الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوني لأحزاني … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 12 / 31
الادب والفن


بدء المساء الذي ياما انتظرته يُلقي بضلاله الباهت على بيت ام جانيت الانيق في احد احياء المدينة الهادئة الراقية … طرقتُ الباب طرقا خفيفا فيه الكثير من الحنان المفتعل … حرصتُ ان يكون صادرا من جنتلمان حديث الانشاء ، وليس من يدٍ خشنة اعتادت على الطرق بنية التفليش ! أُحاول ان أصلب عودي … بدء الخوف المحبِّط يتسلل الى قلبي كريح باردة … استندتُ الى الجدار خوفاً من ان اقع مغشيا علي … التقطتُ انفاسي بصعوبة ، وكأنني عازم على مقابلة ملكة بريطانيا العظمى … هل انا جبان الى هذا الحد ، ام هو الحب من يفعل بي ذلك ؟
تقف امامي سيدة في منتصف العمر وقورة جميلة من نوع ذلك الجمال اللاتيني الأخاذ في كامل أناقتها ، وروعتها .. يسبقها عطرها الباريسي المنعش المثير ، وكأنها مقبلة على الذهاب الى حفلة راقصة او اجراء مقابلة تلفزيونية حصرية او او … القيت عليها تحية المساء بهدوء مفتعل ايضا ، وقدمت لها باقة الورد الجميلة التي اوصاني احد الاصدقاء بأخذها ، وانا اجد صعوبة في اخراج الحروف ، والكلمات التي ياما تدربت عليها في الليالي السابقة ، وكررت البروفة ، وانا في الطريق … !
ابتسمتْ بود ابتسامة حلوة مشجعة عن اسنان بلون اللؤلؤ من شفتين عنّابيتين ، وكأنها تنوي ان تطرد ما علق في نفسي من خجل شرقي ، وخوف موروث ، وتردد يليق بمثل هذه المواقف ، وتلك المناسبات النادرة ، ثم ردت التحية بمثلها ، وزادت بأن شكرتني على الورد اللطيف ، وهي تلفظ الراء غين .. اعجبتني تلك الرنة الموسيقية على لسانها … أهو غنج ام هي طبيعة فيها ؟ وان كان غنج ، فما اجمله ! وان كان من ضمن طبيعتها الرائعة فمرحبا بهكذا طبيعة … تمنيت ان تنتقل الى بقية نسائنا الكادحات لتخفف من حدتهن … ثم اكملتْ بقية عبارات الترحيب مما اضاف الى شخصيتها خصوصية نادرة ، ودعتني الى الدخول باجمل ، وأحن العبارات … اتدرون ؟ لم اكن اتوقع هذا ، ولم استعد لمثل هذه اللحظة التاريخية … !
طفلين ظهروا امامي متراصين .. كانوا صغاراً كالدجاجات الحلوات ، ينظرون اليَّ بدهشة ، وكأنهم امام كائن فضائي … ايضا في كامل اناقتهم ، وبمنتهى النظافة ، والشياكة … هل اقارنهم مع اطفالنا المساكين ام اصمت ؟ أُفضل الصمت ! فانا في حضرت الواقع الجديد المتوقع ان اعيش في جنباته ، وربما انجح في الانصهار فيه …
فكرت ، وسرح بي الخيال المجاني … هل يمكن ان اتزوج منهم ، وتكون زوجتي دائمة الاناقة ، والجمال ، والرقة مثل هذه السيدة المحترمة ، واطفالي مثل هاذين الكتكوتين اللذين لا اراهم الا في قصص اليس في بلاد العجائب ! تذكرت .. بان اصول اللياقة تحتم علي ان اصافحهم ، واتعامل معهم كأناس بالغين راشدين … ولا استصغرهم كما عندنا ، وانظر اليهم على انهم اطفال مجرد اطفال ، وهو ما فعلت ، ولكن بطريقتنا فلم اعتد على اسلوبهم ، وثقافتهم بعد …
فكرت ايضا ، والمصيبة في التفكير دائماً ، ويا ليتني اتوقف عن هذا التفكير الذي لا يودي ولا يجيب ، لماذا نختلف عن بعض ، وما اوجه الاختلاف بيننا ، ومن اين جاء هذا الاختلاف ، فنحن كلنا بشر … هل يمكن للدين ان يُحدث مثل هذا الفارق الهائل ؟ ربما … ام هي الخلفية الثقافية التي تختلف كليا عن خلفيتهم … عذرا اقصد ثقافتهم حتى لا يساء فهمي ! وقبل ان أُكمل نقاشي مع نفسي ظهرت حبيبتي ، ونور عيني ، وبطلة احلامي التي تحتلها طوال الليل ، وحتى في احلام اليقظة في اطراف النهار … جميلة انيقة رائعة … يتفجر جسدها الابيض الناصع بانوثة طاغية … آه .. ! كيف ضاع العمر ، وتفتتت سنينه ، وذرّتها الرياح في صحارى رملية قاحلة ؟
عانقتني ، وقبلتني على شفتيي الجافتين امام الجميع ، وانا اكاد اذوب ذوباناً في ملابسي ، كما تذوب الفكرة الغبية في النسيان … اينما التفتُ ، واينما تحركتُ اجد ثمة فارق كبير بيننا … كيف السبيل الى تطويعه … هل استطيع ؟ لا ادري ! تشاغلت بتعديل رباط عنقي الذي يكاد يُطبق على انفاسي مدارياً ارتباكي ، والخجل المزمن الذي يفترسني كأني عروس في خدرها … معقول ؟ اين الرجولة ، واين الشجاعة العربية الاصيلة ، واين السيف ، والخنجر ، والعقال .. التي ياما صدعنا بها رؤوس الاعداء ؟ وهل هم اعداء ؟ أيمكن ان تكون مثل هذه الكائنات الرقيقة اعداء ؟ أيمكن ان يجعل منهم الفرق بين الاديان … اعداء ؟ ولماذا اعداء ؟ مرحبا بهكذا اعداء ، وبئسا لاقارب من نوع داعش !
هكذا واصلت التفكير !
اعود الى سؤالي الجدلي : هل يمكن للدين ان يحدث كل هذا الفارق ، ام الامر لا علاقة له بالدين ؟ لا اخفي سرا اذا قلت بانني فكرت في الهرب … في الفرار مضحيا بحبي ، ومستقبلي ، ولحظات المتعة الخفية التي كنت اختلسها من جانيت ، والموعود باكثر منها في المستقبل … خوفا من الفشل .. العقدة القابعة في داخلي دوما ، وابدا … !
وهو للاسف … ما فعلت !!
واليوم ، وفي هذا المكان الميت من وطني الحبيب أقر ، وأعترف : كم انا نادم على عمري الذي ضاع ، وعلى الفرصة النادرة التي ضيعت … ما اشقاني … ما اتعسني !
- اين كنت … حضرتك ؟
زوجتي العروبية ، والدائمة الغضب … تصرخ بعصبية في وجهي ، وعيناها تضيقان عن نظرة متحفزة شرسة … ! تواصل …
- سارح حضرتك في دنيا الخيال ، وانا صار لي ساعة انبش بالبلوعة ، وانهد حيلي !
تقذف بالضاغطة في وجهي … اشم رائحة هواء ثقيل مفعم برائحة العطن اينما التفت ، وفي اي اتجاه هممت … اتذكر رائحة جانيت ، وام جانيت الباريسية التي تسكنني دوما .. لا تغادر انفي ، ولا اجد لها مثيلا ، ولا اجروء طبعا على المقارنة فهي شاسعة … !
قلت ، وانا انفخ نفسي على الفاشوش :
- حاضر … حاضر بدون عصبية رجاءً !
اتناول الضاغطة كأي جبان عريق ، وأُكمل نبش البلوعة العنيدة الشرسة .. التي لم اراها يوما في حياتي التي ضاعت هباءً .. سالكة مثل بقية بلاليع البشر ! والسؤال الذي لم يغادر مخيلتي ، ويا ليته فعل ، وريحني ، والذي لم اعثر له على جواب لحد الان :
هل يمكن للدين ان يحدث فرقا ؟ ام هو الغباء ، والجهل من يفعلان ذلك ؟!
ايضا لا ادري … كما طول عمري !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث