الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعات الديمقراطية، الواقع والرهانات (إطار نظري)

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2020 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تعتبر الديموقراطية من المفاهيم التي أسالت مداد الباحثين والمفكرين، واستأثرت اهتمامهم، قديما وحديثا، باعتبارها مفهوما شغل فكر البشري واشكالية مفهومية ودلالية انطلقت دراستها وكتابات حولها بين فلاسفة اليونان واستمر تداولها كنظام يكتنفه الغموض من حيث الاصطلاح. ثم بدأت ترفع كشعار في كل المجتمعات لتحقيقها في ذاتها أو مآرب ووجهات نظر أخرى ثم بدأت تتطور عبر العصور بمسايرة تقدم الأمم حتى شملت جميع نواحي الحياة، فهي نظام سياسي مبنيّ على قانون ودستور حقيقي وتنطلق من مبادئ وأسس يخول لشعب أن يحكم نفسه بنفسه لنفسه. ومنها نظام اجتماعي تستمد الأقلية منه قوة حكم واستبداد الأغلبية1 .
إن الديموقراطية المعاصرة هي أيضا خلاصات واستنتاجات لديموقراطيات السابقة حيث نرى مجتمعات تتخذها نظاما سياسيا وأخرى غطاء لتخفيف انتقادات تسلط الحكم المطلق كما أن أغلبية الجماهير الواعية والمثقفة تعتبرها أسلوب التفكير وتعامل وتعمل على ترجمته انطلاقا من مجتمع منه ما هو غالبيته متعلمة تستجيب لنداءاتهم ومنه مجتمع غالبيته تسوده الأمية والفقر حال المجمعات العربية التي تتواجه فيها نداءات المثقفين من أجل تكريس ديموقراطية الحقة بمبادئها وأسسها السامية وسياسة الحكومات المعتمدة في الغالب على الأحزاب السياسية من أجل الانتخاب والاقتراع وعلى الصحافة المزيفة لتمرير ديمقراطيتها وشعارتها الجوفاء ضدا فيها.
من الممكن القول أن تحقيق أو سيادة الديموقراطية في الجامعات العربية يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى ألياتها ومأسستها في القوانين ودساتير العربية ومدى تصريفها داخل هياكل ومؤسسات الدولة التنفيذية وتشريعية والقضائية. فجل الجامعات العربية هي صورة طبق الأصل للمجتمع ككل. حيث أن التعليم الجامعي المساند لديموقراطية ينبني على شروط ومعطيات تتعلق سواء بالهيكلة الإدارية والتربوية للجامعة، أو بالمواد المدرسة أو بالمحيط الجامعي2 .
إن طرح الذي عبر عنه عزمي بشارة في مقاله المعنون ب "جدل الجامعة والمواطنة والديموقراطية" فهو قراءة موضوعية ونقدية بالأساس لواقع الديموقراطية في جامعاتنا العربية، من مبدأ أن التعليم الجامعي ليس عاملا مباشرا وأساسيا في مساندة الديموقراطية بل هنالك عوامل أخرى تتدخل وتتداخل فيما بينها لبلوغها منها ما هو مرتبط بالفرد ككائن له محيط اجتماعي خاص ومكتسبات تعلّمية وقيمية مختلفة3 . أما بالنسبة للمستوى التعليمي ودرجة مساندته لديموقراطية فالأمر بات بديهيا من خلال مقارنة ديموقراطيات الدول المتقدمة في مجال التعليم كدول الإسكندنافية التي تحتل مرتبة متقدمة في مستوى ديموقراطية وكذا على قائمة السلم الدول المتعلمة على عكس دول في أسفل السلم كدول العربية و الإفريقية التي لا تتحقق فيها الديموقراطية إلا من خلال انتخابات مزورة وانقلابات وحروب أهلية وثورات على السلطة4 .
إن السبب في عدم مسايرة المستوى التعليمي الأكاديمي لديموقراطية في المجتمعات العربية ما رده بالأساس إلى سياساتها التعليمية الجامعية، فأغلبية هذه المجتمعات تنهج سياسة ادارية وهيكلة تربوية اقصائية ومعيارية رغم دسرتها لقانون جامعات ذات استقطاب المفتوح، كما تتوفر على عدد قليل من الجامعات، تستقطب الطلاب دون أدنى شروط السكن والاقامة مريحين.
من منهجية الدول الاقصائية والمحاربة لتعليم الجامعي المنهجي والاستقصائي والنقدي والتحليلي اعتمادها منهاجا دراسيا يرتكز بالأساس على مواد تدريسية لا تنتج الفكر بل تعتمد على تلقين معرفة السطحية واقصائها للعلوم الاجتماعية والانسانية واللغات أو تخصيصها حيزا ضئيلا من الزمن والاستقطاب التي تساعد على التحليل النقد ومناقشة الفكرة وقبول الاختلاف وتقييم الأمور والأوضاع المحلية جهوية، وطنية ودولية.
كما يكمن تفسير ضعف العلاقة التعليم بالجامعات العربية بالديموقراطية في محاولة جل دول العربية بامتصاص حركة الجماهير الطلابية عن طريق تحزيبها بطريقة أو بأخر بهدف الانصهار حول موضوع سياسي محض بعيد عن الشأن العام المحلي أو تأجيجها بخلق نقاشات وحقليات حول مواضيع ذات صبغة عنصرية قبلية لغوية ...
ثمة اطار مخصوص أيضا لدراسة علاقة الجامعة بالديموقراطية في الدول العربية حيث أن هذه الأخيرة لا تزال تعتمد في تسيرها وتنظيمها للجامعات على قوانين ومراسيم مركزية تحول دون استقلالية الجامعات في تسيرها من حيث الإدارة والوظيفة بل تتجاوز ذلك إلى فرض رقابة أمنية واستخباراتية عليها5 .
من مسلّمات تدخل الدولة العربية في تقنين بل دحض مساندة تعليم الجامعي لديموقراطية بل في عدم مواكبتها اقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا.... لموكب الدول المتقدمة يتجلى بشكل واضح في عدم توفر الجامعات على أجنحة خاصة بالبحث العلمي وعلى دولة ذات نية صادقة في تخصيص ميزانيات فائضة لهذا المجال الحيوي بل يقتصر الأمر فقط على دعم خجول مشروط أو تصريح أو حبر ورق موقوف التنفيذ .
1ـ صابر حوحو أحمد، مبادئ ومقومات الديموقراطية، مجلة الفكر، العدد الخامس، ص. 320ـ 321.
2ـ بشارة عزمي، جدل الجامعة والمواطنة والديموقراطية، مجلة عمران، العدد 15/3، شتاء 2016م.، ص. 133
3ـ بشارة عزمي، المرجع السابق، ص. 134.
4ـ نفســـــه.
5ـ السعيداني أحمد، الديموقراطية في الجامعات العربية، إضافات، العددان ، 36ـ 37، خريف 2016م. ص. 103.
6ـ السعداني أحمد، المرجع السابق، ص.104.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و