الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤامرة الكبرى ضد الشعب المغربي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


Le grand complot contre le peuple marocain
" لقد برمجت نشر هذه الدراسة ب World ، لكن الجهاز البوليسي شطب عليها ، وعلى العديد من الدراسات والتغريدات ... لكن الحمد لله اني اتوفر على حاسوبين ، واحد اتشغل عليه ، والآخر اسجل فيه ما كتبته او دونته .. إضافة الى الحافظ المفتاح La clé " ... فهل من إرهاب اكثر من هذا المسلط علينا .. الذي يمارس خارج ( القانون ) ..اعتداءات يومية متنوعة ... لا يقوم بها غير المرضى البسيكوباطيون ..
بمناسبة مرور سبعة وسبعين سنة ( 77 ) على توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 ، وكانت كانقلاب على حركة المقاومة وجيش التحرير ، لان تلك الوثيقة هي التي ستؤصل لاستقلال " إيكس ليبان " الذي منح الدولة للخونة الذين كانوا متعاونين مع الإدارة الكلونيالية ، فكانت الوثيقة من العوامل الأساسية التي سترتب ردة الفعل السياسي التقدمي الذي بدأت أنويته التنظيمية تتمايز منذ سنة 1947 ، والتي ستتفجر في قرارات 6 شتنبر 1959 ، بتمايز الحركات الاستقلالية التي ستأسس لأول حزب جمع المقاومة بجيش التحرير ، وسيتحمل الهم الوطني الذي هو " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ..
ورغم مرور سبعة وسبعين ( 77 ) سنة عن وثيقة المطالبة بالاستقلال ، ومرور سبعة وستين ( 67 ) سنة على " استقلال إيكس ليبان " ... لا زال المغاربة محرومين من الديمقراطية التي ناضل من اجلها اجدادنا وآبائنا ، ولا يزال الحلم بالمغرب الديمقراطي ، مجرد حلم يراود الأجيال من جيل الى جيل ، والى اليوم 2021 ، لا نزال نعيش مرة " الانتقال الديمقراطي " " ومرة ديمقراطية الأشخاص لا ديمقراطية المؤسسات ، والحقيقة اننا نعيش في نظام دكتاتوري ، استبدادي وطاغي ، لا علاقة له بالديمقراطية اطلاقا .. وهذا منطوق بنصوص الدستور الممنوح الذي يركز الحكم في شخص الملك وحده ، ومنطوق في عقد البيعة الذي يعطي للملك كسلطان ، وامير ، وإمام ، وراعي كبير سلطات استثنائية تفوق سلطات دستور الملك الممنوح ...
فعن اية ديمقراطية يتحدثون والنظام تحول الى دولة بوليسية وسلطوية فاشية ، تمتح من مِمّا تجود به قريحة وعقلية القائمين على شؤونها ، ولا تمتح من القيم الإنسانية ، والروحية ، والقوانين الدولية التي تهتم بحقوق الانسان ..
فعندما تعتدي الدولة البوليسية الفاشية ، وجهازها السلطوي القروسطوي على النخبة ، من مثقفين ، وكتاب ، وصحافيين ، ومتنورين فاضحين للفساد بمختلف اشكاله ، فترمي بهم في السجون المنسية ، لترشى عظامهم برطوبة سجونها ، وتذْبل ازهارهم بين حيطانها ، وتشيخ أعمارهم بين جدرانها ... وحين تطبخ الدولة البوليسية الفاشية ، وجهازها السلطوي المحاضر البوليسية المزورة لرمي المثقفين ، والكتاب ، والنخبة الرافضة ولو ان نضالاتها سلمية وليست عنيفة .. فالأمر يتطلب قراءة اللطيف الذي قرأه الشعب المغربي في المساجد ، وفي خارج المساجد في ثلاثينات القرن الماضي ، عندما طرحت الإدارة الكلونيالية الظهير البربري المشؤوم ...
ان الظلم ، والمظالم ، والاعتداء على الناس ظلما ، وممارسة كل الوان الاعتداء ، هي اعمال مشينة ومرفوضة ، وهي اعمال مدانة يقوم بها المرضى البسيكوباطيون ، الذي مكانهم مستشفى الامراض العقلية ، وليس النفسية ، فأحرى ان يبوئهم الملك شخصيا مصير المغرب والمغاربة ، ليعيثوا فيهما ظلما وخرابا ... ان المسؤول الأول عن كل الاعتداءات التي تسلطت ظلما على الناس ، يبقى الملك وحده دون غيره ..
ان الدولة البوليسية تهدم وتدمر ، ولا تبني وتعمر ... والتاريخ علمنا انّ أيّ طغيان حتميته الزوال .... ان أي تغيير سيأتي من الصحراء .. وهو آتٍ ولو قبل Joe Biden توشيحه من قبل سفيرة المغرب ابنة عمه على طريقة الرئيس المنتهية ولايته Donald Trump .
" ينشأ المغربي منذ الصغر على الاهتمام بشؤونه الخاصة ، ويلقن حكمة / دخل سوق راسك / . ولهذا لا يعبأ بالظلم الواقع على الآخرين والانتهاكات التي تمس حقوقهم .
لا يدركون ان الثيران السود أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ، يوم صمت الجميع ، او تهاونا ، او تواطؤا " .
توفيق بوعشرين . صحافي في السجن .. محكوم بخمسة عشر سنة ( 15 ) ... والملف معروف ... والرسالة معروفة ... توجهت الى عنوان الأستاذ محمد زيان ...


مقدمة :
من خلال البحث والتنقيب في التاريخ المغربي الجريح ، نكاد نجزم ان الشعب المغربي تعرض لعملية سطو سياسي ، بمؤامرة محبوكة دبرت خيوطها في ثلاثينات القرن الماضي ، ونفذت حرفيا غداة التوقيع على استقلال "ايكس ليبان" الذي رهن مصير الشعب المغربي لسنوات عجاف ، و كان شاهدا على المقاومة الباسلة التي قدمها الشعب ،من خلال تنظيماته الثورية التي كانت تزاوج بين النضال المسلح للتحرير الحقيقي للمغرب ، وبين النضال لبناء الدولة الديمقراطية العصرية ،التي تستجيب لشروط المرحلة الثورية التي تفصل بين 1956 ، وبين بداية الحماية في سنة 1912 .
ان هذه المؤامرة التي اشترك فيها الكمبرادور ممثلا بالقصر ، والبرجوازية الميركانتيلية ممثلة في آل الفاسي ، الذين تمكنوا من خلال تآمرهم ، من الاستحواذ والسيطرة على المغرب ، وتهميش الامازيغ ( جيش التحرير ) ، والعروبيين ( المقاومة المسلحة المدينية ) ، الذين طردوا الادارة الكلونيالية ، هو سبب جميع الهزات الاجتماعية والسياسية التي عرفها التاريخ الحديث للمغرب ، بدءا بانتفاضة الريف في 1958 و 1957 ، مرورا بانتفاضة الدارالبيضاء في 23 مارس 1965 ، مرورا باغتيال المهدي بن بركة ، وحركة 16 يوليوز 1963 ، والانقلاب العسكري في 1971 ، و في 1972 الذي كان ضد الكمبرادور ، وضد آل الفاسي ممثلين بالبرجوازية الميركانتيلية ، والمحافظة المرتبطة مع القصر ، الى حركة 3 مارس 1973 ، الى انتفاضة يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، وانتفاضة يناير 1984 بالريف ، وبالشمال ، وبمراكش ، وانتفاضة فاس في اضراب 14 دجنبر 1990 ، حتى الوصول الى حركة 20 فبراير ، وانتفاضة الريف الانفصالية منذ استشهاد محسن فكري . كما لا ننسى ثورة عدي اوبيهي عامل تافيلالت ، الذي ثار ضد استبداد آل الفاسي ، وسرقتهم للمغرب .
ان جميع المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب ، كانت بسبب رفض الثوريين والتقدميين ، لنتائج هذه المؤامرة التي ظهرت خيوطها مباشرة بعد 1956 ، والتي تحالف فيها القصر مع آل الفاسي برئاسة علال الفاسي ، الذي كان بالقاهرة ولم يكن بالمغرب ، كالمناضلين الثوريين المنتمين الى المقاومة المدينية المسلحة ، والى جيش التحرير المغربي .
ان من اكبر مخلفات النتائج السلبية لهذه المؤامرة ، انْ انعكست سلبا على الحقوق التاريخية للمغرب في الصحراء ، كما انها سبب الوضع القانوني غير القار الذي توجد عليه القضية الوطنية ، فالصحراويون الذي خبروا عدوانية النظام ، وخبروا جشع وتسلط آل الفاسي ، اضحوا يفضلون الانفصال عن الاستمرار داخل الوطن .
يمكن ان نحدد مسؤولية الاطراف المتآمرة في محورين :
الفصل الأول : القصر .
1 ) مسؤولية القصر ، وهي مسؤولية مشتركة مع آل الفاسي : هنا سنركز على :
ا – دور القصر بالتنسيق مع الفاشية الاسبانية ( الجنرال فرانكو ) ، والامبريالية الفرنسية في القضاء على جيش التحرير المغربي بالجنوب ، وهذا يذكرنا بنفس التنسيق جرى لمواجهة جيش التحرير بالريف في سنة 1960 ، والتي وصلت قسوتها بضرب الريفيين بالغازات السامة .
ان المسؤول عن خيانة واقعة إيكوفيون ، والمسماة بالمكنسة ، كان القصر ، الى جانب آل الفاسي الذين كانوا يتبرءون من النضال المسلح لجيش التحرير، الذي كان يهدد مصالحهم كقوى مرتبطة بالكمبرادور ، أي بالقصر .
فعندما احرز المغرب على استقلال " ايكس ليبان " الخياني ، بقيت اجزاء من ترابه بالأقاليم الجنوبية تحتلها اسبانيا . واستجابة لنداء زعماء حركة المقاومة وجيش التحرير ، توجه جيش التحرير المغربي من الشمال الى الجنوب لتحرير الصحراء ، فتدفق عليه ابناء العشائر الصحراوية بالآلاف ، وفيما بين 1956 وهو التاريخ الذي وصل فيه جيش التحرير الى القسم الصحراوي من الجنوب المغربي ، وعام 1960 ، وهو التاريخ الذي تمت فيه تصفيته ، جرت معارك طاحنة ، ادت الى تحرير المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة ايفني الساحلية ، والمناطق الممتدة بين طرفاية الى طانطان في الصحراء .
وقبل ذلك ، جرت معارك داخل موريتانيا نفسها كأرض مغربية ، وكان من الممكن جدا ان تنتهي تجربة جيش التحرير ، بإعادة جميع الاراضي الى الوطن لولا عنصرين هامين :
اولا --- التحالف الذي وقع بين الفرنسيين ، والاسبان ، والقصر الملكي ضد جيش التحرير بالصحراء .
ثانيا --- خوف القصر من المشروع الايديولوجي العام لحركة المقاومة وجيش التحرير ، ممثلين بالجنوب المغربي بجيش التحرير ، وهو نفس الخوف ابانت وعبرت عنه البرجوازية الميركانتيلية المحافظة ممثلة بآل الفاسي ، كما سنشرح لاحقا .
فبالنسبة للحالة الاولى ، نذكّر ان الاتفاق الفرنسي الاسباني ، تم تحت عنوان عملية " المكنسة " " إيكوفيون " الشهيرة ، التي تتحدث عنها بإسهاب كتب التاريخ غير المزورة . يقول ميشال جوبير وزير الخارجية الفرنسي السابق ، الذي كان في تلك الفترة مستشارا في ديوان الحاكم العام لأفريقيا بدكار : " ان العملية تمت في هدوء ، ومن دون ضجة ، ولم تثر اي ردود فعل خارجية عنيفة ... " .
لقد تمت خيانة المكنسة المسماة بايكوفيون ، في شهر فبراير 1958 ، وفيها تدخلت فرق مشتركة من الجيشين الفرنسي والاسباني ، لمحاربة الوحدات العسكرية المنتمية الى جيش التحرير المغربي . وكان هذا الجيش قد قاد طيلة عام 1957 ، و 1958 ، حملات ناجحة في كل من موريتانيا والصحراء المغربيتين ، اصبحت تهدد الوجود الاستعماري برمته ، خاصة وانها جرت في وقت كانت فيه حرب التحرير الوطني الجزائري ، تهدد اسس النظام الاستعماري في افريقيا .
ان كل مساعي قادة جيش التحرير لدى القصر الملكي ، وحكومته لمواجهة الحملة المذكورة ، قوبلت بالرفض والاهمال ، بل اكثر من هذا ، بينما كان جيش التحرير يقاتل ويحارب المستعمرين ، كان القصر الملكي يتواطأ مع الجيش الفرنسي المرابط على الحدود ، ونذكر هنا في هذا الصدد ، حادثة معروفة من بين عشرات الحوادث التي تدل على تواطؤ القصر الملكي مع الجيوش الاستعمارية .
في 27 فبراير 1959 ، اوقفت سرية من جيش التحرير المغربي في بلدة بويزركان ، قافلة سيارات عسكرية كانت تتجه نحو فم الحصن ، حيث توجد وحدة فرنسية محاصرة . ولمّا سأل الضابط الذي كان يقود السيارة من طرف جيش التحرير عن اتجاهه ، وعن طبيعة المواد التي يحملها ارتبك ، وتبين من البحث ، ان القافلة الملكية كانت تحمل التموين الى القوات الفرنسية . لذلك منعها جنود جيش التحرير من متابعة طريقها ، وكانت المسألة من الخطورة ، الى درجة انها استدعت قدوم وزير الدفاع المغربي احمد رضا اگديرة والجنرال الكتاني الى عين المكان ، ونذكر ان رئيس اركان الجيش المغربي آنذاك ، لم يكن شخصا آخر سوى الحسن الثاني ، الذي امر باعتقال الضابط الذي لم يطلق النار على دورية جيش التحرير التي اعترضت القافلة الملكية .
كانت تلك الحادثة ، بداية لدخول القصر الملكي في صراع مكشوف ضد جيش التحرير ، واتخذ هذا الصراع اعلى اشكاله ، فيما عرف بمؤامرة " الزموريين " في يوليو 1957 .
ان ملخص القضية ، انّ شخصية بارزة في القصر ، اجتمعت مع عدد من الشخصيات السياسية ، من بينهم حورمة ولد بابانا ، والمحجوبي احرضان -- ( الحرمة ولد بابانا زعيم موريتاني ، عضو سابق في البرلمان الفرنسي ، يمثل سكان موريتانيا ، التحق بالمغرب سنة 1956 ، استعمل من طرف القصر الملكي في مؤامرة ضد جيش التحرير ، وبعد تصفية هذا الجيش ، تم تعيينه سفيرا للمغرب بليبيا ، اصبح بعد ذلك مستشارا للملك فيصل في الشؤون الافريقية ، وصديقا لغوكار مسؤول العلاقات الخارجية الفرنسية في الشؤون الافريقية ، للقيام بمهمات لصالح السعودية .
اما المحجوبي احرضان ، فهو ضابط سابق بالجيش الفرنسي ، انشأ مع امبارك البكاي لهبيل ، وعبدالكريم الخطيب ، حزبا رجعيا قبليا مقرب من القصر لضرب حزب الاستقلال ، ومن بعده ضرب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ويسمى هذا الحزب الرجعي بالحركة الشعبية ، تقلد مناصب عدة من بينها عامل بإقليم الرباط ، ثم وزيرا للدفاع ، فالفلاحة في حكومة الحسن الثاني ، فالبريد ، وهو الآن يعيش خريف العمر الذي يكون قد قرب التسعين ) – وقرروا القيام بعمل معين لتصفية جيش التحرير ، او للسيطرة عليه ، وكادت المؤامرة ان تسفر عن حرب اهلية داخلية ، لولا يقظة المسؤولين في جيش التحرير . لقد تم ابعاد رؤوس الفتنة بسرعة ، لكنهم عينوا مباشرة في مناصب بالجيش الملكي .
لقد استأنف جيش التحرير نشاطه الذي انتهى بتحرير ايفني ، وآيت باعمران وطرفاية ، وطانطان ، واتخذ القصر بعد ذلك خطوة اخرى في محاربته لجيش التحرير ، إذ تم توقيف المساعدات المادية التي كانت تقدم اليه .
ومع ذلك ، فان الحكومة المغربية ، هي التي تولت المفاوضات مع مدريد ، وهي التي تسلمت رسميا المناطق المحررة ، وكان الاسبان قد تفاوضوا مع ممثلين لجيش التحرير حول الصحراء الغربية ، وقالوا لهم انهم مستعدون لإرجاعها الى المغرب ، شرط ان يلتزم المغرب بعدم المطالبة بسبتة ، ومليلية ، والجزر الجعفرية ، ورفض مندوب جيش التحرير المغربي الخوض في هذه المسألة من الناحية المبدئية ، وقال انها قضية لا يمكن ان يقررها الاّ الشعب المغربي ، ولكنه وعد ان تعالج المسألة عن طريق المفاوضات .
وحين وقع زلزال اگادير في سنة 1960 ، انتهز القصر الفرصة لحل جيش التحرير نهائيا ، وكانت السلطات الرجعية المغربية ، قد تمكنت قبل ذلك من اضعاف الجيش عن طريق تجويعه ، ومنع السلاح عنه ، واعتقال قادته الاساسيين . ولم يكن هؤلاء بالفعل يتخذون الاحتياطات اثناء تنقلهم في المدن المغربية ، وذلك لوجود صلات تنظيمية وثيقة بينهم ، وبين فصائل الحركة الوطنية السياسية من جهة ، ولاعتقادهم بان النظام ، لا يمكن ان يقدم على اعتقالهم ، واضطهادهم .
ومع تصفية جيش التحرير ، لم تعد المشكلة تطرح الاّ من حين لآخر، بمناسبة اجتماع الامم المتحدة ، او في المقالات الصحافية ..
الفصل الثاني :البرجوازية المركانتيلية : آل الفاسي .
بداية لا بد من توضيح حقيقة ، والتذكير بها ، وهي ان مقاومة الشعب المغربي للنظام السياسي المطلق عبر التاريخ ، لا ترجع فقط الى مرحلة ما بعد اتفاق " إيكس ليبان " ، أي منذ نهاية الخمسينات ، وطيلة الستينات ، والى الآن ، بل ان الصراع بين الشعب المغربي ، وبين القصر الملكي ، ترجع الى ما قبل دخول فرنسا الى المغرب بمقتضى اتفاقية ( الحماية ) الخيانة التي وقعها النظام الأميري السلطاني في فاس ، ونظام الحماية فرنسا في سنة 1912 .
ان الهدف من ابرام وتوقيع معاهدة ( الحماية ) الخيانة الفرنسية ، من جهة كان التصدي لثورات القبائل البربرية بالريف ، وبالأطلس المتوسط ، وبالأطلس الكبير ضد النظام الاميري السلطاني الذي كان يجسد الدكتاتورية القبيحة في ابشع صورها ، ومن جهة حماية النظام السلطاني التقليدي ، من تلك الثورات القبائلية التي كانت تستهدف وجوده ، ليس لبناء أنظمة مماثلة في العشائرية ، بل كانت تستهدف إقامة أنظمة جمهورية ، التي وصلت قمتها بجمهورية الريف الانفصالية التي عمرت لأكثر من ست سنوات .
ان هبّة الجيلالي الرّوگي ، المكنى ب ( بوحمارة ) لتشويهه ، كانت ثورة شعبية ضد النظام السلطاني بفاس ، وكانت تستهدف إقامة نظام تسوده العدالة المُغيبة ، ويحكمه اهل العلم والمعرفة .
ان ما كان يسمى ببلاد ( السيبة ) ، وهي تسمية لجأ اليها النظام للتشويه كذلك ، لم تكن حقا بلادا ( للسيبة ) ، بل كانت بلادا للثوار الذي ثاروا ضد النظام ، وهدفوا الى بناء أنظمة جمهورية قبل ثورة 1917 الروسية ، وثورة الصين في سنة 1949 ، وقد سمّوها ببلاد السيبة ، لانها كانت خارجة النظام القانوني والسيادي للحكم السلطاني .
لقد شكلت هذه الثورات القبائلية الشعبية المغربية ، خطورة وتهديدا للنظام السلطاني الاميري بفاس ، وشكلت كذلك تهديدا وخطورة للبرجوازية المركانتيلية التي مثلتها طبقة آل الفاسي المتحالفة دائما مع النظام ضد الشعب .
لذا كان لزاما ان تتوحد جهود الكمبرادور ( النظام ) ، وجهود البرجوازية التجارية ( آل الفسي ) ، في مواجهة هذا الخطر الذي كان يُنظّر لما بعد خروج الاستعمار الفرنسي من المغرب ، أي كان يزاوج النضال الثوري ضد النظام الاوليغارشي ، الفيودالي ، البتريمونيالي ، البطريركي ، الثيوقراطي والأثوقراطي ، بالنضال الثوري التحرري ضد الكلونيال الفرنسي ، ولا عجب من الحقيقية الساطعة للعيان ، من انبثاق جيش التحرير المغربي ، من ثورات هذه القبائل التي سيتم اجهاضها ، وبالتعاون بين النظام ، وبين آل الفاسي ، وبالتنسيق مع الاستعمارين الفرنسي والاسباني ..
وبعد ان اوضحنا في دراستنا بالفصل الأول ، الدور الذي لعبه القصر والملك شخصيا في التآمر ، وفي ضرب جيش التحرير المغربي ، وبالتنسيق مع الدولتين الاستعماريتين ، خاصة في واقعة " إيكوفْيونْ " المسماة بواقعة " المكنسة " ، سنمر الآن لبحث ، وتحليل دور آل الفاسي في تبخيس والتنقيص من قيمة جيش التحرير المغربي الذي جسدته الثورات البربرية ما قبل سنة 1912 ، تاريخ توقيع اتفاقية ( الحماية ) الخيانة ، وكيف ان علال الفاسي عدو البرابرة والعروبيين ، سيكشف عن مخططاته الخبيثة ، التي كانت تهيؤ لسرقة المغرب بعد حصوله على استقلاله .
فالمواجهة ، وأسباب الصراع الاجتماعي في الوسط المغربي ، استشعرهم علال الفاسي من خطورة زخم التمرد الثوري القبلي الذي كان يهدف الى بناء دولة ، لا مكان فيها اطلاقا لآالفاسي ولا لتوابعهم ، فاصبح الصراع الجنيني بين آل الفاسي وبين ثوار القبائل البربرية في ثلاثينات القرن الماضي ، في مدى المسافة التي تربط الفاسيين الانتهازيين بالقصر لانهم يستثمرون لما بعد خروج فرنسا ، ولان عدوهم المفترض هم العروبيين والبرابرة ، أي الهرولة بالسرعة الفائقة لسرقة المغرب ..
وللتدليل على هذا الموقف الخطير لآل الفاسي ، والكاره ، والحانق على ثورات القبائل البربرية التي كانت تهدد مصالحه ، ومصالح عائلته وطبقته ، يكفي الرجوع الى كتابه " الحركات الاستقلالية " ، وبالضبط في الصفحة 127 لنكتشف خطورة موقفه العنصري إزاء ثورات القبائل البربرية . كتب علال الفاسي " ... يكاد العهد الذي يفصل بين 31 مارس 1912 ، و 16 مايو 1930 ، أن يكون عهد كفاح عسكري محض ، لأن الأغلبية الساحقة من سكان البلاد ، أعلنت الثورة بعد توقيع الحماية ، ولم يمكن اخضاعها ، إلاّ بعد جهود جبارة ، وبصفة تدريجية ، ولأن نخبة الجيل الذي سبق الحماية ، او عاصرها ، التجأت كلها الى الجبال ، تقود الثورة ، وتدبر الكفاح ، والذين غلبتهم القوة على امرهم ، أصيبوا بدهشة العسكري المغلوب الذي لا يستطيع أي عمل بعد تجريده من السلاح ... "
لاحظوا هنا في هذا النص ان علال الفاسي ، عدو البرابرة والعروبيين ، يحكم بفشل ثورات القبائل البربرية التي كانت ضده في الأصل ، فيدعوا الى تهميشها لصالح النضال الذي يبشر به هو ، وهو النضال البرجوازي المتعارض مع نضال الشعب المغربي .
كما انه وبأسلوب ماكر خبيث ، يعتبر ان الثورات القبائلية في الجبال لم تبدأ الا مع دخول الحماية ، في حين ان الثورات الشعبية كانت سابقة عن دخول الحماية الفرنسية الى المغرب ، ولو لم تكن تلك الثورات الجمهورية التي كانت تهدد النظام الأميري السلطاني بفاس وتهدد معه جماعة آل الفاسي، هل كان لفرنسا ان تتدخل لحماية نظام لم يكن مهددا في وجوده ؟
ان المعنى من هذا النص الواضح ، يعني انه لتخطي هذه الازمة النفسية التي ترتبت عن دهشة العسكري المغلوب على امره ، يجب انتظار نشوء جيل جديد متشبع فقط بروح المقاومة السلمية التي لا تعطي السلاح المقام الأول في كل حركة ، أي المفاوضات من اجل المفاوضات ..
يمكن التعاطي مع نص علال الفاسي هذا في كتابه " الحركات الاستقلالية " وتعريفه للفاعلين السياسيين من خلال قراءتين أساسيتين :
1 ) القراءة الأولى ، وهي تاريخية ، نجد فيها علال الفاسي ، قد حاول تسليط الأضواء على ثلاثة مراحل ، تشكل ، وتحاول تقديم وعيه البرجوازي الفاسي الشقي صنيع القرويين ، بأهمية العمل السياسي الوطني ، بدل العسكري البربري الذي كان يهدده ويهدد وعيه ومصالحه .
ويمكن ان نلخص هذه القراءة التاريخية في المحطات التالية :
ا – مرحلة الكفاح المسلح في الجبال بالاطلس المتوسط وبالاطلس الكبير وبالريف ، وهذا الكفاح تقوده القبائل التي رفضت الحماية وقررت مواجهة المحتل الكلونيالي الغازي البغيض ، وتمتد هذه المرحلة من سنة 1912 والى سنة 1934 .
ب – مرحلة وصول العمل العسكري الى الباب المسدود ، وفشله في بلوغ هدفه النهائي الذي انتهى الى تجريد السكان من السلاح .
ج – مرحلة بزوغ جيل او طبقة برجوازية مدينية جديدة متشعبة بالمقاومة السلمية والنضال البوليميكي بغرض ترويج الدعاية البرجوازية الموجهة الى اوربة وامريكا ، وهو ما يعني في فكر أصحابه انتصار المدينة على الجبال ، وانتصار البرجوازية على القبائل والفلاحين ، أي جيش التحرير وثورات القبائل البربرية ، وانتصار هذه البرجوازية عل الأفكار التي كانت تروج للطبقة العاملة المغربية كطبقة متناقضة مع المصالح البرجوازية التي يمثلها آل الفاسي .
إذن من خلال تحليل محتويات هذا النص ، سنخرج بفكرة أساسية ، هي ان علال الفاسي عدو البرابرة والعروبيين ، في معرض تناوله لتاريخ المغرب ، فهو لم يكن يرى التاريخ في تأريخيه ، لأنه اغمض العين عن فترة الأكثر خطورة في تاريخ المغرب ، وهي مرحلة الثورات القبائلية البربرية قبل 1912 ، وهي ما كان النظام يطلق عليها تسمية بلاد ( السيبة ) في حين انها بلاد الثوار التي بسببهم غزت فرنسا المغرب بمقتضى عهد الحماية لحماية السلطان من ثورات الجمهوريين بالاطلس المتوسط والاطلس الكبير وبالريف .
فقد قفز علال على هذه المرحلة الصعبة والغائبة من تاريخ المغرب ، ليحدد بكل وقاحة فاسية تاريخ المواجهة مع الاستعمار بعد سنة 1912 ، والتي حكم بفشلها في سنة 1934 .
ان علال الفاسي المدافع والممثل للبرجوازية الفاسية خريجي القرويين ، بهذه المراوغة المفضوحة أراد اغماض العين عن حقيقة أوضاع الصراع الاثني / الطبقي ، واشكال تطوره ، وعن حقيقة الاحداث الساطعة على المسرح ، لانه بخبث فكره كان يدرك خطورة التناقض الأساسي في فكر سكان الجبال والسهول والبوادي المغاربة الاقحاح الرجال ، وفي فكر سكان اهل فاس ( القرويين – جامعة القرويين ) التقليديين والمحافظين ، وهو ما كان ينبئ بأشياء كثيرة وخطيرة وغامضة ستعبر عنها بشكل مفاجئ حركة عامل ورزازات عدي اوبيهي الذي قتله مدير مستشفى ابن سناء البروفيسور Tolino بامر من الجنرال محمد افقير ، وظهرت في حركة المحجوبي احرضان وعبدالكريم الخطيب ومبارك البكاي لهبيل في سنة 1958 ، تاريخ تأسيس حزب الحركة الشعبية بامر من القصر ، وظهرت في حركة الكلونيل محمد عبابو ، والكلونيل العربي الشلواطي ....لخ في انقلاب 1971 ، كما لا يجب ان ننسى جمهورية الريف الانفصالية بقيادة محمد بن عبدالكريم الخطابي ... ان انقلاب سنة 1971 ، وانقلاب سنة 1972 العسكريين ، كانا يهدفان الى بناء اول جمهورية بربرية في المغرب ، وفيما لو كان الانقلابين قد نجحا ، فان ما سيتسنى آل الفاسي كان سيكون اكثر من نكبة البرامكة ببغداد ..
لذلك وحتى يقلل علال الفاسي من ثقل واهمية تلك الحقبة التاريخية الممتدة ليس فقط من 1912 والى 1934 ، بل الحقبة السابقة عن دخول فرنسا الى المغرب والتي تميزت بثورات القبائل البربرية الجمهورية ضد النظام الاميري السلطاني بفاس ، قام باختزال مكشوف للمرحلة عن طريق تطويعها لضرورة القراءة التاريخية ، التي هي على نحو واضح قراءة أيديولوجية برجوازية خبيثة للتاريخ ، أي قراءة سياسية برجوازية كاذبة ، لا علاقة لها بحقيقة التاريخ الذي عكسه الصراع الاجتماعي والطبقي بالمغرب . ولربما ان علال الفاسي الذي شعر وفطن للخطر الذي اكيد ستسببه له ولطبقته الجبال والبوادي ( البرابرة والعروبيين ) عند حصول المغرب على استقلاله بسبب تضارب وتناقض المصالح مع آل الفاسي ، حاول استعمال الأيديولوجية للتمويه واخفاء وتغطية حقيقة التناقض الأساسي الذي لا يزال الى اليوم جاثما على نفوس البرابرة والعروبيين من قبائل بني هلال ..
2 ) القراءة الثانية ، وهي القراءة الأيديولوجية لعلال الفاسي للتاريخ ، وهو ما يفيد اختزال التاريخ في الأيديولوجية للتغطية على حقيقة الصراع ، ولطمس تاريخ الشعب المغربي المتناقض مع النظام الاميري السلطاني ، ومع المتناقض اكثر من جماعة آل الفاسي كجماعة سرقت نضالات الشعب المغربي ، وركبت عليها لتستولي على المغرب عند حصوله على استقلاله . أي ان علال الفاسي قام باختزال مكشوف في التاريخ من اجل توفير إمكانية هذا الاختزال ، وهذا نستنتجه بسهولة من نص علال ذاته حين قال ان الكفاح المسلح الذي قام به الجيل الأول قد انتهى الى الفشل والباب المسدود ، في حين ان عنوان المرحلة الحالية هو العمل السياسي الذي ستتحمل مسؤوليته البرجوازية الفاسية المدينية ، اما الجبال والبوادي فبحكم ( فشلهما ) منذ سنة 1912 وحتى سنة 1934 فسيبقيان تابعين لجهلهما بالسياسة والدبلوماسية وفنونهما ، ولجهلهم للثقافة الأيديولوجية ، وهنا فان علال الفاسي كان ينظر لطمس واقبار الجبال والبوادي من جهة ، ومن جهة كان ينظر للانتشار السريع والسيطرة على اقتصاد الدولة والسيطرة على كل قطاعاتها الأساسية عند حصول المغرب على الاستقلال ( الابناك ، وزارة الخارجية ، وزارة المالية ، المؤسسات العمومية المهمة ، الوزراء المستشارون ... لخ ) .
اما أبناء البرابرة والعروبيين فسيفتح في وجوههم إمكانية العمل في الدرك ، الشرطة ، القوات المساعدة ، الجيش ، حراس المياه والغابات ، عمال النظافة ، قرويون يشتغلون في القرى باعمال يدوية وليس في الفلاحة التي سيطر الفاسيون على اجود أراضيها ، ممرضون ، سعات بريد ....لخ .
وعليه ومن خلال هذا التشويه المقصود الذي تعرض له تاريخ المغرب الحقيقي من طرف أولئك الذين استغلوا هذا التاريخ فزوروه لخدمة أغراض سياسية وطبقية برجوازية وعائلية فراكموا من الثروات وحصلوا من الامتيازات ما تم منه حرمان أبناء المقاومين وأبناء جيش التحرير وأبناء شهداء الجيش الذين سقطوا في حرب الصحراء .
ان هذا التشويه للتاريخ منذ ثلاثينات القرن الماضي والى الآن ، هو سبب النفق المسدود الذي دخلته قضية الصحراء ، لان الصحراويين لا يريدون ان يكون مصيرهم هو مصير المقاومين المغاربة ليعيشوا الحرمان والفاقة التي قد تدفع بهم الى التسول ، كما انه سبب جميع الهزات الاجتماعية الخطيرة التي عرفها المغرب منذ 23 مارس 1965 والى اليوم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لغز الاختفاء كريستينا المحير.. الحل بعد 4 سنوات ???? مع ليمو


.. مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها




.. إيران تلوح بـ”النووي” رسميا لأول مرة | #ملف_اليوم


.. البرهان يتفقد الخطوط الأمامية ويؤكد استمرار القتال




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: لا يمكن إخضاع دولة إسرائيل | #رادار