الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يحاسب حزب الله على أخطائه بحق لبنان؟

جوزيف بشارة

2006 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


نجحت جماعة "حزب الله" الأسبوع الماضي في دفع عجلة الحرب الإسرائيلية ضد لبنان، ما أسفر عن عودة هذا البلد نحو خمسة عشر سنة إلى الوراء بعد التدمير شبه الكلي للبنى الأساسية والمرافق والخدمات وشل حركة السفر من وإلى لبنان، وفوق كل هذا تدمير جسر الاستقرار الذي كان اللبنانيون قد أوشكوا على عبروه للمرة الأولى منذ عقود طويلة. إنقسم الشارع اللبناني ما بين مؤيد لمغامرة "حزب الله" ومعارض لها، فنجد على هذا الجانب من يطالب بمساندة عربية وإسلامية للجماعة على اعتبار أنها حركة مقاومة شرعية، ونجد على ذاك الجانب من يطالب بالسماح للقوات الإسرائيلية لتدمير بنى الجماعة حتى تستريح لبنان من عبئها السياسي والعسكري المتزايد. الموقفان يعدان الأبرزان على الساحة العربية في الوقت الراهن، على الرغم من وجود بعض المواقف الوسطية بينهما.

الموقفان المشار إليهما يعبران تماماً عن حالة الانقسام السائدة في العالم العربي، وهما نقيضان متطرفان مرفوضان. أسباب الرفض متعددة وإن كان أهمها أن تأييد العالمين العربي والإسلامي للجماعة على موقفها الخاطيء وغير المحسوب سيعد سابقة في حشد التأييد الرسمي للتطرف، فضلاً عن أن تأييد حزب الله سيفتح الباب على مصراعيه أمام حرب شاملة في المنطقة. من ناحية أخرى فالسماح للقوات الإسرائيلية بتخليص لبنان من الجماعة سيعد هزيمة للبنان أمام إسرائيل وسيجعل من لبنان بلد بلا سيادة وهو ما نرفضه ونرفضه بقوة، فضلاً عن أن هزيمة لبنان سيكرس حالة عدم التوازن السياسي والاستراتيجي في المنطقة. إنقسام الشارع اللبناني بشأن مغامرة جماعة "حزب الله" لابد وأن تنعكس على الطريقة التي ينبغي للبنان التعاطي بها مع هذه الجماعة المثيرة للجدل والقلق.

ولكن التعاطي مع جماعة "حزب الله" ليس بالأمر اليسير على اللبنانيي، تماماً كما أن التعاطي مع جماعات التطرف الديني في العالمين العربي والإسلامي ليس بالأمر اليسير. فمؤيدو الجماعة لن يسمحوا لكائن كان بالوقوف بوجه طموحاتها السياسية التي من المؤكد أنها تتجاوز بكثير مقاومة الإسرائيليين. كما أنه من غير المتوقع أن يقبل قادة الجماعة بالحلول المطروحة على طاولة الحوار الوطني التي تدعو لنزع سلاحها أوتذويبها في القوات المسلحة اللبنانية، لا سيما بعد ما اكتسبته الجماعة من أرضية صلبة في الدول العربية والإسلامية جراء تصويرها على أنها تجسيد للبطل العربي المسلم المغوار المقاوم للصهيونية والإمبريالية.

الصعوبات والمخاطر التي تواجه اللبنانيين حيال إشكالية جماعة "حزب الله" تتشابه إلى حد بعيد مع الصعوبات والمخاطر التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية حيال التعامل مع الجماعات الدينية المتطرفة التي تكتسب يوماً بعد يوم جماهيرية متزايدة في الشارعين العربي والإسلامي. لقد أصبح من الصعوبة بمكان السيطرة فكرياً وأمنياً وتنظيمياً على هذه الجماعات. الأمر بالنسبة لجماعة حزب الله يبدو أكثر تعقيداً بسبب ولاء الجماعة الواضح عقائدياً للنظام الإيراني وسياسياً للنظام السوري ومن ثم الدعم المادي والمعنوي والسياسي والفني واللوجيستي الذي تلقاه الجماعة من النظامين والذي امتد ليشمل تعاوناً الأطراف الثلاثة بغرض حماية مصالح قادة إيران وسورية في لبنان والمنطقة.

لقد وضع تزويد إيران وسوريا لجماعة "حزب الله" بالسلاح الأمور في غير نصابها خاصة بعد توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، حيث تمتعت الجماعة بمزايا وضعتها في مستوى أعلى من كافة القوى السياسية الأخرى، بل وفوق قوة سيادة القانون في لبنان، فأصبحت الجماعة تمارس وتتحكم في أمور سيادية سياسية واستراتيجية وعسكرية ما كان للسلطة اللبنانية الشرعية أن تسمح للجماعة بها، وأصبح تخلي الحكومة اللبنانية عن بسط نفوذها فوق سلطة جماعة "حزب الله" بمثابة خنوع وقبول بسلطة موازية في لبنان. ولقد كان قيام جماعة "حزب الله" منفردة بعملية اختطاف الجنود الإسرائيليين نموذجاً لسلطة هذه الجماعة المنافسة للسلطة الشرعية في لبنان.

ولكن أين الحل؟ كيف للبنان الخلاص من سلطة جماعة "حزب الله"؟ الإجابة بالطبع تتطلب سلطة لبنانية قوية تفرض نفوذها دون مجاملة أو مواربة على كافة التراب اللبناني. لم تعد حجج المقاومة والصمود والتصدي التي ترفعها الجماعة مناسبة بعد اليوم، فالدفاع عن التراب اللبناني هو واجب وطني تقوم به القوات المسلحة اللبنانية وليس واجب شيعي تقوم به الجماعة منفردة. ولكن هل تستسلم الجماعة لوصاية الحكومة اللبنانية الشرعية؟ هذا ما أتمنى أن يتم بطرق سلمية ودون إراقة دماء بين اللبنانيين بعضهم البعض، وإن كانت الشكوك تحوم حول تدخل سوري-إيراني للحيولة دون تحييد أو نزع سلاح الجماعة.

أما عن الدعوة المطالبة بالسماح لإسرائيل بتخليص لبنان واللبنانيين من الجماعة فهي فكرة متطرفة تضع مستقبل لبنان رهن إشارة الإسرائيليين، هذا فضلاً عن أنه لا ينبغي مطلقاً الثقة بنوايا إسرائيل تجاه لبنان واللبنانيين بعد كل العداء الذي أظهرته الدولة العبرية نحو اللبنانيين والدمار الكبير الذي ألحقه الذراع العسكري الإسرائيلي بالبنية الاقتصادية للبنان. فإسرائيل لم تستهدف بحربها الشرسة جماعة "حزب الله" بقدر استهدافها للمنشآت الحيوية والبنية الأساسية للبنان. جماعة "حزب الله" التي اختطفت الجنديين الإسرائيليين دون علم الحكومة اللبنانية وهاجمت المدن الإسرائيلية دون موافقة الشعب اللبناني لم تتضرر بنفس القدر الذي يتضرر به اللبنانيون الأبرياء.

لذلك فالحرب الإسرائيلية على لبنان وشعبه يجب أن تتوقف فوراً ودون تأجيل. وإذا هناك كان من دور للمجتمع الدولي في وقف الحرب بالضغط على إسرائيل لإجبارها على احترام الشعب اللبناني وأراضيه ومقدراته، فإنه يجب على الدول والحكومات العربية والإسلامية الضغط على سوريا وإيران لوقف دعمهما لجماعة "حزب الله" ووقف تدخلهما في شئون لبنان الداخلية. أما عن مشاكل لبنان فيجب أن تبقى لبنانية وان تحل من داخل لبنان وليس من خارجه، وأما عنم حاسبة جماعة "حزب الله" فيجب أن تكون وتظل لبنانية-لبنانية دون تدخل من أطراف خارجية إحتراماً وحفاظاً على وحدة وسيادة ذلك البلد الذي يعاني ويتكبد وينزف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل