الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرعية يوليو

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ولدت يوليو من رحم انقلاب عسكري صريح. وطوال سبعة عقود إلا عامين، عمرها اليوم، تسعى جاهدة لتأكيد هويتها الثورية والتورية على أصلها الانقلابي. لكن لماذا تتبرأ يوليو من أصلها، لماذا تريد أن تبدل جلدها، جنسها، نوعها؟ هل يستطيع القط، مثلاً، أن يبدل نفسه إلى نمر، رغم انتمائهما إلى ذات فصيل القططيات ضمن النوع الحيواني واشتراكهما في أغلب الخصائص؟ لماذا يصر "انقلاب" يوليو على تبديل جلده إلى "ثورة"؟ لأن الثورة تضفي الشرعية. الثورة حراك علني، في الميادين والشوارع، شعبي واسع وعريض، ومن يحكم باسم ثورة يحكم باسم تفويض شعبي واسع وعريض. بينما الانقلاب العسكري، على العكس، حراك تحت الأرض في الخفاء، من تدبير مجموعة صغيرة ربما تعد على أصابع اليد، وبالتالي يعجز عن إضفاء شرعية التفويض الشعبي الواسع. في الحقيقة، يوليو لا يهمها كثيراً أن تسميها انقلاب أو تسميها ثورة، كل همها منصب منذ مخاضها على نيل التفويض الشعبي الواسع والعريض والعلني، نيل الشرعية. وهذه الشرعية كانت ولا تزال هاجس يوليو وشغلها الشاغل حتى اللحظة، وهي أيضاً سر شقائها وشقاء الشعب الخاضع لحكمها منذ نحو سبعة عقود. يوليو مريضة بداء الشرعية المزمن، ولا تعرف كيف تبرأ منه حتى الآن.

في البداية، أراد الضباط الأحرار تحويل انقلابهم العسكري إلى ثورة جماهيرية. وكيف يتحول الانقلاب إلى ثورة؟ الثورة تنشأ وتترعرع وسط جموع الشعب، جمهور الناس العاديين، بذرتها همومهم وقضاياهم وأوجاعهم وأحلامهم. هذه البذرة تنبت وتبرعم إذا ما توفرت لها الشروط المواتية، ثم تتمدد وتكبر وتنضج رويداً رويداً بمرور الزمن حتى تسنح الفرصة الملائمة، والوقت المناسب، لتنفجر فجأة فيما يشبه الطوفان الذي يجرف كل قديم في طريقه، مخلفاً ورائه الدمار والفوضى. مرحلة النشأة والنضج تستغرق عقوداً من الزمن، وربما قروناً، ثم تأتي مرحلة الانفجار والهدم سريعة وخاطفة، في لمح البصر لكنها فتاكة. وبعد انحسار الطوفان وانقشاع الغبار تبدأ الرؤى تتضح وتتبلور، وتبدأ مرحلة إعادة البناء والإعمار، مادياً ومعنوياً، من أنقاض القديم، ليدشن عصر آخر قد يبدو في الظاهر جديد كلياً لكنه في الحقيقة ليس كذلك. هذا البناء الجديد قد لا يكون بالضرورة أجمل وأفضل كما توقع الثوار، لكنه بالتأكيد مختلف كثيراً عن القديم. الثورة نار حارقة، حطبها سواد الناس العاديين، لكنها تطال الجميع ولا يسلم منها أحد. هذه الثورة، ماذا عن الانقلاب؟

الانقلاب يسلك مساراً عكسياً ضد الثورة، ومن ثم يستحيل أن يتحول إلى ثورة شعبية. الانقلاب جنس مختلف تماماً عن الثورة. في الانقلاب، اسقاط النظام القديم يتم من أعلى، من فوق، وليس من أسفل مثلما تفعل الثورة. وفي الانقلاب أيضاً، لا توجد بذرة، ولا تربة، ولا نضج، ومن ثم لا ثمرة ثورية. الانقلاب ينفذه نفر محدود من الناس، خلال فترة زمنية محدودة أيضاً، ومن ثم لا تنضج أو تستوي فيه هموم وقضايا عموم الشعب وأحلامه وأوجاعه، حتى لو ادعى هؤلاء النفر عكس ذلك. الانقلاب سيعكس بالأساس هموم هؤلاء النفر ومصالحهم وأوجاعهم وأحلامهم وأذواقهم، لأنه طبختهم. فقط حين يحاولون توسيع انقلابهم إلى ثورة، سيتبنون الهموم والقضايا الظاهرة لعموم الناس وأحلامهم وأوجاعهم، تلك التي يعتقدون أن عليها اجماع واسع من عموم الشعب، حسب فهمهم لها ومن منظورهم هم. وسيضمنون هذه الهموم الجماهيرية ضمن لائحة مبادئهم. لكن، في أثناء ذلك، لأنهم أصحاب الحكم والقرار النهائي، لابد أن تتدخل المصالح والأهواء والأذواق الشخصية والانتقائية في اختيار أي من الهموم والقضايا الشعبية الظاهرة المتفق عليها وأيها جديرة بتضمينها في المبادئ الثورية، وأيها تستبعد. بمرور الوقت، ورغم نواياهم الحسنة، سيكتشفون أن هذه المبادئ قد فرغت من أي مضمون جماهيري حقيقي وتحولت إلى مجرد شعارات رنانة وكاذبة- بروباجاندا. وعند نقطة ما، ستصطدم حتماً باختبار حقائق الواقع، لينفضح فشلها المحقق وإخفاقها الذريع، ويتساءلون ويتساءل الجميع معهم: لماذا كل هذا الفشل رغم النوايا الحسنة؟ حمل كاذب.

هم ونحن نعيش منذ سبعة عقود في حمل كاذب، نمني النفس بالرخاء والازدهار والحرية والكرامة والديمقراطية، بتحول الانقلاب إلى ثورة، بلا طائل. الانقلاب يولد ويعيش ويموت انقلاب، ولا يمكن أن يتحول إلى ثورة. الثورة جنس آخر، تولد ثورة وتعيش ثورة وتنجح أو تخفق ثورة.

لكن، من جهة أخرى، إذا لم تكن ثورة يوليو 52 ثورة وكانت انقلاباً، فهل يصمد الانقلاب سبعة عقود كاملة في سدة الحكم؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالروح
هانى شاكر ( 2021 / 1 / 18 - 13:34 )

بالروح
___

تكتب استاذنا (( الانقلاب يولد ويعيش ويموت انقلاب )) ... و هذا حدث بالفعل فى 6 ساعات ... بس فى واشنطن مش عندنا ... و هايعلقوا ترامب من xxx و سيدخل مزبلة التاريخ

اما عندنا ... فمشانق خميس و البقرى امامنا ... و منفاخ صلاح نصر خلفنا ( اعزكم الله ! )

لذلك ستركبنا الجلالة مع البلاهة و نهتف : بالروح ؛ بالدم ... نفديك يا فشل !

...


2 - يوليو وصاحبها ناصر , صارت عقيدة عند الكثيرين
أنور نور ( 2021 / 1 / 19 - 10:13 )
الأخ الكاتب : لماذا أنهيت مقالك بسؤال أجبت عليه من قبل .اذ وصفت يوليو بانها حمل كاذب
ثم عُدت لتسأل في النهاية : إذا لم تكن ثورة يوليو 52 ثورة وكانت انقلاباً، فهل يصمد الانقلاب سبعة عقود كاملة في سدة الحكم !؟
ونقول : نعم ثم نعم ,, يمكن لانقلاب الصمود لأكثر من 70 سنة
بل يمكن لِنِبوّة مُدَّعاة أن تصمد لمدة 1442 سنة
ويمكن لألوهية مزعومة أن تصمد لمدة 2021 سنة
يوليو وناصر .. صارا عقيدة سياسة
والعقائد بأنواعها - سياسية أو ميثولوجية - تُزرَع في عقول العامة والغوغاء فتُعمِّر طويلاً . اذ , تحظي بالرعاية وبالسُقيا من ولاة الأمور . و حتي من أغلب الصفوة
ان الأكاذيب يا سيدي هي الأطول عمراً من الحقائق
وصدق أبو العلاء المعري : إذا قلت المحال رفعت رأسي . وإن قلت الصحيح أطلت همسي


3 - ربما كما تقول
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي ( 2021 / 1 / 19 - 10:35 )
عزيزي أنور نور،
شكراً لك، ربما كما تقول قد تحول الانقلاب إلى -عقيدة-، بداية من قوانين الاصلاح الزراعي وتأميم قناة السويس وخلاقه، ومنذ ذلك الحين انتهى الانقلاب وبدأ يتحول إلى -العقيدة- السياسية التي تتحدث أنت نفسك عنها، بصرف النظر إذا كانت جيدة أم سيئة، تتفق معها أو تختلف. ويقيناً
أنها ليست ثورة، كيف تثور على نفسك وأنت نفسك من يحكم؟
كل الأمثلة التي ذكرتها ليست انقلابات، وليست أكاذيب، بل أشياء أخرى حتى لو كنت تراها شريرة وآثمة.
مع التحية،
عبد المجيد


4 - لو دخلنا في تفاصيل لاحتجنا لمجلدات
أنور نور ( 2021 / 1 / 19 - 13:51 )
عزيزي عبد المجيد اسماعيل تسلسل 3
باختصار : عما ذكرته في تعليقك 3 عن اصلاح زراعي وتأميم للقناة - نقول : الاصلاح الزراعي تحول الي افساد وتأميم القناة كان جملة كوارث وتأميم المصانع كان خراباً
والسبب ان من أصدروا القرارات وتولوا الاشراف والتنفيذ ليسوا سياسيين مدنيين . ولا تكنوقراط متخصصين فاهمين , بل اناس لا صلة لهم بالسياسة ولا بالزراعة ولا بالصناعة . ولا دراية مسبقة لهم سوي بالدبابات والمدرعات والمدافع ( وأثبتت الأيام والهزائم - وأشباه الانتصارات - انهم لا يفهمون حتي في الحرب الذي هو تخصصهم ! ).. وجعلوا من كثيرين من التكنوقراط والسياسيين المحترفين , مجرد لافتات وكراسي - وزراء أو رؤساء وزراء -! وبقوا هم الحكام الحقيقيين من خلف الستار . وفي كافة المواقع ! . ولا يزال الحال كما كان عليه منذ سبعين عاماً وحتي هذه الساعة
تحياتي واحتراماتي


5 - حقيقه الامر
على سالم ( 2021 / 1 / 19 - 15:56 )
مصر ماهى الا دمل كبير او خراج سرطانى سام ملئ بالقيح والصديد والقاذورات العفنه , قانون الحياه يقول ان هذا الخراج يجب ان يتم فتحه وتنظيفه واخراج وساخاته وبشاعاته ومصائبه الدائمه

اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا