الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النيوليبرالية وتهديد الثقافات المحلية عبر الاقتصاد والتعليم -بالنظر الي حكومة الانتقال في السودان- (3)

مصعب عيسي مصطفي

2021 / 1 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قد يتساءل المرء عن سبب توافد الجامعات الاجنبية علي اقطارنا العربية والافريقية، فليس من المرجح ان تكون مدفوعة بعامل العائد المادي فحسب، واغلب الظن ان انشاءها كان بغرض خدمة استثماراتها، وتلبية اغراض فروع شركاتها المتعددة الجنسية، هدفها طبعاً اعداد مواطنين من "اهل البلاد" تأهلهم تأهيلا جيدا بلغة وقيم ومهارات استثماراتها وشركاتها، او للقيام بدورهم وكلاء وسماسرة لمصالحها التجارية، وفي هذا تتحمل تكلفة أقل مما تتحملة في جامعات مواطنها الاصلية، كما انها تلتقي مع هواجس الدول العربية والافريقية، لما يمكن ان يحدث من تغييرات ثقافية لابنائها وبناتها عندما يبعثون الي الخارج ويقيمون هناك. وتشير اهداف معظم هذه الجامعات في نشراتها الرسمية الي تكوين "قيادات المستقبل" وتهيئتهم للتعامل مع السوق العالمية ومرونتها في التفاوض والتنافس، كما يمكنها الاستعانة بهؤلا الخريجين عبر اغرائهم بالهجرة الي بلادها الاصلية، وقد يعزي ذلك الي العامل الديمجرافي في تلك الدول، من تناقص معدلات النمو الطبيعي للسكان، ما بين صفر و 1.5% مما قد لا يوفر لها في المستقبل نمواً كافياً لشريحة الشباب في سن التعليم الجامعي، وبعدة وفضلا علي العوامل الاقتصادية، سوف تقوم هذة الجامعات بأعداد قيادات ممن يعتمد عليهم في ترسيخ علاقات سياسية وثقافية بين خريجي جامعاتهم الاجنبية وبين موانع اتخاذ القرارات والسياسات في دولنا، وشاهدنا نحن في السودان كيف ينفذ "وكلاء الهيمنة من موظفي الامم المتحدة ونشطاء منظماتها" القرارات والسياسات الاميركية والصهيونية بالحرف، خصوصا في الجانب الافتصادي، والذي بالتأكيد ستتبعة سياسات اخري في التعليم وبناء موسسات الدولة.
ومن هنا يمكن القول أننا ازاء موجه اقتصادية وتعليمية تسعي لإعادة صياغة البلاد بالشكل الذي تفرضه مؤسسات النيوليبرالية والعولمة الثقافية، وبالاضافة للوكلاء المحليين هناك دولا عديدة في المنطقة تشربت بالنيوليبرالية المعولمة في المحيط العربي والافريقي، فهي تعمل كأدوات وساطة في العمق لتطبيق تلك السياسات، كالسعودية والامارات، ونعلم جميعاً كيف تدخلت هذة الدول في الشأن الوطني "السوداني" منذ بداية ثورة 19 ديسمبر المجيدة، فالبيئة السودانية اصلا خصبة للمزيد من السياسات لا سيما الاقتصادية منها، فقد اورثنا النظام السابق مناخا اقتصاديا يعمة الفساد الاداري والسياسي، فضلا علي الخصصة شبة الكلية للقطاع العام، نجد مثلاً، ان ان التعليم اتسم بالفوقية بتعليم الميسورين من الطلاب من رياض الاطفال حتي الجامعات باللغة الاجنبية، التي يعتقد في تميز ثقافتها وفرص عملها في المستقبل، وهذا واضح من اكتساح هذا النوع من التعليم منذ اواسط التسعينات، فهذا التعليم يهدف في النهاية الي تكوين الفرد السوقي، مع عدم الاهتمام بالمواطن السوداني البسيط، بتعليم المواطنة وثقافتها في صيغتها السودانوية "ان جاز التعبير" وسيصبح التوجه الي الخارج وثقافة السوق وفرصها واحتياجاتها هو مصدر الحكم علي ملائمة باقي المنظومات "الاقتصادية والتعليمية والثقافية" والطلب عليها، وتكاد تتلاشي مهمة الدولة الاساسية في تكوين ثقافة وطنية تحررية تحقق قدرا ضرورياً من التماسك الاجتماعي مع التنوع - لا التعدد - الخلاق لابناء الوطن الواحد.
واؤد ان اؤكد ان السياسات النيوليبرالية سواء في الاقتصاد، عبر تدجين الانسان وجعلة سلعة تباع وتشتري، او التعليم عبر تعليم لغة وثقافة الغير وتصويره علي انة المتفوق دوما ثقافيا وانسانيا، تعني ان شعوبنا سينتهي بها المآل كما قال طه حسين في عن المعاهد الانجليزية والامريكية في مصر " ان الشبان الذين يتخرجون من هذة المعاهد مهما كان حبهم لبلدانهم، فأنهم بالتاكيد يفكرون علي نحو يخالف النحو الذي يفكر علية الذين يتخرجون من المعاهد الوطنية" وهذا امر طبيعي، حين ندرك ان اللغة كما يقول هيدجر " ان لغتي هي مسكني وهي موطني"
واخيرا لن اتردد في التأكيد بأنني في الوقت الذي أحاول ابراز ما يتهدد ثقافتنا "او ثقافاتنا العربية والافريقية" من سيطرة العولمة وعالم المال والبزنس، وخطورة انحراف التعليم عن اغراضة التعليمية والتربوية الوطنية، فأنني اؤكد في الوقت ذاته ضرورة الافادة من الحضارات الغربية في تجديد ثقافتنا ومدوامة ازدهارها، كما انني اختلف تماماً مع الرأي السائد بالخضوع للهيمنة الثقافية علي اعتبار ان الآخر المهيمن هو الافق الاخير والنهائي لتصور العالم من زوايتة الضيقة، بل لا أخشي من السحب القاتمة التي أشرت اليها، وما تحمله من مفاهيم وممارسات منفصلة عن الزمان والمكان والسياق كالعلم والتكنولوجيا والسلام العالمي، والمهارات المعرفية والتنافس وغيرها، وما تؤدي الية من تشويش لتفكيرنا في لغتنا وثقافتنا، ومن تفكيك اواصر المجتمع ولحمتة، ومن ثم لا يمكن ان نطمئن الي تلك الاستحالة، بل علينا ان ندق اجراس الخطر دقا متواصلاً عنيفا، وارجو ان اكون مخطئا، ومن حقي ان اخطئ وان انحاز، واعلن عن وجهة نظر مغايرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف