل المسيحية... فانطوى المترجم.. وترجم اعتراض السيد ميرو الخاطئ تاريخيا.. وهنا همس السيد ريمون بار بإذن زوجته.. بالانسحاب.. معتذرا بالتزاماته بمواعيد أخرى... علما أن هذه الفترة.. كانت فترة مناقشة توأمة مدينتي حلب وليون...
وبعدها... فشلت عملية توأمة مدينة حلب.. ومدينة ليون... وبعد أسابيع قليلة معدودة.. قرأت أن "الدكتور" مــيــرو أصبح رئيسا لوزراء سوريا.... وهل يمكن للآلهة أن تنساه.. وتغفر لــه؟؟؟.........
وللحديث بقية... عن بعض هذا الطريق... طالما لي أيام........
ــ كل شكري وامتناني وتأييدي للزميل عادل صـومـا على مقاله المنشور البارحة بالحوار تحت عنوان : " شــكـرا يا يسوع المسيح"...
لأنه صور بصدق وتحليل فلسفي اجتماعي.. إنساني.. للمسيح.. عيسى بن مريم... ناشر المسيحية السلمية الإنسانية.. وتآخي الإنسان مع الإنسان.. رافضا كل أشكال العنف.. أو اغتصاب الشعوب.. او سيطرة الحكومات والتجمعات المحاربة الراديكالية.. على شعوب وبلدان باسم الدين... المسيح سيد العلمانية الحقيقية.. والسلام الحقيقي.. وحماية الطبيعة... ونشر المحبة والحب بين البشر.. دون حدود... وخاصة محبة ومساعدة الفقير...
وبعد ساعات بمنتصف هذا الليل تماما.. ذكرى 2020 سنة لميلاد المسيح... أتوجه لكل من يحب السلام وحماية الحريات الإنسانية.. والمساواة والتآخي الحقيقي بين جميع البشر... بكل تمنيات السعادة الكاملة والصحة والهناء والصفاء... آملا عودة السلام الكامل.. للإنسان.. بكل مكان...
بـــــالانـــــتـــــظـــــار...
غـسـان صـــابـــور ـــ لـيـون فـــرنـــســـا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا