الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة الهزيمة: أين الدولة في العالم العربي؟

باتر محمد علي وردم

2003 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



 

كاتب أردني

بعد هزيمة العام 1967 سئل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن سبب الهزيمة فأجاب: "هزمنا لأننا كنا نبني سلطة، ولم نقم ببناء دولة".

هذا التقييم من عبد الناصر كان حقيقيا وربما كان من أصدق ما قاله الزعيم المصري الأوحد في لحظة صدق نادرة مع الذات، وهو خير وصف لأسباب الهزيمة العربية. ولكن المشكلة أنه لم يحدث أي جهد للاستفادة من الخطأ الذي أوضحه عبد الناصر، فلا هو شخصيا أمهله القدر أو تملكته الرغبة ليقوم ببناء دولة ويخفف من حدة السلطة، ولا الذين تبعوه في التيار القومي العربي، ومنهم كل الناصريين تمكنوا من أن ينتبهوا لهذه الجملة الذهبية من عبد الناصر، فتاه الحلم القومي العربي في غياهب السلطة والبطش والزنازين والتصفيات، ولم يتم بناء الدولة.

كارثة سقوط بغداد ترتبط بشكل مباشر بما قاله عبد الناصر، بحضور السلطة الطاغي وغياب الدولة. وحتى لو صدقنا مؤيدي النظام السابق الذين قالوا بأن خيانة قادة الحرس الجمهوري سهلت سقوط بغداد فهذا وبكل أسف عذر أقبح من ذنب، ودليل واضح على فشل الدولة. فهذا التبرير يعني أن غياب شخص واحد هو صدام حسين عن الساحة، أدى مباشرة إلى كل هذا الانفلات العجيب وسقوط "المقاومة" مرة واحدة ونهائية وكأن الدافع الوحيد للمقاومة كان الخوف من السلطة القمعية، لا الولاء للدولة ومؤسساتها. وهذا ما تأكد في أعمال النهب والسلب، ففي العراق مثل معظم الدول العربية كانت هناك سلطة مرعبة ولم تكن هناك دولة مؤسسات، وما أن غابت السلطة انهار كل البناء وتحررت الأجساد والعقول الخائفة، وضاعت البوصلة الأخلاقية.

هل نستفيد من الدرس الآن؟ هل ستبدأ الحكومات "القومية" العربية في التخلي عن هاجس السلطة لصالح بناء الدولة، وهل ستتحول "القبائل" العربية من حكم العشيرة إلى حكم الدولة منعا لأي انهيار مقبل في هذا العصر الأميركي؟

هناك  22  "دولة" عربية تملك أعلاما وطنية وحدودا جغرافية ونشيدا ونظاما حاكما، ولكن القليل منها فقط قام بعمل خطوات ملموسة نحو بناء دولة بالمفهوم الصحيح، دولة تكون ملكا لمواطنيها وليست مفروضة عليهم، وتعطي الدور للقانون والمؤسسات أكثر من الحاكم الواحد والحزب الواحد،  دولة تستحق أن يقوم شعبها بحمايتها في وجه التحديات الخارجية والداخلية معا.

الدول العربية هي دائما في مؤخرة ترتيب دول العالم في مجالات التنمية، وباستثناء الطفرة البترولية في مجموعة دول الخليج والنجاح التجاري الاستثنائي للإمارات، فإن معايير ومؤشرات نجاح الدول في العالم العربي بقيت دائما متأخرة، ولا يمكن أن تدعي إلا ثلاث أو أربع دول تحقيق نجاح نسبي في بعض القطاعات يمكن أن يقيم بايجابية في العالم وهي الأردن وتونس ومصر والمغرب بعيدا عن "التنمية النفطية" وهي تنمية استثنائية لا يمكن اعتبارها نموذجا منطقيا في العالم العربي.

ولكن حتى هذه الدول تجد الكثير من المشاكل الداخلية، فالأردن تعاني من طغيان الولاءات الاجتماعية الضيقة والنعرات الإقليمية على مفهوم الدولة، وتونس تعاني من سطوة أمنية لا تجملها التنمية الاقتصادية الناجحة، ومصر تعاني من التباين الهائل في الدخل والتوتر الاجتماعي والمغرب تعاني من مشاكل عميقة في التنمية البشرية الريفية والنسب العالية من الفقر والجهل والأمية، وهذه الدول هي التي تعتبر في المقاييس الدولية الأكثر نجاحا على صعيد الدول العربية غير النفطية.

يمكن لكل الراغبين في إبقاء الرؤوس في الرمال من الإعلاميين والسياسيين العرب الحديث صباح مساء عن تخاذل الجيش العراقي، وعن دور المعارضة العراقية وعن الخذلان العربي ولكن الحقيقة والواضحة أن نظام البعث لم يبن دولة عراقية يدافع عنها مواطنيها، بل بنى سلطة مقيتة عملت ضد شعبها بدلا من دعمه، وهذا الخطأ الفادح توجد مؤشرات لتكراره في الكثير من الدول العربية وهناك حاجة إلى الوعي الحقيقي وإلى الشجاعة في رؤية الحقائق لا التمنيات، فالدولة في العالم العربي تحتاج إلى أكثر من حاكم ذا شخصية فريدة، ومؤسسات أمنية قوية، وموارد طبيعية.

الدولة العربية تحتاج إلى شعب مؤمن بها ورسالتها يمارس الولاء فعلا لا نفاقا، وحكما صالحا يعمل ضمن القانون ولا يتعدى عليه لمصالح الفرد أو الجماعة الضيقة، وتنمية للموارد البشرية والطبيعية، وتوزيع متناسب للدخل على فئات المجتمع وإنتاجية أكبر من الاستهلاك وسيادة الحريات العامة والديمقراطية والمساواة الاجتماعية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات والمحاسبة والمساءلة في الإدارة العامة والتخلص من الفساد وعدالة القضاء وتطوير الخدمات العامة والتنمية الشاملة.

فأين نجد ذلك في العالم العربي؟ بالتأكيد لن نجده في أي مكان! 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟