الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روشتة الاستبداد الذكي

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


صديق يسألني سؤالا ذكيا

قال: لو كنت حاكما مستبدا كيف ستحكم دون أن تظهر مستبدا؟

قلت: من عمق سؤالك تركت لنفسي فسحة للتفكير، وجوابي بعدة خطوات،أولها: لن أحكم بحزب واحد بل أعطي فرص البقاء والمشاركة لأحزاب (متقاربة) فكريا ، وأستفيد من عراك الأحزاب (المتعارضة فكريا) وهذا سيكون بأوامر لي للإعلام بتضخيم خلافات الأحزاب المتعارضة لتصبح رأي عام..حتى اظهر أمام شعبي كوعاء يحتوي هذا الخلاف بحكمة..

2- لو كنت مستبدا ذكيا لن أدير حُكمي من الغرق المغلقة والمؤامرات الغامضة، بل سأصارح شعبي بكل شئ حتى ما يمسني شخصيا، فالجمهور يغفر أي ذنب للحاكم ما دام صريحا معهم، لكنه يغضب بشدة منه إذا كان (كذابا) والصراحة هي ما تبقي جانب الثقة بينما الكذب يفقد الثقة تماما فتزول رهبتك من النفوس..

3- لو كنت مستبدا ذكيا لن أقصي أحد من المجال العام، وسأوظف صراع المتناقضات لصالحي ..ولكي أضمن أن ذلك الصراع ينتهي لصالحي سأهمّش فقط دور النخبة التي يمكنها كشف اللعبة، وأعطي المساحة لبعض السفهاء والمنافقين بكثرة الظهور، وكثير من الشرفاء قليلي الظهور

4- لو كنت مستبدا ذكيا لن أخوض أي حروب مع جيراني والعالم..وسأحسن علاقتي مع جيراني بالذات لكونهم يمثلون لي امتدادا وفراغا إذا عاقبني العالم المتطور باسم حقوق الإنسان، وسأحافظ على الحد الأدنى من الممارسة الديمقراطية الشكلية لقطع الطريق على اتهامي بالدكتاتورية المطلقة..

5- لو كنت مستبدا ذكيا سأهتم بالاقتصاد وأرفع معيشة المواطن، وإذا حدث ذلك على حساب الموارد سأستعين بالمتخصصين والناجحين في هذا المجال، فالاقتصاد بالذات لا ينفع معه (معيار الثقة) بل (الكفاءة) وأرفع معدلات تلك الكفاءة باستمرار عن طريق التعليم والبعثات..

6- لو كنت مستبدا ذكيا فسأفطن على حقيقة أن سقوط أي مستبد يبدأ من الاقتصاد، وهذا يدفعني للمساواة والرشد في الإنفاق فلا أنفق موارد الدولة إلا على الضروريات، وأستعين بعلماء يضعون لي الخطط لتنفيذ ذلك دون إغضاب مراكز القوى الذين أستعين بهم في الحكم ويبررون لي استبدادي بطريقة أخلاقية

7- لو كنت مستبدا ذكيا فسأعقد نظام انتخابات مميز أحرص فيه على عدم إشعار أي حزب خاسر بالهزيمة، فإذا خسر الانتخابات أعوضه بمكاسب أخرى لكي لا يشعر بالإحباط، فأكثر ما يهدد مُلك المستبدين هو شعور السياسيين بالإحباط فيتركون الساحة وتتحمل أنت وحدك كمستبد كل المشاكل..

8- لو كنت مستبدا ذكيا لن أخلق فزاعة واحدة يخاف منها الناس، سأجعلهم فزاعتين..ثلاثة..وهكذا، فكلما كثرت الفزاعات دون أن تتجاوز حد المعقول كلما كان تبرير فشلي كمستبد معقولا، فالناس مع الفزاعة الواحدة لا يصدقون أكثرية المبررات، ويفقدون الثقة لاحقا في أي تبرير حتى لو صادق..

9- أكثر ما يضر المستبدين هو حكم الحزب الواحد في أجواء انتخابية، فيضطر المستبد لتزوير الانتخاب كي يظل حزبه في المقدمة، ولو كنت رئيسا لن أفعل ذلك بل سأجعل قَصري قبلة لكل الأحزاب مع دعم مراكز القوى الخادمة لي حزبين أو ثلاثة متعارضي الفكر بحيث لو حدث تزويرا توجد الحجة لنفيه..

10- لو كانت مستبدا ذكيا فسأدير معركتي مع خصومي كمباراة كرة سلّة أو ملاكمة، لن أحرص على كسب كل الأشواط والنقاط بل أركز فقط على النتيجة النهائية، مما يعني أن سماحي كمستبد لخصومي بهزيمتي في نقاط وأشواط هو لصالحي في النهاية إذا ضمنت حسم النتيجة في الوقت المناسب..

11- لو كنت مستبدا ذكيا فأحرص على صنع (إثارة سياسية) وقت الانتخابات فقط، بحيث يفرغ الناس غضبهم في الصندوق، لكن أحرص على الهدوء بقية العام، فالإثارة السياسية في غير وقت الانتخاب يجعل غضب الناس مُنصبّا على الحكومة، وبوسائل التواصل وسرعتها أفقد السيطرة..

12- في كل دولة يوجد قطاع كبير من الشعب (لا ينتخب) ولا يشارك في أي تصويت، هذه الفئة لها مبرراتها في المقاطعة، فلو كنت مستبدا ذكيا سأبحث عن مبرراتهم وأعطي أوامر للإعلام بمناقشتها..فهذا القطاع السلبي هو من سيدافع عني ويضمن مصالحي في الصندوق، لأن المشارك بالأساس غير مضمون

13- السبب الأساسي في أن المشارك في الانتخابات غير مضمون أنك (خيّرته) منذ البداية بينك وبين خصومك، أنا كمستبد ذكي من واجبي نزع هذا الاختيار وهي مهمة شاقة وصعبة جدا، فالأصلح لي والأسهل أن أجذب شريحة مصوتين جديدة تنافس هذا المشارك وتدفعه لتقييد وجهة نظره وخياراته...

14- لو كنت مستبدا ذكيا فسأشرع قوانين جيدة، لكن المطالب الشعبية الحقيقية أقلل من ظهورها وأبرز أخرى مزيفة لتصبح رأي عام وتريند شعبي، فالمطلب المزيف في ظل قوانين جيدة هو أكثر ما يخدمني كمستبد، أما المطلب الحقيقي مع قوانين سيئة سينزع شرعية حكومتي وتنهار صورتي بسرعة..

15- لو شعرت بوجود (سخط عام) فمن واجبي كمستبد أن أبحث عن مصدره، وهو غالبا (ضغط اجتماعي أو اقتصادي) فأقوم بعزل المسئولين عنه وأقدمهم كبش فداء، ثم أتواصل مع مجموعات ضغط عمالية وشعبية لتبرير وتلميع قراراتي الإصلاحية، وأحرص على عدم إطالة هذا السخط والقضاء عليه فورا

16- أخيرا لو تظاهر الناس ضدي فإن رسالتهم هي لو لم نكن معك في السلطة سنُخرجك منها، أنا كمستبد ذكي أعمل بمنطق (نص العمى ولا العمى كله) أقبل فورا بمشاركة زعماء التظاهر، ثم أدير عملية انتخابية بنفس النسق السابق والذي سيؤدي حتما لتحميل هؤلاء الزعماء الجدد مسئولية المشكلات..

17- ولو سألني أحد كيف سيتحمل شركائك المسئولية وحدهم وهم شركاء ؟ قلت: أنا كمستبد لي نفوذ وخيوط في الدولة أكثر منهم، وفي الغالب هم قليلي وعديمي الخبرة وبينهم خلافات، بينما استبدادي ونفوذي يسمح لي باستغلال خلافاتهم والتضخيم منها ليفقد الشعب الثقة فيهم وبالتغيير الذي رفعوه كشعار..

اعتبروا هذه روشتة لكي تحكم بلد كمستبد دون إدانة..وهي في كل الأحوال لا تصلح لنظام الخلافة والإمامة الديني، بل هي خاصة فقط لنظام الدولة الحديثة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #بايدن يدافع عن #إسرائيل.. ما يحدث في #غزة ليس إبادة جماعية


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقي




.. هل هناك أي نوع من أنواع الامتحان أمام الجمهورية الإيرانية بع


.. البيت الأبيض.. اتفاق ثنائي -شبه نهائي- بين أميركا والسعودية




.. شوارع تبريز تغص بمشيعي الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه