الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة بعنوان: الجندي الذي قتلته الزغاريد!

اسماعيل ميرشم

2021 / 1 / 18
الادب والفن


بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الجيش العراقي!
عاد في المساء من الجامعة الى البيت منهكًا بعد يوم طويل وثقيل بالمحاضرات النظرية والممارسة الحقلية، مستقلًا الباص المتوجِّه الى المنطقة السكنية التي كان قد استأجر فيها غرفة واحدة في بيت قديم يسكنه عدد من الأسر المهمَّشة في منطقة باب الشيخ في قلب بغداد على جانب الرصافة. يسكن معه في الغرفة صديقه وزميله في الجامعة، كانا يذهبان معًا بسيارة الطلبة في الصباح الى الجامعة ويعودان في المساء على مرحلتين بالسيارة وثم الباص. عندما أقترب بهم الباص من منطقة باب الشيخ، شاهد من خلال النافذة وهو جالس في الطابق العلوي من الباص، مجموعات بشرية تتلاشى . يبدو أنهم كانوا متجمعين كما الغيوم التي تتبعثر بعد تجمعها . استغرب المنظر و تشاءم منه، فتجمعات تلك الأيام في فترة الحرب كانت إما بسبب قيام الفرقة الحزبية بحملة عشوائية في المنطقة لإلقاء القبض على الشباب وإرسالهم الى الجبهة ضمن قواطع الجيش الشعبي، مما يجبر أمهاتهم أو أخواتهم على التجمع أمام الفرقة الحزبية، في محاولة لفكِّ أسرهم بأيَّة وسيلة ممكنة. أو تكون نتيجة إعادة جثة جندي - فقد حياته في جبهة القتال - لأحدى الأسر في المنطقة. بعدما وصل الى البيت، بادرت بنت جارتهم بالتحدث والدموع في عينيها والحشرجة في صوتها عن ما جرى عصرذلك اليوم في منطقتهم، حيث قامت الفرقة الحزبية بطرق الأبواب، وطلبوا من الناس التجمع في الساحة الترابية التي حوَّلها الأطفال الى ملعب لكرة القدم والقريبة من مرقد الشيخ عبدالقادر الكيلاني باتجاه مبنى أمانة العاصمة لحضور "حفل"عملية إعدام جندي هارب من الخدمة العسكرية. فذهبت مع جيرانها الى الساحة كي يشاهدوا المسؤول الحزبي في المنطقة . كان يلقي كلمات حماسية بمكبِّر صوت يدوي يمجِّد الرئيس القائد وينعت الجندي الهارب، بشتى الأوصاف الوضيعة. وبين فينة وأخرى تطلق مكبرات الصوت المثبَّتة على سيارة بيك آب كانت مركونة في الساحة عنانها لأناشيد القادسية الحماسية ومنها "تعب حتى الحديد وما تعبتوا"و"دك يالهاون دك" وغيرها التي تمجد المجاهد الفارس والحرب وتتحدث عن الانتصارات في جبهات القتال المقدسة! تقول جارتنا، بعد عدة دقائق من وصولنا الى الساحة ويبدو بعد أن تأكدت الفرقة الحزبية من تجمع أهالي المنطقة بالكامل في الساحة وبعد إثارة عواطفهم وحشد هممهم بأنَّهم سيقومون بمعاقبة شخص جبان هرب من جبهة القتال بما يستحق من عقوبة على فعلته الشنيعة . وبعد أن زغردت بعض النساء بين الحشود، وصفَّق الكثيرون لكلمات المسؤول الحزبي وخاصة كلَّما ورد اسم الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه في فحوى خطاباته الحماسية. تقول جارتنا أنَّها لم تصفِّق كما فعلت النساء الاخريات ، رغم خوفها الشديد ،لأنها عرفت من الاسم ذلك الشاب المسكين الذي سيطلق عليه الرصاص عصر ذلك اليوم في نهاية الحفل الجماهيري المهيب، فهو الابن الوحيد لأسرة فقيرة الحال من أهل المنطقة الشعبية، لذلك لم تصفِّق مع النساء، وعندما سألتها جارتنا الأخرى عن سبب امتناعها عن التصفيق كما يفعلن مجبورات : " ألا تخافين العقوبة لو لمحوك جماعة الفرقة الحزبية وأنت لاتصفقين؟ " قالت لجارتنا : " أصابعي جريحة بسبب كسر استكانة الشاي عند غسلي المواعين صباح اليوم". تقول جارتنا بعد عشرين دقيقة الى نصف ساعة من وجودهم في الساحة وصلت الى المكان سيارة إسعاف وجيب قيادة عسكرية خرج منها عدد من الجنود ذوو البيريات الحمر و بأيديهم بنادق رشَّاشة أوتوماتيكية . أخرجوا من سيارتهم الشاب الذي كان يبدو لي للوهلة الأولى وكأنه ليس الشخص الذي كنت قد عرفته من اسمه، لربط عصابة على عينيه ولهزاله الشديد . أوصل جنديان الشاب وقد كان يتعثر ماسكًا بكلتا يديه بعمودين خشبيين كانوا قد نصبوهما في الساحة أمام تلة ترابية صغيرة اقاموها بواسطة جاروف آلي لهذا الغرض بالذات . ربطوه بأحدى الخشبتين، وبدأ الرفيق الحزبي يقرأ من ورقة بيده قرار حكم المحكمة العسكرية في إعدام الجندي الهارب . كان بعض النسوة يطلقن العنان لحناجرهنَّ بالزغاريد والتغريدات وكثير منهنَّ يصفِّقن لكلمات الرفيق الحزبي الحماسية والتي كانت تشّتد بمرور الوقت . وبينما ثلاثة جنود مسلحين اتخذوا في هذه الأثناء مواقعهم أمام الشاب مباشرة وبمسافة لا تزيد على عدة امتار، وقام الجنود بحشو بنادقهم واستعدوا لأطلاق الرصاص منتظرين الأوامر من ضابط عسكري كان واقفًا بين الجنود الثلاثة والحشد النسائي. بعد انتهاء الرفيق الحزبي من تلاوة ورقته، أصدر الضابط أمر الرمي لجنوده، فلم يبطئ الجنود وأطلقوا جميعًا النار على الشاب، لم يسقط الشاب فورًا ، لكونه كان قد ربط من الخلف بالخشبة المنصوبة، لكنَّه بقي منتصبًا واقفًا لبعض الوقت، بينما أحد الطلقات أصابت جانبًا من العصابة المربوطة على عينيه، فقطعتها .وفي هذه الاثناء بان لنظر الشاب مرأى الجماهير والنساء المحتشدات، بعد أن سمع زغاريدهنَّ وصيحاتهنَّ وتغريداتهنَّ، حينها مات من المشهد ؛ لم تقتله الطلقات التي اخترقت جسده، بل قتلته الزغاريد!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص