الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دافنشي, يعقوبيان، و جرائم النشر، حرية التعبير في مجلس الشعب

نائل الطوخي

2006 / 7 / 20
الصحافة والاعلام


لسبب ما أو لآخر، أصبحت حرية التعبير ضعيفة و مهددة الآن داخل المكان الذي يفترض أنه يضم كل التيارات و الآراء المختلفة، مجلس الشعب. كانت البداية بمصادرة كتاب شفرة دافنشي و منع عرض الفيلم من خلال نقاش في المجلس، ثم تركزت الهجمات في نفس المكان ضد مشاهد في فيلم "عمارة يعقوبيان" بدعوي أنها تسيء لسمعة مصر، التي لم تكن أبدا بحاجة إلي مثل هذا الفيلم لكي تزداد سوءا أو نصاعة. و في النهاية، وجدنا نقاشات ساخنة لتمرير مادة من القانون تسمح بحبس الصحفيين و تغريمهم غرامة مالية، و إذا كانت المادة الأخيرة قد انتهت بانتصار جزئي للصحافة بعد منع حبس الصحفيين و الاكتفاء بتغريمهم فيما عرف بقانون جرائم النشر فإن السؤال الأهم هو: ما الذي يجعل حرية التعبير هدفا سهلا، و الأهم من كل شيء، و هو ما ركز عليه أغلب من شملهم هذا التحقيق، ما ملامح المناخ الذي يسمح بكل هذه الهجمات ضد ما يفترض أنه حق أساسي للإنسان العادي، ناهيك عن المثقف أو المبدع.
في البداية سألنا الكاتب و المحامي حسين عبد العليم فتساءل بمرارة قائلا: "كأنه لم يكن ينقصنا سوي هذا القانون. و مع ذلك فإن الغضب العام و العارم ضد القانون يصيب المرء بالدهشة ويوحي بأن كل شيء في هذا الوطن علي أفضل حال ما عدا هذا القانون.
هل التعليم و الصحة و النقل و المواصلات و الطرق و الثقافة و الإعلام علي خير ما يكون!؟ الإجابة معروفة للجميع، كيف إذن ننتظر قانونا متوازنا و ديمقراطيا و يقف في صف الحريات ؟! أمر منطقي جدا أن يأتي القانون علي شاكلة كل شيء في الوطن و جزءا من التردي العام."
ثم ينتقل حسين عبد العليم للحديث عن قانون جرائم النشر و مخالفته لسائر مواد الدستور التي ترحب بحرية التعبير و النقد فيقول:
"إن الذي يتأمل شروحات مواد قانون العقوبات و تحديدا الحق في النقد، بمفهوم إباحة النقد، خروجا علي الأصل "تأثيم القذف و السب عن طريق النشر" ثم يقارن ذلك باللغط الدائر حول التعديل الذي نحن بصدده يتبين كل شيء. لقد اعترف الدستور صراحة بالحق في النقد حيث جاء في مواده: النقد و النقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني. و اعتبار النقد حقا يستند إلي اهمية المصلحة التي يحققها النقد للمجتمع و القانون في إباحته لحق النقد يستلزم أن يتناول النقد وقائع تعني المجتمع و يهمه أن يعلم المرء أفراده بها و يتعرفون علي قيمتها، و من الطبيعي أن كل ما يمس المصلحة العامة يهم بالضرورة الجمهور و من ثم يصلح أن يكون موضوعا لاستعمال حق النقد. كما استلزم القانون أن يقيم الناقد نقده علي وقائع يعتقد في صحتها و يكون اعتقاده هذا مبنيا علي أسباب جدية و معقولة بعد التثبت و التحري. و نلاحظ هنا أن الشروحات القانونية قد توسعت في إباحة النقد في مجالات السياسة و الأدب و الفن و الرياضة. فالاعتبار السياسي للشخص مباح للبحث و التعليق و المناقشة و التقييم و إبداء وجهات الرأي ودون أن يعتبر ذلك مساسا باعتبار الشخص و مكانته الذاتية، لأن طبيعة النظام الديمقراطي بما تستوجبه من حق المناقشة العامة و حق المعارضة و رقابة الرأي العام علي أعمال السياسيين في مختلف الوقائع، كل ذلك يجعل من المستحيل حماية الاعتبار السياسي بإجراء جنائي لأن ذلك يبطل جوهر الديمقراطية. و بالرغم من أن القانون يشترط أيضا لإباحة النقد أن يصب في عبارات ملائمة إلا أن الشراح يعتبرون من قبيل النقد المباح أيضا النقد الذي تستخدم فيه عبارات قاسية أو عنيفة إذا كانت الظروف أو الوقائع أو عقلية الناقد و ثقافته تجعل ذلك مقبولا. لأن التخوم بين حق النقد و السب والقذف ليست ثابتة أو جامدة.
و من الدستور الذي رأي أن الحدود بين النقد و السب غير ثابتة ينتقل بنا الكاتب و الناشط اليساري أحمد بهاء الدين شعبان للمناخ الذي سمح بكل هذه الضربات الموجعة تجاه حرية التعبير مؤخرا، و آخرها قانون جرائم النشر، فيقول: "هذا القانون نذير شؤم لحرية التعبير في الفترة القادمة. ليس فقط لأنه معاد للرأي و يقتص من أي مقاوم للفساد و لكن لأنه يأتي في ظل مناخ مترد من ناحية حرية التعبير و تعسف السلطات في مواجهة أي تغيير ديمقراطي. فلا يمكن فصل القانون عن موضوع القضاة و إجهاض كل محاولات التغيير السلمي عن طريق السحل و الاغتصاب و التصفية، فقد تم مثلا منع تعيين معيد لأن عميد الكلية شاهده في إحدي مظاهرات الجامعة، و دعنا لا ننسي موضوع الطفلة آلاء الذي احتاج لتدخل الرئيس شخصيا، كما يزيد الطين بلة مناخ مصادرة الأفلام مثل عمارة يعقوبيان و شفرة دافنشي.
و برغم كل هذا، فلا يري أحمد بهاء الدين شعبان أن اللوم يقع علي السلطة حيث "دائما السلطة هي سلطة معادية للإبداع و للفكر غير أن المدهش هو أن هذه المعركة تدور في ظل صمت المثقفين. سحلنا في الشوارع و انتهكت أعراض زملائنا و المثقفون صامتون، ما عدا بعض الفدائيين في الصحف المستقلة و أخبار اليوم." و مثلما لا يري شعبان غضاضة في سلوك السلطة لأن هذه طبيعتها فهو كذلك لا يري غضاضة في سلوك رجل الأعمال الذي حشد كل قواه لتمرير القانون في مجلس الشعب: "دائما كان رأس المال موجودا و يسعي للهيمنة و البطش و لكن دائما كان هناك من يقاوم. لا أستغرب سلوك أحمد عز لأنه طبيعي. و لو لم يفعله لكان غير متسق مع نفسه. لست مضطرا لمقارنة أحمد عز ببيل جيتس في أمريكا لأن الرأسمالية الغربية ولدت كتطور طبيعي للمجتمع و بالتالي يمكن لبيل جيتس أن يتبرع ب30 مليار دولار للبحث العلمي و الثقافة ، أما أحمد عز فقد طفا علي سطح المجتمع و لو لم يفعل هذا لكان وجوده في هذه السلطة الفاسدة مدهشا. من ألومه هو رفاق المسيرة من المثقفين. عندما حدثت انتفاضات الطلبة عام 1972 كان هناك موقف قوي جدا من النقابات المهنية و المثقفين مثل نجيب محفوظ و ثروت أباظة و صلاح طاهر و حسين فوزي الذين وقعوا علي بيان المثقفين. ساعتها كان السادات في قمة هياجه و أجبره المثقفون علي التراجع. أما الآن فإنني أتساءل أين إدوار الخراط، جابر عصفور، فوزي فهمي، مما حدث في المجتمع. نحن في حاجة لأن نسمع رأيهم و ليس هذا فقط، بل نحن في حاجة لأن يتخذوا موقفا واضحا. ألا يكفي انتهاك عرض شاب حتي يتحرك الناس. أنا أدعو إلي عقد مؤتمر شعبي حاشد في أسرع وقت يدعو إليه المثقفون لمساندة الصحفيين و إذا لم يحدث فسيتم التدخل الضمائر و التفتيش في النوايا. و عندما تسوء الأمور إلي درجة الخراب فلن يكون حينها لكلام المثقف قيمة أي قيمة." و يستدعي أحمد شعبان في نهاية حديثه جملة لينين الشهيرة: "أمس لم يكن الأوان قد حان و غدا يكون الوقت قد فات. الآن."
أما الروائية سحر الموجي فقد سألناها عن رؤيتها لمستقبل الإبداع في ظل هذا المناخ الكئيب فقالت أن السؤال صعب جدا لأنه يتطلب تكهنات مستقبلية عن شكل حرية الإبداع في السنوات القادمة. و لكنها بدت غير مبالية بالقانون الجديد إذ قالت: "نحن طول عمرنا نعيش في قهر و في سجن رمزي. الإخوان مترصدون لنا. كما يأتينا القهر الآن من خارجنا، و أنا أعني بالتحديد هنا جلسات مجلس الشعب، حيث يعترض واحد من النخبة، أي ليس من الإخوان المسلمين، علي مشاهد في فيلم، هذا يعني أن السلطة قد شغلتنا كمخبرين علي بعضنا. أعتقد أن المبدع وظيفته هي تكسير الحدود باستمرار و لكن الحدود الآن تأخذ في الارتفاع، و في نفس الوقت لو لم تقم بالتكسير فستنتج إبداعا رديئا. و هناك صراع دائم بين هذه الحدود و بين الإبداع. القانون جاثم علي رقابنا منذ سنوات عديدة و كانت الصحف المستقلة موجودة أيضا و تنتقد. صحيح أنهم قبضوا علي إبراهيم عيسي و لكن هذا لا يعني أن القانون سيهزم حرية الإبداع فلن يمكن للسلطة حبس الناس جميعا. سيكون هذا عبثيا، مثلما حياتنا كلها هي عبث في عبث." ذكرتها بأن القانون قد لا يطبق علي جميع الحالات ولكن سيطبق من وقت لآخر لإرهاب الصحفيين و المبدعين، فوافقتني و قالت أن كل القوانين الآن تؤدي إلي كبت الحرية و هذا بدوره سيؤدي إلي احتقان لن يعلم أحد ما شكله. "السلطة تحاول تدجين المثقفين و القضاة و المهنيين و جعل الصحافة مجرد واجهة للسلطة. أي أنها منشغلة بالنخبة، لكن الثورة قد تأتي من الخلف، من ناس مهمشين و قد تأخذ شكلا غبيا و عشوائيا. ستكون انفجارا فعلا. ربنا يستر"
أما المخرج السينمائي الكبير يسري نصر الله فقد تناول الموضوع من زاوية مبكرة أكثر إذ تعجب من معركة الصحفيين حول القانون الجديد بينما ما يحتاجونه هو الصراع لأجل حرية تداول المعلومات التي هي غير موجودة أصلا في مجتمعاتنا: "هذه المعركة غير مفهومة بالنسبة لي. ينبغي أن يكون لديك أولا القدرة علي الوصول للمعلومة و محاولة معرفة مصادر المال الخاص و العام، و هذا الحق موجود في الدول المتقدمة حيث هناك قوانين تتيح لك الاطلاع علي المعلومات، حتي السرية منها، باستثناء المعلومات العسكرية طبعا أو التي تتعلق بالأمن القومي و هناك يصبح وجود قانون مثل قانون جرائم النشر لازما، إذ لا يمكنك أن تنشر قذفا بدون براهين. ما يدهشني هو أن تكون كل المعركة قائمة مع حرية النشر، بينما لا أحد من الصحفيين يفكر في حقه في الوصول إلي المعلومة، و في ظل مناخ كهذا من عدم توافر الحقائق لا يمكن للصحفي إلا أن يفرقع استنتاجا مثل البالونة حتي يصبح انفرادا. صحافتنا تتحول إلي صحافة رأي بالتدريج و ليست صحافة معلومات.
و من هنا ينتقل يسري نصر الله إلي أن الخلل الموجود هو في المجتمع بالأساس: "الحكومة لم تكن أبدا ديمقراطية، لا هنا و لا في بلد آخر، ولكن تظل المشكلة هو كيف تكون أنت ديمقراطيا كشعب، وقادرا علي الدفاع عن نفسك أمام القهر و القمع. أنا مثلا مشكلتي ليست مع الرقابة إذ أعرف جيدا كيف أتصارع معها و لكن مع الناس الذين يطالبون بالسينما النظيفة غيرها، الناس الذين يقف منهم نائب في البرلمان ليطالب بمنع فيلم عمارة يعقوبيان، علي اعتبار أنه يتضمن مشاهد للشذوذ الجنسي، أنا من حقي أن أشاهد الفيلم حتي لو لم أحبه، و حتي لو لم أعتقد أنه فيلمي المفضل، إلا أن حرية التعبير تخص بالتحديد الناس الذين لا أحبهم. فلو تأملت معي فكرة التعذيب داخل الأقسام و كيف يتقبلها الناس ببساطة تحت ذريعة: "ماذا سيفعل الضابط إذا لم يعترف المجرم؟" ستفهم أن المشكلة قادمة من أسفل، و عندما يحدث لك أنت، كصحفي، شيء مماثل، تبدأ في الصراخ. لم أفهم لماذا تمت محاكمة الضابط الذي عذب متهما حتي الموت إذا كانت الوزارة هي من أمدته بأدوات التعذيب، هل هي تعاقبه لأنه استخدمها. لم أفهم هذا لأنني لا أستطيع الاطلاع علي المعلومات التي تتحدث عن البنود السرية التي تسمح بتوريده أدوات التعذيب. المشكلة أن الجو كله الآن محبط جدا. هناك صحفي يقول اليوم في مقال له أنه سيتحايل علي القانون بذكر لقب مسئول كبير و الإشارة لبعض المعلومات عنه بدلا من ذكر اسمه. و لكن هذا يحبطني أنا جدا. الجميع يشير إلي الفساد و لكن لا احد يدلي بمعلومات ملموسة. أين وثائقك أنت و أين الميكانيزم الذي يحميك كصحفي من قمع السلطة لك"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح