الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترميم ما لا يُرمم

حسن مدن

2021 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


مهمة شاقة، للغاية، وليس واضحاً ما إذا كانت ممكنة أصلاً، هي تلك التي تواجه الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، بإعادة اللُحمة إلى المجتمع الأمريكي الذي بلغ درجة غير مسبوقة من الانقسام السياسي، وحتى المجتمعي، وما حدث من اقتحام لمبنى «الكونجرس» في السادس من الشهر الجاري، على فظاعته، ليس أكثر من مظهر من مظاهر هذا الانقسام.

منذ أن أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية فوز بايدن، أبدى حرصاً على تقديم خطاب «توافقي» خاطب به قاعدة الجمهوريين وليس فقط قاعدة الحزب الديمقراطي الذي ترشح باسمه، داعياً إلى تخطي المرحلة السابقة، واستئناف الحياة السياسية وفق القواعد المستقرة في البلاد قبل ولاية ترامب، ولكن يبدو أن هذا الخطاب لم يجد ما توقعه بايدن من آذان صاغية لدى الجزء الأكبر من قاعدة الجمهوريين المنحازة لترامب شخصياً، والتي صوتت له قبل أن تصوت للحزب الجمهوري نفسه.

ربما تكون تداعيات اقتحام مبنى «كابيتول» قد أحدثت شيئاً من التصدع في صفوف الجمهوريين، حيث شعرت وجوه بارزة بينهم بالورطة التي أوقعت خطابات ترامب التحريضية حزبهم فيها، لكن هذا قد لا ينطبق على مؤيدي شخص ترامب وخطابه، ما يجعل من «ورطة» الجمهوريين مضاعفة، فليست مواجهة غرمائهم الديمقراطيين هي المهمة الوحيدة الماثلة أمامهم بفوز بايدن من جهة، وفقدهم الأغلبية في مجلس الشيوخ من جهة أخرى، وإنما عليهم أيضاً «استعادة» حزبهم من ترامب، وتبدو هذه مهمة أشق من الأولى، أو على الأقل لا تقل عنها مشقة.

المسألة لن تنتهي حتى لو حرم ترامب من حق الترشح للرئاسة ثانية في حال صوت مجلس الشيوخ بالأغلبية المطلوبة لذلك، لأن قراراً مثل هذا يمكن أن يزيد من التفاف مناصريه حوله، ويكرسه زعيماً للتيار اليميني المتطرف في المجتمع، الذي قد لا يكون معنياً، ولو بعد حين، بتوفر غطاء له من الحزب الجمهوري، بل سيسحب إلى جانبه قاعدة كبيرة من ناخبي الحزب، ولن يعدم وسيلة في أن يكون له مرشحوه، في الانتخابات التشريعية والرئاسية على حدٍ سواء.

ربما يبدو هذا السيناريو محض خيال في أعين البعض منا، لكن الثابت أن أمريكا دخلت مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، ستفرض وقائع مختلفة لا مفرّ منها، وحتى في حال نجح بايدن في «ترميم» ما انكسر في المجتمع، فإن هذا الترميم لن يصمد طويلاً.

الحزب الديمقراطي، هو الآخر، ليس بمنجاة من استقطاب داخلي حاد علاماته ظاهرة، فغداة الانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل الأخيرة التي فاز فيها دونالد ترامب، أجرت إحدى المنصات الإعلامية واسعة الانتشار حواراً مطولاً مع المفكر الشهير نعوم تشومسكي، تناول فيه، ضمن ما تناول، صعود نجم ترامب يومها، وكيف استطاع أن يزيح أبرز المرشحين الجمهوريين، ويظفر بترشيح الحزب له، وهو الآتي من خارج المنظومة السياسية، ولا خبرة سياسية فعلية له.

هذا كلام قيل فيه الكثير، ولكن ما نحن بصدد التوقف أمامه اليوم المقارنة التي أقامها تشومسكي بين ظاهرتي ترامب والسيناتور بيرني ساندرز، الذي تنافس مرتين للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي له، ولكنه انسحب من السباق حين أدرك أن الراسخين في بنية الحزب لا يريدون مرشحاً يساري الهوى مثله.

لا مجال للمقارنة بين ترامب وساندرز في طبيعة البرنامج الاجتماعي الذي يدعو إليه كل واحد منهما، فهما برنامجان نقيضان تماماً، لكن ما استوقف تشومسكي أن ساندرز مثل ترامب آتٍ من خارج بنية الحزب الديمقراطي، رغم عضويته في مجلس الشيوخ، لكنه استطاع أن يصبح من أبرز وجوهه، ويحظى بدعم قاعدة شعبية واسعة، خاصة بين الشباب، مماثلة، من حيث الأهمية والقوة، لتلك التي حظي بها ترامب.

لم ينل، ولم يطلب، ساندرز غير المعروف جيداً في الحزب الديمقراطي، دعم أي من الشركات وكبار رجال الأعمال الذين لا يخفون خشيتهم من راديكالية برنامجه الاجتماعي، ومع ذلك أفلح في تحقيق التفاف شعبي واسع حول شخصه وحول برنامجه، ونجح، وبشكل ملموس، فيما لم ينجح فيه أي سياسي أمريكي آخر قبله، وهو أن يجعل من مفردة «الاشتراكية» أمراً مقبولاً لدى قاعدة واسعة، مبدداً مشاعر الريبة والخوف منها لدى الجمهور.

بتقدير تشومسكي كان بوسع ساندرز أن يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له كمنافس لترامب على الرئاسة، لولا «تآمر» باراك أوباما وهيلاري كلينتون ضده، لكن حسب «فوكس نيوز» كان الأكثر شعبية في قاعدة الحزب.

ما أراد تشومسكي بلوغه من تلكم المقارنة بين ظاهرتي ترامب وساندرز هو القول بانتهاء، أو على الأقل قرب انتهاء، عهد المؤسسة صانعة الرؤساء، سواء كان ذلك لدى الجمهوريين أو الديمقراطيين، حتى لو استمرت تلك المؤسسة في طمأنة نفسها بأنها ما زالت متحكمة في الأمر.

ليس بوسع الرئيس بايدن تجاهل تأثير الجناح اليساري، الذي شارك بفعالية في صنع فوزه على ترامب، وسبق لساندرز أن قال معناه: بعد أن نهزم ترامب، سيكون لنا حديث آخر حول وجهة البلاد الآتية، ومغزى هذا القول إن الحزب الديمقراطي مقبل على سجال داخلي حامٍ حول طبيعة البرنامج الاجتماعي – الاقتصادي الذي على إدارة بايدن السير عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات