الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الآشورية السورية في عامها الخمسين

سليمان يوسف يوسف

2006 / 7 / 21
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


الحركة الآشورية السورية في عامها الخمسين
في الخامس عشر من تموز الحالي دخلت(المنظمة الآثورية الديمقراطية)عامها الخمسين، وهي تعد، على ضعفها وعللها، الفصيل الرئيس في الحركة الآشورية السورية، ولها الفضل في نشر الوعي القومي في بعض الأوساط الآشورية،منذ انطلاقتها عام 1957 في ريف الجزيرة السورية،حيث بادر الى تأسيسها مجموعة من الطلاب الآشوريين،قادتهم عواطفهم القومية الممزوجة بنزعة دينية مسيحية، وغالباً بردة فعل على الأحزاب والحركات القومية الأخرى في المنطقة( عربية وكردية)، من غير أن يكون لديهم رؤية سياسية مستقبلية واضحة.ترافق ميلاد المنظمة الآثورية مع انتشار الأفكار اليسارية والثورية وموجة المد القومي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي،وقد تميزت تلك المرحلة بزحف أبناء الريف والطبقات الشعبية على الأحزاب،اليسارية منها والقومية،خاصة حزب البعث الحاكم نظراً لما يحققه من مكاسب ومنافع لأعضائه،وهو ما بت يعرف بظاهرة (ترييف السياسة) التي اجتاحت الحياة السياسية في معظم دول المنطقة.هذه الظاهرة بما حملته الى (المجتمع السياسي المدني) من قيم وثقافة اجتماعية تقليدية تتعارض مع قيم الليبرالية وثقافة الديمقراطية، أجهضت إرهاصات الفكر الديمقراطي الليبرالي العلماني التي برزت بين أوساط النخب السورية نتيجة احتكاكها وتأثرها بالثقافة الديمقراطية والأفكار الليبرالية الغربية إبان الانتداب الفرنسي /البريطاني على المنطقة، كما أنها شكلت لاحقاً أحد العوامل الأساسية في تراجع دور الأحزاب في تطوير وتفعيل الحياة السياسية والفكرية في سوريا.وما يميز (المنظمة الآثورية الديمقراطية) على هذا الصعيد، عن باقي الأحزاب السورية التي انطلقت من المدن،إنها نشأت في بيئة ريفية شعبية وبقيت كذلك محصورة فيها تدور في دائرة مغلقة،وبالتالي فهي حملت بذور ضعفها وتأخرها التاريخي معها منذ نشأتها.حيث بقيت،الرومانسية القومية وضبابية الأهداف والشعارات،سمة ملازمة لفكر وخطاب المنظمة الآثورية الديمقراطية، تتجلى عبر دستورها القومي الذي يعرفها بأنها: ((منظمة قومية سياسية ديمقراطية تهدف إلى الحفاظ على الوجود القومي للشعب الآشوري وتحقيق تطلعاته القومية المشروعة(السياسية، الثقافية، الإدارية) في وطنه التاريخي(بلاد ما بين نهرين)..)).وقد أثبتت تجربة نصف قرن من عمر المنظمة الآثورية بأن قراءتها للموضوع الآشوري، ببعده القومي، كانت جداً سطحية، بتعاملها مع الحالة الآشورية وكأنها حالة قائمة منجزة، في حين الواقع يقول غير هذا، إذ لم تتمكن المنظمة الآثورية ومعها بقية الأحزاب الآشورية من اختراق جداران الطائفية والمذهبية التي تمزق البناء الآشوري إلا بنسبة محدودة جداً، كما أنها أخفقت في الوصول الى شرائح(سريانية) مهمة وكبيرة، خاصة تلك المقيمة في المدن وبشكل أخص شرائح البرجوازية السريانية التقليدية التي بقيت الى تاريخه بعيدة عن الهم القومي الآشوري وهذا بلا ريب شكل أحد أهم نقاط ضعف (الحركة الآشورية) السورية وعجزها عن نقل الشعب الآشوري من الحالة (القومية الطبيعية- الثقافية) الى (القومية الإرادية- السياسية)، بمعنى آخر عجزت(المنظمة الآثورية) عن طرح وتبني مشروع قومي وسياسي يستقطب الشارع الآشوري، يلتف حوله الرأي العام الآشوري وله حامله الاجتماعي.وعلى العكس من ذلك حصل تراجع كبير عما كانت عليه المنظمة الآثورية في الماضي، إذ يقتصر وجودها اليوم على بعض الأوساط الشعبية المنغلقة على ذاتها في الجزيرة السورية ، تحكمها وتتحكم بها العلاقات والروابط الاجتماعية والأسرية التقليدية التي قوضت العلاقات التنظيمية والسياسية داخل المنظمة وبين أعضاءها.هذه البيئة الريفية التي نشأت فيها المنظمة الآثورية أنتجت وعياً قومياً مشوهاً وقاصراً، اتجه نحو الماضي تاركاً المستقبل، خاطب المشاعر من غير أن يحاور العقل، وعياً آشورياً مبتوراً عن جذره الوطني،لا بل متعارضاً معه في العديد من الدوائر السياسية والحلقات الوطنية.كما بقيت المنظمة الآثورية من دون قضية مركزية،ومن غير أن ترسو على أرضية أو هوية وطنية محددة،وإنما برزت كـ(منظمة عالمية بلا حدود) لا وطن لها، انتشرت عبر الجاليات الآشورية (السريانية الكلدانية) في أوربا وأمريكا،في حين فشلت في كسب آشورياً واحداً لها داخل العراق وتركيا،مع هذا بقي القائمون عليها يتمسكون بفكرهم القومي الشمولي ويزايدون بالحديث عن الوطن التاريخي للآشوريين(بلاد ما بين النهرين)، رافضين دخول المنظمة معترك الحياة السياسية السورية الى جانب قوى المعارضة السورية كحزب أو كحركة آشورية سورية، متذرعين بقومية المنظمة وبأنها لكل الشعب الآشوري في كل مناطق ودول تواجده، وكأن الانخراط في الحياة السياسية السورية والدفاع عن قضايا الآشوريين السوريين يتعارض مع المبدأ القومي للمنظمة.هذه الذهنية تكشف كم هي(المنظمة الآثورية) متأثرة بالفكر القومي الشمولي لحزب البعث العربي وشعاراته القومية الفضفاضة التي هي ليست سوى للإستهلاك السياسي المحلي.بالطبع هذا ليس بغريب على المنظمة الآثورية وقد انخرط معظم أعضاءها، قواعد وقيادات، في حزب (البعث العربي الاشتراكي) بعد مجيء حافظ الأسد الى السلطة عام 1970 ،بمن فيهم (مسؤول المكتب السياسي)، الذي بقي لسنوات طويلة عضواً عاملاً ملتزماً الى حين تم فصله من حزب البعث- بقرار من القيادة القطرية- مع آخرين غيره من أعضاء المنظمة بتهمة الازدواجية السياسية، صيف عام 1985،والمفارقة الكبيرة أن (القيادي الآثوري) أحتج وبشدة على قرار فصله من البعث.بالطبع، كان الخوف من (المخابرات السورية) سبباً مهماً في تستر الآثوريون بالبعث، خاصة لمن كان يبحث عن وظيفة في الدولة، لكن لا يمكن لأي ذي عقل سياسي ناضج ووعي قومي سليم أن يبرر، تحت أية ذريعة أو مسمى، لحركة آشورية أن ينخرط أعضائها في صفوف حركة قومية عربية تتناقض معها في الأهداف والتوجهات، تسعى لابتلاع كل القوميات الأخرى وصهرها في بوتقة القومية العربية،إذ يستحيل على المنظمة الآثورية أن تتبنى خياراً سياسياً خاصاً بها وأن تكون جادة في مطالبتها بالحقوق القومية والسياسية للشعب الآشوري وقيادتها تخضع لأوامر وتوجيهات لحزب البعث العربي الحاكم. لا شك،هذه الازدواجية في الانتماء السياسي والقومي التي رافقت المنظمة الآثورية في مرحلة مهمة من مسيرتها السياسية،أفقدتها الكثير من مصداقيتها القومية ومن رصيدها السياسي،المتدني أصلاً، في المجتمع الآشوري والسوري عامة،فهي من جهة اولى: تكشف عن ضعف وهشاشة العقيدة الآثورية، ومن جهة ثانية: تظهر محنة وضحالة (العقل السياسي) في المنظمة، ومن جهة ثالثة:تبرز حجم التناقضات السياسية والفكرية التي كانت ومازالت تعيشها المنظمة الآثورية.وأقل ما يمكن قوله عن تلك الازدواجية أنها ألقت بالمنظمة الآثورية الديمقراطية في أحضان حزب البعث العربي الحاكم والسلطات السورية، وستبقى أسيرة نتائج وثمار هذا (الزواج السياسي) الغير شرعي والغير متكافئ مع البعث السوري،كذلك ستبقى تتخبط، تحت ضغط مضاعفاته السياسية والفكرية، في علاقاتها السياسية مع مختلف القوى والأحزاب الوطنية السورية، خاصة مع قوى الحركة الكردية التي تتعايش معها في الجزيرة السورية.ولو دققنا وتعمقنا قليلاً في تفاصيل وتلابيب (المشهد الآثوري) اليوم لوجدنا إن تلك الذهنية الآثورية المشوهة التي ترعرعت في أحضان البعث السوري وتشبعت بثقافته الشمولية الإقصائية،المعادية للديمقراطية وحرية الرأي والفكر النقدي، هي التي أوصلت المنظمة الآثورية الى ما هي عليه من انحدار سياسي وانحسار تنظيمي وما أصابها من أزمة بنيوية عميقة شاملة وتعرضها لهزات تنظيمية وسياسية طالت جميع فروعها وهيئاتها تهدد بقاء المنظمة واستمرارها، وهي من يتحمل مسؤولية خلو المنظمة الآثورية من الكتاب والمثقفين وعدم بروز لديها رموز وشخصيات سياسية ومفكرين آشوريين يرفعون من شأنها ومكانتها في المجتمع.إذ بقي التكلس الفكري والجمود السياسي من أبرز سمات(المنظمة الآثورية الديمقراطية)،ولهذا هي اليوم أضعف من أن تطرح أي برنامج سياسي أو مشروع قومي والعمل من أجله.
في السنوات الأخيرة حصل بعض التغيير النسبي في مواقف وسياسات المنظمة الآثورية،بفضل تطعيم القيادة ببعض الدماء الشابة والعقول المنفتحة، تجلى هذا التغيير عبر توقيعها المتأخر على (اعلان دمشق)،لكن ما كان لها أن توقع لو لا سياسة (غض النظر) التي تتبعها السلطات السورية تجاه الأحزاب المحظورة. ونظراً لما تعانيه المنظمة الآثورية من أزمة بنيوية عميقة ومزمنة- التي تدفع بانسحاب وخروج مستمر من صفوفها الكوادر النوعية والعقول السياسية المتميزة والجادة في التزامها ونضالها- لا يمكن لأي تغيير في مواقفها أن يرتقي الى مستوى التحول الاستراتيجي في نهجها، والانتقال من مرحلة تأييد التغيير الديمقراطي في البلاد الى مرحلة الانخراط الفعلي والجاد ومشاركة باقي قوى المعارضة الوطنية في عملية التغيير هذه،وهي ستبقى أسيرة فكرها المهزوم،تلاحقها عقدة الخوف من السياسة والخوف من عواقب وقوفها في صف المعارضة، كما أنها ستبقى مكبلة بانشغال القائمين عليها بمصالحهم ومشاريعهم الخاصة على حساب مصلحة الشعب الآشوري وقضايا الوطن السوري .
سليمان يوسف يوسف
عضو المنظمة الآثورية الديمقراطية... سوريا
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا : لماذا أقال بوتين وزير دفاعه ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عنفت طفل من ذوي الهمم.. معلمة تثير غضب الشارع الأردني | #منص




.. تلون السماء وتهدد الاتصالات.. تأثير العاصفة الشمسية يصل بلد


.. بينَ إسرائيل والولايات المتحدة.. تقاربٌ وتضارب.. دعمٌ وتحذير




.. مهاجم مانشستر سيتي إيرلينغ هالاند يحافظ على لقب هداف الدوري