الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 14 جانفي ليست حدثًا عابِرًا، ولا هي نهاية المطاف.

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2021 / 1 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الذين نظروا إلى الثورة بعين الشك والنّكران. وكتبوا نعيها أكثر من مرة، هم أناس فقدوا الثقة في شعبهم. ولم يدركوا أن الثورة كانت زلزالا عصف بنظام الأشياء التي اعتادها الناس لعقود طويلة. وليست حدثًا عابرا. بل هي وضع من الاضطراب والفوضى وصراع المصالح والقوى والاتّجاهات. ولا توجد ثورة واحدة في التاريخ انخرط فيها كل الشعب. بل أن كل الثورات عكست حالة انقسام بين القوى الثورية والطبقة الحاكمة. كما شهدت أيضا تجاذبات واحتكاكات وتوتّرات في صفوف الفئات الشعبية نفسها، بين مُناصر للثورة، ومناصر للنظام القديم، وبين نصير لدولة الحق والقانون، ونصير للدولة الاستبدادية، ورهط آخر خارج من أوساخ التاريخ السحيق، نصير للدولة الدينية القهرية...
كلّ هذه التّناقضات تجعل الثورة معطوبة بشتّى أنواع الأورام. ذلك أن نظام الحكم القديم، مهما ضاقت قاعدة الولاء له، لا زال يتمتع بدعم شرائح اجتماعية وفئات طبقية ترى مصالحها في الحفاظ على قواعده وقنوات منافعه الأصلية. وهذا ما يُفسّرُ موجة الحنين إلى النظام السّابق التي تتصدّر عمليّات سبر الإراء. وما يفسّر تخبّط الاسلام السياسي واختناقاته المتكرّرة بسبب طبيعته الرّجعية المُضادّة للتّقدّم، وبسبب تمزّقه بين حمايته لقواعد النظام القديم، وادّعائه الانتماء للثورة. وليس من الصعب مراجعة تحالفاته المتناقضة، وانقلاباته المتكررة على وهوده وعهوده لنفهم أنّه في مأزق لا حدود له.

ولهذه الأسباب الجوهرية، التي لا يجب إغفالها، لا تسير الثورة نحو أهدافها في خط مستقيم. وليس مفاجئًا، أو غريبا أن تبدو أحيانا وكأنها ترتد على أعقابها، أو أنّ الأوضاع ساءت وتدهورت أكثر بكثير مما كانت عليه قبل اندلاع شرارتها الأولى.

المؤشّر الوحيد الذي يمكن أن نقيس به مستقبل التغيير، هو استمرار انحياز الاغلبية الشعبية لمطالب الثورة. ونجاح حركات الاحتجاج المتفرقة في توحيد صفوفها، وإنجاب بديل سياسيّ من أرحامها. عدا ذلك ليس هنالك كتاب إرشادات جاهز، يُقدّم خارطة طريق لمسار الثورة وتطوراتها، ومآلات صراع المصالح والقوى التي تتنازع على مستقبلها. كما أنّه ليس قدرًا على ثورة تونس، أن تسير على خُطى غيرها من الثورات التي خسرت جولتها الأولى. فما دامت الظروف الموضوعية الخاصة مختلفة، ستختلف السياقات والمصائر بنفس القدر. مع ذلك، يبدو أنّ حركة التغيير التي بدأت في تونس آواخر 2010، وجاء صداها من عدة بقاع في المنطقة العربية، ليست حركة احتجاج محلية ضد استبداد فئة صغيرة سيطرت على الثروة ومقدرات البلاد، وحسب. وليست نهاية المطاف. ولن يكون المستقبل لقوى الردّة مهما عمّ السّواد وطفت مظاهر الإحباط والهزيمة. بل أن ما حدث في تونس إلى حدّ الآن، هو مجرد بداية لحركة تغيير ستطال كل دول المنطقة على نحو أو آخر. فهذه حركة تغيير تاريخية، ناجمة عن تغيّرات عميقة في الثقافة وفي ضمائر البشر. وناجمة عن تفسّخ هذا النظام العربي الرسمي، ووصوله إلى نهاية الطريق. ولذلك فهي حركة ماضية في اتّجاهها خارج كلّ الإرادات. ولن تتوقف حتى تضع نهاية لحكم الأقليات الفاسدة، وتستردّ كرامة الفرد. وتضع المنطقة برمتها في مكانة لائقة على المسرح العالمي. وتُنهي الإهانة البالغة التي لحقت بالعرب خلال القرن العشرين.

إنّها بذرة الحرية وقد زُرِعت، وفرّقتها الرّياح في كلّ مكان. وهي التي سترسم قرار الشعوب العربية بالقبض على مصائرها بيدها، ولا أحدا يمكنه إيقافها عند الحد الذي يريد. ولعلّ هذه القناعة حاصلة لدى دوائر القرار في الدول الاستعمارية. وبسبب خشيتها على على منابع الطاقة، عملت وستظلّ تعمل على نصب الفِخاخ والحِيَل لإفشال الثورة وتشويه نتائجها، ووقف عَدوَاهَا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة جمال عبد الناصر والسادات تظهر فى شوارع القاهرة وسط أكب


.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم




.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب