الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة البلور في الكابيتول

قاسم حنون

2021 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في التاسع والعاشر من نوفمبر 1938 هاجم مئات من أنصار الفوهرر في برلين محلات ومعابد اليهود ومنازلهم مدعومين من قوات الشرطة والأمن الألمانية بتحريض النازيين على القيام بأعمال ضد اليهود ردا على اعتداء مراهق يهودي بولندي على السفير الألماني ,سميت تلك الحادثة ليلة الكرستال لكثرة الزجاج التي تكسر فيها ,لتبدأ بعدها موجة عارمة من التصفيات العرقية والسياسية ضد اليهود والشيوعيين واليسار في ظل الرايخ الثالث ,قد لا يتشابه المشهد اذ ذاك مع ما جرى في ليلة السادس من كانون الثاني 2018 في واشنطن حين هاجمت فرق من شباب اليمين المتطرف من أنصار دونالد ترامب مبنى الكابيتول حيث اجتماع الكونغرس للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي تكللت بفوز جو بايدن من الحزب الديمقراطي ,ولكنها اشارة بليغة على تغلغل ثقافة التعصب والعنصرية لصالح شعبوية يمينية متطرفة لن تتورع عن نسف تقاليد الديمقراطية والمؤسسات التمثيلية ...
تشير التطورات وخبرة القرن العشرين الى أن الفاشية شكل عنيف من الميول القومية أو الوطنية اذ تهدف الى تعبئة قوى الأمة , وهي تعبير عن هشاشة الروح الوطنية في بيئة دولية تنافسية وفشل النخب السياسية في تعزيز قاعدة السلطة وهي تقوم على العداء لقيم الديمقراطية الليبرالية والحريات الفردية وعلى ايدلوجيا جمعية واقتصاد تعاوني ومعاداة التعددية الثقافية ,اليمين المتطرف بأحزابه وتنظيماته السياسية في أوربا والولايات المتحدة يمثل شعبوية جديدة مفعمة بالحماس الوطني والهياج الشعبي ما يذكر بحشود النازيين والفاشيين في الميادين العامة ثلاثينات القرن الماضي في مواجهة خصومهم السياسيين في الداخل والتلويح باكتساح العالم ,إلا أنه ينخرط في اطار ديمقراطية برجوازية مقترنة باقتصاد السوق الحر ,لقد تراجعت الفاشية التقليدية في البلدان الصناعية الرأسمالية لتخلي مكانها لحركات واحزاب الفاشية الجديدة في ما يطلق عليها اليوم اليمين المتطرف بعد أن ظلت محظورة لعقود بعد أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها في 1945 ,وتقدم نفسها ممثلا لثقافة ومصالح الشعوب الأوربية والأمريكية ,وهي اذ تدعي الدفاع عن التعددية الأثنية والثقافية في بلدانها فإنما لتؤسس سياقا يقوم على أفضلية جنس على باقي الأجناس البشرية وتجنب الاختلاط والتمازج بينها وهذا يختلف عن التعددية الثقافية التي يدافع عنها اليساروالليبراليون ,كما أن دفاع اليمين عن الرأسمالية واقتصاد السوق يمثل واحدة من نقاط ضعفه الأساسية اذ أنه يفتقر الى برنامج اقتصادي بديل لبرامج الأحزاب السياسية ,وقد استبدل عداء الفاشية التقليدية للبرجوازية والرأسمالية بالعداء للمهاجرين اذا كانوا من غير البيض أو الغربيين ... تميزت فاشية الثلاثينات بتجذر النزعة القومية والعنصرية البيولوجية وهيمنة رأس المال المالي والصناعي والنزعة العسكرية والطموحات العدوانية المناهضة للديمقراطية ,بينما اتسمت الفاشية الجديدة بالتكبف مع التعددية العرقية في إطار شمولي وبالليبرالية الجديدة والشعبوية الديمقراطية , وهي تضم أعدادا من الطبقة العاملة يفوق أعدادها في الأحزاب الشيوعية وقوى اليسار يدلّ على ذلك تصويت نسبة من العمال لصالح اليمين المتطرف في صناديق الاقتراع ...قبل الثمانينات كان اليمين المتطرف مهمشا سياسيا لأنه حافظ على فاشية ما بين الحربين وفي نهاية التسعينات تعززت مكانته وحصل على مقاعد في البرلمانات والبلديات ساعده في ذلك انكاره الصلة بالفاشية التقليدية وتمسكه بالدولة الديمقراطية ورفض البنى التعاونية الاستبدادية ونبذ العنف السياسي مع الاحتفاظ بمبدأ اللامساواة ونبذ التعددية والمبادىء المنصوص عليها في لائحة حقوق الانسان ... لقد خضعت الأحزاب الفاشية التقليدية خلال الثمانينات لعمليات تحول وانقسام وتخلت عما يميز فاشية ما بين الحربين ,وباتت الفاشية الجديدة (اليمين المتطرف ) تقدم نفسها مدافعة عن قيم الحرية والقانون والنظام إزاء الغرباء المختلفين ثقافيا ,ولا تستند كراهية الأجانب التي تستعر في أوربا وامريكا منذ سنوات على الدم والعرق بل على الدين والثقافة كما هي الكراهية للمسلمين (اسلاموفوبيا ) بوصفهم مغايرين عقائديا وأخلاقيا ,ويحشد اليمين أنصاره كما يزعم لحماية الهوية الأوربية من تهديد الأصولية الاسلامية منطلقا من رؤية أصولية نقيض تقوم على كراهية عميقة للمهاجرين ,وفي محاولة من أحزاب اليمين المتطرف لتأكيد قربها من الجماهير تسعى لبناء شبكة علائق وروابط سياسية وثقافية عابرة للحدود الوطنية في أوربا والولايات المتحدة واستراليا ,وهي تذهب أبعد مما تذهب اليه أحزاب المحافظين في تلك البلدان ,وما يميزه عنها اتخاذه موقفا صريحا ضد المهاجرين والمقيمين استنادا الى فكرة أن الأعراق والثقافات غير قابلة للتداخل والامتزاج ,وهو ما يؤدي الى مواطنة مقيدة فالديمقراطية الحقيقية تتطلب مجتمعا متجانسا وهوية ثقافية محددة ,ويستفيد اليمين من تجانس أنصاره ومجتمعاته المحلية ومن ازدرائه للانقسامات الاجتماعية والتعددية السياسية والثقافية ,جمهوره يعاني من التبرم والضيق من أداء النظام القائم والاغتراب عن المؤسسات متطلعا الى فضاء خاص ينعم به بعيدا عما تعد به منظومة الحقوق والحريات في النظام الديمقراطي ,إنها عنصرية البيض التي تضرب بجذورها في التاريخ والتقاليد الأمريكية وفي المرتكز الفلسفي والسياسي للفاشية التقليدية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرسيليا على أتم الاستعداد لاستقبال سفينة -بيليم- التي تحمل ش


.. قمع الاحتجاجات المتضامنة مع غزة.. رهان محفوف بالمخاطر قبيل ا




.. غزة: ما هي المطبات التي تعطل الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البنتاغون: الانتهاء من بناء الميناء العائم الذي سيتم نقله قر




.. مصدر مصري: استكمال المفاوضات بين كافة الأطراف في القاهرة الي