الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لقاحات كوفيد 19 وفيروس كورونا: تحليل علمي مخلص ورأي طبي صدوق
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2020 / 12 / 29
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع مع مصعب قاسم عزاوي.
فريق دار الأكاديمية: ما هو تقييمك العلمي ونصيحتك الطبية لأولئك المهتمين بمعرفة مخاطر وفوائد لقاحات فيروس كورونا المختلفة التي يتم التسويق لها راهناً؟
مصعب قاسم عزاوي: من الناحية العلمية فإني لست متخصصاً في الأمراض الإنتانية أو علم الوبائيات أو في علم الفيروسات، حيث أن تخصصي العلمي الطبي السريري والبحثي الأكاديمي يقع في مجال علم الأمراض (الباثولوجيا) وهو ما يجعل الرأي العلمي الذي يمكن لي طرحه محدوداً في رؤية علمية منهجية تستند إلى بديهيات الطب العام وآليات حدوث الأمراض في أجساد بني البشر، وخاصة الورمية والوراثية منها، وهو ميدان تخصصي العلمي والطبي الدقيق.
ولتقديم إجابة واضحة ومبسطة ومفيدة لا بد من محاولة تقسيم اللقاحات التي يتم طرحها للاستخدام على المستوى العالمي، أو سوف يتم طرحها في المستقبل القريب إلى نماذجها الأساسية الستة، والتي إن تطابقت في أهدافها النهائية المتمثلة في تخليق مناعة خلوية أو خلطية كيميائية ضد الفيروس المسبب لمرض كوفيد 19، فهي تختلف في الطرق التي تستخدمها للوصول إلى نتائجها، وهي في الأساس ستة طرائق سوف أقوم بعرضها بشكل مبسط مورداً نقاط القوة والضعف في كل منها.
أولاً: مجموعة اللقاحات المعتمدة على mRNA من قبيل لقاحات شركات فايزر وبايونتك ومودرنا الأمريكية، وهي مجموعة من اللقاحات تستند إلى مبدأ وضع تعليمة لنسخ البروتينات في خلايا الإنسان تدعى mRNA ضمن جزئية من الدهنيات الفائقة الصغر Lipid Nanoparticles وهي تقنية مضى على اكتشافها ومحاولة تطورها واختبارها سريرياً مدة تتجاوز الثلاثة عقود، وعلى الرغم من ذلك فهي لم تحصل سابقاً على أي موافقة من أي هيئة حكومية متخصصة بقبول وترخيص اللقاحات قبل الجائحة الراهنة نظراً للقلق العميق من ضعف فعاليتها نظراً لنصف العمر القصير جداً لجزيئات mRNA داخل الخلية، وسهولة تخربها جراء التعرض لحرارة الجسم فقط، وهو ما يستدعي إضافة جزيئات تدعى Adjuvant والتي يمكن ترجمتها إلى العربية بالظهير المناعي، وهو مركب كيميائي لا بد منه لأجل حماية mRNA من التخرب السريع، بالإمكانية إلى تسريع تعرف الجهاز المناعي عليه والبدء بتشكيل أضداد له عقب تمكينه من الدخول إلى داخل الخلية عبر الجزيئات الدهنية الصغرية LNP السالفة الذكر.
وأحد العناصر الهامة التي كانت سبب تردد كل السلطات الصحية على المستوى العالمي في قبول أي من أشكال هذه اللقاحات سابقاً هو التخوف من السمية التي يمكن أن تحدثها الجزيئات الدهنية الصغرية LNP وبشكل أكثر تخصصاً أشكال الظهير المناعي Adjuvant التي لا بد من استخدامها لتلافي صعوبات سهولة تخرب mRNA داخل الخلية وقصر عمره قبل تفككه الذي قد لا يكون كافياً لأجل إحداث التأثير المطلوب لتشكيل مناعة كافية.
وتجدر الإشارة إلى أن شركات فايزر وبايونتك ومودرنا التي تم قبول لقاحاتها في الولايات المتحدة وبريطانيا و الاتحاد الأوربي لم تصرح عن التركيبة المستخدمة في لقاحاتها لأجل تصنيع الجزيئات الدهنية الصغرية LNP والظهير المناعي Adjuvant فيها مما يطرح أسئلة كبيرة حول أخلاقية قبول السلطات الصحية لهذين اللقاحين دون التصريح عن البنية الكيميائية للمواد الداخلة فيه بشكل علني يمكن العلماء من دراستها واكتشاف أي آثار سمية يمكن أن تحدثها على المستويين القريب أو البعيد في تجارب في المختبر على الحيوانات، أو سلاسل الخلايا البشرية، وهي خلايا بشرية يمكن تنميتها في المختبر لدراسة الآثار الجانبية للأدوية واللقاحات دون الحاجة لزرقها في أجساد البشر.
ثانياً: لقاحات معتمدة على الناقل الفيروسي Viral-Vector، ونموذجها الأساسي اللقاح الذي تعمل عليه شركة آساترازينكا وتقوم بتسويقه باسم لقاح أكسفورد حيث أن نهج اللقاح تم اقتراحه من قبل عالمين في جامعة أكسفورد، وهو النهج الذي ظلا يناديان به لأمد طويل ولم ينجح سابقاً معهما في تحقيق أي لقاح فاعل سواء لمرض سارس الأول أو فيروس الإيبولا، وعلى الرغم من ذلك فقد تم إعادة كرته مرة أخرى في تجربة لقاح الشركة السالفة الذكر. وبنفس الطريقة يعمل اللقاح الروسي المعروف باسم Sputnik أيضاً.
وجدير بالإشارة إليه في هذا السياق بأن هذا اللقاح في حال قبوله سوف يكون أول لقاح في العالم يستند إلى تقنيات الحامل الفيروسي Viral-Vector وهو ما لم يتم الموافقة عليه سابقاً من أي من السلطات الصحيحة على المستوى العالمي للاستخدام في البشر، على الرغم من استخدام طريقته في بعض اللقاحات الحيوانية، وذلك بسبب الخوف الشديد من المخاطر التي يمكن أن تحدث بسبب ذلك النموذج من اللقاح.
ويقوم مبدأ ذلك اللقاح على استخدام فيروس من فصيلة الفيروسات الغدية Adenoviruses والمسؤولة عن جُلِّ حالات الزكام التي تصيب بني البشر، و ذلك بعد إدخال حمض نووي DNA صنعي في بنية حمضها النووي ثنائي السلسلة، واستخدام ذلك الفيروس بعد إدخاله حقناً إلى الجسم كحامل للحمض النووي الصنعي الذي تم إدخاله في داخل حمضه النووي، ليقوم الفيروس بدوره بإدخال ذلك الأخير إلى داخل خلايا الجسم، و يقوم بعد ذلك بإدماجه في الحمض النووي البشري للخلية التي قام بالتعلق عليها، ومن ثم استغلال وظائف إنتاج البروتينات داخل الخلية البشرية عبر السيطرة عليها وتوجيه كل طاقاتها لغرض إنتاج نسخ عديدة من الفيروس نفسه، والبروتينات الأخرى التي لا بد أن يتم إنتاجها أيضاً حسب الحمض النووي الصنعي الذي تم إدخاله فيه، والذي هو في حالة لقاح كوفيد 19 سوف يكون جزءاً من بنية فيروس كورونا المسبب له، والذي سوف يتعرف عليه البدن ويشكل مناعة ضده تحميه من الإصابة به في المستقبل من الناحية النظرية، و هو التصور العلمي الذي تحاول التعامي عن مكامن الخطورة في استخدامه الشركات المصنعة للقاحات بتلك الطريقة، والتي تتمثل أساساً في خطورة أن يلتصق الجزء الصنعي من الحمض النووي في منطقة من الحمض النووي للخلية البشرية تدعى Oncogene، وهي منطقة من الحمض النووي ليست مسؤولة عن إنتاج بروتينات، وإنما عن رقابة سلامة عمل إنتاج البروتينات واستقرار الحمض النووي في الخلية، والعمل على إجهاض أي تحول شاذ في عمل الحمض النووي الطبيعي في الخلية وعملية إنتاج البروتينات فيها و الذي قد يؤدي إلى تحول الخلية إلى خلية ورمية، وهو الدور الوظيفي الذي يمكن أن يتم الإخلال به في حال دخول الحمض النووي الصنعي في تلك المنطقة، وهو ما سوف يؤدي إلى إيقاف الجهاز الرقابي على سلامة عمل الخلية، وزيادة احتمال تحولها إلى خلية سرطانية لن تعبر عن نفسها إلا بعد فترة زمنية طويلة قد تمتد إلى عدة سنوات قد يصعب معها إجراء أي ربط سببي مع اللقاح الذي أدى إلى حدوثها آنفاً. وهو ما كان السبب العلمي الذي أدى إلى شبه حظر لتلك التقنية سابقاً في تطوير لقاحات تستخدم بشكل عملي لتمنيع بني البشر، وحصر ذلك في بعض اللقاحات المستخدمة فقط عند الحيوانات.
والعنصر الثاني الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد مخاطر التسبب بحدوث تنشؤ ورمي، يتعلق باحتمال أن يكون هناك مناعة مسبقة لدى الشخص الذي سوف يحصل على ذلك اللقاح المطور بتلك الطريقة للفيروس الناقل الذي تم استخدامه لاستدماج الحمض النووي الصنعي فيه، وهو ما يعني وجود أجسام ضدية في مصل المريض تجاه ذلك الفيروس وهو ما يعني ضآلة احتمالية أن يتمكن الفيروس من الدخول إلى خلايا الجسم والسيطرة عليها لإنتاج نفسه من جديد، والبروتينات التي يهدف الحمض النووي الصنعي إلى إنتاجها أيضاً. وهو ما يعني إخفاق الهدف من التلقيح أساساً. وهو خطر محتمل خاصة في ضوء عدم وجود دراسات مسحية شاملة توضح مستوى المناعة على المستوى الكوني لنوع الفيروسات المستخدم في تطوير تلك الأنواع من اللقاحات، وهو ما يعني احتمال فشلها في أي مجتمع تم تعرض أبنائه لذلك الفيروس بشكل مسبق.
ولا بد أيضاً من الإشارة إلى أن هناك العديد من الدراسات البحثية تربط بين هذا النموذج من اللقاحات المعتمد على استدماج حمض نووي صنعي Plasmid ونقله من خلال ناقل فيروسي من الفيروسات الغدية إلى داخل خلايا الجسم البشري، مع تعرف الجسم سواء على الحمض النووي الأساسي للناقل الفيروسي أو على الحمض النووي الصنعي المستدمج فيه كجسم أجنبي. وهو ما يؤدي إلى تشكيل الجسم أضداداً للحمض النووي الذي تم التعرف عليه كجسم أجنبي وتدعى تلك الأضداد علمياً anti-ds DNA، وهي الأضداد التي سوف تجول في مصل الدم وتبقى جائلة فيه، مع احتمال أن تقوم بالتعرف على الحمض النووي لخلايا الجسد الطبيعية على أنها مواضع صالحة للالتصاق عليها لتشابهها الشكلي مع العناصر التي تم التعرف عليها سالفاً كأجسام أجنبية تدعى علمياً مستضدات، وهو ما يعني تعرف الجهاز المناعي على مكونات عضوية في خلايا الطبيعية على أنها أجسام أجنبية واجب العمل على تفكيكها وتحطيمها، وهو ما يعني حدوث مرض مناعي ذاتي، وهو نموذج قد يؤدي إلى نتائج مضنية للإنسان تشابه الأمراض المناعية الذاتية الشائعة من قبيل البهاق، والتهاب المفاصل المزمن المعروف بالروماتيزم، والقصور الكلوي، وقصور الغدة الدرقية، وحتى الداء السكري في بعض الأحيان.
ثالثاً: لقاحات التي تستخدم تقنية الإنفاذ الكهربائي Electroporation لقطعة من الحمض النووي DNA الصنعي تدعى Plasmid عبر الحقن داخل أدمة الجلد.
وهي تقنيات تستخدم أمواجاً كهربائية ذات توتر منخفض لأجل تسهيل دخول الحمض النووي الصنعي إلى داخل الخلية، مع أو بدون ظهير مناعي Adjuvant وهو ما يُظن نظرياً بأن الالتهاب وزيادة التوعية الدموية الناجمة عن الرض والتخريب الموضعي الذي سوف تحثه الأمواج الكهربائية في أدمة الجلد سوف يزيد من سرعة حدوث التعرف المناعي على البروتينات التي سوف ينتجها الحمض النووي الصنعي بعد دخوله إلى داخل الخلية، مما سوف يحدث الأثر التمنيعي في البدن بعد تعرفه على تلك البروتينات المستحدثة كأجسام أجنبية وتطوير مناعة خلطية كيميائية وخلوية ضدها.
والواقع العلمي يشي بأن تلك الطريقة ظلت عماد الأبحاث الهادفة لتطوير لقاح لفيروس HIV المسؤول عن مرض نقص المناعة المكتسبة AIDS، وهي الطريقة التي فشلت على امتداد أكثر من عقدين في تحقيق أي أثر حقيقي في تطوير أي لقاح ذي معنى سواء لفيروس HIV أو غيره نظراً لفعاليتها شبه الصفرية في إحداث أي مناعة تذكر في تجاربها السالفة سواء في البشر المتطوعين أو في حيوانات المختبر.
ومن ناحية أخرى فإنها تحمل بشكل أو بآخر نفس المخاطر التي أشرنا إليها في الطريقتين الآنفتين سواءً فيما يتعلق بمخاطر السمية المحتملة للظهير المناعي Adjuvant أو خطورة التصاق الحمض النووي الصنعي Plasmid في مواقع رقابة سلامة عمل الحمض النووي الطبيعي في الخلية، وما يرافق ذلك من احتمالات تحول الخلية التي يحدث فيها ذلك إلى خلية سرطانية بعد زمن قد يطول أو يقصر.
رابعاً: اللقاحات المعتمدة على إدخال بروتينات مصنعة مخبرياً تشبه أجزاء من بروتينات فيروس كورونا المسبب لمرض COVID-19 باستخدام ظهير مناعي Adjuvant إلى داخل الخلية بحيث يتم التعرف على البروتين المصنع كجسم أجنبي، مما يؤدي إلى إمكانية تشكيل أجسام ضدية كافية تجاه تمكن البدن من التعرف على الفيروس الحقيقي المسبب للمرض عند التعرض له.
وذلك النموذج من اللقاحات تقوده شركة Novavax الأمريكية وشركة Vaxine الأسترالية وغيرها من الشركات العالمية بعدد يقارب 72 شركة.
وتلك الطريقة من اللقاحات طريقة حديثة لم يتم الموافقة على استخدامها علمياً إلا خلال السنوات القليلة الأخيرة ومنذ العام 2014 تحديداً، مما يستدعي أيضاً التفكر بمدى الآثار الجانبية المحتملة للظهير المناعي Adjuvant الذي يتم استخدامه فيها، واحتمالات إحداثه لسمية خلوية على المدى البعيد أو القريب كما أشرنا إليه آنفاً، خاصة في ضوء تكتم غالبية تلك الشركات عن الإفصاح عن البنية الكيميائية للظهير المناعي المستخدم في أي من لقاحاتها، والذي قد يكون ظهيراً مستحدثاً وغير مستخدم من قبل في تجارب على الحيوانات والمتطوعين لمدة زمنية كافية للتأكد من عدم إحداثه لسمية خلوية بعد زمن طويل أو قصير.
وعلى الرغم من ذلك فقد يمكن القبول من الناحية النظرية بالمبدأ العلمي لمثل هذه اللقاحات في حال انتظامها في نهج من الشفافية في إعلان كل البنى الكيميائية المستخدمة فيها في بناء الظهير المناعي Adjuvant في كل منها، بالإضافة إلى إخضاعها إلى دراسات إحصائية تنطوي على عدد كبير من المتطوعين من البشر لتفادي أي أخطار سمية محتملة يحتمل أن تنجم عن البنيات الكيميائية للظهير المناعي في أي منها.
خامساً وأخيراً: نماذج اللقاحات التي تستند إلى التقنيات المستخدمة تاريخياً منذ ثلاثينيات القرن العشرين في تطوير وصناعة اللقاحات من خلال صناعة معلق يحتوي فيروسات معطلة Inactivated أو فيروسات حية ومضعفة إلى درجة كبيرة Live-Attenuated وذلك عبر تعريضها للحرارة أو المعالجة بمواد كيميائية مثل ملح كلوريد الصوديوم وهي نماذج صناعة اللقاحات المعتمدة في اللقاحات التي تسوقها الشركات الصينية الكبرى Sinopharm و Sinovac و13 شركة أخرى عالمية تتبع نهج صناعة اللقاح عبر تعطيل الفيروسات. وفيما يتعلق بصناعة اللقاح عبر إضعاف الفيروسات الحية فهناك عدد محدود من الشركات العالمية التي تسعى في سعيه نظراً لكلفته الأعلى والمخاطر المحتملة في عدم الإضعاف الكامل للفيروسات واحتمال إحداثها مرضاً في الأشخاص المدنفين أو ذوي المناعة المضعفة. وعدد الشركات التي تعمل في صناعة اللقاح بطريقة الفيروسات المضعفة هو 5 شركات عالمية أهمها شركتي Codagenix وAnkara.
وذلك التوصيف الأخير يعني من الناحية العملية والعلمية بأن نموذج اللقاحات الذي يستند إلى الفيروسات المعطلة Inactivated والتي تشكل عماد اللقاحات التي تنتجها الصين بشكل شبه حصري يمثل نموذج التصنيع المجرب على امتداد عقود طويلة، وأثبت فعالية ممتازة وآثاراً جانبية محدودة جداً على المدى القصير، وشبه معدومة على المدى الطويل لعدم احتوائه على أي مكونات من قبيل الحمض النووي المصنع مخبرياً بشكليه mRNA أو DNA وعدم استخدامه لأي ناقل فيروسي Viral-Vector وعدم وجود أي ظهر مناعي Adjuvant فيه. وهو ما يعني أن الشخص الذي يحصل على اللقاح فعلياً يتعرض إلى نفس الفيروس الذي يراد أن يشكل مناعة ضده، ودون أن يتمكن ذلك الفيروس من إحداث مرض في جسده لأنه فيروس تم تعطيله Inactivated أو إضعافهAttenuated من قبل. وهو ما يجعل الرأي الصائب والحكيم يميل إلى قبول ذلك النموذج من اللقاحات بشكل شبه حصري لكونها الأكثر سلامة من الناحية العلمية والعملية والتاريخية.
وقد يحق لعاقل حصيف التساؤل عن المنطق الذي تم بناء عليه الموافقة على نماذج اللقاحات التي لا تعمل وفق مبدأ الفيروسات المعطلة Inactivated في دول عظمى مثل بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ما لم يكن آمناً؟ وهو تساؤل محق لا يمكن للإجابة عليه إلا أن تنطلق من الحقيقة الثابتة بأن عمل آليات الدول الرأسمالية يقوم على موازنة المخاطر بالمنافع، واعتبار حيوات البشر عنصراً في تلك المعادلة يمكن التعامل معها رقمياً، مع اعتبار ديمومة انتعاش الشركات الرأسمالية الاحتكارية المعولمة والعابرة للقارات- الحاكم الرئيسي و الفعلي في تلك الدول- أولوية لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار سياسي قد يكون بنتيجته ارتحال بعض البشر في وقت أقرب من آجالهم الطبيعية كتضحية لا بد من تقديمها لاستدامة عملية تحقيق الأرباح القصيرة الأمد التي تمثل ضالة وهدف حركية المجتمعات الرأسمالية وناظم خطى ساستها الذين تصنعهم تلك الشركات العابرة للقارات عبر تمويل حملاتهم الانتخابية وتلميع صورتهم العمومية إعلامياً.
وذلك يعني عملياً بأن الموافقة التي تم منحها لتلك اللقاحات كانت عملياً تحت بند الموافقة لأغراض الطوارئ، وهي عبارات تتغافل عنها وسائل الإعلام، وهو ما يعني بأن الموافقة تمت عبر التغاضي عن الشروط التي أدت إلى عدم الموافقة على أي من تلك التقنيات في صناعة اللقاحات قبل جائحة فيروس كورونا الراهنة، وأن تلك الجائحة أصبحت «الضرورة التي تبيح المحظور» مقتضية موافقة استثنائية على استخدامها بغض النظر عن مخاطرها المحتملة، وذلك لغرض إعادة المجتمعات الغربية الرأسمالية إلى حالة ما قبل الجائحة بما يضمن عودة عجلة الاقتصاد الرأسمالي المعولم للدوران وتحقيق الأرباح المادية على المدى القصير بغض النظر عن أي خسائر جانبية لا بد منها على المدى البعيد حتى لو كان حيوات الكثير أو القليل من البشر.
ومن ناحية أخرى لا بد من الإشارة إلى بعض التفاصيل الاقتصادية المتعلقة بنماذج اللقاحات التي تستخدم طرائق مستحدثة لم يتم الموافقة على استخدامها عند البشر قبل جائحة كوفيد 19 نظر لاقترانها بالأخطار والمثالب التي أشرنا إليها آنفاً، وتلك التفاصيل تتعلق بأن اختيار تلك الشركات لتلك الطرائق المستحدثة لم يكن فقط لقلة كلفتها مقارنة بالطرائق التقليدية لصناعة اللقاحات عبر تعطيل أو إضعاف الفيروس المراد تحقيق المناعة ضده، وإنما لتعقيد التقانات المستخدمة في تصنيعها، وإمكانية تسجيل الظهير المناعي Adjuvant المستخدم في أي منها كبراءة اختراع وحمايته بقوانين منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعني إمكانية احتكار تلك اللقاحات وحصد أرباح هائلة منها، وهو ما قد لا يمكن تحقيقه عبر طرائق تطوير اللقاحات بالشكل التقليدي عبر تعطيل أو إضعاف الفيروس المراد تطوير لقاه له كما أشرنا إليه آنفاً.
ولا بد أيضاً من التطرق إلى ما يشيع بين العامة عن تمكن الصين وبسرعة مهولة من إتمام تصنيع لقاحاتها في الشركات المملوكة من قِبل الدولة أساساً وبسرعة قياسية، وباستخدام الطرق التقليدية التي قد تحتاج أزماناً أطول من ذلك لتحقيق المعادلة المطلوبة لتصنيع كل لقاح بعينه نظراً للخصائص البيولوجية الفريدة بكل فيروس يتم تطوير لقاح له سواء فيما يتعلق بآلية استنبات الفيروسات وآلية تعطيلها أو إضعافها بعد ذلك بالدرجة الكافية لتحقيق المراد من اللقاح وبأقل الآثار الجانبية.
وهو ما فتح الأبواب مشرعة للتساؤل عن احتمالية معرفة الصين بشكل مسبق بفيروس كورونا قبل حدوث الجائحة التي سببها على المستوى الكوني، والذي قد يظن البعض بأنه أمر تم إخفاؤه بقوة الدولة الأمنية في الصين أو لعلة مضمرة في «نفس يعقوب الصيني»، قد يكون على رأسها إحداث زلزال اقتصادي في الولايات المتحدة يمهد لخسارة دونالد ترامب الذي أرهق الاقتصاد الصيني بعقوباته الأخطبوطية، بالتوازي مع الحقيقة الدامغة بأن الصين تشهد حالياً عدداً مجهرياً محدوداً بالعشرات يومياً من الإصابات الجديدة، وعدداً شبه صفري من الوفيات بما قد يشي بأن عموم الشعب الصيني الذي يبلغ تعداده ملياراً و أربعمئة مليون نسمة قد تم تلقيحه بشكل مسبق ضد فيروس كورونا. وهي تكهنات تشيع كثيراً وتحمل في طياتها كثيراً من الأسئلة المهمة والتي قد يكون من المستحيل تقديم إجابة وافية عنها في ضوء التعتيم الإعلامي الذي تمارسه الآلة الجلمودية للدولة الأمنية الصينية، وتواطؤ المعسكر الغربي معها لتواشج مصالح شركاته العابرة للقارات مع استقرار علاقة المعسكر الغربي مع الصين التي هي في الواقع ورشة تجميع وتصنيع كل الصناعات الملوثة للبيئة التي تتكسب منها تلك الشركات العابرة للقارات، عبر إرغام العامل الصيني المظلوم المقهور على القبول بفتات بالكاد تبقيه على قيد الحياة بقوة الحديد والنار ومفاعيل الدولة الأمنية القمعية على الطريقة الصينية.
وعوداً على موضوع اللقاح الأجدى ضد فيروس كورونا المسبب لجائحة COVID-19 فإن الرأيَّ العلمي والطبي الأكثر إخلاصاً وصدقاً يجب أن يكون متركزاً على ضرورة السعي للحصول على أي لقاح مصنع وفق الطرق التقليدية السالفة الذكر سواء عبر إضعاف أو تعطيل فيروس كورونا المعني، ومحاولة تفادي التطعيم بأي من اللقاحات المصنعة بغير تلك الطرائق ما أمكن ذلك في حال إمكانية الحصول على اللقاح مصنعاً بالطرق التقليدية. وفي حال عدم التمكن من ذلك فإن الخيار بموازنة المثالب والمنافع يجب أن يكون متروكاً للشخص نفسه لاتخاذه بناء على تقييمه لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا وما قد ينطوي على ذلك من مخاطر جمة أكثرها هولاً مخاطر الوفاة بسببه، وبين المخاطر التي أشرنا إليها باختصار آنفاً في قبول تطعيم نفسه ومن هو مسؤول عن صحتهم في أسرته بأي من نماذج اللقاحات المستحدثة التي أشرنا إليها أعلاه. وهو بالتأكيد قرار صعب وحاسم، ولكن الأخلاق الحقة في أي ممارسة طبية سليمة تقتضي احترام عقل وكينونة المريض، وإعطاءه كل المعلومات الكافية لاتخاذ قراره المستقل بشكل مطلع وواع دون أن يتم تحويله إلى رقم من الرعايا المغلوبين على أمرهم الذين لا خيار لهم سوى القبول بما يرتئيه لهم رعاتهم الذين كثير منهم «جلادون مخضرمون» أتقنوا فن التنكر والتورية والتمثيل واللعب الحاذق وفق قواعد الرأسمالية بشكلها العولمي الاحتكاري المتوحش.
هوامش:
جدول شامل يوثق كل أنواع وطرائق تصنيع اللقاحات التي يتم تطويرها لفيروس كورونا المسبب لمرض COVID 19:
http://u.pc.cd/Kb5
بحث تفصيلي باللغة الإنجليزية عن طرائق تطوير لقاحات لفيروس كورونا المسبب لمرض COVID 19:
http://u.pc.cd/FAJotalK
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر