الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة للدكتور عبد السلام عشير( فاس المملكة المغربية ) تسعى إلى معرفة السياقات الثقافية والعلمية التي أطرت الفكر اللغوي، ورصد القيم العقلية المهيمنة والفاعلة في تشيكله

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2021 / 1 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تطور التفكير اللغوي من النحو إلى اللسانيات إلى التواصل " هو عنوان الكتاب الصادر حديثا عن دار الشرق في طبعة أنيقة جاءت في 282 صفحة بدعم من وزارة الثقافة بالمملكة المغربية. هذا المنجز العلمي القيم لمؤلفه الأكاديمي الدكتور عبد السلام عشير صدرت طبعته الأولى سنة 2019 . والكتاب في جوهره دراسة تسعى إلى معرفة السياقات الثقافية والعلمية التي أطرت الفكر اللغوي، ورصد القيم العقلية المهيمنة والفاعلة في تشيكله وخاصة القيم التي لا يزال لها حضور في صياغة النظريات والحقائق".
ويرى صاحب " الكفايات التواصلية اللغة وتقنيات التعبير والتواصل "أنها قيم لا تخضع للانمحاء والاندثار، بقدر ما تكون لها القدرة على الاندماج في تركيبات معرفية أعلى منها. موضحا " أن الوقوف على تلك السياقات والمقاربات لا يهدف في الواقع إلى التأريخ لهذه السياقات والمقاربات (فذلك ليس في طاقتنا) بقدر ما يهدف إلى رصد مظاهر التجديد وتقدم الوعي البشري، وهي مظاهر لا تنفك عن تطور التفكير اللغوي، انطلاقا من أن المشروع الإنساني برمته يستند إلى اللغة باعتبارها الوسيلة الأساسية للتواصل بين البشر، والوسيلة المهمة للاحتفاظ بثمرة تفاعل الانسان مع الانسان ومع الطبيعة حتى لا يبدأ كل تجربة مع الطبيعة والانسان من الصفر، وهو مقتضى اهتمام مختلف الحضارات باللغة وفلسفتها وبالتواصل وأثاره."
في مقدمة الكتاب نتعرف على المسار التطوري للمقاربات الثلاث الأساسية لفهم اللغة والنظر في قضاياها واكتناه آلياتها وأسرارها كما استعملها الفكر اللغوي . في المقاربة الأولى ، يتناول المؤلف ارتباط اللغة بمصطلح (النحو) وقد استمر العمل بهذه المقاربة النحوية منذ القرن 6 قبل الميلاد إلى حدود القرن 11، وكان الهدف من هذه المقاربة توضیح نظام القواعد التي تشكل أساس إنتاج المنطوقات اللغوية وفهمها، انطلاقا من أمثلة نموذجية معزولة عن سياقاتها وغاياتها. وفي المقاربة الثانية يتطرق لارتباط اللغة بمصطلح «اللسانیات» وقد استمر الاشتغال بها إلى حدود منتصف القرن 20 وكان الهدف من هذه المقاربة، التحليل العلمي الدقيق المكونات التركيب اعتمادا على أمثلة ونماذج لسانية مفصولة هي الأخرى عن سياقاتها وغاياتها.أما في المقاربة الثالثة فيبرز الدكتور عبد السلام عشير ارتباط اللغة بمصطلح التواصل، وكان الهدف من هذه المقاربة، الاهتمام بالوظائف الفعلية، للغة وكيفية استعمالها وعلاقتها مستعمليها ومدى تأثيرها في سلوكاتهم وأفكارهم ورؤاهم وتصوراتهم، وهي المقاربة التي يستمر الاشتغال بها إلى الآن.
وبإمعان النظر في هذه المقاربات الثلاث يخلص بنا المؤلف إلى أن الأمر يتعلق بتشكل ضمن سياقات ثقافية وعلمية متمایزة، في المرحلة الأولى المقاربة النحوية في سياقات ثقافية يؤطرها فهم علمي - كان في بداياته الأولى - يتلمس طريقه نحو التطور حيث كانت الحقائق جاهزة لا تحتاج إلى مزيد نظر، أما في المرحلة الثانية، فقد ظهرت المقاربة اللسانية في مناخ ثقافي عرف فيها العلوم المختلفة تطورا ملحوظا بروح علمية مغايرة لما كان قبل عصر النهضة، فقد عرفت العلوم ابتداء من ق 11 تحولا في النظر إلى الطبي والتاريخ والمعرفة، وقد تمثل هذا التحول على مستوى الطبيعة، في الانتقال من مركزية الأرض، إلى مركزية الشمس (جاليلو) أي من الفكر المغلق نوعا ما إلى الكون اللانهائي، مما فتح الباب واسعا أمام الانتقال إلى الحداثة وعلى مستوى التاريخ تمثل هذا التحول في إرجاع كل شيء إلى التاريخ، أما على مستوى المعرفة ،فتمثل هذا التحول في الانتقال من المعرفة التأملية إلى المعرفة التقنية، أو قل الموضوعية، على اعتبار أن المعرفة التقليدية تتسم بالذاتية والإنطباعية والقيمية. وفي المرحلة الثالثة تشكلت المقاربة التواصلية ، في سياق ثقافي وعلمي عرفت فيه العلوم المختلفة طفرة غير مسبوقة أدت إلى بروز أفكار جديدة في مقدمتها انهيار اليقين الذي كان يجسد أساسه في مبادئ الرياضيات أو في قطعيات الواقع المحسوس مما أدى إلى إحياء الخطابة والحجاج، واتساع النظم السياسية الديمقراطية التي أصبحت تؤمن بالتعدد والانفتاح بدل التوحيد والانغلاق، وكانت وسائل الإعلام مجالات هذا التنافس والتعدد."
لكن ومع منتصف القرن العشرين ارتبطت نظرية التواصل بالنظريات التداولية التي أخذت توظف نتائج علم النفس المعرفي والمعلوميات، بغاية دراسة العقل البشري، من خلال دراسة تكوين المعارف، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو الآلة، وهكذا يمكن القول إن المقاربة التواصلية هي مقاربة مركبة ومفتوحة وغنية وغير كاملة وذات رؤية واصلة تستفيد من المقاربة النحوية وتتجاوزها، كما تستفيد من المقاربة اللسانية وتتجاوزها، تجنبا للسقوط في الرؤية الأحادية البعد التي تنتهي عادة إلى نتائج خطيرة إذا ما طبقت علی الظواهر الإنسانية، ومنها اللغة كما يقول موران.
ويشتمل الكتاب على مقدمة وثلاثة أقسام . في القسم الأول: المقاربة النحوية وحدودها . والقسم الثاني : المقاربة اللسانية وحدودها . وفي القسم الثالث : المقاربة التواصلية
ويورد المؤلف في الخلاصات العامة - المداخل الأساسية لفهم عملية التواصل في التراث اللغوي العربي إن بعض المفكرين في الثقافة العربية الإسلامية عرفوا كثيرا من المفاهيم المسماة اليوم مفاهيم تداولية يقول الشاطبي، لكي نعرف الخطاب لابد من معرفة حال الخطاب من جهة نفس الخطاب والمخاطب والمخاطب. إذ الكلام واحد وتدخله معان أخرى من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، كالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناه المراد إلا بالأمور الخارجة وعمدتها مقتضيات الأحوال، وليس كل حال ينقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقولة. ويوضح في موضع آخر ضوابط الاستعمال التي لا يراها إلا في مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان.ص254
بل يذهب الجاحظ إلى أن الهدف من الكلام الذي يتحقق به التواصل بين الناس هو إفحام السامع وإقناعه وقمع المجادل وإفحامه، أليست هذه الأفكار شبيهة بالأفكار التي تطرح اليوم، في التداوليات والتواصل ويذهب السكاكي إلى أن البلاغة هي تمام النحو وأن علم الاستدلال هو تمام علم المعاني والبيان، ويذهب الدسوقي إلى أن سرعة انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المراد مردها إلى أن سرعة انفهام المراد راجعة إلى القرينة الدالة على المراد .
وإذا كان البلاغيون والمفسرون وعلماء أصول الفقه قد عرفوا كثيرا من المفاهيم التي لها بعد تداولى فلأنهم أدركوا عمق تلك المفاهيم في نظرتهم إلى النص دون أن يرقوا بها إلى مدارج النظرية فكان البلاغيون يقولون مثلا الكل مقام مقال، ولكنهم كانوا يركزون في الغالب على السياق اللفظي لإبراز التفاوت الجمالي بين الأساليب.
فقد أشار ابن هشام أثناء تعريفه الكلام إلى فكرة تداولية مهمة نظر لها أوستين فيما بعد وذلك حين اقسم الكلام إلى ثلاثة أنواع خبر وطلب وإنشاء، وضابط ذلك أنه إما أن يحتمل التصديق أو التكذيب أولا، فإن احتملها فهو خبر نحو قام زيد وما قام زيد، وإن لم يحتملهما، فإما أن يتأخر" ص255 .
واليوم أكثر من أي وقت مضى يعيش العالم على إيقاع التواصل الذي يهدف إلى الإقناع بوجهة نظر معينة لحل المشاكل التي يعيشها الإنسان، عن طریق اقناع الناس بأفكاره وبوجهة نظر معينة تستطيع تحريك ضمائرهم مشاعرهم واستنهاض همهم وإيقاظ إنسانيتهم، لإحداث التحول المطلوب ،على غرار ذلك التحول الذي أحدثته خطابات كثير من الزعماء في التاريخ " ص7








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج