الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل والهداف غير المعلنة في لبنان والمنطقة

محمد أيوب

2006 / 7 / 20
القضية الفلسطينية


لن أتحدث عن الكرامة العربية هنا لأن الحديث عن شيء غير موجود هو ضرب من ضروب العبث ، ولن أتحدث عن الأساليب الوحشية التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في فلسطين ولبنان ، لأن ذلك أمر بادٍ للعيان ، ولكن العالم يقف إلى جانب إسرائيل في كل ما ترتكبه من مجازر بحجة أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها ، وبهذا تظهر إسرائيل بمظهر الضحية وتتحول الضحية الحقيقية إلى جلاد .
لقد نجحت إسرائيل ومن ورائها أمريكا ودول الغرب في قلب الحقائق وتسويق الموقف الإسرائيلي للرأي العام العالمي بحيث تبدو إسرائي وكأنها ضحية للإرهاب الفلسطيني واللبناني والإرهاب الإسلامي على وجه الخصوص .
وقد قررت حكومة باراك في حينه الانسحاب من جنوب لبنان بعد احتلال دام أكثر من عشرين عاما ، وهي تراهن على نشوب حرب أهلية إذا ما حاولت أية حكومة لبنانية تنفيذ القرار 1559 ونزع سلاح حزب الله ، لكن اللبنانيين نجحوا في قطع الطريق على الحرب الأهلية ، ومع ذلك لم تفقد إسرائيل ولا الغرب الأمل ؛ حيث تم تدبير حادثة اغتيال الحريري وما تلا ذلك من تغيرات دراماتيكية من ظهور قوى الرابع عشر من آذار إلى المطالبة بخروج القوات السورية ومحاولة إلصاق تهمة اغتيال الحريري بسوريا لتبرير عدوان تم التخطيط له مسبقا على سوريا ، وتشكلت لجنة تحقيق دولية في محاولة للبحث عن دليل يثبت تورط سوريا في عملية الاغتيال على الرغم من أن من يملك عقلا محدودا يدرك أن لا مصلحة لسوريا في اغتيال الحريري ، ويبدو أن الرئيس الثاني للجنة التحقيق الدولية لم يجد وقتا انسب من هذا الوقت لتوجيه الاتهام إلى سوريا باغتيال الحريري وكان لجنة التحقيق تتناغم مع الجوقة الأمريكية لتبرير العدوان على سوريا ، ومما يؤكد هذا التوجه ما أعلنه الجيش الإسرائيلي من أن الصواريخ التي ضربت حيفا هي صواريخ سورية ، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى اتهام إيران بضرب البارجة الإسرائيلية وكأنهم يريدون توسيع رقعة القتال بحيث تشمل منطقة الشرق الأوسط كلها ، بينما تغط دول الجامعة العربية في سبات عميق معتقدة أنها ستكون بمنأى عن هذا المخطط ، ولكن وزير خارجية قطر عبر عن واقع الحال حين قال إن أمريكا ليس لها أصدقاء ، وهذه هي الحقيقة المرة ، أمريكا تريد عملاء وأتباع ولا تريد أصدقاء ، تريد أمريكا إخضاع العالم كله وليس العرب فقط لرغبتها ! فهل تنجح أمريكا في ذلك ، يبدو أنها نجحت جزئيا في ذلك ، فقد انحازت الدول الصناعية الثمانية إلى الموقف الأمريكي الذي يريد إخضاع أوروبا وروسيا الاتحادية للمشيئة الأمريكية .
ولكن هل يتطابق حساب السرايا مع حساب القرايا كما يقول المثل الفلسطيني ، أو هل يتطابق حساب الحقل مع حساب البيدر كما يقول المثل اللبناني ، الأكيد أن التكنولوجيا تستطيع قياس الأشياء المادية ولكنها لن تستطيع قياس حركة الشعوب وتحديد اتجاهات هذه الحركة ، يكشف عن ذلك ما اتضح من جهل إسرائيل بالإمكانيات الحقيقية لحزب الله ، فقد كانت إسرائيل تعتقد أن بإمكانها القضاء على هذا الحزب في أقل من 48 ساعة ، ولكنها عادت فحددت أسبوعا أو أسبوعين على الأكثر لتعود مجددا فتقول إن الحرب قد تستمر عدة أسابيع ، هذا التخبط الإسرائيلي ، وهذا الغباء الذي يتصف به أولمرت أوقع إسرائيل في مأزق غير محسوب ، فقد تصرف أولمرت وكأنه يدير شئون إحدى البلديات في إسرائيل وهذا هو موقعه الحقيقي ، وتصرف عمير بيرتس بعقلية النقابي التي كان يدير بها شئون الهستدروت ، فقد اعتقد أولمرت أنه باستغلال عملية أسر الجندي الإسرائيلي في كرم أبو سالم ومن بعدها عملية الأسر التي تمت في الجنوب يستطيع أن يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط ، لأن الانسحاب السوري من لبنان لم يشكل نهاية المطاف لأطماع إسرائي في لبنان ، إسرائيل تريد استبدال النفوذ السوري في لبنان بنفوذها المباشر ، وقد لجأت من أجل ذلك إلى خلق وضع في لبنان أشبه بالوضع في فلسطين من حيث وجود رأسين في كل منهما ، ففي لبنان تقف حكومة السنيورة في مقابل قصر بعبدا والمقاومة ، ولم تخف قوى الرابع عشر من آذار رغبتها في تنفيذ المشيئة الإسرائيلية ، كما توجد في فلسطين أيديولوجيتان متقابلتان ، إسرائيل تأمل من وراء ذلك في استنزاف طاقات البلدين ودفعهما إلى هوة الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي ، ولما لم تنجح في ذلك لجأت إلى الحرب المكشوفة على غزة ولبنان .
وقد تصرف الإسرائيليون في لبنان كما يتصرفون في غزة متجاهلين أوجه الخلاف والفروقات بين الوضعين ، غزة منطقة ضيقة تقل مساحتها عن أربعمائة كيلومتر ، وهي سهل ساحلي مكشوف يمكن السيطرة عليه من الجو ، ومع ذلك لم تستطع إسرائيل أن تقضي على المقاومة في غزة وظلت تُحَمِّل رأس السلطة الوطنية مسئولية أعمال المقاومة وطالبته بنزع سلاح المقاومة .
وقد فوجئت إسرائيل بصمود حزب الله وقدرته على إصابة إسرائيل في العمق ، في الوقت الذي لم يستطع فيه أي نظام عربي رسمي فعل ذلك ، حتى تلك الصواريخ التي أطلقها العراق في حرب الخليج الأولى لم تترك الأثر الذي تركته صواريخ حزب الله ، لأن إسرائيل كانت تعتقد أن أمريكا ستتكفل بالقضاء على نظام الحكم القومي في العراق ليغرق العراق في فوضى عارمة قد تؤدي في النهاية إلى تمزيقه لا سمح الله .
الحال مع حزب الله يختلف ، إسرائيل هنا تواجه خصما خفيا زئبقيا غير واضح المعالم ، ولو كانت إسرائيل تواجه جيشا نظاميا لاستطاعت تدميره خللا فترة قصيرة ، لأن الجيش النظامي يشكل هدفا واضحا بخلاف الحال مع حزب الله الذي استطاع في بداية الحرب تدمير قطعة من أهم قطع الأسطول الإسرائيلي ليرسل رسالة واضحة لإسرائيل بأن المعركة لن تكون سهلة ، الحرب مع المقاومة في لبنان ليست نزهة ، هذا ما لم تضعه إسرائيل في حسابها بل ذهبت إلى لبنان وهي تتسلح بفكرها التقليدي عن العربي الذي لا يجيد إلا الهرب في المعارك أمام جنود جيش إسرائيل ، واقع الحال تغير ، إسرائيل تواجه مقاتلين لا يخشون الموت بل يطلبونه كما يطلب غيرهم الحياة ، فهل من السهل مقاتلة إنسان لا يخشى الموت ، الرهان الآن على من يصمد أكثر ومن يصبر أكثر ، العرب تعودوا على جو الحروب وعلى المعاناة ، وهذا أمر ليس بالجديد ، لقد استطاعت إسرائيل في أقل من أسبوع تحقيق دمار أكبر مما وقع في الحرب الأهلية اللبنانية ، وهذا يعني أن معادلة الصبر في صالح الشعب اللبناني ، فهل يستطيع الشعب الإسرائيلي تحمل المعاناة فيما لو طالت الحرب واتسعت رقعتها ، أعتقد أن الشعب الإسرائيلي سيمارس الضغط على حكومة أولمرت وحزبه الجديد الذي أطلق عليه اسم كاديما " إلى الأمام " فإذا به يصبح أخورا " إلى الوراء ، لقد تلوثت أيدي الجنود الإسرائيليين بدماء الأطفال والنساء ومارسوا سياسة الأرض المحروقة التي لم تنجح في الجزائر أثناء الثورة ، وإن كانت هذه السياسة ستنجح في شيء فإنها ستنجح في توسيع رقعة الكراهية بين العرب مسلمين ومسيحيين وغيرهم ، ولن تحصد من وراء ذلك سوى فقدان الأمن والندم وخلق أجيال مقاتلة جديدة في المنطقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو تعزيزات أمنية مكثفة في كاليدونيا الجديدة • MCD


.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR




.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما


.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟




.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح