الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة نقدية وفق رؤيا تجديدية لنص - مثلبة- للكاتب عبد المجيد احمد الخولي

غانم عمران المعموري

2020 / 12 / 25
الادب والفن


نص " مثلبة" : سارَ مَعَهُم ازمنة طَوِيلَة, اِعْتَقَدُوا أنْه وَاحِداً مِنْهُم, حِينَ اِنْكَشَفَت سُوءَته؛ وَجَدُوا وَشْم شيفرة, زَريبَة خَنَازِير.
مثلبة عنونة متقنة بحرفيّة كاتب مبدع يحيل الأرض الجرداء إلى واحة خضراء يتصف بنسغ منتظم متزن له من التأثير بحيث يستهوي المتلقي فيقول الناقد مالك المسلماوي ( أن علاقة العنوان بالمتن غالباً ما تكون اتصالية ونادراً ما تكون إحالية غير مرئية... العنونة جزء من المثيرات البصرية غير آثارها الدلالية .. فالعين هنا تندهش بإثارة العنوان لها قبل الدخول بالتفاصيل اللاحقة في المسافة التي ستمتلىء بالمعاني والرموز السيميائية ومختلف الدرجات النصية" 1.
وعنوان الكتاب في مفهوم "آيزر" (نوع من التفاعل الوجودي بين الذّات القارئة والبنية النصّية لتوليد معنى ما وقيمة أدبية ما, لا تعودان بالتحديد إلى ملكية خاصة بالنص, ولا إلى ملكية خاصة بالقارىء, ولكنها تعود فقط إلى تلك النقطة التواصلية التي توجد بينهما, فالتواصل بهذا المعنى هو فعل منتج للدلالة وليس مستهلكاً لها)2.
وبذلك جاء العنوان نكرة غير فاضح للنص ولكنه منسجم ومتناسق مع مضمونه وقبل الدخول إلى متن النص وهذا خلاف المناهج البنيوية التي رفضت المناهج الحديثة والّتي لا تعترف إلا بالنص وتنظر إليه باعتباره بنية مغلقة على نفسها ولا تنفتح على خارج النص ولا تعترف بالسياقات الاجتماعية والنفسية وغيرها من العوامل ولا تعترف بالكاتب الذي عانى في كتابته الابداعية..
وهنا يؤكد الباحث العراقي سعد الساعدي في نظريته " التحليل والارتقاء" أنَّ ما تقوله البنائية كمنهج نقدي حداثوي في أن النص هو الجوهر فقط الذي يجب النظر إليه وما تراه التفكيكية كمنهج أخير لاحق في أنَّ النص هو تعدد معاني لا نهاية لها بموت المؤلف وولادة معنى جديد متكرر بعيداً عن مركز الوجود والموجود وهو في الحقيقة قتل متعمد لصانع الإبداع والاستهانة بجهوده وطريقة تحليله للأشياء سواء كانت نصاً أم عملاً آخر بمعنى لا وجود لمبدع باعث مُنتِج بل محض الصدفة من جاءت بالإنتاج ووضعته في الطريق كي يدلو كل واحد بدلوه معطياً المعنى الذي يرغب به وبعدد البشر اللا نهائي تكون لدينا نتائج متنوعة مختلفة تبني وتهدم حسب زعم داريدا وهذه عين السفسطة النقدية الفارغة التي سار عليها الكثيرون مع الأسف من العرب الذي أسموا أنفسهم نقاداً لا يحلوا لهم غير تسطير المصطلحات المتناثرة المقتبسة من بيئة تختلف جذرياً عن بيئتهم اعتزازاً واحتراماً لشخص لا يعرفهم ولا يعرفوه عن قرب وربما يمقتهم في قرارة نفسه ! ... أما التفكيكية فأنها نادت بموت المؤلف استنادا لما قاله نيتشه بمقولته الشهيرة " بأن الله مات ونحن الذين قتلناه... حاشا الله تعالى من هذه الصفات.3. نلاحظ أن الكاتب قد التقطَ بكل براعة كالمصور الفتوغرافي كل حالة وهَّن وضعف في سياسة الحكومات المتمثلة بحُكامها المتخاذلين وأنَّ ذلك نابع من معاناة حقيقية عاشها الكاتب بنفسه وبواسطة غيره عن المجمتع الّذي ترعرع فيه فهو يتحسس ما يشعر به الإنسان الفقير المغلوب على أمره في ظل حكومات دكتاتورية مقيته سَلَبت قوت الفقراء والبُسطاء من الناس بينما المتنفذين والمتملقين هم من يكونون في الصف الأول في نهب ثروات البلد..
وبذلك كانت التأثيرات النفسية والتمظهرات الخارجية الاجتماعية والنفسية وعمق احساسه الوطني والقومي بشعبه وما يُعانية من ويلات هي التي كانت المُحفز الأساسي للكتابة وبذلك كان سرده نابع من فلسفته الشخصية في الحياة بالإضافة إلى الحالة الشعورية عبر إدراكه واحساسه بما موجود وهذا ما ورد في نظرية التحليل والارتقاء للناقد العراقي سعد الساعدي والذي بين فيها ( ترى نظرية التحليل والارتقاء أن عنصرين مهمين غفلتها أغلب المناهج النقدية عن النص كمعيار مهم من معاييره وهما :
فلسفة النص الحركية: التي تعني الفكرة الأصلية التي يتبناها الناصّ، وطرح قضية تصوُّرية نابعة من ذات النّاص للعلن، وبمعنى أدق: هي فلسفة النّاص الشخصية في الحياة، والتي منها تتحدد مفاهيمه ومقاصده ودوافع كتابته.
أمّا المعيار الثاني فهو سيكولوجية النص الكامنة: التي تحدد الحالة الشعورية للكاتب عبر إدراكه واحساسه بما موجود كحالة انعكاسية لما يعانيه ويعيشه هو والمجتمع الذي ينتمي اليه، أي ولادة حالة انبعاث جديدة متأثرة بدوافع كثيرة، وارهاصات أضْفَت صبغتها على النص4.
انتقل الكاتب بأسلوب فني من المألوف إلى غير المألوف ليبين لنا التمادي والاستهتار بأرواح الشعب المغلوب على أمره عن طريق الممارسات الشيطانية التي أنتهجتها السياسات العميلة المرتدية قناع الوطنية وأراد أن يشير إلى نقطة مهمة بخصوص طبع بعض الشخصيات التي لا تتغير حتى وأن اعْتَلت مناصب كبير بل معدن الإنسان يُعرف عند تولي المهام في مناصب حكومية وكذلك أراد أن يبين مدى عَمالة الكثير من السياسين للدول المستعمرة من أجل منافع مادية وعلى حساب الشعب وكان شعور الكاتب وطنياً وقومياً ليشمل بعض الدول العربية..
حتى وصل بنا القاص إلى الخاتمة مُضمرة "وَجَدُوا وَشْم شيفرة, زَريبَة خَنَازِير" لينقل لنا نهاية كل صاحب قناع وفضيحة حقيقته السيئة.

المصادر
1- مالك المسلماوي- البياض في شعر عصام عيّاد تقديم باقر جاسم محمد /منشورات قرة العين /2014/ ص 32
2-حميد لحمداني, القراءة وتوليد الدلالة م. ث. ع (بيروت) ط1 2003 ص70
3-الباحث سعد الساعدي , نظرية التحليل والرتقاء, مدرسة النقد التجديدية,ط1 نشر وتوزيع دار المتن 2020 . ص 138-139
4- سعد الساعدي. مصدر سابق .ص75-76








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي