الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان وتشريعه للسرقة

فارس التميمي
كاتب

(Faris Al-timimi)

2021 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الإنسان وتشريعه للسرقة،،،



أرسل لي أحد الأصدقاء عبر وسيلة من وسائل التواصل مقطعا من فيديو قصير، سجلته فتاة عراقية أثناء وجودها في مدينة عنتاب في تركيا،،، ربما قد شاهده الكثير من العراقيين،، وهو يصور غطاءً حديدياً لواحدة من فتحات المجاري العامة في شارع المدينة العام، و يبدو أن هذا الغطاء كان مصنوعاً لبلدية المحمودية في العراق، كما تشير الكلمات المكتوبة عليه،، وقد تساءلت الفتاة، ولها كل الحق في التساؤل: كيف وصل هذا الغطاء الحديدي إلى الخدمة في هذه المدينة التركية قاطعا المسافة من المحمودية وصولا إليها،،،؟
أرسلت الفيديو بدوري لعدد من الأصدقاء،، ومعه أرسلت تعليقا قصيراً أقول فيه:

هذه سرقوها الحكام الجدد في العراق وباعوها لتركيا،،،، والله أعلم!!!!

وردني بعدها ردٌّ من صديقي ضياء يقول:

إشتروها الاتراك من أولاد الحرامية الذين تربوا على سرقة الفرع الذي عاد الى الأصل،،،، وقبلها من معارك الأنفال،،،،
تَصَوّر رئيس دولة يسمي معركة ضد أبناء شعبه بالأنفال!!!

وكانت متابعتي:

ولكن تبقى معضلة وصعوبة تفسير كيف أن وريثة الإمبراطورية التأريخية للمسلمين، تستسيغ وضع مسروقات من بلد مجاور كجزء من خدماتها لبلدياتها ومدنها وناسها،،،؟
تُرى كم كان حجم سرقات إمبراطورية السلاطين تلك قبل سقوطها؟؟؟

فعاد أخي ضياء ليذكر لي حادثة كان هو أحد شخوصها وشاهديها،، فيقول:

عزالدين جاري شاب قد حج لبيت الله
كان عنده محل يبعد خطوات عن عيادتي يبيع فيه الجبن والزيتون وبعض المواد الغذائية الاخرى،،،،
وكان الولد حباب ومؤدب
بعد الغزو،، شاهدت إطارات سيارات للبيع أمام محله،، فسألته:
حجي،، هذي التايرات مالتك؟
نعم،، مالتي،،
زين حجي،، هذي أخاف مال الكويت؟؟
وكنت أمزح لأني أعرف الحجي مايسويها،، بس الحقيقة فاجأني حين قال:
نعم مال الكويت،،،،
زين هذه مو حرام حجي؟
لا والله آني إشتريتها وحطيتها برگبة اللي إشتريتها من عنده!!!!

(إنتهى الحوار عند هذا المبدأ الوقائي المعمول به على ما يبدو!!!)

هذه قضية أخرى جديدة نعيش مثيلاتها ربما يوميا،، لكننا لا نعيرها إهتماما،، وأعتقد أنها تحتاج منا التوقف عندها،، إذ أننا نحتاج أن نعرف أنفسنا قبل أن نعرف أي شيئ من حولنا،،،،

يبدو أن كل فرد منا له ثمن يمكن أن يشتريه،،
لم يكن،، و لن يكون في هذه البشرية من لا يمكن أن تشتريه الأثمان،،،
أحاول أن أتصور وجود شخص بهذه المواصفات،،، لا يمكن أن يشتريه ثمن،،، لم أفلح،،
حاولت كثيراً،، ولم أصل إلى غير هذا الإستنتاج،،،

في سنوات الصبا، قرأت مختصرات متفرقة عن فلاسفة اليونان،، ومنهم الفيلسوف الزاهد (ديوجينيس)، الذي يُذكَر عنه أنه قد عاصر الإسكندر الكبير الذي حكم العالم القديم وكان معجبا بهذا الفيلسوف،،، وكان ديوجينيس كثير الزهد لدرجة أنه لم يكن على ما يبدو يرغب في الحصول على أي شيئ من زينة الحياة،،، فقد كان ينام شبه عارٍ على شاطئ البحر صيفا، وفي حاوية من حاويات الزيتون الفارغة شتاء!!
و يُحكى أنه بينما كان نائما مرّة على شاطئ البحر في مضرب أشعة الشمس، قد شاهده الإسكندر وجاء ليقف عند رأسه وحجب الشمس عنه ثم قال له:
تعلم أني معجب بك وبتفكيرك، وأنا الآن مستعد أن أمنحك أي شيئ تطلبه،،،
فكان ردّ ديوجينيس هو:
لا أطلب منك غير أن تتحرك قليلا من مكانك لأنك تحجب عني أشعة الشمس،،،!!

وهذا قد يكون مبالغة روائية، ولكنها حتى لو صدقت فإن شخصا مفكرا مثل ديوجينيس هذا لم يكن ليصدق كلام الإسكندر أنه مستعد أن يمنحه كل شيئ يطلبه،، إذ أن ثمن شخص مثله سيكون بلا أدنى شك ثمنا كبيرا لن يدفعه لا الإسكندر ولا غيره،،،،

مادام الإنسان كائنا حيا له حاجات،،،
يحتاج الأكل والشرب كحاجات أساسية لا يمكنه الإستغناء عنها لفترة طويلة،،
وهو يحتاج أيضا أشياء متنوعة وكثيرة،،
ولكنه يستطيع الصبر والتحمل عند عدم تهيؤها أو توفرها له،،،
كل العوائق التي تمنعه من تطمين تلك الحاجات يمكن إزالتها من داخل نفس كل إنسان،،
الإنسان كائن غريب يتطور يوميا وفقا لحاجاته ولِما يتغير في محيطه،،،
حتى الحيوانات تتغير عندما يتغير محيطها،،
القطط والكلاب المنزلية تصبح بوضوح غير تلك السائبة أو البرية،، فهي تنتظر الطعام ممن تشاركهم العيش في المنزل،،،
الطيور الجارحة العنيفة الطبيعة والتي تستخدم للصيد،، تصبح كأنيس وجليس للإنسان بمجرد وثوقها أنه هو من يتكلف بإطعامها،، وأنها لا تحتاج للقلق من هذه الناحية كما كانت وهي تعيش في البراري،، إنه منظر ملفت ومُميّز ويتكرر،، عندما يجوع الصقر ويبدأ بالتلفت والإنتباه والتحديق نحوك في كل حركة تقوم بها وهو جائع ومقيد وينتظر أن تمنحه طعامه،،،
الإنسان ذليل بطبعه في حاجاته،، ويستهويه إذلال الكائنات الأخرى عند حاجاتها،،،
أنواع الطيور والدجاج والعصافير التي أربّيها وأحتفظ بها لمتعتي النفسية،، ترحب بي يوميا صباحا أول ما تراني،،، وترحيبها مضحك ومختلف أشكاله،،، لأنها تنتظر مني أن أقدم لها الجديد من الأكل رغم أنه متوفر لديها على الدوام،،،
منظر ساخر وهزيل،، كم يمكن لهذا الإنسان أن يتلاعب بهذه البيئة والطبيعة من حوله،،،
اليوم يحتاج الإنسان لآلاف الأشياء أكثر مما كان يحتاجها الذين عاشوا قبل قرن،،،
وهكذا تتحطم الموانع والعوائق وتزال تدريجيا،، حتى يصل لدرجة المشاعية أو الشيوعية التامة في نظرته لما حوله،، وربما كانت ستحلّ كوارث لولا القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان نفسُه وفرضها بالقوة على نفسِه،،،
أما القوانين التي تسمى إلهية فهي لم تعد أكثر من حبر على ورق تالف، قديم، لم يُبقي له الإنسان أي معنى،،،،
ولن يبقى لها وجود طويل،،،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تستولي على المنطقة العازلة في الجولان وتهاجم أنظمة أ


.. الكرملين: بوتين هو من قرر منح الرئيس السوري بشار الأسد حق ال




.. سجون الأسد في سوريا.. كيف الوصول للأقبية السرية؟


.. ماذا عن عودة السوريين المقيمين في تركيا إلى ديارهم؟




.. سوريون مقيمون في لبنان يعودون لبلادهم.. ما هي المعابر المفتو