الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبارتاكوس في التأريخ السوفييتي

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2020 / 12 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كاتبة المقال: كلوديا بافلوفنا كورجيفا*

ترجمة رُبى مَسوَدِة

مُراجعة وتدقيق:مالك أبوعليا

لم تكفّ ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس، والتي حدثت منذ 2000 عاماً، عن اثارة اهتمام ذوي التفكير التقدّمي. لقد أولى العُلماء السوفييت اهتماماً كبيراً لهذا الحدث البارز في تاريخ روما القديم. أثارت ثورة العبيد ونضالهم المُتفاني بقيادة سبارتاكوس ، وهو الحَدَث المُنسَجِم تماماً مع الحقبة الثورية التي تميّز تدشينها بالنصر في ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى، أثارت إستجابةً حية في أدب السنوات الاولى بعد ثورة أكتوبر(1). غير أنه في ذلك الوقت، أي في الفترة الأولى ما بعد ثورة اكتوبر، كان الدور الرائد في دراسة تاريخ العصور القديمة لا يزال يعود إلى علماء مدرسة ما قبل الثورة القديمة، الذين اعتبرو مُعظَم تاريخ المجتمع الروماني رأسماليا،ً بينما رأى روبرت فيبر Robert Wipper أن ما يميز " الرأسمالية الرومانية " هي عبودية الجماهير، وخاصةً في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد. في رأي فيبر، فان ثورة سبارتكوس، والتي عبرت عن ذروة الوعي السياسي والثوري للعبيد(2)، هي التي جعلت الدولة الرومانية في حالة خوف لمدة ثلاث سنوات. كتب فلاديمير سيرجييف Vladimir Sergeyevich Sergeyev عن أهمية العبودية وكفاح العبيد في العصور القديمة. مُعتَبِراً روما "مُجتمع مُضاربة ربوية للرأسمال القديم بعناصر اقطاعية" وبالتالي تعقّد تكوينها، فقد أشار لها في نفس الوقت على أنها قائمة على " مُلكية العبيد"، يقول: "اعتمد المجتمع القديم بأكمله على العبودية". ورأى سيرجييف في تمرد العبيد أحد الأسباب "التي وضعت الإقتصاد والدوائر الرومانية الحاكمة في حالة أزمة اقتصادية واهتياج واضطراب إجتماعي دائم"(3). لقد أكّد على أن تحرّك العبيد قد بلغ أوجه خلال "ثورة العبيد بقيادة المصارع التراقي سبارتاكوس"(4). بمعاينة أسباب هزيمته كان سيرجييف هو أول من قدم حُججاً من مثل عدم وجود خطة موحدة، وضعف وعيهم بهدفهم العام، والافتقار للتنظيم الجيد، والخلافات بين القادة. كتب سيرجييف حول نتائج النضال الثوري في العصور القديمة ككل، يقول: "مهما كان ضُعف نضالات الناس في العصور القديمة من حيث نتائجها بالنسبة لمن نظموها وشاركوا فيها، الا أنه لا يجب التقليل من شأن أهميىتها بالنسبة للعضوية الإجتماعية ككل(5). كتب سيرجي كوفاليف Sergeĭ Ivanovich Kovalev وسيرجي جابيليف Sergey Alexandrovich Zhebelev (6) عن الدور الرئيسي للعبودية في العالم القديم وأهمية ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس في أولى دراساتهم الأساسية حول تاريخ روما القديمة .
كان نَشر عَمَل لينين بعنوان "عن الدولة " عام 1929 ذا أهمية بالغة في مُعالجة المؤرخين السوفييت لهذه المسألة بشكلٍ أكبر. لقد صاغ بوضوح الافتراضات القائلة بأن الطبقات المتناحرة الرئيسية في العصور القديمة كانت أسياد العبيد والعبيد(7) وعالج ثورة هؤلاء الأخيرين على أنها الأكثر وضوحاً وخطورةً في التعبير عن التناقضات الطبقية. أظهر لينين، في الوقت نفسه، أن ثورات العبيد تميزت بسمات مثل العفوية وافتقارها للأهداف الصريحة من أجل نضالهم وعدم قدرتها على الدفاع عن مصالحها الطبقية بشكل مُتّسِق ومتفرد. قدّم لينين لثورة سبارتاكوس، في وصفه لها، تقديراً عالياً، حيث أن العبيد المتمردين كانوا ثوريين ويتحلّون بسمات شخصية قائدهم. يقول " سبارتاكوس كان بطلا من أبرز الأبطال في انتفاضة من أكبر الانتفاضات التي قام بها العبيد منذ نحو ألفي سنة. إن إمبراطورية روما التي قامت بصورة تامة على العبودية قد كانت، على ما كان يبدو لها من حول وطول، تعاني في غضون عدد من السنين الهزات وتتلقى الضربات من انتفاضة كبرى للعبيد الذين تسلحوا واحتشدوا تحت قيادة سبارتاكوس وشكلوا جيشا كبيرا"(8). وصف لينين ثورة سبارتكوس بأنها حرب عادلة لمصالح الطبقة المُستَعبَدَة(9).
افتتح الفكر الماركسي حول النظام الاجتماعي-الاقتصادي العبودي والصراع الطبقي، في هذه الفترة (اي في فترة بداية ثورة اكتوبر الاشتراكية)، آفاقاً واسعة لمُعالجة المسائل الاجتماعية الاقتصادية حول العصور القديمة. بدأ في الثلاثينيات، نقاش علمي حول المسائل المتعلقة بطابع التناقض الأساسي في الفترة العبودية ونمط الإنتاج والطبقات والصراع الطبقي المتعلّق بفترة نهوض وسقوط الدول في العصور القديمة. وفي هذه الفترة، تم نشر المصادر(10) وأصدَرَ المؤرخين السوفييت عدداً من الدراسات الخاصة عن تاريخ الصراع الطبقي في روما القديمة(11). ناقشت هذه الأعمال ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس باعتبارها تمظهراً رئيسياً وحياً بشكلٍ خاص للتناقضات الطبقية في روما القديمة .
كَتَبَ الكسندر اليتش تيومينيف Alexander Ilyich Tyumnev وهو واحد من أوائل من درسوا تاريخ اليونان القديمة وروما القديمة كتاريخ لمجتمع طبقي مبني على حيازة العبيد، أنه في حين أن ثورة العبيد في صقلية وإيطاليا لم تقدم أي آفاق لإعادة تنظيم النظام الإجتماعي، الا أنها أظهرت قدراً عظيماً من الصلابة والتنظيم مما كان عليه الحال في تمرد العبيد في اليونان(12). "كان مالكو العبيد الرومان مدركون تماماً لقوة ثورة سبارتاكوس وخطرها. ولفترة طويلة بعد ذلك اعتبروا قائد المُجالدين الثائرين على انه على نفس المستوى تقريبا ً مع أكبر عدو لروما وأعظم قائد عسكري في العصور القديمة هانيبال. أشار بيوتر بريوبراجينسكي Pyotr Fedorovich Preobrazhensky الى أن مشاعر العداء الطبقيّ هنا قدّمت معياراً صحيحاً لقياس أهمية ثورة سبارتكوس(13). تم وضع تاريخ ثورة سبارتاكوس على هذا المستوى العلمي الجديد في الكتب المدرسية العليا والثانوية المنشورة بعد المرسوم المشترك الشهير حول تدريس التاريخ السياسي(14)، الصادر عن مجلس مفوضي الشعب واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في 16 أيار عام 1934.
ومع ذلك، فإن الكتابات عن نضال العبيد المنشورة في ثلاثينيات القرن الماضي كان لها جانبها السلبي ايضا .
اكتسبت فكرة "ثورة العبيد"، التي من المفترض انها أطاحت بنمط انتاج تملّك العبيد انتشارا وتداولاً واسعًا. قادت هذه الفكرة الى تشوّهات وانحرافات معينة عن الحقيقة في تأويل المصادر والبحث الطبقي والاجتماعي في مسألة حركات العصور القديمة. كان دور الصراع الطبقي للعبيد في المصائر التاريخية لروما القديمة مُبالغاً فيه. اعتُبِرَ أن طبقة العبيد، من البداية الى النهاية، هي الطبقة الثورية لمُجتمع روما حيث قادت طبقة الفلاحين. تمت دراسة انتفاضات العبيد جنباً الى جنب مع حركات المواطنين الأحرار الديمقراطية ووضعها على نفس المستوى. تم اعتبار أن العبيد هم الطبقة الواعية والأكثر تنظيماً التي تتمتع بالهيمنة في الصراع الطبقي، بينما كان يُنظَر إلى حركات الفلاحين في إيطاليا على أنها "عَرَضية "وثانوية وخاضعة لثورة العبيد وتدنوها مرتبةً. بما أن تمردات العبيد الكُبرى في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد لم تحظى بأي دورٍ مهمٍ في إنهاء أشكال استغلال العبيد ، فقد تم انشاء نظرية عن "المرحلتين في ثورة العبيد"- التي انتهت في القرن الخامس مع سقوط الإمبراطورية الرومانية واستبدال العبودية بنظام الإقطاع- بشكلٍ مُصطنع. تم عزل تمردات العبيد في القرنين الأول والثاني على أساس أنها "المرحلة الأولى لثورة العبيد". وتم تعيين ثورة سبارتاكوس على أنها تتويج لهذه المرحلة ونُسِبَ لها أهميةً حاسمةً في تقويض اسس نظام العبودية في روما وفي أزمة وسقوط الجمهورية وفي تأسيس الإمبراطورية.
كانت هذه المفاهيم سائدةً في التأريخ السوفييتي في فترة الثلاثينيات .وحتى أول طالب رئيسي في مادة ثورة سبارتاكوس الكسندر فاسيليفتش ميشولين Alexander Vasilyevich Mishulin لم يستطع أن يُفلِت منها. في غياب أي سابقة وتجربة علمية في التعامل مع هذا الموضوع فإن ميشولين الذي كان "في مُقدمة من عالج أكثر المسائل صعوبةً ودقةً وقلّةً في المعطيات في تاريخ العصور القديمة"(15)، كان قد نشر عدداً من المقالات الخاصة في الثلاثينيات عن تاريخ ثورة سبارتاكوس(16). تمكّن، نتيجةً لعملٍ تحليليٍ مُضنٍ لمجموعة محدودة ومعقدة من المصادر، تمكّن، لأول مرة في الدراسات التاريخية، (جُزئياً، أن يستخدم الترجمات الروسية الجديدة التي قام بها هو) ونظمنة جميع المعلومات من الكتاب القدماء حول الانتفاضة وقائدها وكذلك حول نضال العبيد بعد موت سبارتاكوس، وهو الموضوع الذي كان الأدب صامتاً تجاهه تقريباً. قام ميشولين بادراج مُلاحظاته واستنتاجاته التي توصل إليها بنتيجة للكثير من سنوات العمل، في دراسة بحثية (17).
كان الأساس المنهجي لعمل ميشولين هو الافتراض الماركسي اللينيني بأن نضال العبيد في العصور القديمة كان نتيجةً طبيعيةً لتطور نظام الرق الانتاجي وإن أسباب كل الثورات كانت قائمة على الأساس المادي لنظام العبودية. باعتماده على أفكار لينين حول الثورة المسلحة كشكل خاص من أشكال الفن، قدّم ميشولين التنظيم والبرنامج السياسي للانتفاضة والنسيج الإجتماعي والعرقي للمشاركين فيها، واظهر أن الحركة كانت واسعة النطاق. وبرفضه الصريح في وصف تيودور مومسن T. Mommsen للمشاركين في ثورة سبارتاكوس، "بأنهم عصابة متمردة من قطاع الطرق" وبأن قائدهم هو "زعيم عصابة" هذا الوصف المقبول عالمياً في الخارج، أظهر ميشولين أن تحليلاً أكثر دقة للمصادر حول ثورة سبارتاكوس يدحض هذا الرأي الراسخ(18). كتب ميشولين: "لدينا مادة وفيرة لكي نؤكد أن تنظيم الحرب الأهلية ودورها في سير الأنتفاضة... قد ارتقى بسبارتاكوس إلى مستوى القادة العسكريون العظماء في تاريخ البشرية "(19).
كانت خدمة ميشولين الأعظم تتمثل في نقده للمنظرين الحداثيين أمثال ماكس فيبر، ومومسن وادوارد ماير Eduard Meyer ودوباش وميخائيل روستوفتسيف Mikhail Ivanovich Rostovtzeff والزايك وآخرون في نظرياتهم عن نضال العبيد في العصور القديمة كالنظريات التي" تستهدف الماركسية الثورية على قدم المساواة"(20).
مع ذلك تحتوي دراسات ميشولين على عدد من التأكيدات القابلة للنقاش والتي تعرّضت للنقد في الأدب السوفييتي في الثلاثينات وما بعدها. وبالتالي، فهو قد بالغ في دور الفقراء الأحرار في صفوف جيش سبارتاكوس، وقد اعتبر تمرّد العبيد بأنه "ثورة العبيد والفلاحين الفقراء " والذين شارك فيها الفلاحين والجنود الايطاليين الذين تعرّضوا للخراب. اعتبر ميشولين العبيد المتمردين أنهم طبقة قيادية تميزت بالوعي والثورية والتنظيم وفرضت نفسها أثناء "ثورة العبيد والفلاحين الفقراء "بقيادة سبارتاكوس والتي تمثلت مهمتها في التحرر من العبودية والالغاء التام لتملّك العبيد. مع ذلك، في رأيه، فقد زحَفَ الفلاحين بقيادة كريكسوس، وغانيكوس، وانيمايوس وقادة آخرين إلى روما من أجل الإستيلاء عليها وإعادة توزيع الأرض. هذا الظرف في رأيه، لم يخلق الظروف المناسبة التي يمكن الإعتماد عليها للتحالف بين ثورة العبيد و"الثورة الفلاحين الزراعية"(21). ولهذا السبب تحديداً قال ميشولين أن وحدة السبارتاكوسيين تحطمت بسبب افتقارها للتجانس الأجتماعي. لم يندمج الهدفين الذين تجليا في تحرّك سبارتاكوس، وهما تحرير العبيد من العبودية وتحرير الفلاحين من عبودية مُلّاك العبيد، مما حدد مسبقاً النتيجة الفاشلة للثورة(22). عارَضَ بريوبراجينسكي وسيرجيفسكي(23) وآخرون غيرهم على الفور، مصطلح "ثورة العبيد والفلاحين الفقراء " ولقد تم تأكيد صحة هذا النقد في وقت لاحق من خلال المصادر والدراسات الجديدة التي أجراها المؤرخون السوفيييت.
وفقا لفكرته عن "ثورة العبيد "، وصف ميشولين ثورة سبارتاكوس بأنها احدى روابط "المرحلة الأولى " من الثورة ، مُبالغاً في تقدير أهمية التمرد في تقويض أسس نظام مُلكية العبيد الاقتصادي ودورها في اعداد "المرحلة الثانية من ثورة العبيد". كَتَبَ بأنه "ظهر النضال ضد العبودية كنظام على وجه التحديد منذ نهاية القرن الثاني، عندما أدى تصاعد الوعي الذاتي عند العبيد في ثورة سبارتاكوس إلى محاولات التحرر الشامل من العبودية وبالتالي الى تدمير نظام مُلكية العبيد الاقتصادي"(24). ناقشت كتابات ميشولين كون عَمَل العبيد كان عملاً اقتصادياً غير مُربح وناقشت منح قطع صغيرة من الأرض للمستأجرين مجانا، وان الكولونات ظهرت كنتيجة لثورة سبارتاكوس وأنه كان هناك ازدياد كبير في عتق العبيد مما أدى الى ولادة شكل جديد من عمل العبودية الانتاجي الجديد. أكد ميشولين على فكرة تكثّف استخدام عمل العبيد الذين تربوا في المنازل بدلا ًمن شراءهم ، واستخدام العبيد من قبائل مختلفة وليس من نفس القبيلة خوفا من الانفجارات الثورية. إعتُبِرَت السياسة الجديدة فيما يتعلق بالعبيد والمزارع التي أدارها العتق بداية انهيارنمط الانتاج العبودي. ان المبالغة في أهمية دور ثورة سبارتاكوس في تغيير اقتصاد امتلاك العبيد لا نجدها فقط في كتابات ميشولين ولكن نجدها ايضا في اعمال مؤرخين آخرين في الثلاثينيات والسنوات اللاحقة(25). فنجد دراسات من قبل المؤرخين السوفييت في تلك الفترة تميزت بمقاربة تخطيطية مما يُعزى الى حقيقة أنه لم تكن العديد من المسائل ذات الأهمية في التاريخ القديم قد تمت معالجتها بعد. تم التركيز بشكل رئيسي على المسائل المنهجية، دون الاعتماد الضروري على مواد تاريخية عيانية ملموسة. كان النضال ضد المدارس والمفاهيم البرجوازية يُدار في كثير من الأحيان، دون أساسٍ كافٍ في الدراسات التاريخية. تمت دراسة ما سُميَ "ثورات العبيد العظيمة" في صقلية وثورة سبارتاكوس، بمعزل عن أشكال ثورات المظلومين والمُستَغَلين والنضال السياسي في روما .
عَكَسَ عمل ميشولين حول ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس، وضع دراسة المؤرخين السوفييت لمسائل الصراع الطبقي للعبيد في روما القديمة .
بصرف النظر عن الطابع الخاطئ والقابل للنقاش لبعض الاستنتاجات والآراء، على سبيل المثال فيما يتعلق بمسألة التحالف بين العبيد والفلاحين أو أزمة نظام حيازة العبيد كنتيجة لثورة العبيد في القرن الأول قبل الميلاد، فقد بقيت دراسات ميشولين حتى يومنا هذا هي الأكثر اكتمالاً وجديةً فيما يخص ثورة سبارتاكوس في كل من الأدب السوفييتي والأجنبي. لقد اظهرت دراساته أن مشاكل النظام الإجتماعي والإقتصادي لحيازة العبيد حتى ذلك الحين بدأت تحتل مكانةً ثابتةً في التأريخ السوفييتي.
مارست كتابات تيومينيف وكوفاليف وجابيليف، وسيرجييف وكريوجر وميشولين التأثير الأكبر على المسار اللاحق للفكر البحثي وأدت في نهاية المطاف إلى تأسيس المنهج الماركسي-اللينيني في دراسة العالم القديم .
ومن الطابع الخطي الذي ميّز دراسات مؤرخي الثلاثينيات في حلولها لمسائل معينة ومن مجرد افتراض عبودية المجتمع القديم، فقد تطوّرت الدراسة السوفييتية حول العصور القديمة بتسلحها بالمنهجية الجديدة موضحةً تعقّد الظواهر الملموسة وتناقضها والطبيعة وتعدد أوجهها. حدث هذا التطور الإبداعي للمعرفة السوفييتية في سياق التغلب على الدوغمائية والمذهبية(26)، وفي صراعها ضد المفاهيم المثالية للدراسات البرجوازية .إن الكشف عن سمات خاصة في إقتصاديات المجتمعات القديمة قد مكننا من فهم بُناها الطبقية المعقدة. دَرَس المؤرخون السوفييت، مستندين على فكرة ماركس حول الانقسام الطبقي للمجتمع الروماني القديم الى عدة مستويات(27)، درسوا مسألة جذور التناقضات الحادة في المجتمع الروماني القديم ليس فقط من حيث التناقض الطبقي الأساسي، ولكن أيضا من حيث محاولات المواطنين الأحرار للتخلص من الاستغلال.
جرت المحاولات في وقتٍ مبكرٍ من الثلاثينات للبحث في المسائل المتعلقة بخطين من التناقض في المجتمع الروماني (الصراع الطبقي والصراع المدني)، التناقضات بين حيازة العبيد واسعة النطاق والمزارعين والفلاحين الصغار، والصراع السياسي بين المواطنين الأحرار(28). لاحقاً، توصل اوليغ كودريافتسيف Oleg Vsevolodovich Kudryavtsev، وسيرجي اوتشينكو Sergei L. Utchenko باعتمادهم على دراسة البُنية الإجتماعية للمجتمع الروماني القديم، الى استنتاج أكثر ملموسيةً أنه بالإضافة إلى الانقسام الطبقي الأساسي للمجتمع الروماني الى ملاكي العبيد والعبيد فقد كان هناك انقسام بين الأحرار إلى أصحاب الأراضي مالكي العبيد، وطبقة المُنتجين الصغار، أي الفلاحين. لم يكن المنتجون الأحرار الصغار من الطبقة الأساسية بل كانوا طبقةً انتقالية في مواجهة أصحاب الملكية الكبار، وفي حين وظّف الفلاحون عمل العبيد، من حينٍ الى آخر، إلا أنه لا يُمكن تصنيفهم ضمن مُلّاك العبيد بما أن هؤلاء الأخيرين كانوا يستغلونهم.
أدى نمو وتطور حيازة العبيد ومُلكية الأراضي الكبيرة في المجتمع الروماني الى خراب وافقار الملّاكين الأحرار الصغار، والذين طالبوا بتقسيم الأرض والتوسع في الحقوق السياسية. وهكذا، جنباً الى جنب مع التناقض الرئيسي في روما بين العبيد وملاكي العبيد، والذي تحوّل إلى انتفاضاتٍ وأشكالٍ أُخرى من الصراع الطبقي، لم يكن الصراع أقل حِدّةً بين فئة المالكين الصغار الانتقالية، وطبقتي ملاكي الأراضي وملاكي العبيد الرئيسيتين.
بالرغم من ذلك، لم يكن من المُمكن حدوث فعل مشترك بين العبيد والفلاحين ضد مالكي العبيد، بسبب اختلاف مصالح الطبقات المضطهدة في الظروف التاريخية المُعطاة: كان العبيد يقاتلون من أجل حريتهم الشخصية وحارب الفلاحون من أجل حصولهم على الأرض. بالتالي يمكن فهم خطأ النظر لثورة سبارتاكوس على أنها "ثورة العبيد والفلاحين الفقراء" والمبالغة في دور الفقراء الأحرار، وهم الطبقة الأقرب إلى العبيد. بعد فحص المصادر توصّل كوفاليف، على سبيل المثال، إلى استنتاج مفاده أن العبيد لم يجتذبوا الفقراء إليهم: "ان حالات المشاركين من المجموعة الأخيرة في حركات العبيد قليلة، وكل الجهود لإثبات أنه كان هناك عدد كبير من عمال المزارع وفقراء الفلاحين في جيش سبارتاكوس لم تعتمد على البيانات الموجودة في المصادر"(30). ربما قد انضم أفراد من بين الفلاحين الفقراء والأشخاص الذين تراكمت عليهم الديون ميئوس منها، وبروليتاريا رثة وغيرهم من أوساط"رعاع الرومان" الى العصيان. كان من الممكن أن يهدف "حلفاء" عشوائيون من هذا النوع فقط الى الاستيلاء على الأرض داخل حدود إيطاليا وأن يسبب انحلالاً في صفوف الثوّار. أكدت موتوس A. A. Motus أنه لا توجد أسباب كافية(31) للحديث عن المشاركة الجماهيرية للفلاحين الأحرار والفقراء الأحرار بشكل عام في ثورة سبارتاكوس واندماج حركات الفلاحين والعبيد في ذلك الوقت. كتب المؤرخ البولندي ر. كاميينيك مؤخراً أن ميشولين بالغ في أعداد الجنود الذين فرّوا وانتسبوا الى جيش سبارتاكوس(32). ولم يكن نموذج "ثورة العبيد على أساس مرحلتين" كأساس لدراسة الصراع الطبقي في روما مؤكداً بحقائق عيانية ملموسة. بدأت اعادة دراسة لوجهات نظر مؤرخي الثلاثينات حول صراعات العبيد للقرنين الأول والثاني قبل الميلاد باعتباره "المرحلة الأولى" من ذلك النموذج الثنائي، والذي من المُفتَرض أنها قوضت أسس نمط الانتاج العبودي.
في عملية ترسيخ المفهوم الماركسي للتاريخ القديم، كانت دراسة ثورة سبارتاكوس تجري بشكل مكثفٍ على مستويين: مستوى المنهجية العامة، ومستوى توثيق المصادر. يكمن تعقيد المهمة في حقيقة أن المصادر حول نضال العبيد كانت متناثرة وذاتية ومتناقضة. ان كُتّاب العصور القديمة الذين مثلوا طبقة مُلّاك العبيد، باعدادهم تقارير تستخف بأعدائهم الطبقيين، لم يرغبوا، على حد تعبير بريوبراجينسكي الدقيق "نشر غسيلهم المتسخ أمام الملأ"(33). زاد من تعقيد شُح الأدلة القديمة عن أصول العبيد وصراعهم، انعدام دقة الحقائق والأسماء والتواريخ المذكورة؛ كانت المعلومات التي قدمها الكُتّاب القدماء حول ثورة سبارتاكوس مجزأة و متناقضة. لم يُعالج الكُتّاب القدماء مسائل برنامج وأهداف التحرّك والنسيج الاجتماعي للمتمردين وموقفهم من العبودية كظاهرة اجتماعية وأسبابها، وأسباب الخلافات في صفوف الثوار الا بشكلٍ نادر، لدرجة أنه لم يكن يُمكن للمرء الا أن يُشكّل فكرةً غامضةً عنها. قام العلماء السوفييت بعمل عظيم فيما يخص أدب العصور القديمة، أي باكتشافها وتجميعها وتحليلها ومقارنتها بشكل نقدي. كان هذا العمل ضروريا للغاية لأنه لم يكن لدى دارسي الثورة طُرقاً غير هذا التوثيق العلمي. اكتشف مدير متحف نابولي Naples Museum أثناء التنقيبات لوحة جدارية في بومبي والتي تصور فارسيين منفصليين يتقاتلون وتتجسد بهوية سبارتاكوس و"فيليكس من بومبي"، نشرت جنباً إلى جنب مع السجل الأثري في المجلة الإيطالية Noticie degli sclave عام 1927. وتُعتَبر هذه اللوحة الجدارية قليلة الوضوح، الاكتشاف الأركيولوجي الوحيد الذي وجده بعض المؤرخين السوفييت مقبولاً فيما يتعلق بموت سبارتاكوس في معركته الأخيرة(34).
نُشِرَت بعض المصادر المتعلقة بتحرّك سبارتاكوس في مجلّة عام 1933. يُمكن العثور على مصادر تاريخ حول ثورة سبارتاكوس بشكل أكثر اكتمالا وتعميماً في منشور جابيليف وكوفاليف المُعنوَن (تمردات العبيد العظيمة في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد في روما)(35). تم جمع هذه المصادر بواسطة ميشولين بشكل موسع ومرتب منهجياً وكانت في كثير من الحالات أولى الترجمات الى اللغة الروسية. كانت هناك فقط إضافات طفيفة لتلك البيانات في أعمال موتوس، ونيكولاي ماشكين Nikolai Alexandrovich Mashkin(36). كان مقال صوفيا بروتاسوفا Sofia Ivanovna Protasova بحثاً أصيلاً في مصادر ثورة سبارتاكوس. اكتشفت الاتجاهات التي اتبعها المؤلفون القدامى في رواياتهم عن سبارتاكوس عن طريق مقارنة المصادر وتصحيحها ومن ثم حددت نموذجين تقليديين من الروايات حول الثورة السبارتاكوسية: النسخة الأقدم والأكثر ترجيحًا والتي قدّمها ليفي Livy واوروسيوس Orosius وسالوست Sallust وبلوتارك Plutarch ؛ بينما تلك التي صدرت من ابيان فهي الأقل إقناعًاً. علاوةً على ذلك، فان ابيان، في رأي بروتاستوفا "لم يستخدم مصادر ليفي أو سالوست ولكن استخدم مصادر اخرى لاحقة وغير معروفة"(37). ان استنتاج بروتاسوفا أن هناك نموذجين تقليديين حول ثورة سبارتاكوس قد تم قبوله مع تغييرات واضافات طفيفة من قبل المؤرخين السوفييت حول العصور القديمة. حَظيت البيانات في النموذج الأول- الذي كتبه المؤلفون القُدامى في وقتٍ قريبٍ من أحداث الثورة- بثقة أكبر.
في حين أقرّ فلاديمير ميلوفيدوف Vladimir Fedorovich Milovidov وهو أحد الباحثين في ثورة سبارتاكوس، بأن المعلومات المقدمة من سالوست وليفي وبلورتاخ على أنها أكثر جدارة، فقد علّق بأنه قد يكون من المُمكن اعتبار هذا النموذج الذي أنشأه هؤلاء الكُتّاب القدامى"رسمياً"(38). فيما يتعلّق بالتقليد الثاني الذي ينتمي الى ابيان، بالاضافة الى اتخاذ موقف إيجابي عام تجاه شهادة هذا الكاتب؛ الا أن عدداً من المؤرخين السوفييت قد أعربوا عن شكوكهم حول ذلك الجزء الأكبر من سرد ابيان المتناقض حول ثورة سبارتاكوس. إن أغلبية الباحثين توصلوا إلى استنتاج انه لا يوجد مصدر جديد كان متوفراً للاستخدام في سرد ابيان حول ثورة سبارتاكوس بخلاف تلك الموجودة في تقليد ليفي-بلوتارك (وهو لم يستخدمهم)، بالاضافة الى الاستخدام غير المبالي للحقائق والأسماء الصحيحة والتسلسل الزمني للأحداث مما تسبب في حدوث أخطاء في سرد ابيان(39).
سمحت الدراسة والتعليق على المواد ومقارنة للاشارات الفعلية المباشرة وغير المباشرة بترتيبها الزمني لثورة سبارتاكوس في كتابات سالوست وشيشرون وليفي وبلورتاخ وابيان وفلوروس Florus واوروسيوس ويوتروبيوس Eutropius وبيتركولوس Peterculus وافينيوس Aphineus وفرونتينوس Frontinus وغيرهم، سمحت للمؤرخين السوفييت لأن يقدّموا صورةً أشمل عن ثورة سبارتاكوس ككل، وفي عدد من الحالات، ادخال عوامل جديدة تسلط الضوء على جوانب الحركة العسكرية والبرنامجية والاجتماعية-المحلية.
بعد اقتراح المؤرّخ الألماني الكلاسيكي فيلهلم دورمان Wilhelm Drumann القيم الذي نسيه المؤرخون بأن الثوار المتمردين نزلوا عن جبل فيزوفيوس Vesuvius من جانبه الداخلي المُطلَق، أي جانب الحمم البركانية وليس من على جانبه الخارجي، كانت موتوس أول من أثبت هذه الفكرة ليس فقط من خلال شهادة بلوتارك وسالوست وفرونتيوس حول الأمر، ولكن أيضاً من كلمات فلوراس، الذي صرح تحديدا أنهم نزلوا من صدعٍ شديد الانحدار في باطن الجبل"(40). تمت دراسة مصادر موضوعة مفاوضات السلام التي عَرَضها سبارتاكوس على كراسوس. إن مقارنة شهادة ابيان بشهادة تاكيتوس قدّمت عناصر جديدة في صلب هذا الموضوع وزوّدت العلم بالبراهين الجديدة على الموهبة العسكرية لقائد العبيد الذي تنبأ بالحاجة الحقيقة للمناورات التكتيكية في الوضع المتغيّر. من خلال مقارنة المعلومات الواردة عند المؤرخ العسكري فرونتينيوس مع المعلومات الأُخرى وعلى وجه الخصوص تلك التي لدى شيشيرون، حددت موتوس اسباب فشل جيش سبارتاكوس في عبور مضيق ميسينا Straits of Messina. الى جانب القصة المألوفة حول غرق أسطول الطوافات خلال عاصفة، فقد طَرَحَ فرضيةً معقولةً أن حاكم صقلية فيريس قد رشى قادة القراصنة الذين لم ينفذوا فيما بعد التزاماتهم بموجب اتفاق كان قد عُقِدَ مع سبارتاكوس. تم قبول هذا العامل الجديد في قصة عملية العبور والذي أظهرته بيانات شيشرون كعامل منطقي وتفسير مقنع لفشل أسباب العبور(41). تم التعبير عن بضعة شكوك في الأدب السوفييتي فيما يخص بعض تفاصيل معركة سبارتاكوس النهائية كما وصفها بلورتاك. تخلّص المؤرخون السوفييت أيضاً من أسطورة "الأصل الملكي" لسبارتاكوس.
من أجل الحصول على فكرة دقيقة عن مسار الثورة بجميع مراحلها، نشأت الحاجة إلى تطوير فكرة أكثر دقة عن تاريخ بداياتها. كان التاريخ التقليدي لبداية الثورة عام 73 قبل الميلاد، قبل ظهور كتاب ميشولين (تمرد سبارتاكوس)، مقبولاً في الأدب. آخذاً في اعتباره احتمال أن يكون عام 74 قبل الميلاد(43) هو التاريخ الصحيح الممكن، هذا الاحتمال الذي عَرَضه شامباخ Schambach على الرغم من ضعف الأدلة عليه، قام ميشولين نقلاً عن بيانات المؤلفين القدامى ولا سيما غابيان الذي قدّم عدداً من البراهين على هروب المُجالدين من مدرسة التدريب في كابوا في صيف عام 74 قبل الميلاد، وبالتالي، دَعَم ميشولين عام 74 قبل الميلاد على أنه تاريخ بداية الثورة. كتب ميشولين: "فَرّ مُجالدي كابيوا من المدرسة وحصنوا أنفسهم في فيزيفيوس في صيف عام 74 قبل الميلاد... كان المجادلون أنفسهم لا يزالون قِلّةً قليلة وكان تسليحهم سيئاً للغاية وأضعف من أن يُمكّنهم من خوض قتالاً نشطًا ضد روما. أصبح الخريف والشتاء بأكمله فترة لجمع القوات، وقد بدأ الصراع النشِط فقط عام 73قبل الميلاد(44). ان تصريح ميشولين أن عام 74 قبل الميلاد كان تاريخ الأحداث الأولى في الثورة وأيضاً أنه كانت هناك "فترة تجميع قوات "استمرت من صيف عام 74 الى ربيع عام 73، قد تم قبوله من قبل الأدب البحثي والشعبي والمدرسي(45).
وجّه العلماء السوفييت انتباههم، في الخمسينات من القرن الماضي، على مسألة تاريخ ثورة سبارتاكوس. مُتّفقين مع رأي بروتاسوفا أن بيانات ليفي وسالوست وبلورتاك كانت هي الأكثر موثوقية، انتقد كوفاليف وموتوس رواية ابيان عن الثورة والتي كانت أساساً لتصريحات ميشولين. ففي رأيهما، فان تصريح ابيان المعروف والذي مفاده أن"هذه الحرب الرهيبة التي سخروا منها في البداية واحتقروها كحرب ضد المُجالدين أصبحت الآن في عامها الثالث" تطلّب تعديلاً كبيراً. حيّر هذا التصريح العديد من الباحثين الذين فشلوا في الأخذ بالاعتبار حقيقة أن تأريخ الأحداث في كتاب (الحرب الأهلية) لابيان كان في اولمبيادات (174,175,176) وأشار إلى أن ثورة سبارتاكوس كانت تقع في الأولمبياد 176 أي (73-76 قبل الميلاد حسب التسلسل الزمني الرسمي). وبالتالي لم يُقدّم أبيان الإجابة على سؤال نقطة البداية التي يجب أن يبدأ العد التنازلى منها وصولاً الى"السنة الثالثة". كَشَفت الدراسة التفصيلية لقائمة القناصل في فترة ثورة سبارتاكوس أن ابيان خلط بين اثنين من أسماء القناصل، الإخوان لوكولوس (لوشيوس لاكينيوس لوكولوس Lucius Licinius Lucullu المنتصر على ميثريدتس Mithridates ولوكولوس القنصل حاكم مقدونيا في 73عام قبل الميلاد) وهو الأمر الذي خَلَطَ أيضاً مسألة النقطة التي يمكن الانطلاق منها وصولاً الى "السنة الثالثة"(46). بالاضافة إلى ذلك لقد ثبت إن ابيان لم يكن دقيقاً في تعداد أسماء القادة الرومان الذي أُرسِلوا ضد سبارتاكوس في الفترة الأولى من الثورة . بدلا من كلوديوس Clodius، ذَكَرَ أسماء فارينيوس جلابريوس وبوبليوس فارينيوس مما عقّدَ حل المشكلة وأضفى طابعاً آخر على الأحداث الأولى للتحرّك. وَصَلَ كوفاليف وموتوس إلى استنتاج أن التسلسل الزمني للسرد كان نقطة ضعف عند ابيان وأنه لا يمكن الوثوق به في تحديد تاريخ بداية الثورة. كما أنهما لم يتفقا مع فرضية ميشولين القائلة بأنه كانت هناك فترة طويلة من "تجميع القوات" في بداية ثورة سبارتاكوس. ذكرت مقالة استقصائية مكرّسة لتطور الدراسات السوفييتية حول العصور القديمة خلال الخمسينيات :"في مقالاتٍ كُتِبَت بقلم كوفاليف وموتوس كُرّسَت لتأريخ بداية ثورة سبارتاكوس تم بحث المشكلة الفرعية انطلاقاً من مسألة أكثر عموميةً، أي مسألة طابع وسمات ثورة العبيد. دَعَمَ كلا المؤلفين عام 73 قبل الميلاد كتاريخ بدء الثورة (بخلاف 74 الذي كان مقبولا من قِبَل عدد من العلماء) مؤكدين على أن العفوية وغياب الإعداد المخطط للثورة هوالذي أدى الى فُجائيتها وجعلت أي فترة خاصة من (تجميع القوات) مُستحيلة"(48).
في الوقت نفسه لا يمكن لبعض المؤرخين قبول هذا الرأي دون تحفّظ على أساس البيانات المتاحة حالياً ،ولا يمكنهم التحيز لصالح الرأي الآخر، لقد قصروا أنفسهم على التصريح بأن تاريخ بدء الثورة قابل للنقاش(49).
بحث التأريخ السوفييتي بشكلٍ مُفَصّل مسألة أسباب الخلافات داخل جيش سبارتاكوس والمسألة وثيقة الصلة بخطته للزحف على روما(50). خلافاً لرأي مومسن الذي كان سائدا في الدراسات البرجوازية بأن "العداوات الاثنية" كانت هي السبب الأساسي للخلافات في جيش الثوار، طرح ميشولين حله الخاص للمسألة وكان جديداً في ذلك الوقت، وتم الاعتراض عليه في وقت لاحق. اعتبر ميشولين أن سبب الخلاف في جيش سبارتاكوس لم يكن بسبب الأختلافات العرقية بل بسبب التناقضات الإجتماعية. بينما كان العبيد -الطبقة التي قادت الثورة- في رأي ميشولين، يحاربون ضد العبودية كنظام علاقات إجتماعية وعارضوا امتلاك العبيد (مثل نضال البروليتاريا الحديثة)، كان الفلاحون، بتجاهلهم هذه الأهداف السامية، يريدون فقط أن يستعيدوا الأراضي التي فقدوها. في حين أن العبيد في جيش سبارتاكوس هزموا فيالق مجلس الشيوخ ثم هرع كُلٌ منهم الى مسقط رأسه، رَفَضَت فصائل الفلاحين الفقراء برئاسة كريكسوس وانيمايوس وكاستوس وغانيكوس هذا الأمر، وحاربوا روما داخل حدود جبال الأبيناين (أي داخل ايطاليا). لقد انشقت هذه الفصائل عن قوات العبيد الثورية في كل مرة حاول سبارتاكوس فيها- الذي تجنب السير نحو روما بوعيٍ تام- تنفيذ خطته ليخرج جيشه من ايطاليا. وبما أن مهمتي الثورة، أي تحرير العبيد وتحرير الفلاحين من عبودية الديون، لم توحدهما قيادة واحدة، فقد فَشِلَت الثورة(51). ربط سيرجييف وماشكين نفسيهما بوجهة نظر ميشولين في الوقت الذي قاما به بتعديل تأكيدهما غير المشروط. لقد رأوا أن الأهمية الكبرى في الخلاف في حركة سبارتاكوس مرتبطة ليس فقط بتنوع التركيب الأجتماعي للثوار ولكن بالعداء القبلي أيضاً(52). عارض سيرجي اوتشينكو في وقتٍ لاحق فكرة العداء العرقي بوصفه السبب الرئيسي للخلاف في صفوف جيش سبارتاكوس(53). في كتاب (تاريخ العالم) كتبت الينا شتيرمان Elena Mikhailovna Shtaerman أن سبارتاكوس تجاوز روما واتجه شمالاً إلى جبال الألب على رأس العبيد وقرر أن يضمن لهم الحرية. أما الفقراء الأحرار في صفوف قوات كريكسوس وانيمايوس قد حلموا بالزحف الى روما(54).
في ذات الوقت، أعرب العديد من المؤرخين السوفييت عن فرضية أنه لا يجب المبالغة في الخلافات بين صفوف الثوار، لاسيما الخلافات على أسس التناقضات الإجتماعية. في وقت مبكر من الثلاثينيات اعتبر جابيليف وكوفاليف سبب الخلاف في جيش سبارتاكوس ليس هو عدم وجود تجانس اجتماعي، لان هذا لم يكن مُهماً بالنسبة للمشاركين الأحرار، "رفاق الدرب"، بل الطابع العام لعفوية التحرّك وغياب الانضباط الصارم وتصميم الغاليين والجرمان على الزحف إلى روما (55). وافق بينكلييف S. N. Benkliev هذا الرأي بقوله: "لقد تم تحديد احتمالات ظهور الخلافات في المقام الأول من خلال طبيعة ثورة العبيد، أي عفويتها ومستوى تنظيمها الضعيف للغاية بالإضافة إلى الإختلافات بين فئات العبيد المتنوعة: على سبيل المثال بين خَدَم منازل كبار مُلاك الأراضي الكبار، والعبيد الذين عملوا في الإنتاج، بين اولئك الذين عملوا بالوظائف الفكرية المختلفة وأولئك الذين كانوا عُمالاً يدويين غير مَهَرَة"(56). رأت موتوس أن الخلافات في جيش سبارتاكوس لا يمكن اختزالها إلى العداء القبلي او التكوين الاجتماعي للمتمردين. "لقد كان هناك خلافات داخل كتلة العبيد وقادتهم حول مسائل تكتيكيات وإستراتيجية الحركة نفسها (الزمان والمكان وتكتيكات المعركة وطريق المسيرة ووقت المغادرة من ايطاليا )"(57).
أعربت موتوس عن اعتقادهها بأن صميم الجيش يتكون من الغاليين والتراقيين يليهم العبيد الجرمان (الكيمبريين والتيتونيين) وأيضاً عبيد من قبائل اخرى: كاليونانيين والسوريون وأفراد من آسيا الصغرى وشمال غرب افريقيا. تكوّن الجزء الأكبر من فصائل قوات كريكسوس وانيمايوس وكاستوس وغانيكوس الذي انفصل عن جيش سبارتاكوس، من الغاليين والجرمان (وليس الفلاحين كما اعتقده ميشولين). وقفت عبقرية سبارتاكوس العسكرية وبصيرته وحذره في مقابل الكفاح الجامح والعاطفي في معظم الأحيان لفصائل الغاليين والجرمان لمواجهة العدو وجها لوجه دون تأخير لهزيمة روما المكروهة تحت أي ظرف من الظروف وحتى تضمين هؤلاء غير الملائمين للهجوم. وهكذا، على عكس رغبة كريكسوس لمواجهة فارينيوس Varinius في الحال، حاول سبارتاكوس تأجيل المواجهة والقيام بأعداد تنظيمي كبير لها وكنتيجة لذلك حظي بالنصر. يمكن تتبع عقلانية تكتيك سبارتاكوس بسهولة في خطته للمضي شمالا إلى جبال الألب بعد ابتهاجه بالنصر في معاركه مع جيوش مجلس الشيوخ ، والهزيمة التي لحِقَت بفصائل كريكسوس في معركة جبل جارجانMt. Gargan. مُعتَبِراً أن موتوس اقتربت من الحل الصحيح لمسألة الخلافات في جيش سبارتاكوس، حاول ميلوفيدوف أن يوسّع من رأيها ويؤكد على رأي كوفاليف وجابيليف حول "تصميم الغاليين والجرمان على الزحف الى روما" في دراسة حقيقية أن الفصائل التي انفصلت كانت تتكون في الواقع من أفراد قبائل غاليّة وجرمانية، وان كانت تتشكل من فئات عمرية مختلفة، مما فسّر الى حدٍ كبير انفصالهم عن القوى الرئيسية . بعد دراسة المصادر المُتعلّقة بالمُكوّن الغالي-الجرماني في جيش سبارتاكوس، كتَب المؤلف أنهم كانوا كيمبريين وتيتونيين وتيغورينيين وأمبرونيين وُلِدوا ونشأوا في العبودية وكان من الذين قد نسوا بالفعل أراضيهم القبلية. لقد كان هؤلاء على وجه التحديد هم الذي التفوا حول كريكسوس وبقوا في ايطاليا، عندما سار سبارتاكوس على رأس التراقيين واليونانيين والايليريين والجرمان من كبار السن شمالا نحو بلاد الغال.
فسّر ميلوفيدوف الانقسام الثاني عن الجيش الأساسي حدث في جنوب إيطاليا على أساس أن الكتيبة التي انفصلت تشكلّت من قبل اشخاص حاولوا الوصول إلى أوطانهم عبر جبال الألب، بينما خطط سبارتاكوس لمغادرة مدينة بروتيوم Bruttium(58). كتب راتنر وأناتولي بوكشاتشانين Anatoly Georgyevich Bokshchanin عن عفوية التحرّك والخلافات المؤقتة حول مسائل البرنامج العسكري(59).
اتخذ فلاديمير دياكوف Vladimir Nikolaevich Dyakov مُقاربةً مختلفة لمسألة أسباب الخلافات التكتيكية المؤقتة في جيش سبارتاكوس. وبعد تحليل ومقارنة بيانات المصادر واتباع نهج نقدي لرواية بلورتاك توصل إلى استنتاج مفاده أن تلك الخلافات في جيش سبارتاكوس لم تكن بذات الأهمية الكبرى للحركة ككل، لان سبارتاكوس وكريكسوس كانا يتجهان نحو هدفٍ مشترك وهو هزيمة روما وإن لم يتخذا نفس الخطوات. أكد دياكوف بشكلٍ قاطع أن سبارتاكوس حاول منذ بداية الثورة تنفيذ خطة موحدة للحركة الثورية ككل: وهي هزيمة وتدمير روما كمركز رئيسي لتملّك العبيد ،وباعتبارها جانيةً في كل مصائب ذلك العصر التي لا تعد ولا تحصى، "ومن الطبيعي تماماً أن سبارتاكوس... لم يتمكّن من المضي قُدُماً في تنفيذ هذه الخطة. ولكن فقط عندما حشد قوة ضخمة (120.000 متمرّد) فانه مثل هانيبال، احتل الجزء الجنوبي والشرقي بأكمله من شبه جزيرة الأبيناين، وانشأ لنفسه قاعدة تموين وخلفية محمية في منطقة شمال ايطاليا "Cis-Alpine Gaul(60).
ان فكرة رغبة سبارتاكوس في الزحف الى روما موجودة في عدد من أعمال العديد من المؤرخين السوفييت المتنوعة، مُرتبطةً في أغلب الأحيان بمسألة لماذا اتجه سبارتاكوس جنوباً مرةً أخرى من الشمال. لقد أثار هذا السؤال، ولا يزال يُثير، اقتراحات مختلفة. اقترح ميشولين على سبيل المثال، أن "سبارتاكوس بعد أن قاس صعوبات السير عبر جبال الألب وعدم حصوله على دعم فلاحي الشمال راسخي الجذور"، قد غيّر خطته الأولية وقرر أن يهرب من ايطاليا عن طريق بحر صقلية(61). أكد كوفاليف أن بلورتاك كان محقا في توضيح انعطاف سبارتاكوس جنوبا بسبب الإحباط الذي أصاب العبيد الثوّار والذين كانت أقوياء أعداهم كبيرةً وكان فخرهم يزداد بسبب انتصاراتهم، لم يكونوا ليستمعوا الى سبارتاكوس، وتحركوا في ايطاليا التي أخذوا تدميرها على عاتقهم(62). ومن المحتمل ايضاً انه لم يستطع اتخاذ قرار بشأن محاولة العبور الصعب للجبال "الأمر والذي أنعَشَ آرآء اولئك الذين اعتبروا أنه من الضروري مواصلة الحرب في إيطاليا وقرر الثوار الزحف نحو روما(63). مالت سينيا كولوبوفا Kseniya Mikhailovna Kólobova مثل كوفاليف، الى القول أن سبارتاكوس كان يعتزم بشدة مغادرة ايطاليا لكن "برنامجه الثوري الذي أراد تنفيذه خلال مساره لم يكن مدعوماً من الثوار. تخلى العبيد عن خطة مغادرة إيطاليا بالهام من نجاحاتهم"(64). كتبت شتيرمان، مُشيرةً الى ندرة المصادر، "أنه لأسباب من المحتمل أن تظل مجهولة الى الابد، لم يستغل سبارتاكوس الفُرَص التي أُتيحَت له واستدار جنوباً مرة اخرى(65).
ظلّت قضية أسباب تحول مسار سبارتاكوس من الشمال الى الجنوب غير مفسرة، لكن دراستها سَهّلَت، على وجه الخصوص، توضيح مسألةٍ أُخرى تم تناولها أعلاه، أي مسألة زحف سبارتاكوس نحو روما .في الأدبيات السوفييتية المبكرة، لم تكن هناك سوى إقتراحات حول هذا الموضوع لم تؤكدها المصادر. وهكذا كتب سيرجييف "من السمات المُميزة لتحرّك سبارتاكوس على العموم هي حقيقة أنه لا أحد ،على ما يبدو، الا سبارتاكوس نفسه قد فهم الضرورة الأساسية لاحتلال المركز الحكومي والاستراتيجي، أي (عرين الذئب)روما، على حد تعبير أحد السامنيين "Samnite(66). في وقتٍ لاحق، عبّرت موتوس عن نفس الفكرة بعبارات أكثر دقة: "كان من غير المُمكن أن يُعارض سبارتاكوس هزيمة روما أو خوض صراع نشط معها. لقد ثبت ان وجود خطته الإستراتيجية الأساسية باخراج العبيد من ايطاليا، مُستحيل بدون هزيمة قوة روما العسكرية"(67). على هذا الأساس أكدت انه لا ينبغي للمرء إن يضع الخطتين في تناقضٍ حاد: خطة سبارتاكوس لمغادرة ايطاليا، وخُطّة كريكسوس وغيره من القادة في السير نحو روما. ومع ذلك بالنسبة لكتاب العصور القديمة، فان سبارتاكوس بعد عودته من جبال الألب واتخاذه عدداً من الإجراءات التنظيمية من أجل التحرك ضد روما، سرعان ما تخلى عن هذه الخطة وأراد التوجه الى جنوب ايطاليا.
لماذا لم يتقدّم سبارتاكوس الى روما بالرغم من أنه هَزَم جيوش مجلس الشيوخ؟ أوضح بريوبراجينسكي رفض سبارتاكوس للزحف الى روما ببعد نظره. "كانت خطة الهجوم المباشرة على روما استحالة إستراتيجية واجتماعية. حتى هانيبال نفسه لم يقرر اقتحام "المدينة الأبدية". كان لدى سبارتاكوس فرصةً أقل للانتصار... لقد كانت جميع الاحتمالات تقف ضده، مثل انعدام القابلية الاستراتيجية لاقتحام روما، ولامبالاة السكان الأحرار، وأخيراً، حقيقة أن الثوار مُحاصرين في ايطاليا"(68). مُعربين عن فكرة أن سبارتاكوس كانت لديه خطة محكمة لسحب العبيد من إيطاليا، فقد فسّر جابيليف وكوفاليف تحول مسار سبارتاكوس جنوباً متجاوزين روما من خلال حقيقة أن تنفيذ الخطة كان حقيقةً واقعة. وبفهمٍ شاملٍ لجميع الصعوبات التي تكتنف الهجوم المسلح ضد روما، فقد قرر تجنبه، والعودة جنوبا الى لوكانيا Lucania، "لان خوض قتال ضد الرومان في أرضٍ مفتوحة شيء، والاستيلاء على روما المُحصّنة شيئ آخر تماماً"(69). بمجرد أن يخرجوا من إيطاليا سيتمكن العبيد من العودة بحُرّية الى مناطقهم الأصلية. "ليس لدينا أي أسباب للافتراض بأنه تكمن أي حسابات متعلقة بمزيدٍ من تطور الصراع، وراء خطة سبارتاكوس هذه"(70). اقترحت موتوس باستنادها على تصريح ابيان أن سبارتاكوس "اعتبر نفسه غير متعادل مع الرومان من حيث القوة"، خلافا لرأي كوفاليف، نقول، اقترحت، أن سبارتاكوس قد حصن نفسه في جنوب مدينة ثوري Thurii ، وانشغل هناك بتجهيز الأسلحة من أجل زحفه في روما(71). استمر دياكوف في تطوير فكرة رغبة سبارتاكوس بالهجوم على روما، مُستندا إلى تصريحات بلورتاك وابيان، وأكّد أن خطة سبارتاكوس في مهاجمة روما تطورت تحديداً عند وصوله جبال الألب بسبب نجاحه العسكري، هذه الخطة التي لم يتم تنفيذها لأن كراسوس أغلق الطريق الى بايسنشا Picentia ومنعه من الوصول الى العاصمة. دياكوف فسر هذا الفشل، بضعف استعدادت جيش العبيد غير المؤهل وقرار سبارتاكوس باضافة العبيد الصقليين كاحتياطي لجيشه. حكمت فيالق جيش مجلس الشيوخ والانقسام الجديد بين الثوار أيضاً، على تحقيق هذا الهدف بالفشل(72).
إن التفسير الذي قدمه بريوبراجينسكي وموتوس ودياكوف لأسباب الخلاف بين قوات سبارتاكوس ولرغبة سبارتاكوس في السير نحو روما ثم والتخلي اللاحق عنها لاعتبارات استراتيجية ، قدمها هؤلاء المؤلفون بشكلٍ مستقل عن بعضهم البعض في أوقات متفاوتة ومستويات مختلفة من الدعم الوثائقي، أخذها الباحثون بعناية وبالإعتبار(73). ونتيجةً لذلك، بدأت تتبلوروجهة نظر متفق عليها حول هذه المسألة. ان اغلب المؤرخين السوفييت يعتقدون أنه لا "الاختلاف العرقي" ولا "التناقضات الاجتماعية" في جيش سبارتاكوس يمكنها بحد ذاتها أن تكون هي الأسباب الرئيسية للخلافات. كان السبب الرئيسي للخلافات والانقسام على الأغلب هو العفوية وقلة التنظيم وعدم نضج الوعي الطبقي بين الثوار وحالات متكررة من الخلاف على الاستراتيجية العسكرية بين القادة. هل أراد سبارتاكوس الزحف الى روما؟ يبدو انه نعم. الافتراض الأكثر احتمالاً هو انه لم تكن هناك هوة لا يمكن عبورها بين خطة سبارتاكوس لسحب العبيد من ايطاليا ورغبته بسحق روما. إن الخطتان مترابطتان والمواد الموجودة في المصادر المتاحة تسمح بالاستنتاج المنطقي لامكانية توجيه ضربة ساحقة لروما، هذا الهدف الذي كان اهتماماً لتحرّك جيش سبارتاكوس إلى الشمال والعودة مرة اخرى الى الجنوب. لم يدافع سبارتاكوس عن نفسه ضد الجيوش التي تلاحقه وحسب، بل وهاجم بشراسة وضرب جيوش القناصل ومعسكراتهم في اللحظات المناسبة كذلك. على الأرجح، لم يتخلى سبارتاكوس أبدا عن أمله في هزيمة روما وحتى القيام ببعض الاستعدادات في هذا الصدد. لكن في الوقت نفسه، كقائد عسكري بارز في العصور القديمة، أخذ في الاعتبار بشكلٍ واقعي ان قوات مجلس الشيوخ وجيش العبيد لم يكونا على نفس القوة. من الواضح أن هذه الاعتبارات هي التي أوقفته في عدة مناسبات، وأجبرته ليضع حدا للمحاولات المتكررة لانقسام الفصائل من أجل الزحف الى روما.
مع ترسّخ وجهات النظر الماركسية اللينينية حول تاريخ العصور القديمة واستيعاب المصادر بشكل نقدي،
ظهرت أيضاً مقاربة جديدة لتقييم أسباب وطابع وعواقب تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس. تقرّر أن هذه الثورة حدثت تحت ظروف كانت تُهيمن فيها علاقات العبودية داخل وخارج مجال الإنتاج، وعندما ظهر بوضوح تعارض طبقات أسياد العبيد والعبيد مع بعضها. لقد ادى انتصار العبودية في إيطاليا منذ زمن الحروب البونية (بين قرطاجة وروما)، والازدياد المُستمر لحصة العمل العبودي في جميع مجالات الإنتاج ولا سيما الزراعة، والتشكّل النهائي للطبقات المتناحرة، "كان كل ذلك بالضبط هي العمليات التي حددت من تفاقم الصراع الطبقي، الذي اتخد شكل ثورة العبيد"(74). في هذا الوقت بالتحديد "أصبح الصراع الطبقي مقياساً لدرجة الاستغلال"(75). انتقل العبيد من أشكال النضال مثل الهروب والسطو على الطرق السريعة وتخريب وسرقة الأدوات وقتل أسيادهم، والمشاركة المحلية المتفرقة في الصراع السياسي للجماعات أو الشخصيات الرومانية(76)، وصولاً الى الانتفاضات الثورية الجماهيرية التي كانت أكثر نشاطاً في السنوات من عام 199 الى عام 62 قبل الميلاد. لقد كانت التمرد السبارتاكوسي، الذي كانت قوته الدافعة الأساسية له عبيد اللاتيفونديا الزراعين latifundias وفِلَل أسياد العبيد الايطالية، أحد الحلقات الحية في سلسلة مثل هذه الأعمال.
لم يكن تمرّد العبيد بقيادة سبارتاكوس "ظاهرةً للتلاقي العرَضي للظروف" او بعض "الحلقات" في حياة روما القديمة الناجمة عن تدفق السجناء أو الضعف المرحلي لمجلس الشيوخ. لقد كان نتيجةً طبيعيةً ضرورية للتناقضات غير القابلة للحل بين الطبقات المتناحرة في مجتمع العبودية في أعظم أوقاته ازدهارا. على عكس خلفية تفاقم الصراع الطبقي في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، كانت الثورة السبارتاكوسية بفضل استنادها على قوة وعمق الشغف الثوري، عدد المشاركين فيها وامكانياتها وطبيعتها المنظمة نسبياً، ذروة الصراع الطبقي في العصور القديمة، وأوجه.
قدّر المؤرخون السوفييت عالياً موهبة سبارتاكوس التنظيمية الرائعة، وتفانيه في قضية تحرير العبيد، وشجاعته الاستثنائية، وقدرته على توحيد عناصر من أصول فَبَلية متنوعة وانسانيته واتساع ذكائه. لقد كان تنظيمه لجيش قادر على شن حرب من خلال كتلة عبيد متناثرة وغير مسلحة فعلياً، ونطاق استرتيجيات خططه، وتكتيكاته الهجومية المندفعة في ظروف الجبال، وحربه للمناورات الميدانية في المناطق المجاورة مُباشرةً لمركز العدو، وقدرته على تركيز قواه الرئيسية لتوجيه ضربة الى نقطة ضعف العدو(77)، ونضاله ضد الفوضى والحالة الطبيعية لإرهاب العبيد، كل هذا وضعه في صفوف أعظم الجنرالات ومصادر الفن العسكري ليس فقط في العصور القديمة.
ومع ذلك، لا يُبالغ المؤرخين السوفييت في أهمية ثورة سبارتاكوس في تغيير اقتصاد مُلكية العبيد في روما. في سياق دراسة المصادر تطورت في الدراسات السوفييتية فكرة أن انتشار الكولوني Colonii، وممارسة عتق العبيد على نطاقٍ واسع، نتيجة ثورة سبارتاكوس فقط كما كان يُعتَقَد سابقا. كانت الكولوني مؤسسة قديمة، مثلها مثل العبودية نفسها، وبدأ الاستفادة منها في بداية الاقتصاد الروماني في منتصف القرن الثاني فقط. كما حدث عتق العبيد قبل الثورة، في أغلب الأحيان في في حالة العبيد في المناطق الحَضَري. ومع ذلك فإن وضع العبيد الريفيين، الذين كانوا الكتلة الأساسية لمنتجي السلع المادية في المجتمع الروماني، لم يتغير، بغض النظر عن حقيقة أن انتشار الإستغلال من خلال أشكال التأجير والكولوني وغيرها من التكنيكات كان قد بدأ(78). إن عدم قدرة طبقة العبيد على أن تكون على طرح نمط انتاج أكثر تقدميةً، وعدم تقدّمها بالهدف المُتمثّل بالغاء العبودية كمؤسسة للعلاقات الإجتماعية، وعدم وجود برنامج سياسي واضح المعالم لديها لاعادة تنظيم المجتمع على أساس مبادئ جديدة، ولكن السعي فقط من أجل الحرية والإنتقام من الاستعباد والقمع القاسي، فان الثوار العبيد، على الرغم من كل تضحياتهم الذاتية وبطولاتهم الجماعية، كانوا بالتالي غير قادرين في ذلك الوقت على تدمير أو تغيير أشكال الانتاج الرئيسية وأساليب الاستغلال بشكل جذري(79). كتب لينين " فالعبيد كما نعلم قد ثاروا ونظموا الانتفاضات وشنوا الحروب الأهلية، ولكنهم لم يستطيعوا في أي ظرف من الظروف تكوين أكثرية واعية وأحزاب تقود النضال، لم يستطيعوا أن يفهموا بوضوح الهدف الذي يتجهون إليه..."(80). حتى لو قَبِلَ المرء إقتراح كولوبوفا إن العبيد المتمردين في العصور القديمة كان من الممكن أن يكون لديهم تنظيمات سياسية جنينية "من خلال محاولة فرض النظام والانضباط على فترات النضال الشديد من اجل تحرّرهم"(81)، وهو أمر محتمل تماما، ومع ذلك كما تلاحظ شترمان، فقد كان هذا التنظيم السياسي" مُبهم ومشتت للغاية"(82).
لقد طور المؤرخون السوفييت قناعةً بأنه من المُستحيل المُساواة بين صراع العبيد ضد أسياد العبيد، و صراع الجماهير الأحرار والفلاحين ضد هيمنة مجلس الشيوخ، الذي هو مالك للعبيد. كان هذان خطان مستقلان للنضال يسيران بشكل منفصل، على الرغم من أن أصلهما يرجع الى نفس السبب، وهو تطوّر نمط الانتاج العبودي. لقد كانت أهدافهما البرامجية ومصالحهما الايدولوجية مختلفين وغير قادرين على الاندماج.
كتب اوتشينكو أن أعمال الفلاحين لم تكن خاضعةً لثورة العبيد، ولم يكن هؤلاء الأخيرين جُزءاً من تحرّك هؤلاء الأخيرين، على الرغم من أن كل منها على حدة، مثّلت القوة الثورية للمجتمع الروماني وأظهرت قدراتها الثورية في فترات مختلفة(83). في ضوء أحدث الدراسات، يبدو أن المُبالغة في عدد الفقراء الأحرار في جيش سبارتاكوس غير مُبرّرة على أقل تقدير، وأن تفسير ثورته على أنها "ثورة العبيد والفقراء" قد فقدت أهميتها العلمية بشكلٍ دائم. إن السبب الرئيسي لفشل ثورة سبارتاكوس لم يكن بالتأكيد تعقيد قيادة حشد غير منظم من العبيد من أصول قَبَلية منتوعة. يكمن السبب الرئيسي لهزيمة سبارتاكوس في حقيقة أنه لم يكن من المُمكن تحطيم المعقل الرئيسي للعبودية، حتى من قِبَل الضغط الهائل لقوى العبيد الثوار بقيادة شخصية موهوبة مثل سبارتاكوس، في ظل ظروفٍ تاريخيةٍ لم يستنفد نمط الانتاج العبودي فيها، امكاناته بعد.
دون المبالغة في دور ثورة سبارتاكوس في تقويض نمط الانتاج العبودي، وسقوط القاعدة التي قامت عليها العبودية الرومانية، يُلاحظ المؤرخون السوفييت، مع ذلك، تأثيرها الكبير على حياة روما الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية في القرن الأول قبل الميلاد. كان التغير في السياسة تجاه العبيد والأحرار الذي يُمكن ملاحظته تحت حكم قيصر (سيزار)، والتي تم تنفيذها بطريقة مُخططة أكثر من قبل اغسطس وغيره من حكام الإمبراطورية الصاعدة قد أعدّ لها مجمل الصراع الطبقي في وقت متأخر من الفترة الجمهورية والصراع الشرس داخل طبقة أسياد العبيد من أجل شكل جديد من أشكال السلطة العسكرية الدكتاتورية. كان لثورة سبارتاكوس دوراً، ان لم يكن حاسماً، فهو محدد للغاية في هذه العملية. "شدد أسياد العبيد" خوفاً من نطاق الثورة، "اشرافهم على العبيد وبدأوا بتفضيل العبيد الذين تربوا في المنزل على أولئك الذين أاستُعبِدوا عن طريق الأسر وانشأوا مؤسسات لإدارة العبودية انتقلت الى أيدي الدولة كجزء من وظائف مراقبة العبيد"(84). وتحوّل العبيد تدريجيا من كونهم رعايا لأسيادهم وحدهم، لكونهم رعايا للدولة بأكملها أيضاً.
كان لثورة سبارتاكوس تأثيرأكبر بكثير على تغيير البناء الفوقي السياسي. من المستحيل بالطبع، أن نتفق مع الرأي القائل بأن ثورة سبارتاكوس كانت السبب الرئيسي للانتقال من جمهورية الى امبراطورية، لكنها بلا شك عززت تسريع هذه العملية. لقد وجّهت ثورات العبيد، وخاصة تلك التي قادها سبارتاكوس، ضربةً ملموسةً لمجلس الشيوخ بصفته أعلى جهاز للسلطة في الجمهورية، مما أدى الى تسريع عملية التحول من الجمهورية الى الدكتاتورية العسكرية التي سبقت انشاء الإمبراطورية. كان مجلس الشيوخ الأستقراطي القديم بتقاليده البطرياركية المتمثلة بعدم تدخلهم بين أسياد العبيد وعائلاتهم والنزاعات بينهم من جهة، وعلاقة هؤلاء الأخيرين بالعبيد من جهة أُخرى، غير قادر على منع نشوب ثورة العبيد أو القضاء على الحرب الأهلية. احتاجت طبقة أسياد العبيد المتنامية والمتطورة الى سياسة دولة مختلفة جذرياً، وأكثر فعالية ومرونة قادرة على المُحافظة على خضوع العبيد وغيرهم من الفئات المستغلة، ومنع وقمع ثورات العبيد، وحماية مصالح أصحاب المُلكية الخاصة. كانت هناك حاجة الى الى جهاز اكراه مختلف، يتكيف بشكل أفضل مع ظروف الحياة المتغيرة والمتطلبات الاخرى للطبقة المهيمنة، بجيشٍ قوي وبيروقراطية حكومية متطورة. كانت حاجة أسياد العبيد الى مثل هذه الحكومة أحد أهم الأسباب لتأسيس الامبراطورية كجهاز لسلطة الدولة لتلك الطبقة.
أدت ثورة سبارتاكوس كأحدى أكثر تمظهرات نضال العبيد الطبقي الأكثر حيويةً في عهد أواخر الجمهورية الرومانية، الى تسريع تحويل تلك الحاجة الى ضرورة.
دخلت انتفاضة سبارتاكوس في التاريخ، كواحدة من ألمع الحركات و أوسعها، باعتبارها ملحمة الصراع ضد العبودية ليس فقط في العصور القديمة. حتى عندما ينظر أحدهم الى عفويتها، وغياب وجود برنامج واضح لها، ووجود خلافات تكتيكية وربما خلافات داخلية أخرى، فقد كانت أحد واحدة من الأمثلة الأولى وأعظمها للنضال الثوري العاطفي من أجل أثمن القضايا لجميع العصور والأجيال، ألا وهي قضية الحرية.

* الماركسية السوفييتية كلوديا بافلوفنا كورجيفا 1914-2004، المُختصة بالتاريخ. عمِلَت في قسم التاريخ في جامعة كازخستان الحكومية وكانت مُختصة في مسائل العصور القديمة وتاريخ العبودية والصراع الطبقي في روما وتاريخ الاقطاع الأوروبي وتطوّر المُلكية الاقطاعية في فرنسا، ومسائل تفاعل الطبيعة والمجتمع تاريخياً، وتاريخ انتصار السُلطة السوفييتية في كازاخستان، ومسائل منهجية في التأريخ والمادية التاريخية.


1- See, for example, E. G. Kagarov, Spartak. Ego zhizn i bor ba, Kharkov, 1924- A. Mikhailov, Spartak, Mogcow and Leningrad. 1927: M. P. Putilovskii. SDartak. 1929. and others
2- See R. Iu. Vipper, Ocherki istorii Rimskoi imperii, 2nd ed., Berlin, 1923, p. 159
3- V. S. Sergeev, Mirovye krizisy, issue II, Grwhdanskaia voina v drevnem Rime v II-I w. do r. kh., MOSCOW, 1924, p. 80
4- Ibid., pp. 76, 81
5- Ibid., p. 82
6- S. A. Zhebelev, Drevnii Rim, part 1, Tsarskaia i respublikanskaia epokhi, Petrograd, 1922- S. 1. KovalGv, Kurs vseobshchei istorii, vol. I, Petrograd, 1923- vol. II, Leningrad, 1925- same author. Vseobshchaia istoriia v DoDuliarnom izlozhenii dlia samoobrazovaniia, part 1, Drevnii mir , Leningrad, 1925.
7- مقال (الدولة)، فلاديمير لينين. منشور على الحوار المتمدن
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=38085
8- نفس المصدر
9- نفس المصدر
10- The first reader, Antichnyi sposob proizvodstva v istochnikakh, was published in the Izvestiia Gosudarstvennoi akademii istorii material noi kul tury (GAIMK), 1933, no. 780, and was edited by S. A. Zhebelev and S. I. Kovalev- a second edition was brought out under the same title, Moscow and Leningrad, 1938- E. G. Kagarov, "Novootkrytyi istochnik PO istorii vosstaniia Spartaka," Problemy istorii dokapitalisticheskikh obshchestv (cited hereafter as PIDO), 1935, no. 9-10
11- L. V. Bazhenov, Klassovaia bor ba v antichnom mire, Leningrad, 1931- S. A. Zhebelev and S. I. Kovalev, "Velikie vosstaniia rabov II-I w. do n. e . v Rime ," Izvestiia GAIMK, 19 34, no. 10 1- S . I. Kovalev, "Klassovaia bor ba i padenie antichnogo obshchestva," Iz istorii dokapitalisticheskikh forma- -tsii, Moscow and Leningrad, 1933- 0. 0. Kriuger, "Rabskie vosstaniia II-I vv. do n. e. kak nachal nyi etap revoliutsii rabov," Izvestiia GAIMK, 1934, no. 90- V. S. Sergeev, "Revoliutsiia rabov v Rimskoi respublike," Bor ba klassov, 1935, no. 6
12- See A. I. Tiumenev, Istoriia antichnykh rabovlade1 - cheskikh obshchestv, Moscow and Leningrad, 1936, p. 192
13- P. F. Preobrazhenskii, V mire antichnykh idei i obrazov, MOSCOW 1965, p. 58
14- See S. I. Kovalev, Istoriia antichnogo obshchestva. Ellinizm. Rim, Leningrad, 1936- V. S. Sergeev, Ocherki PO istorii drevnego Rima, parts 1 4 , MOSCOW1,9 38- A. V.Mishulin, Istoriia drevnego mira, MOSCOW1,9 50- N. A. Mashkin, Istoriia drevnego Rima, Moscow, 1938- V. N. D iakov and N. M. Niko1 - skii, Istoriia drevnego mira, MOSCOW1,9 52
15- K 10-letiiu so dnia smerti A. V. Mishulina," V-DI, 1958, no. 4, p. 170
16- A. V. Mishulin, "Vosstanie Spartaka v drevnem Rime," Izvestiia GAIMK, 1934, no. 76- same author, "Poslednii pokhod Spartaka i ego gibel ," PIDO, 1935, no. 7-8- same author, Revoliutsiia rabov i padenie Rimskoi respubliki, Moscow, 1936- same author, X istorii vosstaniia Spartaka v drevnem Rime ," VDI, 1937,no. 1
17- A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie. Revoliutsiia rabov v Rime I v. do n. e ., MOSCOW, 1936- same author, Spartak, Nauchno-populiarnyi ocherk, MOSCOW, 1947 (2nd ed., MOSCOW, 1950)
18- A. V. Mishulin, Revoliutsiia rabov, p. 95
19- Ibid., p. 83
20- Ibid., pp. 5, 99
21- A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie, p. 141
22- A. V. Mishulin, Revoliutsiia rabov, p. 96- same author, Spartakovskoe vosstanie, p. 139
23- P. F. Preobrazhenskii, "Retsenziia na lmigu A. V. Mishulina Spartakovskoe vosstanie , " Istorik-marksist, 1936, no. 6- A. G. Sergievskii, "Tsennyi, no syroi trud o revoliutsii rabov," Kniga i proletarskaia revoliutsiia, 1936, no. 10
24- A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie, p. 53
25- See, for example, S. I. Kovalev, "Ob osnovnykh problamakh rabovladel cheskoi formatsii," Izvestiia GAIMK, 1933, no. 64, p. 31- same author, "Problema sotsial noi revoliutsii v antichnom obshchestve ," Izvestiia GAIMK, 1934, no. 76, pp. 37, 48-58- same author, Istoriia antichnogo obshchestva, p. 225- A. G. Prigozhin, "Zakliuchitel noe slovo na sessii instituta istorii Komakademii. Mart, 1933," Izvestiia GAIMK, 1934, no. 63, p. 94- 0. 0. Kriuger, op. cit., pp. 128-30- V. S. Sergeev, Ocherki PO istorii drevnego Rima, p. 273- N. A. Mashkin, Istoriia Rima, MOSCOW1,94 8, p. 266- P. F. Preobrazhenskii, V mire antichnykh idei i obrazov, pp. 58, 66
26- VDI, 1967, no. 4, p. 8
27- See K. Marx and F. Engels, Soch., vol. 4, pp. 424-25
28- See, for example, S. A. Zhebelev and S. I. Kovalev, Velikie vosstaniia rabov 11 i I w . do n. e . , p. 152- S . I. Kovalev, "Dve problemy rimskoi istorii," Vestnik Leningradskogo uni - versiteta, 1947, no. 4, pp. 91-96
29- See S. L. Utchenko, "0 klassakh i klassovoi strukture antichnogo rabovladel cheskogo obshchestva," V-DI, 1951, no. 4- same author, Ideino -politicheskaia bor ba v Rime, Moscow, 1952, p. 28- 0. V. Kudriavtsev, Ellinskie provintsii Balkanskogo poluostrova vo II-I vv. do n. e., MOSCOW, 1954. With respect to class divisions in ancient society, see S. K. Utchenko and I. M. D iakonov, "Sotsial naia stratifikatsiia drevnego obshchestva," Thirteenth International Congress of Historical Sciences, Mos - COW, 1970, pp. 8-11
30- S. I. Kovalev, "Dve problemy rimskoi istorii," p. 95
31- A. A. Motus, "Iz istorii vosstaniia Spartaka," Uchenye zapiski Leningradskogo gosudarstvennogo pedagogicheskogo instituta imeni A. I Gertsena, 1948, vol. 68, p. 65.
32- R. Kamienik, "Die Zahlenangaben uber den Spartakus- Aufstand und ihre Glaubwiirdigkeit," Das Altertum, 1970, vol. 16, no. 2, p. 102
33- P. F. Preobrazhenskii, V mire antichnykh idei i obrazov, p. 60
34- See A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie, p. 154- S. N. Benkliev, Vosstanie Spartaka, Voronezh, 1949, p. 17- V. N. D iakov and S. I. Kovalev, Istoriia drevnego mira, 2nd ed., MOSCOW, 1962, p. 562
35- "This study," Kolobova wrote, "retains its value to our day, being the sole work that contains a detailed examination of all the sources on the history of the slave insurrections" (K. M. Kolobova, Vosstaniia rabov v antichnom obshchestve V -I v v. do n. e .," Problemy vseobshchei istorii. Istoriograficheskii sbornik, Leningrad, 1967, p. 18, fn. 40).
36- A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie, pp. 239-81- A. A. Motus, Vosstanie Spartaka, Leningrad, 1937- N. A. Mashkin, --print--sipat Avgusta, Moscow and Leningrad, 1949, pp. 113-21
37- S . I. Protasova, "Antichnaia traditsiia o Spartakovskom vosstanii. Marshruty Spartaka i lichnost vozhdia (74-71 gg. do n. e.)," Uchenye zapiski MGU, no. 143, Trudy kafedry drevnei istorii i arkheologii, 1950, p. 42. The question as to the source used by Appian has been examined by E . Meyer , E . Kornemann, E. Shwarzt, and others, but other than the fact that this source´-or-sources were of Latin origin (but not Sallust´-or-Livy), they were unable to find anything new
38- See V. F. Milovidov, Vosstanie rabov v Italii pod predvoditel stvom Spartaka (74-71 gg. do n. e.), MOSCOW, 1955, p. 9
39- Kamienik wrote that the accounts of Plutarch and Appian drew on an identical source (perhaps Livy and Sallust) with respect to the number of rebels (see R. Kamienik, op. cit., p. 101)
40- VDI, 1966, no. 4, p. 188
41- A. A. Motus, "Iz istorii vosstaniia Spartaka. Tsitseron kak istochnik o vosstanii Spartaka," pp. 60-62
42- يكتب كوفاليف، أنه لا يُمكن الحديث عن بداية الثورة، الا عندما هَرَب مجموعة من المُجالدين بقيادة سبارتاكوس الى كابيوا
S. I. Kovalev, "K voprosu o datirovke nachala vosstaniia Spartaka," V-DI, 1956, no. 2, p. 12
43- O. Schambach, Der italische Sklavenaufstand 74-71 vor Christi, Berlin, 1872, pp. 12-13. For that matter, B. Nize long ago wrote: "Schambach mistakenly dates the start of the war to the year 74" (B. Nize, Ocherk rimskoi istorii i istochnikovedeniia, St. Petersburg, 1908, p. 247- translated from the German).
44- A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie, pp. 122-23
45- See, for example, Voennoe iskusstvo rabovladel cheskogo i feodal nogo obshchestva, MOSCOW, 1953, no. 1, p. 104- S. I. Protasova, op. cit., pp. 35ff- N. A. Mashkin, --print--sipat Avgusta, p. 297- V. F. Milovidov, op. cit.- BSE, 2nd ed., vol. 36, p. 492- Khrestomatiia PO istorii drevnego Rima, MOSCOW, 1962, p. 252
46- A. A. Motus, "0 datirovke nachala vosstaniia Spartaka," -VDI, 1957, no. 3, p. 160. The author comments that Appian s confusion of the two Lucullus brothers had already been pointed out by V. Druman, R. Holm, and F. Mhzer
47- See S. I. Kovalev, X voprosu o datirovke," p. 13- A. A. Motus, "O datirovke , I p. 164
48- G. G. Diligenskii and L. I. Marinovich, "Izuchenie istorii antichnogo mira v 1956-1960 gg.," VDI, 1961, no. 4, pp. 26-27
49- See, for example, P. 0. Karyshkovskii, Spartak, MOSCOW, 1958, p. 35- E. M. Shtaerman, Rastsvet rabovladel cheskikh otnoshenii v Rimskoi respublike, MOSCOW1, 964, p. 239- SIE, vol. 13, MOSCOW1,9 69, p. 737- Khrestomatiia po istorii drevengo Rima, MOSCOW1,9 71, p. 210- Istoriia drevnego Rima, MOSCOW, 1971, p. 210
50- See E . M. Shtaerman, Rastsvet rabovladel cheskikh otnoshenii v Rimskoi respublike, pp. 240 -45
51- See A. V. Mishulin, Spartakovskoe vosstanie , pp. 138 -39
52-V. S. Sergeev, Ocherki PO istorii drevnego Rima, p. 267- N. A. Mashkin, Istoriia Rima, pp. 263-64
53- S. L. Utchenko, Introduction to A. V. Mishulin, Spartak, MOSCOW1,9 50, p. 8
54- See Vsemirnaia istoriia, vol. 11, Moscow, 1956, pp. 369- 70
55- S . A. Zhebelev and S . I. Kovalev, Velikie vosstaniia rabov pp. 166, 179
56- VDI, 1958, no. 1, p. 187
57- A. A. Motus, Iz istorii vosstaniia Spartaka, p. 68
58- V. F. Milovidov, op. cit., pp. 11-12
59- A. B. Ratner, X voprosu o prichinakh raznoglasii v armii Spartaka," Uchenye zapiski Karelo -Finskogo universiteta, vol. III, no. 1, Istoricheskie i filologicheskie nauki, 1948- A. G. Bokshchanin, Istoriia drevnego mira, MOSCOW1,9 55, p. 182
60- Istoriia drevnego mira, pp. 564-65
61- A. V. Mishulin, Vosstanie Spartaka v drevnem Rime, p. 148
62- S. A. Zhebelev and S. I. Kovalev, op. cit., p. 167- S. I. Kovalev, Istoriia Rima, Leningrad, 1948, p. 423
63- Vsemirnaia istoriia. V 10-ti tomakh, vol. 11, p. 370
64- K. M. Kolobova, op. cit., p. 25
65- E . M. Shtaerman, Rastsvet rabovladel cheskikh otnoshenii p. 240.
66- V. S. Sergeev, Mirovye krizisy, p. 81
67- A. A. Motus, "Iz istorii vosstaniia Spartaka," pp. 71, 73- on this, see A. B. Ratner, op. cit., p. 56
68- P. F. Preobrazhenskii, V mire antichnykh idei i obrazov, p. 63
69- S. A. Zhebelev and S. I. Kovalev, Velikie vosstaniia rabov, p. 168- also see V. Gorskov, "Voennoe iskusstvo Spartaka," Voenno-istoricheskii zhurnal, 1972, no. 8, p. 83
70- S. I. Kovalev, -Is toriia Rima, p. 422
71- See A. A. Motus, "Iz istorii vosstaniia Spartaka," p. 72
72- Istoriia drevnego mira, p. 565
73- See, for example, E. M. Shtaerman, Rastsvet rabovlade1 - cheskikh otnoshenii v Rimskoi respublike, pp. 240-42- K. M. Kolobova, op. cit., p. 25
74- E . M. Shtaerman, Rastsvet rabovladel cheskikh otnoshenii v Rimskoi respublike, p. 238
75- G. Shrot, "0 rentabel nosti sel skogo khoziaistva v Rime v kontse respubliki," V-DI, 1959, no. 2, p. 82
76- See, for example, L. A. El nitskii, Vozniknoveniei razvitie rabstva v Rime v VIII-III w. do n. e., MOSCOW, 1964, pp. 178-83- E . Maroti, "Dvizheniia rabov v period triumvirata," Antichnoe obshchestvo . Trudy konferentsii PO izucheniiu problem antichnosti, MOSCOW, 1967, p. 118- G. Shrot, op. cit., p. 67
77- See V. Gorskov, op. cit., p. 83
78- See, for example, V. I. Kuzishchin, "Khoziaistvo ital ianskikh latifundii vo II-I w. do n. e.," Vestnik MGU. Istorikofilologicheskaia seriia, 1958, no. 4- same author, Ocherki PO istorii zemledeliia 11 v. do n. e. - I v. n. e., MOSCOW, 1966- same author, Problemy proizvoditel nosti rabskogo truda, Moscow, 1970- E. M. Shtaerman and M. K. Trofimova, Rabovlade1 - cheskie otnosheniia v rannei Rimskoi imDerii. Moscow. 1971
79- See, for example, Vsemirnaia istoriia, vol. II, p. 371- -SIE, vol. 12, p. 62- E. M. Shtaerman, Rastsvet rabovlade1- cheskikh otnoshenii v Rimskoi respublike , p. 245
80- مقال (الدولة)، فلاديمير لينين. منشور على الحوار المتمدن
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=38085
81- K. M. Kolobova, "Vtoroe sitsiliiskoe vosstanie rabov," Eirene Studia Graeca et Latina, TI, Prague, 1964, p. 135.
82- E . M. Shtaerman, Rastsvet rabovladel cheskikh otnoshenii v Rimskoi respublike , p. 248
83- See S . L . Utchenko, Krizis i padenie Rimskoi respubliki, pp. 31, 154-55
84- V. I. Kuzishchin, "Spartaka vosstanie," -SIE, vol. 13, p. 739

ترجمة لمقالة:
Spartacus s Rebellion In Soviet Historiography, Klaudia Korzheva, Soviet Studies in History, 15:1, 67-97 1976








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم