الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة بعنوان: الألم والثلوج والزمن

اسماعيل ميرشم

2021 / 1 / 4
الادب والفن


أفاق من نومه عند الفجر بسبب حلم، حاول أن يتذكَّره، لكنَّه بدلًا أن يتذكر حلمه، فجأة تذكَّر أنَّه نسى أن يقوم بانزال سيارته المركونة في ساحة العمارة الى الطابق الأرضي كما طلبت منه زوجته ليلة أمس قبل النوم لتلافي تراكم الثلوج المتوقع سقوطها في الليل بعد مشاهدتها للأنواء الجوية على التلفاز. تململ في فراشه ،قلَّب جسده يمينًا وشمالًا قبل أن تأخذه غفوة من جديد، فلنوم الفجر طعم خاص. استيقظ من نومه في الصباح على صوت زوجته هذه المرة، تنادي عليه من بلكونة الشقة ناقلة له خبر تساقط الثلوج البيضاء التي تغطي كلَّ مكان، سامعًا صوتها تقول مع نفسها: يا إلهي كم جميل منظر الثلوج!؟...حاول النهوض بأسرع وقت من فراشه والتوجه الى البلكونة لإلقاء نظرة من خلال النافذة على الثلوج المتساقطة في الليل. بعدما وصل الى البلكونة ، وقف الى جانب زوجته، لم يعد بإمكانه التمييز بين سيارته المركونة في ساحة العمارة والسيارات الاخرى، فالثلوج تغطي كلَّ مكان، وتتشابه السيارات مع بعضها الآخر. تذكّر مرة اخرى أنه لم يقم ليلة أمس بما كان مطلوبًا منه أن يفعل، لكنَّه لم يشعر بالندم على كسله يوم أمس، ولم يكترث ، وفضَّل الاستمتاع بالمنظر الموجود أمام عينيه على الندم على شيء أصبح في حكم الماضي، ولا يمكن للندم فعل أي شيء بخصوصه.
بعد انتهائه من إلقاء نظرته الممتعة على المنظر من خلال النافذة، قام بتناول الفطور،على وجه السرعة، بعكس عادته اليومية، حيث يعتني ويقضي وقتًا أطول في التهيئة والتمتع بتناول فطور الصباح وبالأخص قهوته الصباحبة. اليوم كان تحت ضغط مشاعره، حيث زيادة شوقه للقاء الثلوج المتساقطة مباشرة على الجبل وفوق الأشجار. بعد انتهائه من تناول الفطور، ارتدى ملابس الجبل، تراكسوته القطني الدافيء وحذاءه الجبلي الجديد الذي اشتراه قبل اسابيع لهكذا فعاليات. قام بتهيئة كلبه "هبي" ليصطحبه الى الجبل. وضع كمامته على فمه ووضع على رأسه قبعة قطنية تغطي أذنيه وارتدى قفازات جلدية ثم خرج من شقتة. بعد بضعة خطوات وصل أمام المصعد الكهربائي وبعدما ضغط على زره وبدأ المصعد بالصعود باتجاه طابقه العلوي، شعر بارتخاء حذاءه نتيجة نسيانه أن يضبط قيطانه، فانحنى لضبط القيطان، وهو عبارة عن الضغط على زر دائري في الحذاء وتدوير حلقة كما البرغي ليتخلص من ارتخائه. في هذا الاثناء شعر بألم مفاجئ في ظهره، آه انه العمود الفقري، الألم كان شديدًا الى درجة أوقفته عن التنفس للحظات.
في هذه الأثناء كاد المصعد أن يصل الى طابقه. قام بتحريك ظهره يمينًا ويسارًا في محاولة للتأكد بأن الموضوع بسيط، لكن بمرور الوقت ومع اقتراب وصول المصعد كان الألم يزداد حدَّة، فكَّر في النزول، لكن قال في نفسه ماذا لو سقطت في الطابق الأرضي أو داخل المصعد من شدة الالم. الألم كان يزداد الى درجة أجبرته على التراجع عن فكرة صعود المصعد والنزول، بدلا من ذلك . ثم تراجع عن فكرة النزول وعاد أدراجه الى البيت عسى أن يتاكد من الألم ومن سلامة ظهره قبل ان يستمر في طريقه للقاء الثلوج.
فتح باب شقته، خلع حذائه الجبلي والقمصلة السميكة وتمدَّد على ظهره في الحال فوق سجاد مفروش في غرفة الاستقبال. بمرور الوقت أخذ يشعر بثقل في ظهره وباستحالة جلوسه منتصبًا على الفراش. نادى على زوجته لتضع على ظهره لصقة عسى ان يقلِّل من آلامه. تاكد إنَّه الانزلاق اللعين قد عاد الى الفقرات القطنية مرة أخرى.
هكذا أجبره الألم المبرِّح على قضاء يومًا كاملًا متمدِّدًا على ظهره في الفراش، غير قادر على النهوض سوى لقضاء حاجته وبشقِّ الانفس بسبب الألم في ظهره. أستمر في تمدّده على ظهره لغاية صباح اليوم التالي . تناول بعض مسكنات الألم ووضع بعض الكمادات الدافئة تحت ظهره. صباح اليوم التالي نهض من النوم وكان يشعر بتحسن في ظهره، أول ما قام به هو التوجه إلى نافذة البلكونة لإلقاء نظرة على الثلوج، وإذا به ينصدم لذوبان الثلوج واختفائها كليًا من الساحة وعلى الأشجار و السيارات . وبان كلُّ شيء مختلفًا وبأن الثلوج قد ذابت وتحولت الى مياه. وللتأكيد كان يميِّز سيارته المركونة في باحة العمارة، بعكس يوم أمس في هكذا وقت.
هكذا كان الألم العائق الحقيقي الوحيد الذي منعه من التمتع بلقاء تساقط أول ثلوج هذا الشتاء. وعندما تحدَّث لزوجته عن مشاعره المريرة بخصوص تسبب الألم المفاجيء في ظهره بحرمانه من التمتع بمشاهدة الثلوج المتساقطة ، أخبرته الزوجة أن لا يشعر بالمرارة فهناك الكثير من الثلوج ستتساقط في الأسابيع والأشهر القادمة، فنحن في بداية موسم الشتاء. المهم ان يعتني بظهره ليشفى تمامًا ويكون مستعدًا لاستقبال تساقط الثلوج في قادم الأيام.
هكذا، بالأمس حال الألم ، واليوم الزمن ، عائقًا بينه وبين قيامه برحلة صباحية في الطبيعة المتلفعة بالبياض انتظرها منذ الشتاء الماضي حتى اليوم . وبينما كان يردِّد هذه الكلمات مع نفسه في نهاية موسم الشتاء الماضي، سيأتي الشتاء مرة اخرى، محمّلاً باللقاءات والصباحات البيضاء، سيأتي الشتاء ليكون في قلب الطبيعة وبرفقة صديقه "هبي"، حينها سيحتسي القهوة الصباحية ساخنا من فنجانه المعدني، مستمتعأ سماع ترنيمات الثلوج تحت خطواته حينما يمشي في الجبل، سيداعب الثلوج المتساقطة والمكدسة على اغصان الشجر بأصابعه المرتجفة، سيضحك مقهقهًا ومنسجمًا مع الطبيعة حتى البكاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??