الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 12
الادب والفن


يدخل استاذ علي ، المعلم في مدرسة ( التقدم ) الى البيت ، قادماً من المدرسة بعد انتهاء الدوام العصري ، والوقت قد قارب المغرب … متعباً متبرما ، وجائعاً كعادته كل يوم ، فهو لم يتناول غدائه الذي سيكون غداء ، وعشاء في نفس الوقت … تستقبله زوجته ، وهي تئن ، منفوخة البطن على نهايتها … في شهرها الاخير ، تتقلب يميناً وشمالا ، كأنها بطة عرجاء … يبادرها بدون سلام ، ولا حتى كلام بجملته اليومية : جوعان ، وراح اموت من الجوع ، تجيبه ببرود … لم اراك يوما الا جوعان ، وتعبان ، ثم تُسرع بتقديم الطعام ، يستعجلها ، فهي بطيئة الحركة بسبب حملها الثقيل …
تطلب منه ان يساعدها .. يتناول الاطباق الواحد بعد الاخر ، وهو يلقي بنظرات شرهه على ما تحمله من طعام لذيذ ، وشفتاه لا تكفان عن المزمزة ، والتمطق .. يباشر التهام الطعام ، كانه اسد اشتد به الجوع ، دون مراعاة لسخونته …
تقول شاكية : لم نخرج امس للتمشي لانك كنت تعبان ، اليوم لازم نخرج ، ونتمشى كما تقول الدكتورة على الاقل اثنين كيلو …
يجيبها بلغة غير مفهومة ، وهو يزدرد الطعام دون ان يمضغه : اليوم ايضا تعبان … حياتي كلها عبارة عن تعب مزمن ، لا نهاية له .. لن ارتاح الا في القبر !
بعيد الشر عنك حبيبي .. الله يمتعك بالصحة ، وبالعمر الطويل ، ثم تطلب منه ان يوسع خلقه .. حتى يتسع رزقه ، ولم تنسى ان تطلب منه التروي في الاكل خشية ان يختنق ، وهي تتمتم بطلاسم تطرد الشر !
يقول متأوها : هؤلاء الابالسة التلاميذ ، سيظهر لي قرون ثور من شيطنتهم … ملاعين اولاد ملاعين … !
ما ذنب اهلهم تلعنهم ؟
لانهم لم يحسنوا تربيتهم ، فيستحقون اللعنة في الدنيا قبل الاخرة …
تصيح به زوجته بشكل مفاجئ : اسرع اسرع تحرك ، يرفس … يركض من مكانه يضع اذنه على بطنها ، وهو لم يتوقف عن مضغ الطعام ، شعر بحركته .. حتى خيل اليه انه يسمع صوت انفاسه تتكرر بانتظام ، وهو متكور بداخل مكانه ألآمن في احشاء أمه .. يعلق لكن بفرح : سيأتيني تلميذ جديد … ارجو ان لا يكون من زمرة الابالسة ! ثم يتغير مجرى الحديث …
تسأله : هل اخترت اسما للولد ؟
ومن اين لي بهذا ؟
تعاود الالحاح بالسؤال … اسم حلو من اسماء تلاميذك مثلاً .. لحظة صمت .. يبتلع ما بفمه من طعام .. يجيبها مستنكراً ، وايضا بلغة لاتفهمها الا زوجته :
تلاميذي … ؟ ثم يكمل ساخراً ، وكأنه مكرهاً …
طيب ، خذي عندك نماذج ، واختاري واحداً : عندي تلميذ ياخذ الشيطان للبحر ، ويرجعه عطشان … يسمونه عزرائيل ، وواحد يمشي ، ويديه ، ورجليه شغالة مثل القرد ، يضرب هذا ، ويرفس ذاك اسمه منكر ، وآخر لا يدع احداً يتناول طعامه الا ، وخطفه منه ، يسمونه نكير … تقاطعه مستنكرةً :
اعوذ باللة من هذه الاسماء … اقصد اسمائهم الحقيقية !
صدقيني .. لا اعرفها .. حتى انا اناديهم بهذه الاسماء …
طيب ساسميه اذن على اسم ابي …
يقول بصوت خافت ، وكأنه يخاطب نفسه .. أُفضل اسم عزرائيل على اسم السيد الوالد … !
يذهب الى قيلولته .. تحت استنكار ، وتبرم الزوجة ، فهي تريد منه الخروج ، والتمشي الان قبل الليل ، والبرد .. يستسمحها ، ولو بعشرة دقائق .. ينسحب ، وهو يتمتم في غيظ ، ثم يتمدد ، وسرعان ما يغط في نوم عميق .. تخرج منه اصوات ، وكأنه يهذي … تقطعه عليه بعد عشرة دقائق ، بالتمام والكمال … ينهض متبرماً متململاً ، ومتثائباً … !
يخرج الاثنان .. يبدو على الاستاذ انه يمشي ، وهو نائم .. لانها تكلمه ، وهو لا يجيب … يمشون بضع خطوات ثم يجلس على الرصيف .. تستعجله ، وتطلب منه ان ينهض :
من الحامل انا ، والا انت ؟ تسأل ساخرةً …
اكون سعيداً جداً لو تبادلنا الادوار … يجيبها ساخراً ايضاً …
اثناء ما كان جالساً على الرصيف ، يمر صبي على دراجة ، يبدو انه واحد من تلاميذه الابالسة :
مرحبا استاذ ! وهو يضحك … يسمعه الاستاذ ، ولا يرد …
تذكر في تلك اللحظة اسم المدرسة ( التقدم ) .. ضحك بصوت عالي حتى اوشك على الاختناق .. بدء يشك في قواه العقلية ، وخاف ان تشاركه زوجته نفس الرأي … !!
يواصلون السير الوئيد ، وكأنهم يمشون في حقل للالغام ، والزوجة تثرثر ، وتحلم ، وتبني قصورا في الهواء لوحدها ، فالاستاذ يبدو مشتتاً ، وفي عالم آخر … ربما يتصور نفسه في غابة مليئة بالقردة ، والنسانيس … تتقافز هنا ، وهناك ، وهي تلتهم اصابع الموز بشراهه ، ثم ترمي بالقشور في وجهه .. توقضه زوجته من حلمه بلكزة على كتفه .. يدمدم مع نفسه : يبدو ان عالمهم سيكون هو .. عالمي .. وربما ساتحول انا الاخر الى قرد ، فمن عاشر القوم اربعون يوم .. أي سخرية هذه ؟ تستعجله ، وهي تشبك يدها بيده .. تستمر في الحديث ، والحلم في حماس غامر … !
اقبل الليل بقمر ساطع .. يسرع الاستاذ الى اقتناص الفرصة لينام قليلاً ، فغداً عليه ان يباشر عمله الاضافي في مدرسة اخرى ، ليساعده في تخفيف تكاليف المعيشة خاصة ، وانهم مقبلون على استقبال عضو جديد يحتاج مصاريف إضافية .. لا يدري كم ساعة نام .. ثم حانت اللحظة فجراً .. سمع زوجته تصرخ بجنون ، وتتألم ، وهي تتلوى .. اصابه الرعب حتى لم يدري ماذا يفعل ، فكان صراخها المدوي ، يجعل كل ذرة منه تنتفض … هتف باكيا : يا الهي انها تموت … !
اسرع الى جارهم لينقلوها الى المستشفى في سيارته … انتظر امام غرفة الولادة ساعات ، وهو يسمع أنينها ، وصراخها … ثم هدأت فجأةً ، وسمع صراخه يملأ الدنيا ، لم تمنعه فرحته من ان يسأل الممرضة التي خرجت لتبشره بالمولود الجديد .. عن سلامة زوجته ، اجابته متفاخرة : الاثنين بخير ، الحمد لله .. دخل فقبّل زوجته على جبينها ، والقى على ولده النظرة الاولى ، وقال في سره .. ما شاء الله .. معجزة صغيرة وسط كون شاسع ، وهائج … !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع