الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى الباص فى الطريق الى اوسلو

سليم نزال

2021 / 1 / 11
السياحة والرحلات


فى الباص فى الطريق الى اوسلو


!
فى الطريق الطويلة فى الباص كان الى جانبى امراة بلجيكية و معها رجل بلجيكى و امراة بلجيكية ثانية .تبادلنا التحية ثم اثار اهتمامها الكتاب الذى كنت احمله من اجل ان اقراه فى الرحلة.قلت انه كتاب ليوجين اونيسكو .حقا هذا قلت فعلا و هو مترجم الى العربية.
من خلال تجربتى فى الاسفار اعرف ان من يريد ان يتحدث سيجد سببا للحديث و من يريد ان يبقى صامتا يظل صامتا مهما قلت .قبل نحو ثلاثين عاما كنت فى القطار متوجها الى مدينة برغن و كان الى جانبى امراة جميله لكن من النوع المتكبر كما اظن. .تحدثت معها و كان الرد نعم او لا .معنى هذا انها لا تريد الحديث و هذه رسالة واضحة . غيرت المكان و جاءت امراة ما ان جلست الى جوارى حتى قالت كلاما عن الطقس .و هو عادة اسلوب يستخدمه الناس فى هذه البلاد للحديث مع شخص لا يعرفوه .و بالفعل تحدثنا طوال ساعات السفر و كانت محطتها قبل المدينة بقليل .ودعتها كما اودع صديقة عزيزة .
لم تقل السيدة البلجيكيه ان كان المسرح اختصاصها لكن كان من الواضح انها مضطلعة على كتابات يوجين انيسكو و سواه.
قلت لها الا ترى بوجود علاقة ما بين كتابات اونيسكو و مجىء ترامب.قالت ربما يكون الامر كذلك!نحن فى عصر قلق فعلا .
ثم دار حديث عن مسرح اللا معقول الذى كان يونسكو من رواده و كان الرجل البلجيكى و المراه الثانية يشاركان احاينا بتعليقات حول النقاش.
قلت لها لا افهم لمذا سمى مسرح اللا معقول .حتى يونيسكو نفسه لم يكن يرتاح لهذا التعبير الذى فيه بعص الانتقاص من هذا النوع من المسرح لذا سماه المسرح المضاد و انا اميل الى هذا التعبير.لانه يعكس القلق الوجودى على مصير الانسان.حيث نرى ان لانسان يتحدث عن قيم الاخوة و المحبة بينما واقع البشر غير ذلك تماما
!
على كل حال سعى مسرح اللا معقول من خلال كتابات الكبار مثل صموئيل بيكيت و يوجين انيسكو و سواهما من تنبيه البشرية الى الاخطار المحدقه بها. بهذا العمل لم يقدم للمشاهد ما يفرحه بل ما يوقظه مثل النائم الذى يحتاج ان يرمى عليه ماء بارد لكى يستقظ.
و لا ادرى كيف ستكون عليه الامر الان و نحن فى احتجاجات ضد الترامبية التى يخشى انها تجلب ثقافة الكراهية و الحروب .
ما سرنى من كلامها فى خضم الحوار حول الواقع المعاصر هو التقاء وجهات نظرنا حول شخصية سيزيف الاسطورية . ان شخصية سيزيف اليونانى كانت تقلقنى فى مرحلة من العمر.فكرة ان يظل الرجل يحمل الصخرة و اما ان يصل الى القمة يسقط ثم يعود ثانية بلا نهاية كانت فكرة مخيفة.لكنى الان لم اعد اراها كذلك.بدات اراها اصرار الانسان الابدى على ان ينهض و ان يقف كلما وقع .و هو امر اسعدنى انى اصبحت ارى فيه الامل لا الياس.
ثم بدانا نتحدث عن الوجودية التى لها علاقة ما بكتابات مسرح اللا معقول بل ربما مهدت لها .سالتنى عن الكتابات التى احببتها فى الوجودية قلت بلا تردد البير كامو .اكثر ما اعجبنى فى كتاباته هو تساؤلاته عن معنى الحياة و هدفها .لم يكن كاموا مقتنعا بالرواية الدينية حول الهدف و المعنى من الحياة.كان يسال و لا يجد اجوبة ترضيه تجيب على تساءلاته الوجود و معنى الوجود .الامر الذى قاده لتتبى نزعة انسانية قوية جعلته يقف مواقف ضد الظلم فى اى مكان .وقف مع الثورة الجزائرية و وقف ضد الستالينية و الفاشية فى اسبانيا.
لكن تبقى الاسئلة الوجودية اكثر الاسئلة التى كان يطرحها الانسان و لم يزل .
طرحت هذه الاسئلة فى وقت مبكر فى بلادنا من خلال رحلة غلغامش و الاشعار الوجودية لاابو العلاء المعرى. كما رايناها تطرح فى رباعيات الخيام التى قد تكون اول ادب وجودى واضح المعالم قبل ان تتبلور الوجودية المعاصره فى القرن العشرين.
و ام كلثوم تغنى مقطع من رباعيات الخيام .و سعيت ان اترجم لها هذا الببت المعبر عن فكر الرجل .
لبست ثوب العيش و لم استشر
و حرت فيه بين شتى الفكر.
كما له انعكاسات معاصره له فى ادب بلادنا مع ايليا ابى ماضى فى قصيدته المعروفه لست ادرى !
جئت لا اعلم من اين و لكنى اتيت
و لقد ابصرت قدامى طريقا فمشيت
!
انتهى الحديث .كنت بالفعل مرهقا لاننا سهرنا سهرنا طويلة امتدت تقريبا حتى الصباح .و قلت طالما ان هناك ساعة حتى نصل الى اوسلو ساحاول ان انام .كان الباص يسير وسط ضباب كثيف.و بسرعة اخلدت الى النوم و لم انهض الا حين اعلن السائق اننا وصلنا الى اوسلو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟