الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


* إتيكيتُ ذي السيجارةِ *

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2021 / 1 / 2
كتابات ساخرة


ذو السيجارةِ هذا هوَ صاحبي في صِفاتهِ. إي نعم, هوَ هوَ في ذاتهِ, تراهُ فحلاً عفوياً في خطواتهِ, صهلاً شفويّاً في كلماتهِ. هَكذا ربُّهُ خَلَقَ فيهِ حركاتهِ, وفَلَقَ فيهِ سكناتهِ ! فمثلُ حركاتهِ كمثلِ فتىً محمومٍ في فراشٍ حينَ جفلاتهِ, لفظُ كلماتهِ جزلٌ , كأنّ لفظَهُ تَفَلَّتَ من سجنِ نبراتهِ, لكأنّي بنطقهِ يَحذِّرُ جيشاً من غَفلاتهِ! فإن سَكَنَ و رَكَنَ لشهقةٍ من سيجارهِ فَبِقسوةٍ, كأنّهُ نوى إقتلاعَ عرجوناً بيديهِ مِن بين كرباتهِ! تَرتعشُ الإصبعان -وهو القوي- حين يَقبضُ بطرفَيهما على السيجار كرعشةِ شيخٍ هَرِمٍ في قسماتهِ, فإن نَفثَ دخانَه فكأنّها آخرُ زفرةٍ في حياتهِ, أنّهُ يعلمُ سيجارهُ وواعٍ لسموم ما في رُفاتهِ , فإن رَمى سيجارَهُ -ونصفَها لم يَمتْ- رماهُ خَطفاً قبل مِيقاتهِ !

يظنُّ مَن لا يعرفهُ أنّهُ صعبُ المراسِ في خطواتهِ ومَهيبُ المَماسِ حين ثباتهِ, لكنّي أرى زَفراتَهُ هي لذة ما فيهِ من إستئناسٍ وهي نبعُ فُراتهِ. قلتُ لصاحبي ذي السيجارةِ :

لِمَ لا تَتَوَلَّعُ بِفنِّ (الإتيكيتِ) في لباقةِ حديثٍ -ياصاحُ- وفي عَبراتهِ, فَتَتَصَنَّعُ بنظراتِهِ وبسماتهِ,ثم بقبساتٍ من (إسْمارتِهِ), ثمَّ تَتَقَنَّعُ بإصولهِ وكيفَ الختمُ لمخرجاتهِ, وكيفَ يكونَ البدءُ في (إستارتِهِ), وكيفَ تَتَمَنَّعُ في حوارٍ من أجلِ فوزٍ بوظيفةٍ , وتُسبِرُ غورَ لفتاتهِ, لكَ ياصاحبي أن تَتَدَلَّعَ بقفشاتهِ وخَلجاتهِ؟

صَدَّني عابِساً, وَرَدَّني حابِساً لِلنَّفَسِ وقَنواتهِِ : ولمَ ذاكَ؟ ما ظَننتُ نصحَكَ -ياصاحُ- إلّا تَزلّفاً في الحرفِ في نواتهِ, وتَكلّفاً في الطرفِ مِن غُلاتهِ, فأنصِتْ لأُرِيَكَ الأتيكيتَ الحقِّ بأنقى معانيهِ, وبأندى نسماتهِ..

أرايتَكَ المَعبود الذي مَلَكَ الأجنّةَ وإدراكَها, والأنفسَ وأملاكَها, والهواجسَ وهلاكَها, والمجرّاتِ وأفلاكَها, والبحارَ وأسماكَها, والعناكبَ وشِراكَها, سأُريكَ إتيكيتَهُ من قلبِ مشكاتهِ. تَدَبَّرْ معيَ كيفَ وَضَعَ الإلهُ (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) في قلبِ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ -لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا- أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ), فَلَنِعمَ المكافأةُ مكافأته!

عَنِ (العفويةِ) أُحَدِّثُكَ يا صاحبي, يا ذا إتيكيتٍ.

ثمّ تَفَكَّرْ كيفَ هوَ إتيكتُ عبادهِ إذ أجابوهُ: (مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) وبفضلهِ وبرحماتهِ !

ثمّ تَذَكَّرْ كيفَ رَدَّ القدوسُ كرّةً أخرى فأعادَ الفضلَ لهمَ: "تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" ففَازوا بعفوهِ وبمرضاتهِ.

فَيا لِجميل عفويةٍ وإتيكيتٍ وَفيٍّ عجبٍ, ويا لِكمال صفاتهِ!

ويا لنبيلِ حوارٍحَفيٍّ صببٍ في سَعدِهِ وحينَ مُواساتِهِ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة