الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المعدة بيت الداء والعقل رأس الدواء
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2020 / 12 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
مقدمة كتاب
أصول التغذية الصحية
إعداد وتقديم: د. مصعب قاسم عزاوي
تعريب: فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن
الطبعة الرابعة 2020
صادر عن دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن
كما قال الحكماء سالفاً: «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء»، وهي الحكمة السرمدية التي أصبحت تكتسي بأهمية مطلقة في زمننا المعاصر إذ أصبحت المعدة نفسها مدخلاً لكثير من المواد السمية التي استنبطها بنو البشر منذ انخراطهم في الثورة الصناعية، والتي أصبحت طوفاناً من المواد الصنعية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تغولت على كل شيء، ولم يسلم منها غذاء البشر بعد أن تم استدماج كل مراحل إنتاجه وتوزيعه في سياق نهج العولمة الاحتكارية التي لا تبصر من الأهداف سوى هدف تحقيق الربح السريع حتى لو كان على حساب صحة وحيوات البشر المستهلكين له.
وفي هذا السياق أيضاً تبرز كارثة الأنماط الغذائية البائسة التي أفرزها نهج العولمة الوحشية أيضاً ممثلة بتَسَيُّدِ أنماط الوجبات السريعة كسدرة المنتهى لملتهميها من البشر الذين يتم استغلال ميولهم الفطرية والغريزية البنيوية التي مكنت أسلافهم في مرحلة الصيد والالتقاط من البقاء على قيد الحياة، من خلال الإفراط بتناول الدهنيات والسكريات حينما تجود الطبيعة بفرصة نادرة للحظيان بها، وهو ما أدى تطورياً لاستبطان الاستعداد الفطري للإفراط في تناول الغذيات الغنية بالطاقة والأكثر ندرة في الرحلة التطورية لبني البشر التي امتدت على سبعة ملايين من السنين قضوا معظمها في مرحلة الصيد والالتقاط، وهو ما أفصح عن نفسه بدارات بنيوية في أدمغة كل البشر تؤهبهم للإدمان على استهلاك الأنماط التي تستغل ذلك الميل الغريزي بكل خبث في نهج صناعة الوجبات السريعة المترعة بالنشويات والدهون والأملاح، والتي تشكل بمجموعها وصفة نموذجية لتخليق أكداس وسلاسل تتابعية من الأمراض التي تنطوي فيما تنطوي عليه من خبائث سلسة لا تنتهي من أمراض القلب والأوعية الإكليلية، وتصلب الشرايين، والمتلازمات الالتهابية المعممة، والشيخوخة المبكرة، وأمراض المفاصل وصولاً إلى مختلف أشكال الأورام وخاصة السرطانية الخبيثة منها.
وتبرز أيضاً ظواهر البدانة المفرطة والمرضية في الكثير من الأحيان على المستوى الاجتماعي بشكل لافت، بالتوازي مع ميولات شعبية متزايدة في حضورها لاتباع حميات غذائية معينة لمحاولة علاج تلك الظواهر المرضية على الرغم من أن الكثير من تلك البرامج التغذوية والحميات منقوص إن لم يكن خاطئاً أو مضراً في معظم الأحايين. و هو واقع مأزوم يستند في آلية بزوغهه إلى زيادة الاهتمام العام بشأن التغذية الصحية، وهو ما أدى إلى تحول ذلك الاهتمام المعرفي الأصيل إلى هدف لا بد من استدماجه في حلقة قوانين اللهاث لتحقيق الربح السريع التي تقتضيها الرأسمالية بشكلها العولمي الاحتكاري المتوحش، مفضية إلى تسليع ذلك الاهتمام المعرفي وإغراقه بأكداس هائلة من الإعلام الموجه على طريقة الدعاية السوداء، وبطرائق خبيثة تعتمد على أبحاث خلبية في كثير من الأحيان، أو أبحاث غير رصينة ممولة من شركات تصنيع وتسويق المنتجات الغذائية العالمية، وعلى قوة شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الأخطبوطية الشيطانية، لإشباع ذلك الفضول المعرفي التوعبر ق إلى الوصول إلى الحقيقة العلمية المثبتة بإغراقه في مستنقع من المعلومات العشوائية التي لا يستطيع فيها المتلقي فرز الغث عن السمين، فيصبح مرغماً على الاختيار العشوائي، أو الارتكان إلى ما يبدو أنه الأكثر شيوعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ليس أسهل من التصدر فيها للمعلومات الرنانة الطنانة الجوفاء والخاطئة في كثير من الأحيان.
ويحضر في هذه السياق تذكر تلك الدعاية الرخيصة المتلبسة بلبوس علمي هرائي حينما بدأت تسوق شركات صناعات الأغذية العالمية أبحاثاً خلبية مفادها بأن أفضل وسيلة للوقاية من سرطان القولون والبروستات هو تناول «الكاتشاب» أي صلصة البندورة المترعة بالسكر والملح، بالاستناد إلى اجتزاء مقصود يتكئ على حقيقة أن مادة اللايكوبين «Lycopene» في البندورة تحمل خصائص مضادة للسرطان، والتي تختفي فوائدها الصحية في خضم الآثار الجانبية لتناول أكداس من السكريات وملح كلور الصوديوم، وقائمة تطول من المضافات و المنكهات و المواد الحافظة في ذلك «الكاتشاب» نفسه، و هي التي لم يدرس سلامة أي منها بشكل علمي مضبوط، لعدم وجود تمويل حقيقي لمثل هذه الأبحاث، إذ ليس هناك من سوف يستطيع تسليع نتائج تلك الأبحاث وتحويلها إلى مصدر للربح السريع وفق قوانين اقتصاد العولمة الاحتكارية الوحشية الذي نعايشه راهناً.
وتشير الدراسات العليمة الأولية إلى التأثير السمي التراكمي للكثير من المواد الحافظة للأغذية المصنعة والمعلبة على الجهاز الكبدي والكلوي، كما في المضاف المعروف بنترات الصوديوم لحفظ الأطعمة، والذي لا يتوقف تأثيره عند ذلك الحد بل يتمدد إلى كونه العنصر الأهم المسؤول عن زيادة وقوعات سرطان المعدة في عالمنا المعاصر. و للأسف فذلك المضاف الغذائي أصبح جزءاً بنيوياً من الغالبية المطلقة من الأغذية المصنعة التي يتناولها بنو البشر وأصبحت تشكل الجزء الأكبر من حميتهم الغذائية اليومية بينما تتضاءل حصة الغذيات الطازجة بشكل مضطرد فيها.
وذلك الواقع المؤوف يستدعي من الإنسان العاقل الاشتباك معه بالاتكاء على أهم ما يميز الإنسان ككائن حيواني عن أسلافه في مملكة الحيوانات، وأعني هنا قدرته على التفكير والتحليل والاستنتاج والتفكير النقدي، وهو الذي لا يمكن أن يكتمل دون تشكيل مناعة معرفية عبر تمكين ذلك الإنسان من الإمساك بالمفاتيح المعرفية التي يمكن الاتكاء عليها لأجل إعمال العقل البشري الفائق في التفكر واستخلاص الحقائق، والدفاع عن الجسد الذي يكمن فيه من التغول عليه، وإغراقه بالسموم عبر بيت دائه، وهو ما أصبح عنصراً محورياً لا بد منه في زمن أصبح فيه اختلاط الحابل بالنابل، وتخليق الشواش المتعمد أحد أهم إفرازات اقتصاد العولمة الاحتكارية الوحشية التي تهدف في المقام الأول إلى تحويل الإنسان من كائن عاقل فاعل يتخذ قراراته بحرية إلى مستهلك منفعل لا حول له ولا قوة في اختيار ما يتم زرقه في دماغه أو معدته.
ولا يمكن لتلك المناعة المعرفية في حقل التغذية الصحية من أن تتشكل إلا بالاطلاع على أبجدية ذلك العلم بشكل مبسط وميسر لكل القادرين على القراءة، ودون أن يستدعي ذلك منهم خلفية علمية معينة، أو حتى مستوى تعليمي سابق لأجل تفهم ذلك. إذ أن الحقيقة الواقعية المرهفة هي أن جميع العلوم مهما كانت معقدة يمكن تبسيطها بشكل يحولها إلى شكل قابل للهضم المعرفي من جميع بني البشر الذين يمتلك جميعهم القدرات العقلية الكافية لتعلم أعقد العلوم إن قرروا الاجتهاد وإعمال الدأب الضروري لاستبطانها بشكل علمي ممنهج وميسر في آن معاً، إذ أن دور ما يعرف مجازياً بالذكاء محدود في كل سبق تعليمي يحققه أي من المجتهدين.
ومشروع «أصول التغذية الصحية» محاولة جنينية تحاول وضع القارئ على بداية الطريق الصحيح لخطو الخطوة الأولى التي لا بد أن تتجاوز رحلة الألف ميل إلى أفق هو السعي لاكتشاف المعرفة الموثقة بأبحاث علمية رصينة، ومراجع علمية يتفق على صحتها ثقاة الحقل العلمي الذي تقع فيه، وهو مشروع تم إعداده باللغة الإنجليزية سابقاً ليتم تقديمه كبرنامج توعوي مجاني في مشروع التعليم مدى الحياة في بريطانيا، والذي يستهدف كل الراغبين بصقل معارفهم أو الاطلاع على الجديد منها بغض النظر عن عمرهم ومستوى تحصيلهم العلمي السابق.
والشكر موصول لإدارة دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لتكرمها بتحمل نفقات ترجمة النص الأصلي من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية لتقديمه للقارئ العربي الكريم بشكل مجاني، على أمل أن يساهم هذا العمل المتواضع في تشكيل المناعة المعرفية التي لا بد من إدراكها في كل العلوم المعاصرة. ومن ضمنها حقل «التغذية الصحية» لحماية حق البشر الطبيعيين في الحفاظ على حيواتهم وصحتهم وصيانتها للقيام بأقصى ما يمكنهم القيام به من عطاء خلال وجودهم العابر على وجه البسيطة، دون أن يكونوا أسرى للسقم والبلى جراء ترك بيت دائهم شرعاً لكل الغزاة، وعدم تصديهم لهم بأسلحة «المناعة المعرفية» الضرورية في حقل التغذية الصحية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر