الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفاق اليساري المرتد

حميدة التغلبية

2020 / 12 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


من المسائل اللافتة للانتباه ويجب التوقّف عندها ظاهرة إرتداد البعض من اليساريين بل الذين أبدعوا بتطرفهم اليساري دفاعاً عن النموذج الاشتراكي - الماركسي سابقاً الى الإعجاب والدفاع من حيث يدرون بنقيض التجربة الاشتراكية بل غدوا يتحدّثون باستهزاء وبسخرية عن تجربتهم اليسارية الطائشة كمغامرة صبيانية ثورية ضرورية في مرحلة عمرية من نمّو الشخصية ونضجها وكلّ ذلك مقبول وربما عادي وبل طبيعي فلكلِّ امرءٍ الحق في نقد تجربته الانسانية - الاجتماعية - السياسية الخاصة به إنما أن يتحوّل الواحد منهم لرامي سهام ساخرة وحارقة وخارقة ومتفجّرة لا بل حاقدة بعنف ضدّ كلّ من استمرّ من الأوفياء بمقارعة السياسة الأميركية التشبيحية واللامنطقية واللاأخلاقية في التعاطي مع آمال ومصير شعوب بأكملها وفقط، لأنها لا تؤمن بالرأسمالية الفوضوية وبجشع الربح السريع مهما كان الثمن وكيفما اتفق فذاك مدعاة استغراب وتعجب لا بل مدعاة تأمل وسؤال: كيف يتحول من كان مناضلاً ومقاتلاً يسارياً الى ناقد حاقد و مدمّر مقزّز ضدّ مسيرته أولاً وضدّ من بقي يسارياً ثانياً...؟

لماذا تحوّل هؤلاء ضدّ من بقي يواجه ما يعتقده هجوماً امبريالياً رأسمالياً - صهيونياً لصالح اسرائيل ولصالح نشر الفوضى لإعادة تنظيمها وترتيبها كما تتوافق ومصالح منظومة الشركات الكبرى والدول المالية العميقة ووفق سبل تصريف الإنتاج الكاسد؟

في قراءة لكتابات وأفكار وسلوكيات هؤلاء المرتدين نجد أن القاسم المشترك بينهم هو دخول المال الى جيوبهم أوّلاً وثانياً هجرتهم لمناطق سكنهم من حيّ الفقراء والطبقة الوسطى الى حيّ الميسورين بالحرام وثالثاً تغييرهم للأصدقاء القدامى وللأصحاب ولأمكنة السهر ورابعاً تخطيهم السيء لأزمتهم الوجودية عند سن الأربعين عاماً، وخامساً تعرّضهم للخيبة وللصدمة الكبرى عند انهيار المنظومة الاشتراكية وانقلاب الشعوب على الأنظمة الماركسية أو بالأحرى الذين واجهوا الخيبة والصدمة بحركة سلبية تدل عن جوهرهم الانتهازي عبر الهرب والاستسلام للعدو النظري- الفكري- العقائدي التاريخي لليسار، وكلّ ذلك يشير الى أن تحرّرهم من العوز والحرمان والفقر والعقدة الدونية جعلهم يبرزون شخصيتهم الحقيقية الأساسية الرافضة والحاقدة لبيئتها الأساسية والحالمة أن تكون في الطرف الآخر من طبقات المجتمع أي إن حركتهم النضالية لم تكن منطلقة من احترامهم وحبّهم لطبقتهم الأولى الفقيرة بل غيرةً وحسداً وسعياً لئيماً ليكونوا في المقلب الآخر من المجتمع لما يعتقدونه تحقيقاً واقعياً لغرورهم المستتر ولنرجسيتهم المتوترة، تلك النرجسية التي تعتقد أنها خلقت في لحظة خاطئة من رحم أمٍ مسكينة فقيرة وفي رعاية أبٍ مغلوب على أمره لا يستحق الأبوة وفي شارع حقير لا يليق بأناهم المبدعة وبأن ذكاءهم يليق بتخرّجهم من الجامعة الأميركية للبرجوازيين وأن الصدفة والحماقة فقط، رمتهم في جامعات الاتحاد السوفياتي المتواضع معيشياً وعادة ما تكون شخصيتهم الحقيقية متأففة دوماً لا تشبع من النقد والجدل ومن حبّ التفاصيل ومن تفكيك المبادىء من جوهرها لتسخيفها وللسخرية منها كمتفلسفين مضطلعين على ثقافات غرببة فيها من الدهشة والانبهار ما يكفي لإلحاق الهزيمة باليساريين وعادة ما يكونون عبثيين بتوجّهاتهم، ينقلبون على أفكارهم في كلّ فترة وفي كلّ حين حسب مصلحتهم المادية المستجدة مع إطلاق النكات السياسية الساخرة ضدّ كلّ صاحب عزيمة وضدّ كلّ مثابر على التضحية من أجل المجتمع ومن أجل البلاد وأسوأ ما فيهم من خصال أنهم بحاجة دورياً لتفريغ توترهم العارم من خلال النقاشات الحادة والهازئة برأي الآخرين . إنهم ممن كانت تقول لهم نساؤهم" إنظروا الى غيركم أين أصبح بشطارته وأنتم ما زلتم في فقركم لا تعرفون الربح ".

هذا يعني أنهم لم يكونوا بالأصل يساريين حقيقيين ولو أنهم على درجة عالية من الثقافة و ذوي تجربة نضالية وربما عسكرية أيضاً، بل ربما أكثرهم كغالبية اللبنانيين من ذوي الشخصيات المضطربة المتأزمة وربما المريضة التي تستدعي العلاج والتي هي على صراع دائم في داخلها بين ماذا تحب أن تكون وبين ما هي عليه بالحقيقة، بين إمكانياتها المادية المحدودة وبين ما يتطلب الواقع من ضرورات، بين ما يحبّونه وبين ما يكرهونه، بين الثابت لديهم من اعتقادات وبين المتحوّل وفقاً للظروف وأسوأ هؤلاء اليساريين المرتدين هم الذين التحقوا بتيارات تدّعي الإصلاح السياسي وما هي إلا عصابات برجوازية -عائلية-طائفية تدميرية تنتهي عند موت قائدها .

لا مانع أن يترك المرتد اليسار إنما على الأقل أن ينضموا الى من هم أكثر تطوراً من اليساريين، لا ان يستبدل الواحد منهم الفيلسوف كارل ماركس بتاجر محتال يؤمّن تأشيرة سفر أو وظيفة أو برجل أعمال مشبوه أولهم له مشروع شعاره "لعيونك ولا يهمك"... وثانيهم أفلس البلاد ب "صُدّق صدّق" وثالثهم أهمل الاقتصاد بحجة الأمن ليكتفي برؤية الوطن من فوهة البندقية وأفلسوا البلد. من أين يأتون بهذه العدوانية وبهذه الكراهية ضدّ ماضيهم المشرّف بعلمانيته بين قطعان طوائف وبين عائلات سياسية طائفية متخلّفة وتدميرية. أحد التنظيمات اليسارية توقف عن النضال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بعد أن انتفع بعض أعضائها من مال وخدمات عديدة. وكأنّ النضال انتهى أو كأن المَهمة المطلوبة منهم انتهت ضدّ الحزب اليساري الأب. حتى المنح التي كانت تقدّمها مؤسسات الرئيس الحريري للطلبة توقفت وكأن المهمة انتهت وحتى الاغراءات التي كانت تقدّمها دول متطورة لدول العالم الثالث توقفت وكأن المهمّة انتهت.

اليساريون المنافقون المرتدون كانوا خلايا يسارية تخريبية نائمة أو أنهم تحوّلوا لخلايا تخريبية مستيقظة من أجل جمع دولارات وتأمين وظيفة. خلايا انتهت مهمتها مع سقوط التجربة الاشتراكية. لا نحكم برجم المرتد اليساري إنما ليكفِنا هضامته وشرّه. اليساري المرتد أكثر إزعاجاً وخطورة من يميني متطرف أو من طائفي مضلَّل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما هي الاسهم الحارقة؟
محمد البدري ( 2020 / 12 / 28 - 21:49 )
لك الكثير من الحق في تفسير المال البترودولاري الذي تكدس في جيوب مثقفين يساريين كثيرين مما جعلهم يلعقون احذية امراء ومشايخ النفط. لكن اللغة التي استخدمتها دليل علي ن ثقافة الاسلام النفطي لازالت عالقة بك. فما معني تكرار لفظي ارتداد ومرتدين في قولك: إرتداد البعض من اليساريين ....
اليساري وخاصة الماركسي هو الملتزم بحركة الواقع يفهم مجرياته وبضبط كلماته به.
هل تطلق لفظ ارتداد علي فشل التجربتين السوفيتية والصينية ام انهما ادركا ان حرق المراحل التاريخية هو اكذوبة وان سد الهوة للانتقال الي مجتمع اشتراكي لن يمر الا عبر ان تستهلك الرأسمالية نفسها.
ويبقي السؤال هل هناك طائفي واحد غير مضلل؟ ان الضلال الحقيقي هو ان تكون ضمن طائفة او تنتمي الي فكر طائفة.


2 - لم يرتدوا وإنما فقط خلعوا أقنعتهم
طلال الربيعي ( 2020 / 12 / 28 - 22:23 )
هؤلاء- اليساريون المنافقون المرتدون- لربما لم يرتدوا وإنما فقط خلعوا أقنعتهم ليظهروا على حقيقتهم! والعديد من هؤلاء فقد كل صلة له بالأخلاق وسقوطهم لا قعر له. والعديد منهم درسوا في الاتحاد السوفيتي والدول للاشتراكية السابقة وعلى حساب شعوب هذه الدول وكانت مخصصاتهم أعلى بكثير من مخصصات أفرانهم المحليين. ولكنهم, بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, دخلوا في سباق ماراثوني مع كل أعداء الشيوعية التقليديين في التهجم على الاتحاد السوفيتي و الحط من المكتسبات العظيمة التي حققها لشعوبه وشعوب العالم جمعاء في مجال العلوم والتكنولوجيا والطب والأدب والفنون.
وهؤلاء المنافقون يصمتون صمت القبور على جرائم الإمبريالية والصهيونية وأعوانهما من رجعية عربية ورأسمالية تابعة اللتان تكرسان أحط القيم الخلقية وتشيعان الظلم والفساد في كل مكان.
إن هؤلاء هم الطاعون والطاعون هم!


3 - لغة الفاشيه
عامر سليم ( 2020 / 12 / 29 - 03:34 )
حميدة التغلبية :
( اليساري المرتد أكثر إزعاجاً وخطورة من يميني متطرف أو من طائفي مضلَّل. )!!
قال شيخ الأسلام - ابن تيميه - عن الرده والمرتدين :
( ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة ، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة)!!
نبي الأسلام محمد :
( من بدل دينه فأقتلوه) !!
الماده 200 من قانون العقوبات البعثي رقم 111 لسنة 1969 :
( يعاقب بالأعدام كل من انتمى او ينتمي الى حزب البعث العربي الاشتراكي، وثبت انتماؤه بعد انتهاء علاقته بالحزب الى أي جهة حزبية او سياسية اخرى)
الأعدام ومعسكرات العمل للجواسيس والخونه اعداء الحزب والثوره والقائد والوطن.
تلك هي لغة ومفردات وفتاوي الأنظمه الشموليه ذات الحزب الواحد الأحد والذي لاشريك له ولم يولد بعد! والتي تلتقي بالضروره وحتمياً بلغة ومفردات وأساليب الفاشيه الدينيه والقوميه.
للتذكير ..
صدام بطل العروبه والأسلام , هو الآخر فتح الجامعات العراقيه للطلبه العرب وبأمتيازات مغريه لدراسة اي تخصص مهما كان معدل الطالب وبمخصصات ماليه تفوق اقرانه من العراقيين وكله على حساب الشعب العراقي!


4 - لأنهم فاشيون!
طلال الربيعي ( 2020 / 12 / 29 - 07:37 )
- لأنهم فاشيون فهم اختصاصيون في -لغة الفاشية!

اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا