الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خامساً: الديمقراطية

فارس تركي محمود

2020 / 12 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الديمقراطية بمعناها الضيق والمتمثل بحق المواطنين بانتخاب من يرونه مناسباً لتولي سلطة الحكم وإدارة شؤونهم ، وحقهم في محاسبتهم والإطلاع على ما يدور في دوائر الحكم . والديمقراطية بمعناها الأوسع أي القبول بفكرة التنافس السياسي والحزبي ، وتأسيس الأحزاب والجمعيات واللوبيات وجماعات الضغط ، والإعتماد على البرامج والحملات الإنتخابية ، ومحاولة التأثير في الرأي العام وكسبه ، والقبول بالرأي والرأي الآخر وتبادل وتلاقح الأفكار وغير ذلك من أفكار وممارسات أصبحت مألوفة في الوقت الحاضر . هذا المفهوم للديمقراطية – بمعناه الضيق والواسع – لم يظهر إلا في القرنين الأخيرين من عمر البشرية ، إلا أن جذوره وانطلاقته الأولى تعود إلى اللحظة التي اصطدمت فيها سمات المجتمع البدائي بالظروف المحيطة به .
والقول ذاته ينطبق على حقوق الإنسان الأخرى التي أصبحت الشغل الشاغل لعصرنا الحاضر مثل حقوق المرأة وحريتها وتمكينها ومساواتها بالرجل ودورها في المجتمع ، والحقوق المتعلقة بحرية الفكر والتفكير والإبداع والكلام والنشر بدون أية خطوط حمراء أو محرمات أو تابوات أو مسلمات مسبقة ، وحقه في التعامل معه بكرامة واحترام بعيداً عن القمع والإضطهاد والقهر ، وحقه في أن يعيش حياته ويحقق ذاته وسعادته كيفما يشاء هو لا كما يشاء أو يرغب غيره ، وحق الإنسان بالتعامل معه كإنسان فرد قائم بذاته يحتل المرتبة الأولى في اهتمامات السلطة والمجتمع باعتباره قيمة عليا ، يتم توظيف وتسخير كل شيء من أجل خدمته وإسعاده والإرتقاء به عقلاً وفكراً وروحاً ، بدل أن يتم سحقه وتحقيره والتضحية به من أجل أفكار ورؤى بدائية ، وتحت مسميات وشعارات قومية أو وطنية أو دينية . وهذه الحقوق حالها حال الديمقراطية حديثة الظهور كمفاهيم مؤثرة في حياة المجتمع إلا أن بداياتها الأولى ضاربة في القدم .
وابتداءً يجب القول أن مثل هذه الحقوق لم تكن معروفة لدى الجماعات البدائية عند خط الشروع البشري ، بل إن تلك الجماعات لم يكن يخطر ببالها مثل هذا السقف العالي من الحقوق والحريات ، إلا أن الظروف الجغرافية التي أجبرت البعض من تلك المجتمعات على رفع سقف حريتها ، وعلى زحزحة العقل الجمعي لصالح الفردية والإبداع والإبتكار ، وعلى مغادرة العقلية الوعظية واستبدالها بعقلية تحليلية نقدية ، هي التي خلقت حقوق الإنسان وحرياته ولا زالت تخلق المزيد والمزيد من تلك الحقوق والحريات . فالميكانيزم الذي انطلق نتيجة للصدام بين السمات البدائية لتلك المجتمعات من جهة وظروفها الجغرافية من جهةٍ أخرى لم ولن يتوقف يوماً وسيستمر بخط تصاعدي لا نهاية له ، وستستمر نتائجه ومنتجاته في الظهور والتوالد بدون توقف . فعلى سبيل المثال فأن سمة الحرية التي احتاجها وطورها ونمَّاها المجتمع البدائي من أجل تحقيق استغلال واستثمار أمثل لمحيطه الجغرافي سوف لن تتوقف عند حدٍ بعينه وستستمر بترك آثارها داخل المجتمع لتنتج شتى أنواع الحريات والحقوق بدءً من حقوق الإنسان الأساسية إلى الحقوق الثانوية وصولاً إلى حقوق لم يكن البشر يحلم بمثلها مثل حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وحقوق الشواذ وحقوق البيئة وصولاً إلى حقوق الحيوان والنبات وإلى حقوق أخرى يخبؤها لنا المستقبل .
والأمر ذاته ينطبق على السمات الأخرى التي ذكرناها سابقاً كالفردية والمنهج التحليلي والعقلية الناضجة فهي كذلك قد انطلقت وأفلتت من عقالها ودخلت في ميكانيزم تصاعدي لن يتوقف يوماً ، فهي قد أنتجت وما زالت مستمرة في إنتاج المزيد والمزيد من أسس وركائز الدولة الحديثة ، وستصل إلى مديات وفضاءات ورؤى وأفكار ربما لا نستطيع حتى أن نتخيلها في الوقت الحاضر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف