الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيلات كيتش البروليتاريا الرثة

عبدالله المشعان

2021 / 1 / 3
الادب والفن


‎في آواخر القرن اللي فات انتشرت بعض الكلمات في المجتمع المصري، وكرسها التلفزيون في بعض أفلام ذاك الزمان، واشتهرت في كل الوطن العربي، حيث كانت القاهرة هي المصدر الثقافي الأول، وكل شيء يأتي معلب من أغنيات إلى افيهات ونكات نستوردها منها، فتبقى هذه الأغنية هي العالقة وهذه النكتة هي الدارجه، وقت من الزمن حتى يأتي الموسم الذي يليه فتصدر لنا كل جديد، ولم يكون كلها مسموح بتداوله، فبعضها مما هو ممنوع فلا نستقيه كغيره من التلفزيون والسينما، بل ممن يأتون بها تهريباً بعقولهم ويلقونها أمامنا من أفواههم، وهذه تختص بالنكت البذيئة والتي تسمعها منذ أن تستغل أول تاكسي يقلك من المطار، أما الآن فقد أختلف الوضع مع اختلاف الزمان، ولم تعد تلك النكات التافهة والأغنيات الهابطة هي الموجودة والمتداولة بل أشياء أخرى غيرها وليست مثلها، حيث خرجت ما تدعى بالمهرجانات لست ذو خبره فيها ومعرفة جيدة بها، لأننا ببساطة بدء الإعلام الموازي الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي تحاكي نفس الفكرة ولكن بقالب خليجي، فأصبحنا نحن من يصنع الكيتش الخاص بنا


‎الفن الرخيص الذي كان منتشر بفنانيه أصبح أيضاً موجود ومتداول لدينا وأخذ الصبغة التراثية، وكان قبل وقت من الزمن، البعض لا يحاول أن يذهب بعيداً في الجانب الغنائي والموسيقي لعدة اعتبارات منها الدينية أو القبلية، ولكنه دخل متخفياً من باب التراث، وقدم نفسه على أنه فن أصيل لنا وليس بغريب علينا نسيناه منذ سنين، وادعى أنه ينحدر من تراثنا، ويتوافق مع أعرافنا ويتماهى مع هويتنا ولا يتنافى مع عاداتنا، هذا هو المسوغ الذي أبداه وتخلخل منه إلينا ليكون بين ليلة وضحاها من تراثنا، بل أنه بدأ يندرج في أكبر وأشهر المهرجانات التراثية على مستوى الخليج، كتراث أصيل ترصد لها جوائز بالملايين!

‎التراث ليس حكاية نحكيها لأطفالنا قبل النوم، وليست شيلة يهتز على نغماتها بعض القوم، التراث وسردياته وبطولاته وفنونه أبعد وأكبر وأحسن وأفضل مما نراه، ومما يحاول البعض عن قصد أو دون قصد تكريسه في عقلية ووجدان الجيل القادم، والترويج له بطريقة مسفه ومبتذله، لقد أصبح الصغير يتوقع أن هذه الشيلات هي جزء من التراث الماضي، و موروث يجب أن نتحلى فيه وأن نحافظ عليه، ولو عدنا إلى القريب من الزمن لن نجد أي أثر له، لا أحد يعرف من أين أتى وندس وتغلغل وكبر وتفاقم حتى أصبح جزء لا يتجزأ من الموروث!

‎أشبه هذا وكأن أحد يتقدم ويقول لنا أنا من أبناء تلك العائلة العلانية أو القبيلة الفلانية، ولكن أبعدتنا الأيام والليالي الطوال، والآن أريد أن أرجع لكم وان اكون بينكم، ونحن صدقنا ادعائه وصادقنا على أقواله وايدنا أفعاله، دون أن نبحث بحث مستفيض ودقيق لنتأكد هل هو كاذب أم فعلاً صادق، لقد أبهرنا بمكانته الإعلامية وشهرته المتنامية، ولم نأخذ الموضوع بموضوعية وندرسه بجدية، على طول رحبنا فيه واحتفينا بفنه الذي يبديه، ومن يبحث بجد واجتهاد بعكس ما نحن عليه نعتاد في التراث بجميع أنواعه وفنونه وأصنافه، لن يجد لهذا الذي يدعى "شيلة" موطئ قدم، بل أن لفظ كلمة "شيله" لا يعرف إلى وقت قريب، سوى ما تلبسه المرأة فوق رأسها لتغطي به شعرها، فلذلك لا نستغرب تسميته لأنه لا يغطي الرأس بل ما هو داخل الرأس!

لقد استغل هذا الشيئ طرق غير نمطية وكرس للقبلية، وراحت الحناجر تصدح بتلك الكلمات وتترنم على أصوات الشيلات، وانتشرت تحت وسوم وهشتاقات وترسل بالواتسبات، ‎لكلمات لا تخلو من الإسفاف في المضمون والاستخفاف بالعقول، من مديح غير معقول وترفيع غير مقبول، لا يعدو سوى أن يكون هياط في هياط، والهياط يطلق بالعامية في المبالغة بالشيئ وأتى المصطلح في المعجم بالجلبة والصياح

لقد تعدى الإسفاف في هذه الشيلات فضربت بعرض الحائط الذائقة الفنية وخدشة الطبلة السمعية، الموروث ليس هذا ولا بهذه الهشاشة، الموروث هو عادتنا الحميدة وتقاليدنا المجيدة التي تربوا عليها أجدادنا، أما هذه الكلمات التي تروج في هذه الشيلات المنغمسة غالبيتها بالعنصرية، ماهي إلا مسخ وابتذال شيئ أبداً لا يطاق، تشويه متعمد لكل ما يمت بالتراث

‎نحن نعيش حالياً زمن الكيتش بهذا الفن الهابط الذي ينتج، والذي تعدى مسألة الجمهور "عاوز كدا"، لأنه بدأ ينافس نفسه ويسابق غيره، لا لأن يعلي من ذائقة وثقافة الجمهور، بل لينزلق به ويهبط به إلى القاع أسرع، أصبح تدمير الذوق العام هو النامي، وكل ما ينافي السلوك القويم والأخلاق هو الطاغي، تكريس لكلمات شعبوية حتى طغت على الطبقة النخبوية، شي لا يمكن أن يتعداه عقل ويقف عنده كل من له فكر، المفاهيم اختلفت في هذا الوقت ولم يعد الفكر يستساغ ويؤخذ من الطبقة المثقفة والنخبوية في المجتمع، بل أصبح العكس من أسفل درجات السلم المجتمعي، وهذا كما وصفها كارل ماركس البروليتاريا الرثة والتي تعيش على هامش الطبقات السفلى للمجتمع، مجموعة من الرعاع لا مضمون لهم ولا فكر يعني بهم، خالية الوفاض تعيش يومها وتنتهز أي فرصة مواتية للتقرب من السلطة وأصحاب المال والنفوذ لتقتات منها، بكيل المديح والثناء والاطراء بشيله لها، ومما كان اضجر على السمع من دوي الرعد، هو سماع تلك الشيلات وهي تستغل في الخلاف الخليجي، وينعق بها الأشقياء لزيادة الشقاق بين الأشقاء، للأسف هناك تجهيل ممنهج لشعوبنا بتعزيز العنصرية المقيتة وتكريس القبلية عن طريق انتشار الشيلات السخيفة، لتتلقفها عقول فارغة وتصدح بها أفواه فاغرة تردد كلمات غبية غير ذات قيمة فنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر