الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها السادة: لقد وصلتم إلى نهاية الطريق

ماجد علاوي

2021 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ماجد علاوي 16/1/2021
لم تألو الحكومة الاتحادية جهداً في الخرق المتعمد والمتكرر للدستور، وبإصرار غريب، لأمرار مشروع قانون الموازنة لسنة 2021 المالية، رغم كل التحذيرات المتكررة، والتي من أهمها توصيات الدائرة القانونية للأمانة العامة لمجلس الوزراء في مذكرتها(1) 2172س في 16/12/2020. هذه الدائرة التي قدمت مثلاً جيداً للأداء الوظيفي في تقديم الرأي القانوني لصانع القرار من غير مجاملة. لقد حذرت هذه المذكرة في توصيتها (ثالث عشر – 5) من إلزام مشروع الموازنة ﻟ"الحكومة بتسوية القروض واالالتزامات المالية المترتبة على الإقليم من عام 2014 إلى عام 2018 لعدم وجود سند قانوني يسمح للإقليم بالاقتراض من الخارج لا سيما أن المادة 110 من الدستور خصت السلطات الاتحادية بالاقتراض أو التوقيع على الاتفاقيات". ومن اجل عدم الكلام في العموميات نورد وقائع هذا الخرق المتعمد والمتكرر للدستور في مشروع قانون موازنة 2021 المالية.
1- قروض حكومة الإقليم:
لم تكتف رئاسة الوزراء بعدم الأخذ بتوصية دائرتها القانونية بمخالفة هذه القروض للمادة 110 من الدستور، وإنما أضافت للمادة 11 (ثالثاً – أ) من مشروع الموازنة نصا لم تحلم به حكومة الإقليم في كل مفاوضاتها مع الحكومة الاتحادية. النص المضاف: "القروض والالتزامات المالية التي ترتبت بذمتها (ذمة حكومة الإقليم) نتيجة عدم تحويل الحكومة الاتحادية لمستحقات الإقليم في الموازنات العامة الاتحادية خلال السنوات 2014 - 2018". هذه الإضافة أقروا فيها كل إدعاءات حكومة الأقليم بمسؤولية الحكومة الاتحادية عن عدم دفع رواتب موظفي الإقليم ومن ثم لجوئها إلى القروض وما ترتب عليها من إلتزامات مالية". هذا النص إذا أقر بقانون سيلزم الحكومة الاتحادية قضائيا، في حالة مقاضاة حكومة الإقليم لها، بدفع كافة ما ستدّعيه من اضرار سبّبها عدم تحويل الحكومة الاتحادية لمستحقات الإقليم. هذا نص لا يمكن لعاقل ان يضعه في قانون موازنة، ويمكن أن تترتب عليه جنبة جنائية.
2- التصدير المستقل لنفط الإقليم:
وإيغالا في خرق الدستور قامت رئاسة الوزراء بخرق المادة 94 من الدستور والتي تنص على أن "قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كلها". فقد خرقت هذه المادة بعدم التزامها بقرار المحكمة الاتحادية 66 وموحداتها/ اتحادية/2018؛ حيث جاء في ذلك القرار: "(2) – بقدر تعلق الأمر بعملية تسويق النفط حيث أن ذلك من مهام وزارة النفط والشركة المرتبطة به [سومو]".
قرار واضح لا لبس فيه، فكيف تعاملت رئاسة الوزراء ووزارة المالية مع هذا القرار الملزم؟ لقد أجازا في المادة 11 (الفقرة ثانياً – أ) لحكومة الإقليم تصدير النفط وتسليم مبالغ النفط المصدر على أساس أسعار شركة تصدير النفط (سومو). بأي مادة دستورية أو قانون تمنح رئاسة الوزراء لنفسها الحق بمخالفة وتعطيل قرار للمحكمة الاتحادية ملزم بموجب المادة 94 من الدستور!
3- النفقات الاتحادية:
المخالفة الدستورية الأخرى التي تشاركت فيها الحكومة الحالية مع جميع الحكومات الاتحادية السابقة هي القفز على مضمون المادة 110 من الدستور التي حددت اختصاصات السلطات الاتحادية؛ والتلاعب بهذه المادة في رسم الموازنات المالية وإخضاعها للتوافقات الحزبية منذ أول موازنة مالية اتحادية في علم 2006. فبدل أن تسمى النفقات الاتحادية بإسمها "نفقات اتحادية" أستبدلت التسمية ب"نفقات سيادية"، وسيتبين ما جره هذا التلاعب بالتسمية من مساومات في احتساب تخصيصات حكومة الإقليم.
لا يوجد ما يحدد المقصود بالسيادية في الدستور غير ما ورد في المادة 110 - (أولاً) - الاختصاصات السيادية الاتحادية: الخارجية، المعاهدات، الاقتراض، رسم السياسة الاقتصادية والتجارة الخارجية السيادية. وهي جميعها جزء من الاختصاصات الاتحادية.
وحدد الدستور في الفقرات من (ثانيا) إلى (تاسعا) من نفس المادة 110 بقية الاختصاصات الاتحادية الأخرى من أمنية إلى مالية ونقدية ومائية، عملة، بنك مركزي ووضع مشاريع الموازنة و... إلخ.
وطبيعي أن لكل اختصاص من هذه الاختصاصات دوائره وتخصيصاته المالية ونفقاته(2)، ولكنها جميعاً نفقات اتحادية. وما دامت هي نفقات اتحادية فيجب استبعادها من "المجموع الفعلي للإنفاق" في الموازنة، ومن ثم توزيع المتبقي على النفقات غير الاتحادية(3)؛ والتي تشمل تخصيصات الدوائر والوزارات والأنشطة غير الاتحادية وحصة الإقليم والنفقات الإدارية للمحافظات. وتحتسب تخصيصات حكومة الأقليم على أساس نسبة 12,67% من هذا المتبقي، ويوزع ما يتبقى (أي 87,33% من المتبقي) على الدوائر والوزارات والأنشطة غير الاتحادية والنفقات الإدارية للمحافظات.
ما قام به واضعوا الموازنة هو أنهم وضعوا عناوناً بإسم "نفقات سيادية" بدل "نفقات اتحادية" يضيق ويتسع حسب نوع الاتفاقات المراد تمريرها. ففي أول موازنة لسنة 2006 اشتملت "السيادية" على: مجلس النواب، رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، وزارة الخارجية، كلفة النفط الخام والمصدر والمشاريع الاستثمارية النفطية (تجارة خارجية سيادية)، والتزامات مالية للدولة. ولما كانت جميعها سيادية فعلاً بموجب المادة 110 من الدستور، فإن ماعداها من الاختصاصات الاتحادية كالأمنية والمالية والنقدية من دفاع ومخابرات وشرطة اتحادية وحدود ومصرف مركزي وكل ما وصفه الدستور باختصاصات اتحادية اصبح جميعه خارج النفقات السيادية. وبالتالي أصبح إدخال أي منها في "النفقات السيادية" خاضع للمساومات الحزبية والطائفية والإثنية. وهكذا أدخل الدفاع في النفقات السيادية في موازنة 2007، وهو في الدستور ضمن تصنيف "الأمنية". وفي موازنة و2008 أدخلت في النفقات السيادية "النفقات التشغيلية لمديريتي السفر والجنسية والحدود". وأضيفت "المساهمة في كلفة انتاج النفط" ضمن السيادية في موازنة 2009 ثم اضيف إليها "عقود الشركات النفطية المنفذة لإقليم كردستان" في موازنة 2011 وكذلك "مشاريع الموانئ والسدود" و"السكك المرتبطة بالخارج" و"إدارة الأجواء". ثم أضيف "جهاز الأمن الوطني" للسيادية في موازنة 2012. وأضيفت دفعة واحدة "10 كيانات إدارية اتحادية" إلى السيادية في موازنة 2015، وأخرجت "عقود الشركات الأجنبية المنفذة في إقليم كردستان" من صفة السيادية. ثم أضيف لتلك المدرجة تحت صفة السيادية "ثلاث كيانات" أخرى في موازنة 2016. وأضيفت "هيئة الحشد الشعبي" في موازنة 2019. وأخرج "ديوان الرقابة المالية" من هذه اللعبة في مشروع موازنة 2021.
من كل الاستطراد أعلاه يتضح ان لعبة تسمية "النفقات السيادية" بدل ان تسمى "النفقات الاتحادية"، يستهدف استبعاد بعض "النفقات الاتحادية" وليس جميعها من "مجموع الإنفاق الفعلي" وهو ما يؤدي إلى زيادة مبلغ المتبقي من "مجموع الإنفاق الفعلي" الذي ستحتسب حصة الإقليم كنسبة مئوية منه، وإبقاء النفقات الاتحادية موضوع مقايضة ومساومة يتم إدخال قسم منها، بالأقساط، حسب ما تصل إليه المساومات، وبضغط من الراعي الأمريكي كما أوضحنا في مقالتنا السابقة "الموازنة وأوامر السيد الأمريكي" في 31/12/2020. والهدف من كل ذلك: الإضعاف المتواصل للدولة العراقية.
إن النفقات الاتحادية التي لم تستبعد من "الإنفاق الفعلي" ستحمّل على النفقات المخصصة للدوائر والوزارات والأنشطة غير الاتحادية والنفقات الإدارية للمحافظات الأخرى. وبحساب متحفظ(4) يبلغ مجموع النفقات الاتحادية الحقيقية في مشروع موازنة 2021 المالية 84,1 تريليون دينار في حين أحتسب في مشروع الموازنة المقدم إلى مجلس النواب مبلغ 54,5 تريليون دينار فقط كنفقات اتحادية؛ وبذلك تبلغ النفقات الاتحدادية التي لم تحتسب ولم تدخل تحت بند النفقات السيادية في مشروع موازنة 2021 المالية 29.6 تريليون دينار (20,4 مليار دولار). أي استقطع مبلغ 29,6× 12,67% = 3,8 تريليون دينار من تخصيصات الدوائر والوزارات والأنشطة غير الاتحادية والنفقات الإدارية للمحافظات الأخرى، وحول إلى حكومة الإقليم.
ما العمل؟
هذا التفريط وصل حَدّه لعدة أسباب، السبب الأول هو تداعي أسعار النفط وفقدان النفط لدوره المركزي في المصالح والسياسات العالمية، وتوقع عدم عودة أسعار النفط إلى المستويات العالية السابقة. وهذا ما سيجعل المبالغ المتبقية لحكومة الإقليم من مبيعاتها (بعد استقطاع الخصومات السعرية التي التزمت بها لتركيا ولمشتري نفطها والتي تبلغ حوالي 20 – 25% من سعر تسويق سومو للنفط، وبعد استقطاع حصة شركات المشاركة والتطوير والتي تبلغ أكثر من 30%) أقل مما ستحصل عليه لو سلمت جميع النفط المنتج في الإقليم إلى سومو وتخلصت من عقود المشاركة والتصدير المستقل. ولإخراج حكومة الإقليم من هذا المأزق، رفعت الحكومة الاتحادية في مشروع الموازنة الشرط الوارد في الموازنات السابقة وهو تسليم الإقليم ما زاد عن الحد الأدنى (250 الف برميل يومياً) إلى الخزينة العامة، وهو الأمر الذي حذرت منه الدائرة القانونية في كتابها المشار إلية في بداية المقال، ولم تأخذ رئاسة الوزراء بالتحذير، فقد أوصت الدائرة القاتونية: "ثالث عشر -2- نرى إلزام حكومة الإقليم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية كافة...، و 4- نرى إضافة عبارة (ما زاد عن 250 ألف برميل إلى البند (ثانياً/ أ) من المادة 11 من المشروع بحيث يلتزم الإقليم بتسليم ما زاد على (250) الف برميل".
والسبب الثاني هو الوعي المتزايد على مستوى الجمهور العراقي بضرورة التصدي لهذا الفساد الذي وصل إلى حد لا يصدق من الاستخفاف بمصالح المواطنين وبكل الحسابات السياسية، وبدأت جميع القوى السياسية تدرك أنه سيترجم إلى إنفجار هائل يفوق كل ما شهدناه. والسبب الآني الآخر هو قرب إجراء الانتخابات وما يتطلبه ذلك من المتنافسين في إظهار حرصهم على مصالح ناخبيهم. ويمكن إضافة سبب آخر هو تزايد التوجهات السياسية الشعبوية وما تفرضه من مغازلة وتبني للشعارات التي تجد صدى عند فئات واسعة ممن يوجه إليهم الخطاب السياسي.
إن الطريق الوحيد المفتوح حقاً امام أية قيادة مخلصة للإقليم وتطلعاته، قبل أن تكون مخلصة لبناء وطن عراقي مشترك، وللتخلص من عبئ الديون والمعاهدة الخمسينية، وفي حالة توفر النية الحقيقية للخروج من الأزمة، وعدم وجود أجندات أخرى خارج المصالح العميقة والحقيقية للإقليم، هو قيام الحكومة الاتحادية بإعادة تحريك الدعوى ٥٩/اتحادية/ ٢٠١٢ التي أقامها وزير النفط في الحكومة المركزية إضافة لوظيفته ضد المدعى عليه وزير الثروات الطبيعية في إقليم كوردستان اضافة لوظيفته للطعن بعدم دستورية استخراج اقليم كُردستان النفط من الاقليم وتصديره مباشرة، ومستفيدة من سابقة القرار 66/اتحادية/2018 المشار إليه في (2) اعلاه، وقيام حكومة إقليم كردستان بسحب طعنها بالدعوى. وبذلك تتهيأ للإقليم فرصة التخلص من عقود المشاركة ومديونيتها وتحويل التعامل مع هذه المشكلة إلى الحكومة الاتحادية لإيجاد صيغة تعاقدية ومالية جديدة مع الشركات، حيث لن يكون من السهل أو المجدي للشركات عدم الرضوخ إلى العلاقة التعاقدية الجديدة. كما انها ستنقل مشكلة المعاهدة الخمسينية، التي أساسها تصدير الإقليم المستقل للنفط، وكل تبعاتها من حكومة الإقليم إلى الحكومة الاتحادية، التي ستكون مضطرة إلى إيجاد صيغة توافقية مع الحكومة التركية.
هذه الخطوة ستمنح المسؤولين في الإقليم الوقت والظرف الملائم للتفكير والتخطيط بهدوء لأية مشاريع وحلول واقعية تصب في مجرى تحقيق تطلعاتهم المستقبلية.
قد يتم وصف هذا المقترح بالتبسيط وعدم أخذه بالحسبان الشبكة الهائلة للمصالح والقوى التي تتحكم بقرارات حكومة الإقليم، ولا أقلها القواعد العسكرية الأمريكية والتركية والوجود العسكري والاستخباري لمختلف الدول الغربية، والوجود الاستخباري والعلاقات مع الكيان الصهيوني، والقرار الواضح لقوى الهيمنة بإبقاء العراق دولة عاجزة، بدون نسيان المصالح الشخصية العميقة لأصحاب القرار في الإقليم. هذا صحيح؛ ولكن الموازي له في الصحة ولكن أكثر إلحاحاً هو الصرخة التي أطلقها من بعيد مايكل نايتس، الباحث الأمريكي في معهد واشنطن، والتي تصب نتائجها العملية في نفس الاتجاه: "أنّ الأكراد لا يملكون أيّاً من هذه الخيارات [الاعتماد على الاحتياطيات السيادية؛ الاقتراض الخارجي] تحت تصرفهم"، ونصحهم "نصف نصيحة" ﺒ"البدء بعملية نقل جزء من تسويق النفط إلى بغداد"(5).
فهل سيدركون ان المكابرة والتعامي عن رؤية الخطر الحقيقي الذي يواجههمم، والاعتماد على تفاهمات المحاصصة، سيجرهم إلى يوم لا ينفع فيه ندم!!
أولاً وأخيرا أيها السادة: لقد وصلتم إلى نهاية الطريق واللعبة انتهت، واستنفدت كل إمكانياتها، وجميعكم تلعبون في الوقت الضائع، وعلى جميع اللاعبين ابتكار لعبة جديدة ليست المساومة على مخصصات الإقليم في الموازنة المالية جزءاً منها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مشروع قانون الموازنة للسنة 2021 المالية المقدم من وزارة المالية بكتابها 35541 في 3/12/2020 إلى مجلس الوزراء.
(2) يراجع الجدول (و) مشروع الموازنة المرفق، حيث فصلت فيه بشكل متحفظ النفقات الاتحادية عن النفقات غير الاتحادية، حيث لم تدخل نفقات الكهرباء البالغة 17 تريليون دينار مثلا، والمجمع العلمي، الصحة والبيئة، مؤسسات السجناء والشهداء، الهجرة، التجارة، المفصولين السياسيين، بغداد باعتبارها عاصمة، شبكة الإعلام، الثقافة، اللجنة الأولمبية وغيرها كنفقات اتحادية
(3) راجع الجدول أعلاه.
(4) راجع الجدول أعلاه.
(5) أنظر مقالة مايكل نايتس "العلاج بالصدمة سيقضي على اقتصاد «كردستان العراق»" – معهد واشنطن 13/11/2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ