الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد القانون

كرم الحمو

2006 / 7 / 21
الادب والفن


نظر ذو البنطال القصير إلى الآخر ذي البنطال الطويل، وجده محاطاً بهم، يتمسحون به، يقبلونه، يلعقونه. وهو يستشعر العظمة. داهمته الغيرة وتفاقمت في بدنه حتى أصبح الألم رفيقا لها في نهش جسمه.
تمالكته بعض الأفكار فنفض رأسه رافضاً. أعاد النظر آملاً أن تكون عينه قد خدعته فيما رأى، لكن المشهد صار أفظع، فقد راحوا يسجدون لذي البنطال الطويل متضرعين أن يقبل، فيما كان يحملق في السماء مفكراً ويُُنظرهم ممتلئاً بالثقة.
شعر ذو البنطال القصير بأنه ضعيف وعاجز:
"هل تحولت إلى لا شيء بعد أن كنت...؟!"
"لا تتهرب! أجب! هل أصبحت الآن لا شيء؟"
"كيف أسأل أصلا وأنا لم أكن شيئا ً ًلا قبلا ًولا بعداً.."
" قبلا ً! قبل ماذا؟! لقد بدا سجودهم وكأنه منذ الأزل".
حاول أن يغالب ألمه بالضحك، ولكن فكرة داهمته منعت حتى الابتسامة المرة:
"هل أهرع إليه؟"
"أرتمي عند قدميه؟!"
" أتذلل له! أتضرع! وأرجوه قبولي في الملكوت! ملكوته!!
خيال أمه مقطب، رمت بتلك العبارة الخشنة: "عليك التحلي بالقوة" وهمت بالمغادرة.
حاول أن يرفض، بأن يسخر منها مثلاً، أو يشتمها، يركلها، يدير ظهره بكل وقاحة، أو أي شيء. لكنه أمسك، ربما لعلمه أنه غير قادر على السخرية من أحد. أو أنه كره العودة للمشهد السابق الفظيع أو.. وربما لأنه أدرك ولأول مرة أن أمه قد ماتت منذ ألفٍ وسبعين عاما ً وأن ما ينتصب أمامه الآن، ليس إلا خيالاً يلوح بيديه. ولكن هذه الفكرة الأخيرة قد زودت الأسى.
تراءى له ذاك الجندي الجبان يقف ماثلاً أمام مجرد عريف. أمر العريف الجيش بأن يسير. جيش مكون من جنديٍ واحدٍ بحذاءٍ بالٍ. ثم أشعل العريف سيجارته وقبع في مكانه بانتظار الأوامر.
هز ذو البنطال القصير رأسه ينفض كل هذه التخيلات. التفت ثانية إلى صاحب البنطال الطويل ليتابع المشهد ويتجرع المزيد من الألم.
يسجدون، ثم يعتدلون ثم يسجدون ويعتدلون بتواترٍ آلي أشعره بكثيرٍ من الاشمئزاز وكثير من البؤس.
"كيف أطلب ملكوته وهو لا يملك أي ملكوت..؟ ذاك الحقير المبتذل.."
"يالي من أحمق، هو ليس حقيراً، فهاهم حوله يتضرعون بشدة. حبهم خالص، لا يشوبه كره أو خوف. ولكنه حب عظيم هو ذاك الذي يدفعهم لتحسس قدميه طالبين أن يقبل..كانوا يمرغون رؤوسهم في تراب قدميه فرحين، دون أن يكترثوا ما ستكون ردة فعله."
أعاد النظر طويلا ً وظل يتابع ذا البنطال الطويل وهو يٌظهر بعض القبول. تابعهم وهم يترقبون لحظة قيامه، حتى ابتلعت الغيرة جسده كله فلم يبق منه إلا العينان، ترقبان وترجوان أن يطول تردده كما سجودهم الأزلي فلا ينتهي لا إلى القبول ولا إلى الرفض.
نظر إلى عينيه فرآهما بلون الأرض تمامًا، خاملتين، باردتين، وبلا حياة..لمعت عيناه بوهج مفاجئ.
نظر من جديد، إنما الآن بثقة.
توجّه بهدوء، وقف أمام خصمه، فيما الكل ساجدون، قبّله من وجنته اليسرى، متجاوزاً مراحل تساميهم من الأرض تحت قدميه إلى تقبيل إليتيه.
لم يقتلوا صاحب البنطال القصير أو يضربوه، ولم يشتموه. لكنهم وللحظة كانت غير قصيرة تركوا البنطال الطويل وانحنوا على يد ذي القصير يقبلونها بامتنان.
سرعان ما تسلل البرد إلى القدمين العاريتين اللتين لم يغطهما البنطال القصير، ليعود الجمع لارتقاب بنطال الأول يغطي قدميه وهو يهم بالنهوض من مجلسه موافقاً.
ارتفعت أصواتهم بالصياح فرحين.
غادروا المكان خلف طويل البنطال واختفوا بسرعة في الأفق، بينما وقف ذو القدمين الباردتين واليد البالية يرتقب الملكوت ولون الأرض يملأ المكان.
سوريا، حماه، 4/6/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز