الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركية التاريخ وانعطافات الربيع العربي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 1 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: لماذا ترفض بشكل قطعي نعت «الربيع العربي» بأنه «خريف عربي»؟

مصعب قاسم عزاوي: أعتقد بأنه من «قصر النظر التاريخي»، و«ضآلة النَفَس النضالي» إذا صح التعبير، الاستسلام والتسليم نكوصياً بفشل الإرادة الجمعية العربية في الانعتاق من الاستبداد والنهب والإفقار ومفاعيل الفاسد والإفساد والنظم الأمنية، والحكم بالإخفاق التاريخي للحراك الشعبي متمثلاً بكبوات الربيع العربي وانكساراته المفجعة على امتداد خارطة العالم العربي. والأساس الموضوعي لرفض ذلك التعبير، يستند إلى أن حركة التاريخ تتم دائماً بشكل معقد، لا يفصح عن مآلاته المحتملة في لحظته الراهنة، ومثاله الأكثر نموذجية هو «الربيع الأوربي» الذي امتد على عدة عقود بدءاً من العام 1848، وكان بنتيجة مخاضه الدموي العنيف نهوض البنى الديموقراطية الشكلية في الغرب، التي غيرت من شروط معادلة الهيمنة في مجتمعاتها، وأقصت الحديد والنار من تكوين تلك المعادلة، وهو ما سهل ومهد لتأصيل مفاهيم «دولة القانون»، و «العدالة الاجتماعية»- وإن كانت تلك الأخيرة فعلياً «رشوة لا بد منها للطبقات العاملة في الغرب للحد من طموحاتها الثورية»- و من ثم تأسيس هياكل ونظم «دولة الرفاه» كأحد المنتجات الملموسة لذلك المفهوم. وهو ما يشي بأن رحلة التغيير في العالم العربي التي بدأت في العام 2011 قد تكون طويلة ومآلاتها مفتوحة على طيف واسع من الاحتمالات التاريخية التي لما تفصح عن نفسها بعد.
وبمنظار مرحلي مبئر، فإن الربيع العربي و على الرغم من ضآلة ما تمخض عنه إيجابياً في التجربة التونسية التي ينتظر نضجها وتوطدها في قابل الأيام، مقارنة بطوفان الأسى في جُلِّ حواضن الربيع العربي الأخرى، والفوضى العرمرمة المخطط لها بدهاء وخبث منقطعي النظير من أولئك الذين لا مصلحة لهم في انعتاق الشعوب العربية سواء من السادة في الغرب وشركاتهم العابرة للقارات صاحبي الحل والعقد الفعليين في التحكم بمصادر الثروة و السلطة على المستوى الكوني، أو أي من وكلائهم من النواطير الطغاة المستبدين المكلفين بشؤون النهب والفساد والإفساد في العالم العربي، فإن ذلك الربيع العربي قد أسهم -وبشكل لا يكون محسوساً في اللحظة التاريخية الراهنة- في اكتشاف الشعوب لقوتها الكامنة حينما تنتفض، وبأن عروش طغاتها ليست منيعة في وجه طوفان إرادة المقهورين. وهو اكتشاف منقطع النظير في أهميته المعنوية والمعرفية في خضم حالة الاستلاب والإحباط الجمعي والإحساس المقيم بالعجز والعقم الاجتماعي الذين مثلوا باجتماعهم المنظار الجمعي الذي نظر من خلاله كل الأجيال العربية إلى واقعهم المأساوي في كنف الاستبداد منذ إفشال مشروع الثورة العربية الكبرى وما تلاه من نكبات ونكسات في غير موضع عربي.
والحق يقال أن مخاض الربيع العربي لا بد له أن يكون عسيراً وشاقاً إلى درجة قد تكون ملحمية، نظراً لاشتباك عراه مع لعنتي الجغرافيا والنفط اللتين مثلتا أس مأساة العالم العربي الحديث والمعاصر. فالنفط مثل المحرك الأساسي للثورة الصناعية، والمفتاح الذي يمثل الإمساك به إمساكاً بتلابيب العالم المتقدم الصناعي بكليته، وهو ما لم تخف أي إدارة غريبة وخاصة أمريكية إصرارها على الاحتفاظ بذلك المفتاح بشكل حصري، ممثلاً بالسؤال السرمدي الذي طرحه كل الساسة الأمريكان سواء بفظاظة أو غيرها عن «سبب وجود النفط الأمريكي في أرض العرب». واللعنة الثانية هي لعنة الجغرافيا التي اقتضت أن يكون العالم العربي همزة الوصل -كما كان عبر تاريخ الحضارة البشرية منذ الألف الثالث قبل الميلاد- بين الشرق والغرب، وهو ما وطده إيجاد قناة السويس، وما تعنيه من أهمية استراتيجية لمن يسيطر عليها سواء بشكل مباشر أو بالوكالة عبر نواطير محليين معتمدين في العالم العربي، وهو ما اقتضى لاحقاً اختلاق الكيان الصهيوني كقوة تدخل سريع لضمان عدم انفلات الأمور عما هو مخطط لها في حال إخفاق أي من أولئك النواطير بالقيام بواجبه على أكمل وجه.
واللعنتان تعنيان بأن الأجيال العربية القادمة يترتب عليها جهد تاريخي مهول في مواجهة الاستبداد ومن يقف وراءه متراساً منيعاً، خوفاً من إبطال شر تلك اللعنتين ومن يستفيد من مفاعيلها الجهنمية.
وأغلب الظن أن الربيع العربي سوف يعيد الإفصاح عن نفسه بانتفاضات عربية في غير موضع عربي وعلى أمد زمني طويل إلى حين تكامل تلك الانتفاضات بنسق كلي جامع يمتلك من القوة والعنفوان التاريخي ما يمكنه من تهشيم ثالوث الاستبداد ولعنتي النفط والجغرافيا.
وفي انتظار تكامل استنهاض الربيع العربي من كمونه الراهن، لا بد من اجتهاد كل قادر على العمل المعرفي الدؤوب، وعلى وسع قدرته واستطاعته، لأجل تأصيل وعي ثقافي نقدي لدى الأجيال الشابة التي يراد لها أن تبقى هامشية وسطحية، غارقة في متابعة البرامج التليفزيونية التافهة، ومتابعة الأخبار الفضائحية الفقاعية على شبكات التواصل الاجتماعي التخريبية، بما يضمن عدم امتلاكها لأي معرفة حقيقية أو وعي تاريخي بما يحاك لها، وبما يضمن بقاءها فريسة سهلة لكل الغوغائيين القادرين على حرف الربيع العربي عن ضالته الحقيقية في تحقيق الانعتاق الذي لا بد منه من الاستبداد والفساد والإفساد والمفسدين لتحقيق نوع ما من «العدالة الاجتماعية» و«عقد اجتماعي حضاري» يضمن تحول الشعوب العربية من «جماهير شعبية» يحركها وعي القطيع الغريزي، بكل احتمالاته الهمجية، إلى «مواطنين عقلاء لا يقتلون بعضهم بعضاً» لاقتناعهم ومعرفتهم الثابتة بأنهم الخاسر الأول والأكبر من «حمام دمائهم الأزلي» الذي لا رابح فيه إلا الطغاة والفاسدون المفسدون ونواطير السادة المستعمرين الذين لم يرحلوا إلا شكلياً عن الجغرافيا العربية، وغيلان شركاتهم الأخطبوطية العابرة للقارات التي تعتاش على امتصاص رحيق الحياة ودماء المقهورين في أرجاء الأرضين في سلمهم وحربهم خاصة و أن تلك الأخيرة تعني أربحاً طائلة من بيع طوفان أسلحة و ذخائر في سياق استدامة لكل ما هو تنويع على مقام قتل قابيل لهابيل و اعتراك عبس و ذبيان على سبق مُزَوَّرٍ لداحس على الغبراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال