الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح ودلالات للتذوق الفني في السينما

محمد احمد الغريب عبدربه

2021 / 1 / 9
الادب والفن


يلاحظ أن هناك جدل حول وجود فلسفة للفن أو علم للجمال، وذلك بمعني وجود معايير ومحددات للعمل الفني، وسبر اغوار جمالياته المتعدده، فالعمل الفني يعيش دائما في مرتفع عالي من الأبداع والتجدد، ويهرب من التحكم، ولكن هناك كثير من المحاولات لفلسفة الفن او فلسفة الجمال او علم الجمال عند كثير من الفلاسفة، سواء كانوا فلاسفة جمال مثل رومان انجاردن، او جادامر او بارمجارتن اول من تحدث عن علم للجمال، او كروتشه، وادورنو ، او استخلاص فلسفة جمال لدي عدد من الفلاسفة مثل شابنهور او نيتشة او كانط او هيجل، نحاول هنا مناقشة بعض هذه الافكار في سياق اعتبارها محاولات للتذوق الفني، وليس باعتبارها فلسفة ومعايير محكمة في ذاتها، وذلك بالاعتماد علي افكار جيروم ستولنيتز من خلال مؤلفه كتاب النقد الفني ( دراسة جمالية) خلال جزئين من الكتاب تعلقوا بالتجربة الجمالية والموقف الجمالي. ومحاولة تطبيق ذلك علي بعض الافلام في السينما، وهي محاولة أولية للتعامل مع الفيلم من باب التذوق الفني، وليس النقد والحكم الفني او الجمالي، الا انه قد يكون في منطقة وسط، فهو محاولة لفهم قدرة بعض الافلام للوصول الي حالة من الكمال في التذوق الفني التي هي حالة جمالية ، وقد تكون عند بعض المخرجين الكبار مثل بيلاتار المجري، وبيرسون الفرنسي، ولارس فون ترير الدنماركي، وشانتال الفرنسية، وبازوليني الايطالي، وزلاوسكي البولندي، وجارموش الامريكي، وخان المصري، واخرون يعتبرون عمالقة السينما والمجددين الحقيقيين في فن السينما.
ويلاحظ ان جيروم في كتابه في هذين الجزئين حاول الاستفادة من الافكار الجمالية والنقدية للفن دون أن يكون فلسفة تتضمن معايير محكمة، فكانت أقرب إلى التذوق الفني، ومعالجة الامر باتجاه جدلي، وإتاحة مساحات للعمل الفني لكي يكون حاضرا، فهو استخدم مفهوم الخبرة الجمالية والتجربة الجمالية والموقف الجمالي، وايضا اعطي للمتلقي للعمل الفني مساحة اخري ومتجددة، ليكون هناك تذوق فني للعمل ناتجة عن خبرة في التعامل مع العمل الفني. هذا التمازج بين ملامح ومعايير جمالية واشكالية التذوق الفني، يشير الي أهمية التذوق الفني، أو النقد الفني للمتلقي، وذلك يكون له وجاهة، فالاستطيقي في الفن متغير، وتذوقه وتلقيه مختلف من شخص الي شخص، اي أن طبيعته متغيره، فلا يمكن تحديد نقد فني او تذوق فني واحد للعمل الفني، فهو يكون للمتعة الجمالية لكل فرد علي حدا، فهو تجربة للروح والذات، ففي السينما، تأخذ الصورة المشاهد الي جمالياتها، فكل مشاهد للصورة يتخيلها حسب معاييره وتذوقه، وتجربته، فلا يمكن الاتفاق حول تفسير حتي حول مقدار متعة محددة لجمالية مشهد مثلا يجمع الاب وبنته في فيلم حصان وتورينو للمخرج المجري بيلاتار، هذه الجمال الاخاذ في المشهد المكرر في الفيلم يحيل إلى تذوق مختلف للجمالي لدي كل متلقي.
لا يمكننا الحديث هنا عن أهمية الطبيعة في العمل الفني، أو علاقة العمل الفني بالطبيعة، والمقارنة بينهم، وأساليب التعبير في الفن مثل المحاكاة والواقعية، والسوريالية، وأيضا ما يتعلق بفهم العمل الفني وطبيعته ووضع معايير فيه، فكل ذلك يتعلق بتحليل طرف واحد في عالم العالم الفني، وهو طبيعة العمل الفني وأساليبه الفنية، ولكن أين الطرف الاخر، وهو المتلقي، وذلك يتعلق بالتذوق الفني الذي يعني فهم العلاقة بين المتلقي والعمل الفني، ويكون الحديث هنا للتفسير وليس وضع معايير للاستطيقي ولكن معايير الجمال والفن تعني بوضع تفسيرات محددة للاستطيقي الذي يتغير دائما، فكل عمل فني يهدف في أساسه أن يكون جديدا وأنه مساحة جديدة للخلق والابداع، فكيف يكون هناك معايير لتفسيره ونقده، فهذه معايير متغيرة تخالف طبيعة العمل الفني، لذلك المقال يهتم اكثر بالتذوق الفني. وأذا تم الحديث عن هذه المعايير يجب تحليلها في أطار علاقتها بالمتلقي، وهو ما يعني التذوق الفني.
فرادنية الاستطيقي
يقول جيروم ان محاولات الاستطيقي وفقا لمعيار أو قيمة استطيقية مميزة، قد اكد محدوديته، فهناك تنوع هائل في الاعمال الفنية، وهناك تغير في الاذواق فلا يمكن النظر الي اسلوب معين او فن معين في عصر معين أنه معيار للاستطيقي، باستمرار هناك تغير، فيشير جيروم إلي مصطلح فردانية الادراك الاستطيقي، فمثلا في السينما التذوق الفني للافلام الصامتة مختلف عن التذوق الفني للافلام الناطقة، وايضا فيما يتعلق بافلام الابيض الاسود وافلام الالوان، فمثلا تذوق جماليات الالوان يختلف عن الابيض والاسود، وهناك افلام ابيض واسود في فترة الافلام الملونة، وما يطلق علي فترة الكلاسيكيات مثل فترة افلام النوار، والافلام الميلودراما، والافلام التي تصنف علي أنها تأسيس للسينما، مثل افلام هيتشكوك التي تتضمن محتوي تقني رائع لنشأة السينما، وايضا تأسيس الافلام التجريبية مع افلام الاندر لدي ميكاس و وارهول، فتذوق فيلم لهيتشكوك بالابيض الاسود يختلف عن فيلم له ملون، وقد يكون هناك مشاهد لا يري جمالا مثلا في فيلم المواطن كين للمخرج اورسن ويلز، فالفيلم به معلومات كأنه وثائقي بجانب انه بالابيض والاسود، وهناك مشاهد اخر يشاهد جمالا كبيرا في هذا الفيلم ويبدي اسبابه، هذه الاختلافات بين التذوق الفني للافلام تثير ان هناك حالة من الفرادنية للتذوق الجمالي للمتلقي.
الا هذه الفردانية ممكن ان تتقلص مساحتها مع وجود وظيفة للفيلم سواء اجتماعية او اخلاقية، لذا تكون هناك رسالة ما للجمهور، مثلا في الافلام الدعائية للاتحاد السوفيتي، وافلام فترة النازية، وبعض الافلام تحمل رسائل ضمنية، فالجمالي هنا يتراجع امام وجود موضوع مسيطر متفق عليه بشكل ما فهذه الافلام يحتل فيها الموضوع مساحة كبيرا، ورغم ذلك، الا هناك فرادنية في تذوق جماليات الفيلم، فتظل هناك مساحة ما خاصة بالمتلقي يستمتع بها كثيرا، وتتخلف نحو ذاته وروحه بشكل جمالي قهري لا يتوقف عن الانهمار بداخله، فكل لحظة جمالية متذوقة من متلقي لا تتكرر لديه ولا تشبه لحظة أخري لدي متلقي أخر، فهناك حالة ذاتية بحته للحظة وليس فقط المتلقي.
الغرضي والاستطيقي
يشير جيروم الي أن الاستطيقي في العمل الفني لا يحوي غرض واضح، فهو منزه في ذاته، وليس هناك موضوع يجب الانتفاع به، فالتعامل مع الاستطيقي لا يمكن عن طريق التصنيف والحكم عليه، فيكون المتلقي مستغرقا في العمل دون التأثر والتفاعل مع العالم الخارجي، او البحث عن غرض في العمل الفني، ويؤكد علي استحواذ العمل الفني علي المتلقي والانتباه اليه والاندماج به، وعدم انتهاج السلبية بصدده، وهناك افلام تم الاستفادة منها باغراض معرفية وموضوعاتية ، فهناك المعرفة القانونية كما هو في فيلم 12 رجل غاضب، يتم الاستعانة به في دراسات القانون، وبعض الافلام النفسية التي تساعد في تطوير مفاهيم نفسية بحته، مثل الروايات الادبية النفسية، وافلام الخيال العلمي، والافلام ذات المحتوي العلمي والمعلوماتي زي افلام كريستوفر نولان، وهنا يتحول الجمالي الي معرفي، يكون غرضي، وذلك لا ينفي جماليات الفيلم، فليس هناك عمل فني لا يحوي جمالاً، فدائما هناك انفعال وتصور روحي وذاتي للشئ، وقد يكون هناك اغراضا للمتلقي لتكون هناك تجربة شخصية من الحالة الفنية الجمالية، وهنا يتحول الجمالي البحت، الي جمالي ذو رؤية شاعرية، فبينصهر الموضوع للعمل في ذات المتلقي، مثل افلام ذات المنحي الوجودي، والافلام التي تتعلق بالابعاد الذاتية، فتكون حالة شاعرية خيالية للمشاهد تشارك في توجيه افكاره، فهناك معرفي يتداخل مع الشاعري والجمالي، فهناك فيلم اللهثة لجودار، حيث مثل تأثير على الشباب الفرنسي من خلال المذهب الوجودي، فالمشاهد يتأثر بحالة شاعرية لفهم حياته وقراراته، ولا ينفصل الجمالي هنا بشكل كامل عن هذه الحالة الذاتية الشاعرية للمتلقي. وقد يكون ايحاء من الفيلم انه معرفي ويساعد في فهم مجتمع ما او تطور جماعة او مجال ما مثل فيلم الاب الروحي، الذي تناول دور المافيا وتطور الاقتصاد الامريكي، وفي نفس الوقت يؤثر جماليا في حالة شخصية الاب الروحي وبعض الشخصيات الاخري للمافيا، مثل أن يتخيل المشاهد انه مثل الاب الروحي يساعد الناس، ويكون عائلة قوية ذات نفوذ في التجارة والقوة والاجرام فيكون هناك تداخل في الفيلم بين المعرفي الغرضي والجمالي الذاتي المتخيل.
ادراك التفاصيل والاستطيقي
المعرفة حتي ببديهيات العمل الفني يساعدنا علي تذوق جماله بشكل اكثر، ولكن ايضا دون فهم ابعاده ونهجه، يكفي ان يسيطر علي المتلقي، فحسب الذائقة الجمالية تحصل الاستجابة، فيشير جيروم أن المعرفة بالاعمال الرئيسية في الموسيقي مثلا وطريقة انتقال الالحان والايحاءات الموسيقية يساعدنا في زيادة التذوق الجمالي للعمل الموسيقي، واذا نظرنا الي السينما، نجد مثلا ان هناك حركات سينمائية تريد ان يكون هناك المام بابعادها وطريقة عملها، مثلا سينما المؤلف التي نشأت في فرنسا والتي تضمنت مخرجين مثل جودار وترفو، وشابرول، ورومير، واخرون، وهي تعتمد علي بعض البديهيات في عملها، ان المخرج صاحب الرؤية، فليس هناك اهمية للقصة، فالمشاهد اذا لم يلم بذلك قد يشعر بالاستغراب، ولكن التأثير الجمالي ايضا يؤثر عليه، ولكن لا يستحوذه، بخلاف ان بعض المشاهدين وفقا لذائقتهم الجمالية لا يهتمون بذلك النوع، وهكذا من الافلام، وايضا ادراك بعض الابعاد التشكيلية والبصرية في الصورة السينمائية مثل الضوء والظلام وتاثيره علي المشاهد قد يساعد في تعميق الرؤية الجمالية والتاثير الجمالي، وقد يكون المام بسيط او معرفة محدودة بهذه العلاقة والتاثير التشكيلي في الصورة فمثلا في فيلم صمت (1971) للمخرج الياباني العبقري شينودا تكون البصريات من حيث التشكيل الضوء والالوان والتكوين والاشياء اقرب الي المدرسة الانطباعية التأثيريه، ومن روداها كلود مونيه، ومن ملامحها ية تأثير الضوء على الأجسام، فهناك تأثير واضح للضوء علي الاجساد في فيلم صمت، لذا كان الظلام الدامس عنصرا مهماً، ويأتي الضوء علي الوجوه وعلي بعض الاجسام والاشياء ليكون معبراً بشدة ويعطي تأثيراً كيبرا، ويأتي توظيف الضوء بشكل هاديء وغير متكلف معبرا عن حالة الشخصيات من معاناة، او رجاء، او حب، او صراع داخلي، وتأتي تعبيرات الوجوه الحركة منسجمة أيضا مع التشكيل بالضوء الذي اجاده شينودا بشكل مبهر وراقي جدا.
وهناك كثير من المداخل للاقترب معرفيا وادراكيا لبديهيات الافلام لزيادة التعمق الجمالي والتذوق الفني الهائل لها، فجانب معرفة التوجه الفكري والمدرسي للسينما والتشكيل، هناك ايضا ابعاد تتعلق بأهمية الصورة في الفيلم، فخطاب السينما، هو للصورة وفي الصورة ومن اجل الصورة، والصورة هنا تحتاج الي وقفات بديهية لاستيعابها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد