الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي زمن رديء هذا ...

علي رشيد

2003 / 5 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


أي زمن رديء هذا ...

القبور التي شاهدتها
كانت بلا أسماء
أو شواهد
كانت بلا موتى*

موت مجاني  ، وفجيعة تورث فجيعة ، مدن مشمولة بالغياب ، وأجساد محكومة بالنثار ، دم عراقي تتواصل أسهمه في التدني إلى الحد الذي تداول الغزاة مجانيته ، حتى أهدروه كفائض لا قيمة فيه ، ولا للأجساد المختومة بالخذلان ممن أبتلاهم الله بهذا الدم الرخيص في إراقته .
 أحمر بلون هزائمنا ،  ولون مصائبنا، ولون خرابنا، ولون الأمهات الثكلى ، وهن يندبن الموتى بعد الموتى ، والشهداء بعد الشهداء ، والقتلى بعد القتلى ، وهن يتوارثن مصائب العقيلة ، وقلة حيلتها في بكائية الندب ( العاشر من محرم ) .
 أمهات يتلفعن بالجوع الأسود ،  والعوز الأسود ،  وبتاريخ من حزن كربلائي كظيم ، أمهات يعشن الخراب تلو الخراب ، والخديعة تلو الخديعة ، وهن يسترن عريّ أيامهن الموشومة بالفاقة والحرمان  ، وحيرة عيون اليتامى في وطن يضج باليتم والتشرد والخذلان ، وهن يستصرخن بمن يستطيع أن يوقف نزيف الدم العراقي ، دم أبنائهن ، وأزواجهن ، دم الأطفال وبرائتهم . دم أباحه الجلاد طيلة ثلاثة عقود ، و أوكل مشاعة هدره للغزاة ، ولمبرمجي العراق السبيّ ، بأ بنائه المكممين بأبخرة المجازر وتجارب الموت المنضب .
 أمهات من العراق المحاصر بالهلاك ،  يستصرخن نجدة الله وملائكته ، يستصرخن نجدة العربي ، نجدة مسلم ، نجدة العالم ، الشرفاء ... حقوق الأنسان أو الجماد أو الحيوان ( المهم أن نكون محسوبين على من لهم دعاة لحقوقهم ) ، نجدة الأمم المتحدة ، وجامعة العهر العربي ، يستصرخن الصمت المبرمج ، وهتافي الحرية الجديدة .
 وبعيون يتملكها الرعب وتكتمها الدموع ، عيون تستعطف الصحفيين والكاميرات أن ينقلوا بؤس هذه الأجساد المنخورة بالرصاص والشظايا إلى عالم قد تستفزه همجية موتنا ،  فينبس بكلمة حق باستحقاقنا لآدميتنا (  يستهلك مشاهدو الفضائيات ، في الغرب أطنانا من البطاطا المجففة" الجبس " وعلب الكوكا كولا ، وهم يراقبون عبر شاشات التلفزيون الخراب والحرائق ونثار أجساد العراقيين ,  وبحيادية مشاهدة فلم هوليودي للمتعة )  .
أحمر بلون الفجيعة ، الدم الذي أهدره المحتلون في بغداد والموصل والفلوجة ، أحمر بلون الجسد المسجى لشاب بعمر الحلم  ،  الحلم بوطن دون موت ، وطن دون طغاة ، وطن دون فرق إعدام ، وزائري ليل سيفضي إلى مقابر دون أسماء ، أجساد لشباب تباغتهم رصاص بناة الديمقراطية الرامبوية ، لغزاة عراق مرسوم على هيئة بئر ( نفط ) .
 أحمر بلون الخديعة التي بشّر بها الغزاة وعملاؤهم ، من أن العراق ( الأمريكي ) سيكون عراق حرية وتعبير وديمقراطية ( ماكدونالدية ) ، عراق يحكمه ( الأبيض المتمدن ) بوسامته وعلكته ( كتب أحدالمصابين بالمس الأمريكي ، مبشرا ببشائر الديمقراطية الأمريكية في العراق  ، حيث ظهر غارنرعلى شاشة التلفزيون وهو يمضغ علكة ، فكانت العلكة في نظر صاحب المقال أهم مظهر للديمقراطية  )  ، لكن لم تكن الوسامة الأمريكية ولا علكة غارنر إلا رسلا لموت مجاني ، أمطرته سماء القاذفات الأمريكية على العراقيين قبل سقوط الطاغية ، ونثته زخات رصاص جنود المارينيز على الأبرياء من العراقيين وهم مستكينون في بيوتهم أو يتظاهرون (سلميا) مطالبين بالأمن ، والكرامة والحياة .
موت يتواصل ووطن ينحدر لزمن المشاعة الاولى ، مشاعة الغابة والقبيلة مشاعة القتل والنهب والتسلط ، عراق يتشظى ، ودكتاتور غائب ، وقتلة دون عقاب ، ومحتل يزرع الرعب والفوضى وسلوك النهب وإشعال الحرائق ، وتنصيب  جنرالات العهد القديم ، جنرالات الموت الصدامي على مدن وشعب العراق ، وتحويل الوطن إلى سبية تتناهشها ثلة الخونة و المرتشين ، وجيش عملاء معسكر بودابست .
وطن يتنازعه اللصوص وقادة فرق الإعدام الأولى ، وطن يتناهشه الجلبي والزبيدي والعبيدي ومشعان والسامرائي ، وكل من تورّدت وجنتاه بفعل الرذيلة ، من تجارة بيع الأوطان والارض والعرض ، و من مهربي التحف ، واليورانيوم ، ومن مفلسفي عفة المحتل ، ومن منظمي جيوش وميليشات دخول المدن مع الغزاة لإباحتها وتحميلها بشاحنات يقودها أحفاد التتار الجدد ، ميليشيات ترويع الناس ودفعهم لترك مدنهم تحت حجة العرقية التاريخية لهذه المدن ، مستنبطين درس حلفائهم ( الموساد ) من ميليشيات شعب الله المختار ، من سماسرة السطو باسم العرق والدين والتفوق ، ميليشيات مافيوية توفر الحماية  للواء استخبارات التغييب والغرف المظلمة ( السابق ) ، أو للرجل الذي عمل مع عدي ابن الطاغية ( المشوه ) ، حمايتهم من مساءلة الشعب لهم عن جرائمهم زمن خدمتهم للطاغية .
لقد أدرج الغزاة أثنين وخمسين اسما ، ممن يعتبرونهم مطلوبين له ، من أركان النظام السابق في العراق ، على الرغم من أن كل هذه الأسماء قد قدمت خدمات  لأمريكا أو لمواطنيها ، والقائمة هي جزء من مستلزمات الحرب التبريرية ( ذرّ الرماد في عيوننا ) ،
حسنا ألا يحق لنا نحن العراقيون ، ضحايا الطاغية وزمنه الموسوم بالموت والحروب والمقابر الجماعية من أن ندرج أسماء القتلة ومنظمي موتنا الجماعي ؟ .
 ألا يحق لنا نحن العراقيون أن نسأل عن الكيفية التي اختفى بها جيش من مرتكبي الجرائم والموت والدمار بحق العراق وشعبه وطيلة ثلاثين عاما ؟ .
 ألا يحق لنا أن نسأل مشعان والسامرائي والبزاز والعلوي وﺁخرين عن زمن عملهم في مسالخ الموت وتدبيج المديح للطاغية وتجميل زمنه العهري ، والرقص على أشلائنا ؟ .
 ألا يحق لنا مساءلة المحتل عن تنصيب القتلة ( المدرجين في ضمير شعبنا من منفذي الجريمة بحق أبنائه ) ، على مدن العراق وتزكيته لهم ،  وتحويلهم من قتلة إلى حماة ومحررين في كلّ من الموصل وسامراء ، وبكل حجم العداء لهذا الشعب وللعراق ؟ .
 ألم يطالب وفيق بتحويل العراق إلى محميات عشائرية وتقسيم العراق إلى مدن وعشائر تحكم نفسها ذاتيا ، على اعتبار وجوده بين عشيرته في سامراء ( يحتمي بها من جرائم سابقة ارتكبها بحق العراق والعراقيين ، كذلك مشعان في الموصل ) ، ألم ينفذ الأمريكان مجزرة بحق شباب رافضين لوجود مشعان على هرم السلطة بالموصل وهو ابن شرعي لجريمة الزمن الصدامي؟.
كيف يمكن للسماوات أن تكتم كلّ هذا الغيظ ،  وهي تشهد غياب سنيننا في مقابر لاتحمل أسماء أو شواهد ، مقابر تسجى بها صلافة الموت وبشاعة القتلة وﺁدميتهم المنحطة ، مقابر لعراق سقيم توطنته بربرية زمن عصيب ، بربرية توارثها الغزاة من طغاة ، لم نعد نسمع عنهم سوى
الشائعات لطمس حقيقة أنهم كانوا هنا ، أي زمن رديء هذا ... زمن الغياب العراقي .

* قصيدة القبور من مجموعة شعرية صدرت حديثا بعنوان خرائط مدبوغة بالذعر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟