الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث في امريكا .. الصخب والعنف في الكابيتول هيل

زياد ملكوش
كاتب

(Ziyad Malkosh)

2021 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


بالتاكيد ان ما حصل ويحصل في الولايات المتحدة هو شأن امريكي لا يجب ان يثير اهتمام الشعوب العربية إلا من ناحية انسانية إن حدث مايسيء للشعب هناك ، ولكن من جهة اخرى فامريكا هي اقوى واغنى دولة في التاريخ وفيها ديمقراطية من الممكن ان تكون نموذجا يحتذى به او يجري تكييفه ، كما يمكن ان تعمل بشكل جيد إن فٌعِلت لصالح مواطنيها والاهم ان الادارات الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت تتدخل وتؤثر في معظم بلاد العالم وبخاصة العربية فهي التي تدعم الدكتاتوريات كلها فيها بغض النظر عن التوجهات المعلنة لها.

ماحدث في الكونجرس اظهر على السطح وعلنا المشاكل العميقة الموجودة في الدولة والمجتمع الامريكيين والتي كان النظام السياسي يحاول تجاهلها احيانا او استغلالها او القفز عنها في احيان اخرى ليستطيع الراسماليون الكبار الذين يقفون خلفه من السيطرة السياسية والاجتماعية والمالية بدون عوائق . الصراع بين العنصريين البيض وبقية المجتمع الامريكي بكل مكوناته من بيض وسود ولاتينيين والسكان الاصليين اوغيرهم لا يزال موجودا والهوة تزداد بين الاغنياء ومتوسطي الدخل مع صعود هائل للسوبر اغنياء الذين يملكون تقريبا كل مصادر الثروات ، والحلم الامريكي الذي تم صياغته من الاعلام اختفى تماما . معظم الامريكيين مدينين للبنوك وبيوتهم وسياراتهم مرهونة وحتى الكثير منهم لا يزال يسدد قروض طلابية ، اما اسعار الفوائد فهي خيالية ( كمعظم الدول الراسمالية ) . العنف الفردي والجماعي وعنف الشرطة خاصة تجاه السود ايضا يزداد حدة . وما جرى في الكابيتول هو انفجار لبعض الازمات الموجودة وإن كان بتحريض مباشر من الرئيس الامريكي ترامب ، وقد يكون ماحدث شرارة لتداعيات مستقبلية من الصعب التكهن بها وبنتائجها إن لم تجري محاولات جدية لحلها .

كان ترامب سابقا قد ترشح مرتين وتراجع ، لكنه في 2016 نجح في الترشح عن الحزب الجمهوري ثم في الفوز مفاجئا الكثير وصادما للبعض . كان التوقعات واستطلاعات الرأي تُرجح فوز هيلاري كلنتون لكن ايميلاتها وربما التدخل الروسي إن حصل غيًر النتيجة حسب مايعتقد البعض ، غير ان السبب الحقيقي هو استقطاب ترامب ليس فقط جمهور الحزب الجمهوري بل معظم إن لم يكن جميع الامريكيين البيض العنصريين والانجيليين .
كان ترامب يعمل في العقارات ويملك عدة فنادق وملاعب جولف وصالات قمار وافلست شركات له 6 مرات ، ولا يعرف احد على وجه اليقين هل هو ناجح في اعماله ام لا فقد يكون عليه ديون طائلة للبنوك ، وكما يظهر إما ان يكون دخله ضئيلا نسبيا و مصاريفه هائلة او انه يتحايل على دائرة الضريبة ، غير ان المؤكد انه ناجح في مجال التسلية فقد جنى الملايين من برنامج الواقع التلفزيوني المسمى Apprentice .
اما شخصيته فهي محيرة فهو متقلب وانفعالي ونرجسي ويكذب ( قد يكون كذبه مرضيا ) ومتمسك بآراءه وقراراته حتى لو تبين خطأها فقد طرد الكثير من طاقم عمله من كافة المستويات ، وبالتاكيد هو عنصري ويميل للفاشية ولو استطاع لبقي رئيسا بصلاحيات مطلقة مدى الحياة ، وهو الذي قال مرة انه المختار . انه واحد من بين اسوء الرؤساء الامريكيون بعد ترومان . في عهده ظهرت اسخف واغبى نظريات المؤامرة التي شجعها تلميحا . عادى الاعلام ووصفه بالمزور وهذا صحيح بالنسبة لاعلام حكومات العالم الثالث وخاصة العربية منها لكن الاعلام في امريكا والغرب لاياتي بانباء كاذبة او ملفقة ، قد يتغاضى عن الخبر او ينقله بطريقة تناسب اجندته لكنه لا يكذب ( على الاقل ليس دائما وليس الجميع بغض النظر عن سمعة محطة فوكس نيوز مثلا ) وبالتاكيد هو يتبع الممولين في سياساته التي يسوقها اكثر عبر المعلقين ، وينبغي الاشارة الى وجود اعلام مستقل صاعد يعتمد على التبرعات خاصة في الانترنت لكنه لا يزال قليل الانتشار والتاثير .

لم يحقق ترامب في فترة رئاسته وعوده الانتخابية / شانه شان باقي الرؤساء السابقين / باستثناء بناء جزء من السور مع المكسيك والذي تم تمويل انشاءه من الخزينة الامريكية وليس من حكومة المكسيك كما كان يقول . لم ياتي ببديل عن التامين الصحي الذي اشتهر باسم اوباما كير كما لم يتحسن الاداء الاقتصادي إلا بكلماته الرنانة التي كان يرددها دائما مدعيا ان فترة رئاسته الافضل من جميع النواحي في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وكل شيء يفعله او لا يفعله جميل والافضل حتى مكالماته الهاتفية مثالية. خفض الضرائب بنسبة ضئيلة وا لتي افادت الطبقة الغنية اكثر مما افادت الطبقات الوسطى . الرسوم التي فرضها على التجارة مع الصين عمل صائب لكنه لم يُدرس جيدا فقد انعكس بالنهاية على المستهلك الامريكي لارتفاع كلفة المستوردات الصينية كما ان قطاعات زراعية امريكية تضررت لتوقف الصين عن شراء منتجاتها . اثر اداءه السيء بعد وصول فيروس الكورونا الى امريكا على شعبيته قليلا فقد تاخرت ادارته في اتخاذ الاجراءات المناسبة خاصة عدم استقبال القادمين من اوروبا وهو بذلك يكون مثل الصين ومنظمة الصحة العالمية اللتين انتقدهما بشدة ( عن حق ) ، ولم يكن اداءه افضل في السياسة الخارجية فقد انسحبت الولايات المتحدة من اليونسكو ( مع اسرائيل ) ومن اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية ، والعلاقات مع كثير من الدول وبالذات الحليفة منها لم تكن في افضل حال كما ان ترامب كان رخوا جدا تجاه بوتين وكيم جونغ اون . طبعا نجح في ابتزاز الحكام العرب ماليا واستطاع جر قسم منهم الى التطبيع مع الكيان الصهيوني وفي المقابل تغاضى عن انتهاكاتهم حقوق شعوبهم بل حتى تغاضى عن جريمة بن سلمان البشعة بحق مواطنه وفي سفارته .
ظن البعض القليل ان ترامب قد يقف في وجه الدولة العميقة ( البنك الاحتياطي الفدرالي او المؤسساتية او المنظومة ) خاصة عند ضغطه مرة لتخفيض سعر الفائدة لكنه انتهى الى العمل لصالح هذه الدولة فقد صبت الكثير من قراراته لصالح الشركات الكبرى خاصة شركات البترول ومشتقاته والفحم الحجري كذلك شركات الاسلحة وغيرها . غير ان الدولة العميقة نفسها نبذته وساعدت على نجاح منافسه بايدن ربما لانه متقلب ومن الصعب التنبأ بتصرفاته .

الراسمالية في امريكا وربما في العالم تمر بازمة اخلاقية ومجتمعية فهي قد وصلت الى اقصى حالات الجشع وخلقت تفاوتا كبيرا في الدخول ومستوى المعيشة وبدات حتى بالتدخل في الحريات الفردية للناس ومحاولة كبتهم . كما ان راسماليون جدد غير تقليديون دخلوا المنافسة مع اصحاب البنوك بالدرجة الاولى وباقي الشركات العملاقة فاصحاب مايكروسوفت وابل وامازون ووسائل التواصل الاجتماعي طبقة جديدة تسيطر تدريجيا على المجتمعات وباساليب جديدة .

مالم يحصل توازن في المجتمع الامريكي فستحدث اضطرابات كثيرة متعددة قد تصل بالنهاية الى انفجار لا يمكن لاحد التكهن بنتائجه وسبق ان حدثت توترات بين بلاك لايف ماترز والبيض العنصريون والبوليس وكما حدث الاسبوع الماضي في الكابيتول هيل . من الضروري الخروج من نظام الحزبين وتمهيد الطريق لاعطاء فرصة لاحزاب وجماعات اخرى والتوقف عن اضفاء صفة اشتراكي على كل تقدمي وكان الاشتراكية تهمة او ترتيب سلبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة