الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشرع وفكرة التوقع المشروع

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2020 / 12 / 28
دراسات وابحاث قانونية


لكي يكون القانون فعالاً يجب أن يكون متوقعاً من قبل المخاطبين به وان لا يتعرضوا للمفاجأة بتصرفات مباغتة تصدرها السلطات العامة على نحو لم يتوقعه الأفراد ومن شأنه زعزعة الطمأنينة والعصف بها،ويطلق أيضاً على فكرة التوقع المشروع تسمية (الثقة المشروعة)، والتوقع المشروع يعني مصحلة تتولد لدى الشخص نتيجة تصرف صادر عن الإدارة، وهذه المصلحة لم ترتقِ إلى مرتبة الحق الذي يحميه القانون، ومع ذلك فإن للشخص حق الادعاء بها أمام القضاء الإداري، والقضاء الإداري هو من يقرر إبطال تصرف الإدارة الذي يضر بتلك المصلحة بعد الموزانة بين حماية توقع الشخص المشروع وبين ضرورات المصلحة العامة التي دعت الإدارة إلى التصرف خلاف ذلك التوقع . فالأفراد الذين نظموا علاقاتهم الاجتماعية وفق قوانين ثابتة ومستقرة ومنسجمة مع بيئتهم الاجتماعية وخصائصها يجب أن لا يفاجئهم المشرع بقواعد قانونية جديدة لم تكون في الحسبان دون اتخاذ تدابير انتقالية لانه بذلك – أي المشرع – يخل بالثقة المشروعة التي اكتسبها الأفراد من جراء التطبيق المستقر للقواعد القانونية، لذا تعد التوقعات المشروعة أحد العناصر الأساسية المكونة لمعيار المعاملة العادلة والمنصفة، ويتمثل الهدف الأساسي لهذا المفهوم في حماية الثقة التي تولدت لدى الأفراد في الأنظمة القانونية المطبقة أزاء تشريعات جديدة من شأنها أن تخل بهذه الثقة وتدفع الأفراد إلى مقاطعة هذه التشريعات أو التهرب منها، لذا يقتضي من المشرع أن يتدرج فيما يصدره من تشريعات تجاه الأفراد بحيث لا يخل بما ترتب لهم من مراكز قانونية ولا يخل بالآمال التي رتبوها لانفسهم بناءً على القواعد القانونية النافذة لان ذلك كفيل بتحقيق العدالة التشريعية وضمان فعالية القانون، فحتى يكون القانون فعالاً لابد أن يحظى برضا وقبول الأفراد المكلفين بتطبيقه أو الأفراد الذين سيتأثرون بأحكامه، وبالتالي فإن على المشرع لضمان تحقيق هذه الغاية أن يمنح المخاطبين بالقاعدة القانونية الامكانية لتحديد النتائج الممكنة لتطبيق النص القانوني حال وصول النزاع إلى القضاء من جانب، وأن لا تؤثر هذه القاعدة سلباً على مراكزهم القانونية المكتسبة وفقاً للقانون، بحيث تظل قائمة منتجة لآثارها الزمنية طالما توفرت لها عناصر صحتها من جانب آخر.
وعلى الرغم من التقارب الكبير بين مبدأ الامن القانوني وفكرة التوقع أو الثقة المشروعة إلاّ أن ذلك لا يعني الخلط بينهما واعتبارهما مبدأً واحداً، ففي نطاق القرارات الإدارية يعني مبدأ الامن القانوني ان قرارات السلطة الإدارية ان تكون متوافقة مع قاعدة موضوعية وهذه القاعدة هي (ثبات القواعد والمراكز القانونية)، وكذلك يعني مبدأ الأمن القانوني كل ضمانة وكل نظام قانوني للحماية يهدف إلى تأمين المراكز القانونية والحد من عدم الوثوق في القانون، ويعد من شروط جودة القانون التي تضمن القدرة على التحقيق الفعلي والدائم لأهداف المعنيين بالقانون . أما مبدأ حماية الثقة المشروعة فيهدف إلى حماية الثقة التي نالها الفرد والمتمثلة في حقه في الوجود داخل إطار زمني مستقر وثابت، فإذا كان مبدأ الامن القانوني يطبق بصورة مجردة، فإن مبدأ التوقع أو الثقة المشروعة يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار الوضعية الخاصة للمستفيدين من القرار وخصوصاً حسني النية، ولذا نجد ان بعض الباحثين اعتبر مبدأ التوقع المشروع أو الثقة المشروعة هي الصورة الخاصة لمبدأ الامن والاستقرار القانوني ولضمان فاعلية التشريع يجب أن تأخذ السلطة التشريعية التدابير الانتقالية بما يكفل تقبل القوانين الجديدة وتكييف الاوضاع القانونية وفقاً لما ورد فيها من احكام جديدة وعدم مفاجئة المخاطبين بها وفقاً لما يعرف بالتدرج في فرض التشريعات الجديدة، وبالتالي فإن استراتيجية الحَوْكَمَة التشريعية يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار فترات انتقالية تسبق فرض التشريعات الجديدة أو اصلاح نظام قانوني ما، حتى لا يترتب على التغيير المفاجئ أو الاصلاح التشريعي المفاجئ الاضرار بالمراكز القانونية وما يترتب عليها من آثار مادية ومعنوية.
أما على مستوى القضاء الإداري، نجد إن مجلس الدولة الفرنسي أقر في حكمه الصادر عام 2006 في قضية (ste - KPMG) لأول مرة وجوب قيام السلطات اللائحية باتخاذ الاجراءات والاحكام الانتقالية الضرورية اذا ما كان من شأن القواعد الجديدة التي قررتها أن تعتدي أو تمس بالمراكز التعاقدية النافذة والمبرمة وفق القانون، تجنباً للانتقال الفجائي والاضرار بالحقوق القائمة وقد أسس حكم مجلس الدولة الفرنسي آنف الذكر مبدأ احترام الاوضاع القائمة وعدم جواز اصدار الاجراءات التشريعية أو الإدارية المفاجئة واشترط لتحقيق حالة الخرق للاوضاع المستقرة وفق القانون القديم توافر عنصرين اثنين، الأول : يتمثل في فجائية التغيير الماس بالاستقرار أو بالثقة الواجبة، والثاني : يتمثل باختلال التوازن بين المصالح المعتبرة وعلى صاحب الشأن اثبات التدخل الفجائي بسلوك إداري أو بتعديلات نصية قد أثرت سلباً على مركزه القانوني في صوره لم يكن له أن يتوقعها في ظل السلوك السابق للمشرع أو للادارة .
إلاّ إن مجلس الدولة الفرنسي بدأ بالتحول من مبدأ الأمن القانوني إلى مبدأ التوقع المشروع في المنازعات التي يحكمها قانون الاتحاد الأوربي دون المنازعات الأخرى، ومع ذلك يمكن أن تؤدي التطورات الأخيرة في اجتهاد المجلس الدستوري إلى حمل مجلس الدولة إلى العمل بشكل كامل بمبدأ التوقع المشروع على غرار توجهات محكمة العدل الأوربية التي تبنت مبدأ التوقع المشروع في حكمها الصادر في 13/يوليو/1965 بعد أن كانت قد تبنت مبدأ الأمن القانوني في أوائل الستينات .
أما في مصر فنجد أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد اعترف ضمنياً بمبدأ الامن القانوني والمبادئ الجوهرية المرتبطة كمبدأ التوقع أو الثقة المشروعة باعتباره من مفترضات الدولة القانونية الذي لا يستقر نظامها دون الاخذ بهذا المبدأ والمبادئ المكملة له كما أخذت المحكمة الإدارية العليا بفكرة الاحكام الانتقالية وأكدت عليها في بعض أحكامها .
أما في العراق فأن فكرة التوقع المشروع أو الثقة المشروعة لا زالت غائبة عن المشرع العراقي بدليل صدور الكثير من التشريعات أثرت في المراكز القانونية للمخاطبين بها وأثرت على امتيازاتهم المالية دون ان يسبق ذلك فترات انتقالية لتكييف الاوضاع القانونية وفق التشريعات الجديدة ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (33) الفقرة (أولاً) من قانون الموازنة العامة الاتحادية بجمهورية العراق للسنة المالية 2017 من استقطاع نسبة (3.8%) من مجموع الرواتب والمخصصات لجميع موظفي الدولة والقطاع العام والمتقاعدين كافة لسد احتياجات الدولة لدعم النازحين وإعادة الاعمار للمناطق المحررة واحتياطي الطوارئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر