الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن حروب السايبر التي غيرت شروط اللعبة

سنية الحسيني

2020 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تعرضت الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى منذ عشرة أيام لهجوم الكتروني سيبراني استهدف مواقع حساسة فيها، واعتُبر الأكبر وأحدَ أكثر الهجومات السيبرانية تعقيداً. وركز الهجوم في الأساس على الولايات المتحدة، حيث كانت 80٪ من المؤسسات المستهدفة من الهجوم أميركية. وشكل الهجوم فشلاً استخبارياً في حماية الأمن القومي الأميركي، بل اعتبر البعض أنه لا يقل خطورة عن اعتداءات الحادي عشر من أيلول. وعلى الرغم من اتهام الولايات المتحدة لروسيا بشن الهجوم، واتهام الصين بدرجة أقل، وجهت إسرائيل أيضاً أصابع الاتهام إلى إيران. من الصعب أو قد يكون من المستحيل إثبات مصدر الهجوم بشكل مؤكد، رغم امتلاك كل طرف من تلك الأطراف المشتبه بها دوافع وقدرات تسمح لها بذلك.

ويثبت هذا الهجوم فشل المنظومة السيبرانية الدفاعية في التصدي لمثل هذه الاختراقات، اذ فشلت الولايات المتحدة، التي تعتبر القوة السيبرانية الأولى في العالم، والدول الأخرى بما فيها إسرائيل في ذلك، على الرغم من إنفاق الولايات المتحدة على وجه الخصوص لمليارات الدولارات لبناء أقوى ترسانة الكترونية دفاعية في العالم، فالحرب السيبرانية والتي تعد تطوراً طبيعياً للحروب التقليدية تغير شروط لعبة الحروب وتقلب المعادلات والموازين العسكرية. وتعد حرب السايبر أو الحرب الالكترونية من الحروب الذكية وشديدة الخطورة، قد تحدث أضراراً بنيوية وعسكرية لا تقوى الجيوش التقليدية بكامل عتادها على إحداثها. ويمكن للهجمات الالكترونية أن تستهدف البنية التحتية الرئيسة في الدول مثل محطات ضخ المياه والأنظمة المائية والسدود ومحطات الطاقة بما فيها المفاعلات النووية والهواتف ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وكذلك يمكن أن تستهدف البورصات والمعاملات المالية. وواكبت الهجمات الالكترونية وحرب السايبر التطور التكنولوجي وزيادة الاعتماد على الخدمات الالكترونية والانترنت في مختلف دول العالم، فهي التطور الطبيعي لمفهوم الحرب في عالم التكنولوجيا الحديثة والتحكم عن بعد. وتشن الهجمات الالكترونية لإلحاق أضرار بالعدو بنسب متفاوتة، تتراوح شدتها بين تدمير البنى التحتية للدول إلى شن هجومات بغرض التجسس وكشف المعلومات. وبالامكان من خلال هذه الهجمات الالكترونية، ومن خلال مراقبة الاتصالات وتتبعها، التجسس على المواطنين والمعارضين والاعداء سواء كانوا داخل دولة معينة أو خارجها. وتستخدم تلك الهجمات الالكترونية وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لتجنيد المقاتلين وكمنصات لإطلاق الحروب النفسية ضد الخصوم.
ويشكل الانترنت وحزم بياناته العصب الرئيس لهذه الحرب، بينما تعتبر فيروسات البرمجيات من أهم أدواتها، وهي التي تهاجم الأجهزة الالكترونية وشبكات الانترنت وأنظمة المعلومات، بهدف التجسس أو لتعطيل أنظمة التحكم والمتابعة والإدارة فيها. وتعتبر الهجمات أو الحروب الالكترونية قليلة التكلفة مقارنة بالحروب التقليدية، اذ تحتاج بشكل رئيس إلى خبراء ذوي قدرات ذهنية وتدريبية عالية. كما تعتبر سريعة التنفيذ لا تحتاج إلى كثير من الوقت، وهي واسعة النطاق يمكن نشرها في أي مكان وبشكل متزامن. وتعتبر تلك الحروب أو الهجمات كذلك الأكثر أماناً من أي نوع آخر من الحروب أو الهجمات، حيث يقوم بها المهاجمون بشكل افتراضي وعن بعد. أنشأت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وحدات خاصة في قواتها المسلحة لتكون مسؤولة عن الحروب الالكترونية أو حروب المعلومات. وبدأت فكرة الحروب السيبرانية في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1983، عندما اعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعرض لمثل هذه الهجمات. وتتعاون الولايات المتحدة في هذا المجال مع إسرائيل التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى منتج ومصدر لتقنيات السايبر التجسسية، حيث يساهم انتاج التقنيات المتقدمة فيها بحوالي 11 بالمائة من مجمل الناتج القومي، كما يعمل في هذا المجال حوالي 9 بالمائة من العاملين في الدولة. ويعتبر الجيش الإسرائيلي المصدر الرئيس للقوى البشرية التي تستعين بها الشركات الإسرائيلية المتخصصة في مجال الفضاء الالكتروني والتقنيات المتقدمة. وتشكل وحدة الاستخبارات 8200 العامود الفقري في هذا المجال في إسرائيل.

لا تعلن الجهة المسؤولة عن الهجمات الالكترونية في العادة عن هويتها، كما يصعب الكشف عنها أو تتبعها، فهجمات السايبر تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات العابرة للحدود، وتدار من خلال شبكات الكترونية يمكن اختراقها وتعتمد على التواصل مع الخارج، الأمر الذي يعقد أمر تتبعها. كما أن هجومات السايبر يمكن أن تنفذ من قبل فواعل دولية من غير الدول، الأمر الذي يعقد من أمر محاسبتها أو حتى معاملتها بالمثل. ورغم ذلك اتهمت الولايات المتحدة كلاً من روسيا أو الصين بالقيام بهذا الهجوم السيبراني الأخير، كما اتهمت إسرائيل إيران. ويمكن لروسيا أن تكون الجهة المسؤولة عن الهجوم رغم عدم إقرارها بذلك، لأن وكالة الاستخبارات الروسية استخدمت تاريخياً تحديثات البرامج لتحقيق الاختراق الذي يمكنها من توجيه هجمات الكترونية. واتهمت روسيا عام 2007 بمهاجمة استونيا الكترونياً، الأمر الذي تسبب في شل الحركة في بنيتها التحتية، اذ توقفت البنوك والمصالح الحكومية والملاحة والبث التلفزيوني والمواقع والخدمات الالكترونية فيها لثلاثة أسابيع، وتكرر ذلك الأمر في جورجيا في العام التالي. واتهمت روسيا في عام 2016 بالتدخل في الانتخابات الاميركية، واتهمت كذلك في العام التالي بتنفيذ هجومات الكترونية على النرويج وجمهورية التشيك وبريطانيا.
هناك أيضاً من يتهم الصين بتنفيذ هذا الهجوم الأخير رغم انكارها، فقد اتهمت الصين في السابق بشن هجومات الكترونية على الولايات المتحدة، كان أهمها اتهامها باقتحام خصوصية مكاتب إدارة شؤون الموظفين الفدراليين، والاطلاع على بيانات حساسة. الا أن الدافع الأكثر أهمية لقيام الصين بمثل هذا الهجوم هو التنافس بين البلدين في اطار الترويج للبنية التحتية الرقمية لكل منهما. وقد زاد حضور الصين وشركائها في اطار منظومتها الرقمية، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، والذين يعملون مع الصين لتطوير شبكات الجيل الخامس. وتفضل هذه الدول المنظومة الرقمية الصينية التي لا تحتاج لالتزامات من قبل الدول الشريكة بمبادئ حقوق الانسان، كما تتطلب المؤسسات الاميركية. وسعت الولايات المتحدة لمواجهة ذلك التقدم الصيني في مجال الفضاء الالكتروني من خلال قيامها بمبادرة سياسية أطلقت عليها شبكة السايبر النظيفة بهدف تأمين الأصول الرقمية والبنية التحتية للولايات المتحدة وشركائها فيها، مستثنية الشركات والدول التي تعمل ضمن المنظومة الرقمية الصينية منها. إن هذا الهجوم الرقمي الأخير على الولايات المتحدة يشكك بقدرة تلك الشبكة الاميركية أمنيًا، ويبرر استمرار شراكة دول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى أيضاً بالشبكة الصينية.

وتعتبر إيران والولايات المتحدة وإسرائيل في حالة حرب باردة والكترونية ساخنة، واتهمت إيران أيضاً بتنفيذ تلك الهجمات السبيرانية الأخيرة، وهو الأمر الممكن أيضاً. وطالما وجهت لإيران أصابع الاتهام بشن هجمات سبيرانة على أهداف أميريكية في العراق وفي الولايات المتحدة خلال العقدين الأخيرين. واتهمت إيران باختراق هيئة أركان قيادة الجيش الأمريكي في العراق والتي تتحكم في تشغيل وتوجيه الطائرات بدون طيار الامريكية العاملة في العراق والتي يقع مركزها في واشنطن. كما اتهمت بأنها تقف خلف الاستهداف الاكتروني لقطاع النفط والقطاع المصرفي في الولايات المتحدة عام 2013. هذا بالاضافة إلى الاتهامات التي وجهت لإيران بتفيذ هجومات الكترونية على شركة أرامكو عام 2012، وعلى السعودية عام 2017، وعلى مرافق شركة أرامكو بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ كروز في عام 2019، لم تعلن إيران عن مسؤوليتها عن الهجوم ولا يوجد أي أدلة تفيد بتورطها. كما شهدت ساحة الشرق الأوسط سلسلة من الهجمات الالكترونية المتبادلة بين إسرائيل وإيران خصوصاً خلال العقد الأخير، جاء آخرها تلك الهجمات الالكترونية المتبادلة خلال العام الجاري. في شهر نيسان الماضي، استهدفت ست منشآت للمياة الإسرائيلية، بهدف زيادة نسبة الكلور في مياة الشرب، وفي الشهر التالي ردت إسرائيل بهجوم من نفس النوع على ميناء بندر عباس ما أدى إلى تعطيل حركته لايام، اتبع بهجوم أخر على منشأة للمياة في إسرائيل، وفي جميع الحالات لم تقر أي جهة بمسؤوليتها عن الهجوم.

لا تقل خطورة الحروب الالكترونية عن الحروب التقليدية، بل ازداد لجوء الدول اليها في الآونة الأخيرة لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية على اعتبار أنها أقل تكلفة وأشد تأثيراً ويمكن أن يستطيع الفاعل تجنب تحمل المسؤولية المباشرة عنها. ورغم أنه من الصعب تحديد الجهة المسؤولة عن تلك الهجمات بشكل مباشر، الا أن هناك جهات تبقى مشتبها بها ومستفيدة بشكل مباشر من تلك الهجمات، الأمر الذي قد يؤدي بقصد أو بدون قصد إلى الوصول إلى حرب كبرى. وتبقى الخطورة أكبر عندما تتدخل فواعل من غير الدول في مثل تلك الهجمات السيبرانية، الأمر الذي يعقد معادلات الصراع وتوازنات الحروب عموماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران