الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع الإعلام وثقافة الإنعزال !

محمد بلمزيان

2021 / 1 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كان لوسائل التواصل الحديثة أثر بالغ في ربط العلاقات بين البشر ونشج أواصر التعارف بين مختلف الأجناس والأقوام بغض الطرف عن هوياتهم العقائدية والإيديولوجية ، و شكلت حدثا بارزا في حياة البشرية وطفرة جوهرية في وختلف ميادين افنتاج و المعرفة، فبقدرما أنها وطدت العلاقات بين البشر وتوسيع فضاءات التشاور والبحث، فإنها قد انتجت ثقافة الإنعزال والتباعد بين البشر والأجناس، وتقليص فرص التنقل لأغراض كانت في السابق تحتاج من البشر للتنقل من أجل قضاء حاجياتهم اليومية والمعاملات التجارية وتقديم مختلف الخدمات. فالرغم من من الفرص الكثيرة التي تتيحها وسائل التواصل المتطورة في تقديم الخدمات المختلفة وشروعها في غزو مجالات تجارية كانت فيما مضى حكرا على وسائل النقل التقليدية والتي تحتاج الى إجراءات ثقيلة ، أصبحت اليوم بنقرة زر يمكن التبحر في مختلف أجنحة الشركات المنتجة لكل السلع والمنتوجات ذات الإستعمالات المختلفة، وأصبحت التجارة الهرمية تقدم خدماتها عن بعد تشكل تحديا حقيقيا في مجال التجارة التقليدية وتأثيرها على حياة وونمط الناس الطبيعية .
وفي ظل هذه التطورات المهولة التي عرفتها وسائل الإتصال والتواصل ومساهمتها الفعالة في ترسيخ قيم مجتمع الثقافة والإعلام، وترتيب الأرضية لانبلاج ثقافة جديدة على أنقاض ثقافة تقلدية، أصبح الكل يتخوف من انهيار مجموعة من القيم الرمزية في مجتمعاتنا والتي شكلت مكسبا متوارثا مهما لكل البشرية تراكم على مر الأجيال، وأصبحت حاليا في اضمحلال متزايد أمام زحف هذه (الثقافة الجديدة) التي تسوف لبراديغم جديد أصبح سلعة مقبولة لدى شرائح عريضة خاصة في أوساط الشباب وفي سن المراهقة بالرغم من الكوابح الكثيرة إجتماعية واقتصادية وحتى نفسية وعقائدية حتى ، لا تمنع من الإرتماء في أحضانها بشكل من الأشكال، وأخص بالذكر هنا، قيم اجتماعية كانت فيما مضى تميز العنصر البشري في تقديم خدمات دون مقابل وبطريقة تطوعية لا تخلو من حس إنساني راق، وهي خاصية ( التضامن) الأسري والمجتمعي، التي أصبحت تتبخر في ظل هذا الزحف المعلوماتي المهول، بالرغم من ازدياد اللغط الإعلامي و الإستهلاك الشعاراتي على وسائل الإعلام المختلفة، هذا الواقع الذي أصبح يزكيه أكثر وتفرضه وضعية الوباء لكوفيد 19 ، حيث أصبح التباعد عنصرا بقدرما يشكل وسيلة للوقاية فهو ينم عن مظهر من مظاهر نفور الذوات البشرية عن بعضها البعض، وتفادي الإختلاط والتقارب، وفي تقديري قد تشكل هذه السلوكات على المدى المنظور مقدمة وأرضية خصبة لترسيخ ثقافة الإنعزال والأنانية، وقد أصبحت حاليا مظهرا سلوكيا يوميا بالرغم من طابعه الإحترازي والوقائي المرتبط بهذا الوباء العالمي، وقد يشكل في المستقبل في حالة استطالته زمنيا ومكانيا، على امتصاص جملة من القيم الإجتماعية ذات القيمة التضامنية، والتي أصبحت في تضاؤل مسترسل، بالرغم من الإستهلاك الإعلامي والشعاراتي لها في مختلف وسائل التواصل، الشيء الذي تغدو معه انبلاج ثقافة عدم الثقة في الآخر والتوجس من العلاقات العامة إحدى التجليات لهذا التباعد الوقائي ، وهذا ما سينعش ذاكرة الصغار والأطفال على ترسيخها في ذهنيتهم الرهيفة والحساسة وتأثيرها على نمط حياتهم الإجتماعية في المستقبل، في غياب طبعا لأية مواكبة جدية لفك شفرة هذه ( الآفة) قد تشكل ظاهرة اجتماعية ونمط ثقافي للكثير من البشر على الكوكب الأرضي، سيما وأن وسائل الإعلام تركزو في برامجها الإعلامية على مخاطر الوباء من حيث الوضعية والأسباب والمضاعفات والبحث عن سبل العلاج ، دون التركيز على الجانب السلوكي والثقافي ومحاولة تشخيص الوضع من خلال استدعاء باحثين اجتماعيين مختصين في مجال التربية وحقول إنتاج الفكر والمعرفة، سيما وأن هذه التكنولوجيا الإعلامية الهائلة يطغى عليها الجانب التجاري والمالي ذات الطابع الإشهاري والتسويقي أكثر من الجوانب ذات الصبغة الموجهة للتكوين والتثقيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو