الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطبّعون مع إسرائيل و ذرائعهم المردودة

محمد عبد الشفيع عيسى

2021 / 1 / 12
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


لله فى خلقه شئون ؟؟ والأمر ذو شجون ..! ، وفى مجال "التطبيع" مع إسرائيل نجد حالات عربية متعددة نستشف منها ذرائع مستبطنة ضِمْناً أو مُضْمَرة ، وربما يقاس فى كل حالة منها على أمثلة، نرى أنه لا يقاس عليها إلا بشِقّ الأنفس، وأنها قد ترنو إلى اقتفاء أثر نماذج و إن كان يصعب تطبيقها، إن صلح تطبيقها من حيث الأصل.
الحالة الأولى، بدأت المسار، ويبدو أنها تقيس على المثال (الإسرائيلى) نفسه، وربما المثال "السنغافوري" أيضاً. وقد شرعت فى ذلك، ابتداءً من القطْع مع المنظور العربىّ، وكأنّ هذه الحالة منبتّة الصلة بالمحيط العربى، المحيط الطبيعى من حيث الهوية التاريخية – الحضارية. هذه الحالة تمثل دولة صغيرة الحجم نسبيا (وخاصة من حيث تعداد السكان وليس من حيث قاعدة الموارد الطبيعية و المالية على كل حال!) ولديها قدرات تسمح لها بإمكانات التطور، وتنهج نهج الارتباط التبعىّ بدولة كبرى على المستوى العالمي، شأنها شأن دول عديدة أخرى في الإقليم. والقياس على الحالة الإسرائيلية قياس غير سليم، فإسرائيل لها مصدران خاصّان للقوة غير متوفّرين عند الحالة العربية التى نقصدها. المصدر الأول هو الارتباط العضوى فى الأجل المتوسط والبعيد حتى مستقبل يبدو غير منظور، و الذى يعلو فوق مرتبة التحالف بالولايات المتحدة الأمريكية لأسباب متعددة. هذا المصدر غير متوفر فى الحالة العربية المقصودة، فعلاقتها مع أمريكا علاقة مصلحة ذات طابع طارىء نسبياً، يقصر مداها الزمنى عن نسج خيوط رؤية طويلة الأجل.
و أما المصدر الثاني لقوة إسرائيل فهو أنها امتداد عضوى للتجمع اليهودى فى العالم عامةً، وفى أوروبا والولايات المتحدة خاصةً، بالإمكانات الهائلة لهذا التجمع، سواء من الجوانب الإعلامية – الدعوية، أو الاقتصادية و المالية، أو التنظيمية (قوة اللوبى اليهودى المتغلغل "حتى النّخاع" فى نسيج النظام السياسى الأمريكى بالذات). ومن مثار العجب العجاب أن التجمع الوحيد الذى يفترض أن يربط الحالة المقصودة بالعالم الخارجى، هي الجماعة العربية برابطتها القومية العتيدة، وأن ما يجرى فى سياق (التطبيع) قد يتسبب فى قطع هذه الرابطة، ولو جزئياً، أو إرباكها على أقل تقدير.
يبقى الجانب المصلحىّ الطارىء للعلاقة بين "الحالة المقصودة" و بين إسرائيل، مثل مدّ خطوط أنابيب الغاز، وصيانة وإدارة بعض الموانىء الإسرائيلية على شاطىء المتوسط، وغير ذلك مما يجرى التهيئة له فى الوقت الراهن. هذا الربط المصلحىّ يمكن استبداله بسهولة بروابط (مصلحية) أيضا مع دول عربية أخرى، أو غير عربية، فيكون التعجل بتثبيت و تضخيم المتغير المصلحىّ مع إسرائيل غير معقول.
أما التمثل بالنموذج السنغافورى فهو غير مطابق لواقع الحال، نظراً لأن سنغافورة، الدولة – الميناء ، نجحت خلال أربعين عاماً ويزيد، فى أن تقيم قاعدة تكنولوجية ذات علاقة تجارية متشعبة على الصعيد الخارجى . و برغم أن سنغافورة مكونة من عدة شرائح عرقية، أبرزها الشريحة ذات الأصل الصينى، فضلاً عن المالاويّ، إلا أنها تشكل لحمة اجتماعية مندمجة ذات جذور عميقة فى الواقع المحلىي بما يسمح بالقول بانطباق ما يسمّى (نموذج النمو الأصيل) أو (الداخلى) Endogenous growth model عكس الوضع فى (الحالة المقصودة) والتى لا تملك نسيجاً بشرياً مندمجاً وتفتقد العمق الديموجرافى ولا خبرة لديها تسمح بالتخصص التكنولوجى العميق على الصعيد الإقليمى والعالمى، عدا عن "نتوء" متطور تكنولوجياً وإن لم يكن متطورا بنفس القدر على الصعد العلمي – المعرفي.
أما الحالة العربية الثانية التى تقف على شفير التطبيع وحافته المائلة، فهى كبيرة الحجم غنية الموارد؛ وهذه يسود رأى فيها بأن العلاقة مع إسرائيل هى (البوابة الملكية لعبور المحيط) نحو أمريكا بالذات، كضامن لا يُشَقّ له غبار، فى مواجهة الخصم الإقليمى الرئيسى القابع ناحية أقصى الشمال الشرقىّ بالذات. وربما يتصور بعض راسمى الاستراتيجيات "التخيلية"، إن صحّ التعبير، أن وضع هذه الحالة العربية مع أمريكا، يكون شأنه شأن "جمهورية كوريا" (كوريا الجنوبية)، التى تلعب دور "حائط الصدّ" فى مواجهة الصين ومن ثم تكون لها الحظوة مع أمريكا بما لذلك من مزايا متنوعة فى زوايا متعددة، منها ما هو اقتصادي وسياسي وعسكري وغيره .
لكن حالة الصين غير حال إيران، فالصين (عدوّ) استراتيجي حقيقى للولايات المتحدة أو قلْ إنها (خصْم عنيد) قوى جداً بجميع المقاييس على الصعيد العالمي، لا يتوقع له تحول جذري أو انحراف شديد بزاوية الرؤية فى الأجل المنظور، إلا إنْ حدث ما هو غير متيقّن منه تماما. هذا بينما إيران قوة إقليمية كبيرة، ولا شىء أكثر من ذلك، برغم سعيها إلى التغلغل السياسي والعقائدي فى منطقة الجوار العربى – الإسلامى، اعتماداً على مصادر للقوة، بشرية كانت أو فكرية ، عدا عن العمق (الجغرا-سياسى) المشهود.
لذلك إنْ كان يمكن لكوريا الجنوبية أن تعتمد على الظهير الأمريكى فى المستقبل المنظور، فإن ذلك يصعب تصوره فيما يتعلق بالحالة العربية المقصودة والتي لا يزيد تصور دورها في افدراك السياسي المريكي الراهن كونها بئر نفط كبير قابل للنفاد برغم الاحتياطي العظيم، في حين أصبحت أمريكا المنتج الأول للبترول على الصعيد العالمي ولم تعد بحاجة إلى استيراده من الخارج كما كان عليه الحال سابقا. ويكون الاعتماد على أمريكا هنا كالاعتماد على "الحائط المائل" كما يقال. وحينئذ، تخسر "الحالة العربية المقصودة" الظهير المتوهّم، في حين تفقد ظهيرها الطبيعى "العربي – القومي" العتيد، من جرّاء ما جرى و يجري .
فى أقصى الطرف الغربى من الوطن العربى، تقع حالة ثالثة، تقايض التطبيع الإسرائيلى مقابل ظرف سياسى طارىء بغيْر مسوّغ قوىّ على كل حال. فهل يتم لعبٌ ، فى تصور البعض، على وتر العداء الذى يوشك أن يكون تاريخياً، مع بلد عربى شقيق ؟
هل يتطلع هذا البعض فى ذلك الطرف العربى القصىّ إلى "المثال التايوانى" فى مواجهة الصين ..؟ ذاك برغم الاختلاف الجذرى بين موقع تايوان من الدولة – الأم أو البرّ الصينى، وبين موقع الشقيقتين من بعضهما البعض فى واقع الحال. إذْ تايوان، برغم كونها "صينية"، إلا أنها منفصلة عن الصين لدرجة تسمح لها، وتدفعها دفعاً، إلى الارتباط العضوى بالأمريكيين لحمايتها من العنف المحتمل للدولة-الأم في البرّ اللصيق.
أما الطرف العربي إلى أقصى ناحية المغرب، فليس عنده ما يدعوه إلى ذلك الارتباط التبعىّ، و ليس لدى الأمريكيين ما يدعوهم إلى حمايته من تهديد خارجي جدّي مزعوم، بالغالى والنفيس . والغريب العجيب حقّاً أن "الطرف القصىّ" ليس لديه فى الحقيقة الواقعة باعث للقلق الشديد يدعوه إلى التماس مثل ذلك العون من أمريكا، فهو مسيطر بالفعل على ما يعتبره حقاً له إلى حد بعيد، ولا يواجه تهديداً جدياً لهذه السيطرة من أىّ وجه، وخاصة من الجانب العسكرى، وليس لدى خصمه-الشقيق ما يدعوه إلى خوض مواجهة خشنة من أى نوع مع ذلك الشقيق.
ثم ما هذا القول بأن اليهود يمثلون شريحة ذات وزن نسبي كبير من السكان المغاربة يروح أفرادها ويجيئون بالفعل، من و إلى إسرائيل؟ وهل نسلّم بأن إسرائيل وجهة شرعية لليهود العرب؟ فهذا ربما قد يمثل نوعا من التسليم بالمنطق الذي تقوم عليه إسرائيل، بادعاء تمثيلها لليهود في كل مكان من العالم، وكأنهم قومية منفصلة تحميها "دولة-أمة" ..؟ وقد حاول الكيان الصهيوني تأكيد ذلك بإصدار ما سمّي "قانون القومية" منذ نحو عامين، و الذي صُمّم خصّيصا لتهميش أهل البلاد الحقيقيين (العرب الفلسطينيين) كمواطنين (من الدرجة الثانية) أو دون ذلك، ضِمن "بلد الأبارتايد" المتبقي وحده ملاذا للفصل العنصري و "التفرقة العنصرية-الاحتلالية الاستيطانية" في العالم المعاصر. وتبقى من ذرائع (المطبّعين) ذريعتان أو ثلاثة (البحرين بالفعل، وكذلك السودان، ثم سلطنة عُمَان على سبيل الاحتمال). و قد دأب (المنتهية ولايته)على ممارسة نفوذه إزاءها جميعا لفرض "الامتثال" لما يشاء تطبيعيّا قبل الرحيل. امتثالٌ يريده على أُنموذج "جمهوريات الموز" فى أمريكا الوسطى وبحر الكاريبى. فهل يستطيع تحقيق مآربه المستحيلة تاريخيا في جميع الحالات، هو و إسرائيل..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي