الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المخرج الايطالي ماركو فيري(1928-1997) وفيلم اللحم 1991

بلال سمير الصدّر

2021 / 1 / 8
الادب والفن


مخرج ايطالي كبير وعلى قدر كبير من الاهمية،بدأ مشواره الفني عام 1950 باخراج ثلاثة افلام في اسبانيا،وتبعهم باخراج اربعة وعشرين فيلما ايطاليا،ويعتبر من اعظم المخرجين الاوروبيين واكثرهم استفزازا ايضا.
شاركت ثمانية من افلامه في المنافسة على جائزة مهرجان كان الكبرى،وحاز على جائزة الدب الذهبي عام 1991 عن فيلم (منزل الابتسامات) وثلاثة من افلامه تعتبر من افضل 100 فيلم في تاريخ السينما الايطالية
وهي افلام المرأة القردة 1964 وديلينجر قد مات 1968
L udienza و فيلم1972
نكتفي الى هنا ونبدأ بالتعريف بالمخرج من خلال افلامه نفسه ونبدأ مع احد الأفلام المتأخرة اللحم 1991
فيلم اللحم على خفته إلا أنه فيلم جيد وكبير في بعض الاحيان،وقد يخفى على عدم المتابع لفيلموجرافيا المخرج كاملة مدى ارتباط هذا الفيلم بافلام ماركو فيري الكبرى،وهو ليس من تلك الافلام التي من الممكن فصلها بجرة قلم واحدة عن كامل تاريخ حافل لمخرج على شاكلة ماركو فيري،وهو ان كان بدا بانه يحاول ان يعيد ثيمات اساسية لأفلام له سابقة،على ان هذه الاعادة كانت مجرد تحية الى كل افلامه وثيماته السابقة،وعلى انه يبدو ايضا يقول بان ما قاله كان كافيا ولايستطيع سرده بطريقة افضل.
ماركو فيري مخرج يعتبر من جيل الرعيل الأول،أو ذلك الجيل من المخرجين الايطاليين الذي لن يتكرر-كان قد شارك كممثل مع بيير باولو بازوليني فيلم حظيرة الخنازير أو الخنازيرية-وان كانت شهرته هي الأقل منهم جميعا،خاصة ان قارناه بفليني أو انتونيوني أو دي سيكا أو فيسكونتي أو روبرتو روسيليني أو حتى بيير باولو بازوليني،ولكن هذا لايمنع انه يمتلك تلك اللمسة الايطالية العميقة ...تلك اللمسة التي تدعى باللمسة العبقرية.
إذا كما قلنا،ففيلم اللحم 1991 على علاته،فهو فيلم جيد يتصف بالعبثية وذو صلة قوية بالموضوع الايروتوكي الكانيبالي وهو أحد الثيم الرئيسية في مسيرة مخرجنا،على ان التعبير عنه جاء مختلطا في كثير من الأحيان يفتقد اللمسة الاخيرة المقنعة ومن ناحية اخرى وعلى كثرة العراء فيه والمشاهد الجنسية بدا الفيلم مقنعا في كثير من الاحيان ولا يتعمد الابتذال.
ونحن-قبل ان نبدأ الحديث عن حبكة الفيلم-نتغاضى عن الاحالات السياسية في الفيلم،كونها بدت خجولة جدا ولم تعبر عن اي رأي واضح لمخرج الفيلم،فان كان الفيلم ينعى الاشتراكية من سقوط لينين ومعه كارل ماركس،أو ربما كان يشير الى نوع اكثر جماهيرية من العلاقات البشرية،كون العلاقات بين البشرية قائمة على العنف،اي على الكانبالية المبطنة بالهدف السامي،وهذا الأمر لن يعنينا كثيرا في الفيلم..
باولو عازف بيانو متسكع مطلق حديثا ويمتلك ولدان فتاة وطفل،يعمل في احد النوادي الليلية التي يتعرف فيها على الحسناء فرانشيسكا التي تبدو خفية الوجود وكل ما يمكن ان يربطها بالنادي الليلي لايبدو باكثر من انها تعمل كعاهرة،لتبدأ بينهم علاقة مختلطة محاطة بايروتيكية مجنونة ذات نزعة عبثية ستقودهما في النهاية الى هلاك ولكن من نوع آخر،والفيلم ايضا يوصف بالكوميدي ولكن النمط الكوميدي ليس اسودا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة،بل مفهومه هو السخرية والعبث وصولا الى الضحك على شيء غير مفهوم من اساسه
إذا لقاء عرضي بين عازف بيانو وحسناء من نوع آخر كانت في السابق تمتلك عشيقا هندوسيا،فهل يقصد الفيلم اضفاء روحية معينة على الجنسانية استنادا الى مصطلح ميشيل فوكو...؟
على العموم،لا اعتقد ان للفيلم يؤخذ من ناحية فرويد اي طريقة التحليل النفسي،ولا بشطحات جان كلود بريسو،بل هو اقرب الى المخرج ديفيد كرونبرغ الى حد ما.
فهو فيلم عن الامتلاك...محاولة الامتلاك الابدي المستحيل والذي سيعبر عنها بمحاولة هي الاكثر غباءا في التاريخ،وننتقل في نهاية الفيلم من المحاولة الى الطريقة،وهي طريقة تؤكد استحالة امتلاك رجل لأمرأة حين يوضع لفظ(الامتلاك) ضمن مثل افلاطون المجردة.
فهاهو باولو يركع على شاطئ البحر ويخاطب فرانشيسكا:انت الاله...كم انت جميلة
لحظة مثل هذه يجب ان تسجل في الخلود
افلام ماركو فيري لها علاقة بالهوس الجنسي وهذا سنكتب عنه في حينه
وعلى ان باولو-كما يبدو-يتصف بالبراءة والحنان الشديد،وشيء ما يمثل الصفة الحادة التي لاتستطيع مقاومة جمالية من نوع معين تقودها الى عالم الجنس-والده كان فوضويا والعائلة برمتها متهمة بالالحاد-على اننا ننتبه الى صورة الاسد اثناء العلاقة الحميمة،وننتبه الى لفظ فرانشيسكا عندما لبست النظارات:
عندما رأيتك جيدا تبدو مثل الوحش...ولكن هل هذه الوحشية تسير الى سادية مثلا؟
بالتأكيد لا...نعتقد ان الفيلم يحلق تماما خارج نظريات فرويد
يحاول باولو الانتحار-الكوميديا الساخرة محيطة بالموضوع كاملا وبالجزء الكبير من المشهدية-لأن هذه اللحظات لن تتكرر مرة اخرى،ومن ثم يصرخ:
You Can See God Only Once in Lifetime
ومن ثم تبدأ فرانشيسكا بلعق وشرب دم من حول رسغي باولو الذي بدا كثيفا جدا على يديه،ويسألها:
لماذا تشريبن دمي...؟
هل من المفروض ان نأخذ هذه اللقطة على نحو عميق من الجدية...؟
أم لا نعيرها اي اهتمام،ونعاملها على انها مجرد نزعة كوميدية خاطئة،أو ليست في مكانها؟
حين يغرق رجل مع امرأة حسناء رائعة الجمال،بحيث لايبدو الأمر كصدفة قدرية،ولكن يبدو أنه مفصل لباولو...حينها بالتأكيد سيشعر بانه في الجنة ويرغب بان يتشبس باللحظة...ان يبحث عن الخلود بالانتحار...
هل تذوقت دمي...؟
نعم انه يمتلك نكهة حلوة....هل هذا يعني باني اعاني من السكري؟
لا،أنه يمتلك لون احمر رائع مفعم بالحيوية....
أنت مصاصة دماء...
ومن ثم هو يريد طعاما مثيرا للشهوة وهي تستغرب من ذلك؟
ربما مايحدث أمامنا الآن،وهذا الحوار هو الأهم في الفيلم،وهو ليس مجرد اسقاط كوميدي لواقع مختلط بين الفنتازي والحقيقي...بل حوار يسير نحو غايته..نحو النهاية الكبرى
هنا تتمحور القصة ويتحور العنوان برمته:اللحم
هو يريد ان يأكل لحمها ولكن بطريقة اخرى مجازية،فهو يطلب من اللحام ان يطابق اجزاء من جسدها لتطابق اجزاء اللحم الذي يطلبه من لحم البقر تحديدا
هل هي حالة جديدة من هوس الارتباط...الارتباط الكلي المعني بالامتلاك لا بالاتصال...
تقول فرانشيسكا:أنا فرانشيسكا
باولو:ولكن فرانشيسكا ،في الهند البقرة هي ام كل شيء
فرانشيسكا:أنت تتحدث عن اللحم البقري كما لو انه كان امرأة؟
هذا الاختلاط في التكوين الفيلمي بحيث لم يبدو اشكاليا بقدر ما يبدو عبثيا تائه في الطريقة التي يريد بنا ان نفهم بها الأمور...
هناك اشارة في الفيلم قد تحيلنا الى الحالة الأزلية لجنة عدن(آدم وحواء)،أو ربما قد تحيلنا الى التانغو الأخير في باريس عندما يتعطل التلفاز وتقول فرانشيسكا:العالم توقف عن الاتصال بنا
باولو:هذا يعني ان الاتصال سوف يكون بيني وبينك..؟
ثم هناك ذكر لأفلاطون،أو اشارة الى افلاطون عندما يقول باولو:
أنا اشعر باني انقسمت الى جزئين والجزء الثاني هو انت
وعندما ينافس عشيق انثوي ثالث باولو على حب فرانشيسكا(جيوفانا) تقول لها فرانشيسكا:
أنت تملكين كل حبي الافلاطوني...حبها السابق مع باولو لم يكن أفلاطونيا بالتأكيد...هل جيوفانا صيغة تفضيل؟
ومن ثم اسقاط فانتازي لشخصية سقراط الذي اجبر على الانتحار بسم الشاكران.
هل لهذا الفيلم علاقة بحكمة افلاطونية او حكمة سقراطية كما افترضنا جذافا بأن له علاقة بالتانجو الأخير في باريس؟
اسقاطات عشوائية تبدو احيانا غير منطقية وكاد الفيلم ان يفلت من يد المخرج؟
على ان النهاية كانت صادمة...كانبالية كاملة ولك ان تخمنها من خلال ترتيب العناصر المشار اليها اعلاه
4/12/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته


.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع




.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في